المرأة العراقية وأنشطة الحياة العامة

في إطار كثير من التعقيدات التي شهدها العراق تجد المرأة العراقية نفسها في دوامة تلك الأوضاع والمشكلات مستلبة من كثير من المكتسبات التي حصلت عليها بنضال عنيد وطويل… فيما تجابه في يومنا مصاعب جمة نتيجة خسارة تلك المكتسبات أو تجميدها وتحييدها؛ حيث وضعتها الظروف المستجدة في مهب الريح وطي أفعال مجتمع التخلف وسلوكياته المحافظة المتشددة…  ولقد وصل الأمر مرحلة خطيرة عندما صدر عن مجلس الحكم ما يتساوق وينسجم مع تراجعات ظلامية وتمَّ تمرير قرار حاول وقف قانون 188 وتطبيق مفردات قرار 137…

غير أنَّ جمعيات المرأة نشطت بفعالية ومعها قوى التنوير السياسي والاجتماعي فأفشلت محاولات إعادتها إلى كهوف الاستغلال والاستعباد, بحجج وذرائع واهية.. ولكنَّ دور المرأة العراقية لا ينتهي بتجميد قرار وإنْ هي إلا مجرد جس نبض ومحاولة أولية بينما يجري التحضير بقوة للوصول إلى غايات بعيدة وخطيرة.

فقوى التأسلم السياسي التي تغلغلت لدواعي وأسباب كثيرة في أجهزة الدولة تعمل بكل ثقلها على محاربة وجود المرأة في جهاز الدولة أو على أقل تقدير تضغط لفرض فلسفتها عليها لتنصاع لأوامرها من مثل عمليات فرض الحجاب التي تقوم بها بوسائل معلنة وأخرى مبطنة وتلعب لعبة القط والفأر في الظهور والتخفي بحسب التوازنات القائمة [كما حصل في حرب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل بعض الجماعات المتشددة وهراواتهم التي نزلت إلى الشارع في لحظة غياب السلطة الكافية فيه كما حصل من توظيف بعض الذين تسلموا الوظائف العامة والكبيرة من وزراء وميرين كما في أمين العاصمة الأخير!!]…

وعليه فإنَّ الاستعداد للمواجهة تكمن في خروج المرأة إلى الشارع السياسي والاجتماعي واقتحامه من أوسع أبوابه.. فالمرأة التي قاست الأمرَّين عبر حروب الطاغية الدموي وبقيت المعيلة المكافحة من أجل تمشية أمور الأسرة العراقية والبطلة التي بقيت حزام ظهر لأخيها منذ ثورة العشرين ومرورا بانتفاضة الجسر 1948 وبكل الفعاليات الجدية المهمة في الحياة العراقية المعاصرة.. إنَّ تلك المرأة هي ذاتها التي ينبغي أنْ تواصل مسيرة المشاركة في إعادة البناء والنهوض بالمسؤولية كاملة من دون انتظار عطايا وصدقات وفتات هوامش مزعومة الحرية..

ومن هنا كان للمرأة أنْ تأخذ مكانتها في أسرتها حيث تقف بوضوح تجاه مسؤوليتها فيها وألا تقبل بأقل من مناصفة الحياة ومشاركة جدية ملموسة, وذلك بتقدمها لممارسة مهام تثبت عبرها حقها في المشاركة الفاعلة وليس بالكلام ولا بالجدل بوصفهما مجرد مضيعة وقت واستهلاك قوى الأطراف العائلية بلا طائل.. ولكن من استقلالها الاقتصادي ومن مساهمتها الجدية في أمور العيش وتوجيه الحياة الخاصة..

وعليها أنْ تدفع باتجاه خروجها من المنزل وعدم التوقف عند حدود فاعليتها في الحياة العائلية والخاصة الشخصية, ولابد من التوجه إلى حيث العمل والدراسة فلا يمكن أنْ تتنازل فتاة عن متابعة دروسها في المدرسة وفي الجامعة وفي معاهد العلم والتدريب المهني.. ومثل ذلك وبإصرار أكثر عزيمة ينبغي أنْ تتجه مطالبةَ َ بحقها في العودة إلى مواقع عملها وأخذ فرصتها الحقيقية في المتابعة والتواصل ..

كما عليها أنْ تبرهن جدارتها للقيادة والإدارة فالرجال  المتنورون وأنصار قضية المرأة ليسوا حالة من السد أو الجدار الذي يحميها وينتزع لها المواقع الوظيفية ولكن المجتمع المتحضر بحاجة إلى طاقات جاهزة للنهوض بالمسؤولية الحقيقية والمباشرة وليس صحيحا جذب عدد من النساء لمواقع الإدارة والقيادة وهنَّ بغير إعداد ولا تدريب ولا كفاءة, فحينها سيكون ذلك من دواعي التراجع وفتح الفرص واسعة لاختراق القوى المعادية للتحرر الميدان حيثما فشلت تلك الإدارات والقيادات بسبب من ضعف الكفاءة والمهارات والتدريب …

من هنا لابد من الحديث عن ولوج المرأة معاهد التدريب والتأهيل المناسبة ومن ممارستها لتخصصاتها في واقع العمل والحياة العامة.. فمطلوب من المرأة إصرار بأبعد ما يمكن من طاقة لتكون في دوائر العمل من شركات ومؤسسات حكومية وخاصة وغيرها وعليها أكثر من ذلك التوجه للانخراط في الأحزاب السياسية فبغير وجودها الفاعل في تلك الأحزاب بخاصة منها تلك التي تـُعنى بشؤونها وأثبتت التجربة حملها لواء الدفاع عن المرأة ومصالحها الحقيقية, بغير هذها الانتماء لا يمكنها أنْ تحتل مواقع المسؤولية في الدولة

ولا داعي للتفكير في أنَّ تلك المرأة التي ينبغي أنْ تنتمي اليوم لحزب لن تكون زعيمة ولا قائدة أو موجهة أو مسؤولة لأنَّ هذا لا يأتي قفزة واحدة ولكن عليها التفكير في مسؤولية الشروع اليوم في هذا الانتماء الأولي البسيط ليكون القاعدة لغدها المشرق المنتظر أما الانتظار حتى تأتي زعيمة بالولادة وتنهض بالمسؤولية فهو تفكير ليس فيه من وجه حق إلا التقاعس عن أداء الدور المطلوب من النساء العراقيات..

ومن مسؤوليتهن البحث في وحدة منظماتهن النسوية من أجل أفضل دور يلعبنه أو على الأقل إعلان أشكال التنسيق الأولية والتفاعل فيما بينهن بشأن القضايا الوطنية العامة وبشأن قضاياهن المتنوعة المختلفة. ولتتذكر المرأة العراقية التي تقف خلف زوجها المنتمي لجهات سياسية أو تيارات دينية متشددة متطرفة بأنَّها تقوم بذلك بالتقاطع مع مصالحها ومع مصالح بناتها بل مع مصالح مجتمعها الذي تحيا فيه.

لذا كان عليها أنْ تتخذ قرارها الخاص في الوقوف بوجه أولئك الذين يزعمون التدين والحكم بشرائع ما أنزل الله بها من سلطان ولتسأل المرأة زوجها أو أخاها أو أباها ألم تقم المرأة في عهود الرسالة الإسلامية الأولى بأدوار رئيسة مهمة وخطيرة وقادت [كانت قائدة سياسية وعسكرية]  وحكمت وقضت  [كانت من القضاة ومن الذين يتصدرون مجالس الحكم] ؟ ومن ثمَّ لتتخذ قرارها بالخروج من قوقعة التبعية لرأي الظالم المستغِل والسطوة الظلامية لرجل جاهل لا يعرف الحق في شئ ولتكن كما كانت سابقا المدرسة التي تنير درب الأجيال…

ولابد من التواصل والاتصال بجمهور النساء من مختلف الفئات العراقية القومية والدينية والطائفية وذلك من أجل أوسع حركة اجتماعية سياسية للمرأة وعلى النساء التضامن فيما بينهن بإقامة الاحتفالات والمهرجانات والأنشطة والفعاليات الضرورية وعدم النظر بأفق ضيق من نمط ما يصب لتلك الجمعية لا يصب في جمعيتي وهو ما سيؤخر تحقيق مطالبهن وبعرقل مسيرتهن إذا ما تشتت الجهود…

وليكن بينهن مشترك من التخطيط على الصُعُد العامة وليتهيّأن من أجل احتلال المناصب والمسؤوليات بدورات الإعداد والتطوير والتدريب والتأهيل ولكن ما لابد منه دوما هو تعزيز الثقة بالنفس والامتناع عن سلوكيات التخلف والتفتح بما يجعلهن مشاريع تطور وتقدم وتعلّم مستمر للجديد والصحيح من المعارف والسياسات والخطط الاجتماعية وغيرها..

أما على صعيد الصحف والإعلام والفن فلابد من اهتمام جدي فاعل بزوايا المرأة وبتسليط الضوء على النماذج الفاعلة وتقديمهن للحياة العامة والدفع بهن لممارسة الدور المنتظر منهن وذلك بأنْ نتذكر دوما بأنَّ المرأة قضية المجتمع وتحرره وتقدمه وتحضره وليست قضية نصفه المسلوب المشلول..

ولأنَّ عراقنا فيه كثير من حملة الشهادات العليا والجامعية ومن القائدات والمتخصصات في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فإنَّ إمكانات مساهمة المرأة واسعة ولكنها تحتاج لتحدي الظرف الآني وعدم التراجع والانكفاء أمام هجمة ظلامية تتستر بعباءة الدين مرة وبعباءة البطالة والظرف الاقتصادي أخرى وبعباءة التقاليد وما إلى ذلك ولنتحمل مسؤولياتنا جميعا ولكن للمرأة أنْ تثبت وتبرهن بنفسها على حقها وأحقيتها في تقلد المسؤولية العامة …

ولتتذكر امرأة تتظاهر وتشترك مع التيارات الظلامية بأنها في الحقيقة  تساهم بنفسها في وأد بناتها وقتلهن على مذبح شرف الزيف الذي يدعيه رجال التيار الإسلاموي الذي يقودها إلى حيث عهد الجواري والحريم والضياع بعيدا عن حقيقة براءة الأديان كافة من نوازع التخريب والاستغلال التي تمارسها قوى الظلام. وعليها أنْ تفرق بين الدعي الجاهل الظلامي والمؤمن الصحيح الصادق الذي لا تجد في قراءته ما يجعلها تتراجع بحياتها وحياة مجتمعها… أما اللواتي يقمن بفعل البيع والشراء لصالح الظلاميين فهنّ يعادين مصالح لا المرأة ولا المجتمع بل حتى الاعتقاد الصحيح الذي يبتغينه الأمر الذي يلزمهن أنْ يتعرفن إلى الدين والاعتقاد والفلسفات والسياسة بأنفسهن وباختباراتهن وليس بفروض غيرهن من المستغلين والأدعياء المضلـِّـلين…

ولقضية المرأة ونشاطها وقفات ينبغي لكتابنا وكاتباتنا التوقف عندها بما يتناسب وحجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتقهن أولا وقبل حركة الرجل المتنور ودعمه… والمرأة العراقية جديرة بتلك المهمة وتمتلك ما يؤهلها لأبعد نجاح فيه وأعظمه.

خاص بالحوار المتمدن     

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *