تداعيات ذهنية حول قانون الأحوال الشخصية والموقف من المرأة العراقية

جاء قرار مجلس الحكم [أو رئاسته أو جهة فيه] بخصوص إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي وتقييد العراقيات من مختلف المذاهب والأعراق والديانات والفلسفات بقانون جديد يلتزم مذهبا بعينه من المذاهب الإسلامية, جاء ليشكل تراجعا خطيرا عمّا اكتسبته المرأة العراقية بنضالها وصبرها وتضحياتها وعبر النضالات الوطنية للقوى المتنورة…

ولم يكن القانون القديم قد أُقِرَّ أو أُصدِر من جهات غير ملتزمة دينيا أو من سلطات إلحادية معادية للدين وللمذاهب ولم يكن القانون القديم [على ثغراته التي ناضلت وتناضل القوى المتنورة من أجل تصحيحه وتطويره] معتمدا على ما يتعارض مع الاجتهادات المذهبية المتعددة المتنوعة, ولكنَّ مَن أصدر أمر إلغائه كان يعرف هذا لكنه من الواضح أنَّه يسعى للتأسيس لعهد جديد منذ الآن…

أما كيف؟ فذلك يأتي عندما نعرف أنَّ قانون الأحوال الشخصية الجديد لا يشكل تراجعا إلى الخلف فيما يخص المرأة العراقية من جهة التحضر والتمدن والتطور والتنوير بل هو يزايد فيُدخِل على النص الديني المقدّس من التقاليد التي جاءت من عصور الظلام وأيام حكم التخلف والطغاة والاستعمار الذي أسقط دولة الخلافة الإسلامية وهو بهذا لا يتجاوز على المرأة العراقية وحقوقها وعلى المجتمع العراقي المتمدن الذي نشأت فيه الحضارة الإنسانية المشرقة بل يتجاوز على المقدسات بإدخال الاجتهاد المذهبي بمرجعية الفكر السياسي [للتقليد] الذي يقدسه وهو تقليد يختلف فيه حتى مرجعيات المذهب الذي يشير إليه القانون الجديد أو مَن صدر في ظل رئاسته..

وعليه فإنَّ أمرا كهذا لا يقاس بالادعاءات ولا بالشعارات التي يحملها وقد لا تصدق أو في أفضل أحوالها تحتاج لجدل أهل العلم وفقهاء الشريعة .. ولنعلم أنَّنا إذا دخلنا اليوم في حضيرة التبعية الفقهية لدولة من الشرق أو الغرب فلن نسطيع بعدها الفكاك من إسار ظلامها لقرون.. ثم لماذا نسمح بإقرار مثل هكذا قانون لا يقرّه إلا مَن يبيّت للعراق الغد المعتم.. أليست إعادتنا إلى عصور ما قبل عتمة القرون الوسطى وظلامها بكافية لفضح ما يجري..

فإذا بدأنا بقياس أوضاعنا على مضض بدول كالصومال [وليس استصغارا ولكن مقارنة] وتشريعات دولة كأفغانستان قبيل أقل من شهر وما أعلنته من مساواة المرأة والرجل أمام القانون لوجدنا إلى أيّ تخلف يريدون جرّنا السادة الذين أصدروا القرار في حلكة من عتمة الزمن الذي نمر به… ولنقتدِ على أقل تقدير بجارتنا العربية السعودية في تلك التطورات التي يعلنها ساسة البلد من الاصلاحات المتلائمة مع طبيعة المجتمع ومنها ما يتعلق بالنسوة ولننظر إلى قوانين سنّتها مصر والأردن للتو في الأمر أم أنّ العراق الحلقة الضعيفة التي يُراد لها أنْ تكون ضيعة لجارة معروفة بمطامعها وبمحاولاتها التي لم تنتهِ عنها على الرغم من ويلات الصراعات التي جرّتها علينا محاولات تصدير تلك المشاريع والطقوس والتشريعات.. العراق ليس ضعيفا ولن تسطيع جهة ما من جعله ميدانا مريحا لألعابها ومآربها ومَن يمالئ تلك الجهات لن يطول الزمن حتى يرى قرار الشعب فيه..

إلى نسوتنا أقول لم يسكت الرجال ولن يستكينوا على إهانة لكرامة سيدة هي الأم العراقية الصبورة الثكلى الزوجة العراقية الشامخة الأرملة الأخت العراقية الشجاعة المنكوبة البنت العراقية الناشطة اليتيمة استشهد الابن واستشهدت الأم, استشهد الزوج واستشهدت الزوجة, استشهد الأخ واستشهدت الأخت, استشهد الأب واستشهدت البنت, في كلّ شئ بلا استثناء كان هناك تقاسم للحياة ومصاعبها فلا ثكلى ولا أرملة ولا يتيمة بل شجاعة باسلة حزام أخيها عند الشدائد والرجل معها يذود عن وجود تتناصفه بمساواة لا يتخلى عنها …

إلى المرأة العراقية الباسلة قفي موقفك الشجاع .. إلى رجال العراق المتنورين المتحضرين لا تسمحوا بإهانتكم وتمثيلكم بقطيع من التابعين ولا تسمحوا لضلال أن يُدخل دينا ليجعل الناس تراه كما يرون المتطرفين الغلاة الذين شوهوا الشريعة السمحاء بأفعالهم العدائية المتوحشة .. لا تسمحوا بالغلو والتطرف ولا تسمحوا بحكم الظلام والتخلف ولا تخافوا من قدسية مزيفة يُسقطها بعضهم على أنفسهم فلا قدسية لنصِِّ سياسي ولا قدسية لبشر من زمننا يدعيها فتهبط عليه وعلى أفعاله وأقواله..

 معكم كل رجال الدين العارفين المتنورين والساسة العقلاء والحكماء من أبناء قومنا وشعبنا .. فلا تتركوا لأدعياء الزمن الأغبر الذي جعل من العراق بيد تستطيع أنْ تشغلنا بمعارك من هكذا قبيل انتهى منها مجتمع الصومال والحبشة وجيبوتي وأفغانستان ليعودوا بمجتمع سومر الحضارة وبابل النور وآشور المعرفة ودولة الخلافة السمحاء  نحو ظلمات لم تقبلها فلسفة تحترم إنسان ولا دين كرّم وجوده فما وراء هذا القرار إلا ضرب العراق بأهله وإرجاعهم إلى حيث ينشغلون ويقتتلون بدلا من تفكير بإعادة بناء وعمار…

وليس بعد ذلك إلا أنْ يُبحث الأمر حيثما يقف عند حدّه بوقف القرار وسحبه من المجلس وترك الأمور التي هي من صلاحيات أبعد من صلاحيات البرلمان المنتخب (أي من صلاحيات استفتاء شعبي عام)  إلى حيث يأتي زمنها ويتمّ مناقشة أمرها بين عقلاء القوم وحكمائه ويستفتى الشعب فيها وحق رسم مصير الشعب يجب أنْ يظل بيده وحده لا غير ..

ومرة أخرى لابد لكل القوى السياسية أنْ تعلن موقفها صراحة أمام جماهيرنا النسوية وأمام شعبنا من هذا القرار وكلّ قوة تسكت عن ذلك تضع نفسها في خانة اتخاذ القرار الظالم ليس لنسائنا وحدهن بل لشعبنا بأجمعه ومنهم شيعة العراق ومسلميه كافة ومن المؤكد طوائفه وأديانه الأخرى .. بمعنى أنَّ القرار مقصود به الـتأسيس لحالة تستجيب لمصالح فئة سياسية تتستر بتمثيل طائفة الأغلبية ومذهبها علما أنَّها بقرارها لم تستشر وإلا فليعلن كلّ طرف موقفه بوضوح ..

إنَّ تهيئة أرضية عراق طائفي خاضع أو تابع لفلسفة دولة مجاورة لن يحصل بالمرة ولن يجد آذانا حتى من شيعة العراق الوطنيين الذين لم يفرطوا يوما بوطنيتهم ولم يخضعوا لمرجعية أجنبية لا في دنيا ولا في دين .. وبالونات اختبار المواقف وردود الفعل يجب وقفها نهائيا إذا ما أرادت قوة سياسية أنْ تعيش في عراق اليوم والغد .. ولا يمكن لاعتراضات المتنورين أنْ تسكت أو يُخرسها تكفير دعيّ بالإمامة والمرجعية السياسية أو الدينية فالمرجعيات المحترمة الصحيحة تظل معروفة من أبناء الشعب ومن أتباعها وتظل آراؤها موضع التبجيل ونحن في أمرنا متأكدون من إعلانها بطلان مثل هكذا توجهات ومتأكدون من وحدة مسارنا الوطني ونظافته من المصالح الفئوية الضيقة على حساب الشعب…

إنَّ معركتنا من أجل قوانين متحضرة ترقى إلى عراقة القانون في الحياة العراقية وحضارات وادي الرافدين ومعركتنا من أجل سيادة التنوير والاعتدال والتسامح ومعركتنا من أجل حرية المرأة والرجل ومساواتهما هي معركة من أجل احترام كل الديانات والمذاهب والطوائف ورعياها ومن أجل عراق مستقر آمن يتعايش فيه الجميع بسلام ولذا فإنَّ الأمور لا تؤخذ بالأقساط والتجزئة وإنَّما علينا الالتفات إلى مجريات الأمور اليوم فموافقة مبكرة على مثل هكذا أمر هي حرث الأرض لليل أظلم في بلادنا ..

نحن نسأل بعد ذلك أين كان ممثلو القوى الوطنية من المشروع؟ وما مواقفهم: السادة عدنان الباجةجي ومجيد موسى أحمد الجلبي والطالباني والبارزاني وغيرهم من أعضاء المجلس الموقر عندما جرى تداول المشروع أم أنّه صدر باسم طرف في المجلس؟ ثم هل تحول المجلس لقرارات الأغلبية الخاصة بالأحزاب الدينية الطائفية بالتحديد (الشيعية) أم أنّهم أقنعوا بعض السنّة) بالوقوف اليوم في أمر وغدا يقايضونهم أمرا آخر وهكذا مع الكرد؟ لا ياسادة اتركوا ما للمرجعيات الدينية والتشريع( الديني لأهله واعملوا ما عليكم من أمانة على وفق ما يعرفه القانون والتشريع العراقي المتنور ولا تـُسقِطوا قداسة على أوامركم ليخافها الناس. وقوانين الدول الإسلامية وغيرها لا تسمح بإهانة أو تراجع إلى الوراء بل هي تتقدم إلى أمام بلا رجعة ولا تخلف…

ولست أدري بتداعيات كلماتي هذه إذا ما كان رجل سيقف أمام امرأة ليقول لها لا أخجل من عودة القانون إلى أيام الحريم والجواري والإماء وإذا ما كان سيرضى بحقيقة أنْ يكون ما يشير إليه بعض القانون الجديد هو قبول تحول المرأة إلى بضاعة يتم امتلاكها والتصرف فيها بيعا وشراء وحسب القوانين الجديدة المرعية في بلاد ما بين النهرين؟!! وهل سيبيع رجل واحدة من أملاكه من النساء في سوق القانون الجديد؟!! لست أدري ولكن ما أدريه أنْ لا وجود لعراقي يقبل بكل ما لفقه البيع والشراء في الناس.. فذلك حرام فحرام فحرام ومحظور فمحظور فمحظور بالثلاثة .. فهل بقي ما ينبغي أنْ يحرك الساكن بعد ذلك لنقف بوجه الظلم الجديد ومَن وراءه؟؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *