الشبيبةُ العراقيةُ و دورها  في بناءِ عالمِ ِ جديد -1-

[[ الشبيبة العراقية تشكل نسبة كبيرة من التعداد السكاني للعراق حيث المعدل العمري في البلاد اليوم هو حوالي الـ 35  سنة؛ وهم يتميَّزون بالحيوية وبالفاعلية في طاقة العطاء ومن ثمَّ يمثل كسب هذه الفئة ميدان الصراع الأساس من أجل غدِ ِ أفضل.. نسجِّل في المقال التجاذبات التي تتعرّض لها شبيبتنا والمصاعب التي تقف بوجوههم وما الدور الذي يناط بهم اليوم والبرامح والمسؤوليات الواقعة على عواتقهم؟]]

                             شاركَتِ الشبيبةُ العراقية طوالَ عمرِ الدولةِ العراقية الحديثة في مجرياتِ وقائعِ الأمورِ وحركتِها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولقد قدَّمتْ تضحياتِ ِ جسامِ ِ في طريقِ التغيير. ومِنْ أجلِ تعزيزِ دورِها وتنظيمِهِ بشكلِ ِ مؤثِّر أعلنَتْ تأسيسَ اتحادِها المجيد “اتحاد الشبيبة الديموقراطي العراقي” منذ أوائل الخمسينات. وانخرطَتْ في العملِ السياسي من خلالِ الأحزابِ الوطنية والثورية وتصدّرَتْ كثيراَ َ من النشاطاتِ الجماهيرية وأعمالِ البناءِ؛ ولمْ تنشغِلْ بمحاولاتِ تصفيةِ ِ لأنشطتِها الفاعلة, ولا إشغالها بما يُلهِيها عن الدورِ الحقيقي المناطِ بها تجاه الشعبِ والوطنِ وتطورِهِما.

                             ومن غير مقدماتِ ِ تاريخيةِ ِ نركّز على مجريات أحداث اليوم.. حيث نجدُ شبيبتَنا واقعةَ َ تحتَ تأثيرِ تجاذباتِ ِ كثيرةِ ِ ولأسبابِ ِ ودواعي متنوعةِ ِ مختلفةِ ِ: فمنها ما يعودُ إلى حالة التجهيلِ المتعمَّد الذي مارسَهُ عليها النظامُ الدكتاتوري المنهار, ومنها ما يتأتى عن حالةِ التَّشوُّشِ الناجمة عن متغيراتِ الوضعَيْن الداخلي و الدولي  من مثلِ الحالةِ الفريدة الخاصة بالوضعِ الذي نجَمَ عن وجودِ قواتِ ِ أجنبية على أرضِ الوطن وانهيارِ مؤسسات الدولةِ كافة!؟ وحالة انهيار منظومةِ الدولِ الاشتراكية واختلالِ التوازناتِ في عالمِنا وسطوة نجم الإعلامِ السلبي الذي تقفُ وراءَهُ ماكنة هائلة ضخمة من التعبئةِ الخاصة بخدمةِ أهدافِ الشركات متعددةِ الجنسية وتصوراتِها ومصالحها في إطارِ ظاهرة عولمة الرأسمال العالمي, وعمل تلك الماكنة على تسوية الأمور بالطريقةِ التي ترضِي قوى بعينِها في التركيبة الاقتصا ـ اجتماعية (وهي بالتحديد قوى الاستغلال )…

                            لقد كان لهذا التجهيل وللفراغ والمحاصرة ولعنف الضغوط الكبيرة دورها في التأثير السلبي الخطير, فحققت التجاذبات الواقعة على شبيبتنا توسعاَ َ في إبعادهم عن مساراتِ العمل البنَّاء المطلوبة منهم. فوقع قسم من الشبيبة تحت توجيه عدد من أدعياء القيادة السياسية من اليمين المتزمِّت المتطرّف ومن اليسار الطفولي المُتهوِّر؛ وفي خيمة مزعومة تتخفَّى بالديانات والمذاهب يجري تضليل فئات من الشبيبة باستغلال صفاتهم التكوينية من حماسة و سرعة انفعال أو انكسار معنوي وتراجع فكريّ يتقبَّل الادعاءات والأوهام التي لا ترتضيها حقيقة الديانات في توجهاتها السلمية لا العنفية, التسامحية لا العدائية كما يبيِّت المخادعون  تحت عباءة سياسات  تكفير المجتمع وتحميل الفكر التنويري للبشرية في عصرنا أسباب كلَّ  ما يحلّ بنا من كوارث زوراَ َ وتضليلاَ َ؟ وهكذا يتجه هذا القسم نحو أفعال الاعتيالات والتقتيل والابتزاز والتهديد ومقارعة قوى الخير والوقوف بوجه التقدم بدلا من تعزيزه وحمل رايته التي تقع على كواهلهم هم بناة الحياة ومشيِّديها..

                                  ويقع قسم آخر من شبيبتنا تحت تضليل آخر فلطالما عملت السياسات الإعلامية لقوى الانفلاشية والتحلُّل والفساد باتجاه اقناع الشبيبة بأنَّها تخسر حياتها التي لا يعادلها قيمة ولا يعيد ما يذهب منها أيّ فعل في الحياة وأول ما يُخسِرُنا؟ تلك الحياة هي السياسة وما تجلبه من أوجاع للرأس وتصدّع له! وتقدِّم هذه السياسة بديلها في اللهو والضياع في عوالم الأغاني الهابطة وألعاب القمار والعبث وما إلى ذلك ممّا يقنِّعون به فئات معينة ضاعت عندها القيم الإيجابية ومعطيات الحياة المليئة مضمونا ومعنى…

                                  وبين التِّيه في أحضان شوارع الخسارة والضياع وضلال أفكار التزمّت والتطرّف يحار قسم ثالث من شبيبتنا فيقف وقفة المشلول أو في أفضل الأحوال المتأمِّل السلبي المنتظِر رحمة معجزة تُعيد الأمور إلى نصابها الذي يستطيع فيه دفعه لتجاوز الصدمة أو الحالة التي أبعدته عن حركة الحياة وفعلِها..

                                  ولكن قسماَ َ واسعاَ َ من الشبيبة مازال حيوياَ َ وناشطاَ َ يكافح من أجل الاستزادة معرفة وخبرة بالتفاعل مع الأجيال الأخرى ومع نبض حياة العمل والبناء؛ لكنَّ  هذه الفئة تجابه في طريقها مصاعب جمّة متنوعة مختلفة.. وينبغي أنْ يتمَّ تشخيص تلك العقبات وتحديد الحلول الناجعة لها من أجل تنشيط مشاركة  جديّة للشبيبة في الحياة العامة وهم عمادها الحقيقي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبتهم في التركيبة الاجتماعية وخصوصية الدور الذي يلعبونه في خلق أرضية البناء والتقدم.

                                  إنَّ جملة هذه الحقائق هي التي دعت إلى جعل الشبيبة ميدان صراع القوى السياسية المختلفة وهي التي جعلت منهم أداة الحروب والمعارك ووقودها .. والحرب ليست تلك التي نخوضها بالدبابات والبنادق فهي مكشوفة واضحة الأطراف لا خدعة فيها ولا تضليل؛ ولكنَّها هي تلك الحرب التي تُخاض بالأيديولوجيا والسياسات وبوساطة الأجهزة الإعلامية ومؤثرات خطابات  مثل هكذا حروب ووسائلها التي تنفذ إلى دواخل الإنسان فتهزمه من غير رصاصة مسدس. ولاحظوا تأثيرات الجذب بوساطة ادعاءات التمثيل الديني والمذهبي واستخدام ضغوط أدبية معنوية من خلال مؤشِّر الأفعال الطقوسية وهي غالبا ما تكون مفتعلة مصنَّعة من مدعيّها في يومنا .. ومثلها سلطة إعلام القوى الأخرى وتأثيرها السلبي الخطير على تعطيل حيوية الفعل وطاقة الإبداع عند فئة الشبيبة؟!

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *