الدفاع عن الإنسان  وحقوقه يقتضي الحرص على خصوصياته واحترام منطق التنوع والاختلاف عنده

في عصر الحريات وحقوق الآخر  في الوجود المخصوص وفي استقلالية الشخصية والمحافظة على هويتها على الصُعُد والمستويات الإنسانية كافة؛ يجد المرء نفسه ملزما بمقولة, تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخر… كما ينبغي لدعاة الحقوق التوقف عند قبول الآخر من حيث هو وليس من حيث يريدون… فضلا عن مسألة مهمة وخطيرة تكمن إطلاق منطق الحوار وتبادل الرؤى من دون تحديدات أو تقعيدات الشروط المسبقة…

من هنا كان الحوار يقبل بالآخر ومنطقه ويلتزم تقديم فرصة الاستماع بل الإصغاء إلى رؤاه وحتى دعم عرض تلك الرؤى على أطراف الحوار وتبادل الرؤى ومناقشتها, طالما التزم الآخر بالمنطق التبادلي والتداولي للأفكار بعيدا عن منطق المصادرة والاستلاب وأبعد منه عن منطق العنف وإكراه الآخرين على منطق لا يقتنعون به..

من هنا لم تجد الديموقراطيات المعاصرة في مختلف تلك الدول المتقدمة في التجربة [الديموقراطية] ما يجعلها تعترض على ممارسة الحريات والحقوق لأبعد القوى تعارضا مع تصوراتها حيثما احترمت القوى المعنية العقد الاجتماعي والقوانين العامة…

أما ونحن هنا في بلادنا نبدأ عهد بناء الدولة الديموقراطية ومؤسسات المجتمع المدني وإنْ كان الأمر لا يخلو من مصاعب جمة؛ فإنَّ ما ينبغي أنْ نتذكره هو التأسيس لقبول الآخر حتى ذلك الآخر الذي يقف على مستوى الدرجة 180 أي على النقيض في رؤيته منّا.. وطبعا لن يتحقق هذا الأمر بسهولة ولا مرة واحدة بل سيأتي عبر عملية تربوية طويلة…

وهذا يعني حاجتنا لاحتواء التقاطعات التي تحصل في ما يسمى حوارا وهو في جلّ ما يقدم به نفسه تقاطع سلبي أدخل في منطق الشتائم وتصفية حسابات شخصية فردانية [رخيصة].. ومع ذلك سيبقى واجبا أنْ نتعلّم التسامح ونمارسه وأنْ نغض الطرف عن الأساليب المتشنجة في تبادل الرؤى [الحوار] ونركز على الجوهري من رؤى الآخر حيث نجيب على المعطى الدلالي الذي يخدم التهدئة وتوفير أجواء الحوار الصحي الصحيح..

إنَّ أرضية كهذه لن يمكنها ضبط الأمور بعصا سحرية ولن تولد أو تحل فينا مرة واحدة؛ ولكنها تأتي مع التمسك الأكيد بالسلوك الذي يتطلبه منطق الحوار بل منطق العيش في مجتمع الحريات وحقوق البشرية, المجتمع المدني ومؤسساته ما يحفظ حق الفرد كما يرى ويؤمن, وليس كما يفرض عليه الآخر ولو كان هذا الآخر هو كل المجتمع مقابل حق ذاك الفرد في اختياره الذي لا يتقاطع مع المجتمع بطريقة عنفية بالتحديد..

الضمانة هي رفض العنف, رفض الإكراه, رفض القسر, رفض الاستلاب والمصادرة.. وفي هذا الموضع يمكن الحديث عن أمثلة واقعية في مجتمعنا من نمط الحديث عن مواقف الفرق والتيارات المختلفة من وسائل التعامل مع القوات الأجنبية في بلادنا ومن نمط أولويات الأحزاب والمجموعات العراقية في معالجة المشكلات الموجودة في راهن واقعنا…

ومن الطبيعي أنْ نتحدث عن العلاقة بين القوميات المتآخية في بلادنا وعن العلاقات الإنسانية وغيرها بين الفرق والمذاهب و[الطوائف]… فإذا كان دهرا من الزمن قد مضى كانت فيه تلك العلاقات قد تعرضت لأزمات خطيرة وشهدت تقاطعات تناحرية ودموية أحيانا بسبب من ظروف معقدة في تاريخ الاجتهادات والسياسات ما يمكن تفسيره بظروفه الخاصة..

ومن الطبيعي اليوم أنَّنا نمتلك ظروفا مختلفة تساعدنا على مغادرة كل مسببات المعالجات الهمجية الدموية والوحشية في حياتنا الإنسانية.. ويمكننا بمنطقنا المعاصر أنْ نجد معالجات ومقاربات موضوعية تمتنع على استدعاء السلبي من ذاك التاريخ …

ولعلنا لا نعدم حالات ما زالت تعتاش على ثقافة الأمس الوحشية أو السلبية ببعض أوجهها تاركة كل الإيجابيات في تاريخنا بما يخدم مصالح قوى لا يمكنها البقاء في ظلال التعايش السلمي والتسامح واحترام الآخر.. طبعا مع مجابهة جدية مع جهالة بعض المتعالمين من الذين باشروا تهجي أسماءهم للتو وراحوا يملؤون المواقع و”منصات” الإعلام بـِ [شخابيطهم ]! ومجابهة أخطر مع أولئك الذين تركوا منطق العقل الذي تعلموه لأسباب شخصية ليركبوا منطق تصفية الحسابات لأسباب مرضية ليس موضع مناقشتها هنا…

من يدافع عن الإنسان لا يهمه إلا تحقيق الحريات والحقوق بأفضلية ملائمة للعيش الآدمي. والأكاديمي يتعامل مع منطق رياضي بمعنى امتناع الانحياز والأحكام المسبقة والناشط في حقوق الإنسان لا يهمه تهجمات تسائله عن أسباب دفاعه عن المجموعات البشرية المتنوعة الشخصية مختلفتها…

وللنظر ماتصورنا تجاه موقف إنساني يذكر مجموعة إنسانية  وحقها في العيش مع اشتراطه عليها  نبذ العنف وروح الإقصاء ؟ في الغالب سيكون الرأي الحكيم مع قطع الطريق على التناحر والاصطراع الدموي ووقفه.. لأن ما كان يمكن أنْ يحصل بالأمس لا يمكننا القبول باستمراره اليوم لما لسياسة التصفية الدموية من جريمة بحق البشرية.

ونجد حقنا هذا في العيش بسلام وتسامح ووئام مصادرا من أحكام بعض الأفراد الذين تلتمع لأسمائهم شاشات الأنترنت! وبعض الصحف التي تكيفت سريعا مع الهامش السلبي للدولة الديموقراطية ـ الصحف الصفراء ـ  طبعا لا يمكن لهؤلاء استغفال الناس إلا حيث محاولات لوي أعناق الحقيقة وتشويهها باقتطاع بضع عبارات والسكوت عن تمام النص بما يخدم التأويلات التي تحرث الأرض لمصائب الشتيمة والأساليب غير الموضوعية في مشاطرة الآخر وليس في محاورته في فكره..

وكما ترون فإنَّ أولئك الشتامين ليسوا إلا جامعي عبارات من هنا وهناك في سابقة للتصيِّد في المياه العكرة.. ولا يمكننا رسم حدود معلومة لهؤلاء في سياساتهم إلا منطق الأمزجة المريضة و مستوى انحدارهم لمنطق العداء وتصفية الحسابات…

بينما في مسيرة الديموقراطية سنظل مصرين على تعميق وعي التسامح والتهدئة وتوفير أجواء الحوار وعلى الامتناع عن الاستجابة للاستفزازات والانجرار وراء مزالقها, على الرغم من احتدام التهجمات وشدَّتها على الشخصيات الوطنية التي تعمل جاهدة من أجل البناء وإعادة إعمار الذات المخربة..

لقد دفعني لهذا محاولة توضيحية لتعزيز ما يمتلكه شعبنا من رحابة صدر وسعة أفق ورجاحة حكمة ورشاد منطق وعقل وإبرازه بوجه أولئك الذين يمنحون أنفسهم حق النيابة عن الناس باسم الحديث عن هذه الفئة أو تلك [الطائفة] واحتكار الدفاع عن مصالح الفئة المعنية!

ويطفو على السطح اليوم الحديث عن تاريخ الاضطهاد للشيعة, والشيعة وجود إنساني كامل يقوم على الاجتهاد الفكري في قضايا دنيا ودين…  وتناول هذه القضية أمر صحيح حيث جرت معالجتها بموضوعية وحكمة ورشاد وحيث لم يجرِ تحميل مجموعات اجتهاد أخرى  مظالم هذه المجموعة.. كأن يزعم بعض الأنفار بناء العزل الطائفي بين الشيعي والسني ومن ثم اختلاق وافتعال الاختلاف والاصطراع بينهما بخلاف الحقيقة التي سجلها تاريخ العلاقة بين العراقيين من شيعة وسنّة وهي حقيقة التعايش السلمي وروح التسامح والأخوّة بينهما…

وهذه أرضية مهمة ورائعة مشرقة لبناء حاضرنا ومستقبل أبنائنا من جهة الروح الديموقراطي ودولة المؤسسات والاحترام المتبادل بين مجموع أطراف العيش في وطن متحضر كالعراق… ولن يوقف مسيرة التقدم تلك الأمراض الفردية عند أصوات تعرقل ولكنها لن تمنعنا من التطور والسير إلى الأمام حيثما شددنا على تجاوز تلك الأمراض ومعالجتها بما يتطلبه أمر معالجة الأمراض المقصودة…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *