عيون العراق وخزائنه الحضارية \ ثلاث قراءات في ثلاث من عيون حضارتنا ودعاماتها المتجذِّرة في وطن المجد وشعب الحضارة

في حضارة وادي الرافدين مصادر متنوعة ثرَّة غنية جمَّة.. فمنها الفلاح البسيط والراعي والعامل وأولئك الذين ارتادوا أول مدارس العلم وتخرجوا فيها ليؤسسوا لفنون الأداب والعلوم.. ومنها وفيها أيضا مسيرة عشرة آلاف عام من التاريخ المكتوب هي سيرة علماء وطن الرافدين ومجد الحضارة البشرية…

هؤلاء الذين اغترفوا من منهل كل الإرث التاريخي للعلوم وللآداب والفنون التي ابتدعها العقل العراقي طوال تلك العصور والدهور.. وها هم اليوم يضعون بلسم علومهم ومعارفهم وآدابهم على جروح الزمن ليضمِّدوها ويُنـْبِتوا أطايب الأزاهير في جنائنها السرمدية…

في مقابل أعلامنا وتاج بلادنا من أكاليل غار الرِّفعة والسؤدد نجد بين الفينة والأخرى بعضا ممَّن وضعوا أنفسهم في موضع معاداة الحضارة الإنسانية, يهاجمون منتجي الثقافة وأعلامها الكبار. وفي الآونة الأخيرة خرج علينا بعض نكرات السياسة والكتابة والكياسة بما يتضافر مع زعران جرائم الموت والتقتيل الذي يحل بأهلنا وبما يتناغم [وليس فيه من نغم] مع طبول الحرب الدموية الدائرة ضد الإنسان والفكر الرصين, خرج أولئك علينا بنصوص من الشتائم والاتهامات مما لا يقع في حساب غير حساب ترهات الإساءة لا إلى الشخصيات الوطنية المعنية بالأمر حسب بل إلى كل عراقي سومري نزيه..

وهذا ما يجعلنا المرة تلو الأخرى نقف بوضوح للتصدي لأولئك ولسمومهم من التهديدات والاتهامات ومحاولات التشويه التي يتعرضزن بها لشخصياتنا الوطنية.. ولا نترك مفكرينا وعلماءنا وأدباءنا لوحدهم يقارعون من أجل إبداع حضارة الإنسان وكرامته وقيمه ويقارعون من أجل سلامة وجودهم وتحصينه وحراسته. ها نحن سويا في الطريق مهما كان وعرا وصعبا ومعقدا..

ودفاعا عن الحق والحقيقة, هذه بضع كلمات في ثلاث من عيون وجودنا المعاصر وابطاله ومفكريه وهم الأعلى صوتا على الرغم من تلك التحرشات التي ترسل نبالها إلى صدورهم الصابرة الكبيرة ولعلّ تجنبي ذكر ما أُرسِل إليهم هو إشارة كافية للقول بأنَّ ما يبقى ويُذكر هو الخير والنبل وكرم الأخلاق وليس العكس مهما علا صريخ الآخر السلبي في أقل وصف له…

إنَّ مهاجمة شخصية وطنية أو التحرش بها أو الاعتداء عليها لهي من الأمور التي يجب وقفها والتصدي لها بقوة العقل وحصافة الفكر ورشاد المنطق وذلك ما سيصل إلى كل أبناء بلاد الفكر والرشاد مذ كان الفلاح يرسل أبنائه إلى أول مدرسة أسستها حضارة المدينة الفاضلة في “بيت نهرين” وهذا بالضبط خلافه ما يصبه “البعض الآخر” من شتائم رخيصة بحكمة الإناء ينضح بما فيه فيما الروض ليس يضيره ما قد يطنطن من ذبابه..

وهذه الكلمات الثلاث في العيون الثلاث بتوصيفات تتوحد سويا في بوتقة واحدة هي عين العراق التي لا ترى إلا جمال العراق وأهل العراق.. فكأنني أنطق بما علمني أبي العراق باسم ابن العراق ووجده وقيمه الفاضلة..

كاهن الأدب في عراق جنان التاريخ السومري الخالد

المربي الجليل الأستاذ حامد الحمداني

 

أساتذة أجلاء نصبوا العمر جسرا لا لغذاء معرفي هدفاَ َ مباشراَ َ بحتا بل ليكون ذياك الغذاء وسيلة من أجل الإنسان والإنسانية ومن أجل صنع الجمال والربيع في حيوات البشرية.. أولئك الأساتذة هم عيون العراق الحضارة. ومن عيون عراق المجد ووطن الحضارة الذين قرأنا عنهم وتتلمذ الزمن على أياديهم وأخذ الحكمة منهم الأستاذ حامد الحمداني وأسفاره الغنية وهو يحتكم إلى تاريخنا فيحيله عظات وتجاريب للأجيال وحيث أمعنا النظر في منهجه قرأنا أصول التربية التي امتاحها من عشرة آلاف عام من سومر العراقي الشامخ..

باحث التاريخ وشاعر الحكمة الحمداني (أبو ناهض) هو المربي الجليل, الرائد الحكيم, عقل من عقول زمن لم يكن فيه صوت نشاز ينطلق ويعلو. فما كان فيه إلا رجال الهمّة المناضلين المضحين, ثبتت أقدامهم أمام مصاعب الدهر؛ وثبتَ شيخنا الحمداني وعمل جاهدا في أقسى الظروف وأعتاها. يومها كان البعثفاشيون يمنّون النفس باصطياد عالم أو مفكر أو أديب ليفرموه أو يدفنوه حيا استجابة لساديتهم وسادية أسيادهم الذين أتوا بهم في قطارهم الأسود العام 1963..

ومرق حينها العظماء؛ بين الشهادة ليخلَّدوا على أعلى قمم بلاد القِمم والسناء, وبين الذي نجا بعقله وأفلت من مفارم الطغاة  ليواصل مشوار العطاء والتضحية كما يفعل سيِّد من سادة القوم ذلكم هو باحثنا الجليل وشاعرنا الحكيم المربي الفاضل حامد الحمداني, الذي نجا من مفارم الستينات والسبعينات من عهد الطغاة السود..

الحمداني الكاهن في صومعة البحث, المتبتل في ميدان الفعل والعمل, والعطاء المتصل المتواصل الذي ينأى بنفسه عن النفائس عند الآخرين التوافه بين يدي جليل القوم والذي لا يرى من قيمة إلا في جلال ما يُعطي ويهب بلا حساب .. أليس هو الذي أفنى السبعين ونيفا من السنين والأعوام ليقدِّمَها هدية هي الأغلى بين يدي أبناء الفراتين؟ ألا فليهنأ بالا وهو عالي القامة عصيا على العواصف الهوجاء..

فمعدنه الذي صقلته هموم دهر وأوصابه أكثر قوة وصلابة وتحملا وهو الأطهر نفسا في كهنوت ما يحمل من رسالة الأدب والمعرفة والبحث الرصين ليضعه بين يدي أهله وهم يشيدون البلاد السومرية التي خربتها محن الطغاة وتخريبات أتباعهم…

الدرويش السابح بنا في كهنوت الجمال السومري وصائغ قلائده

الشاعر الجميل الأستاذ الدكتور عبدالإله الصائغ

ومن عيون عراق المجد ووطن الحضارة نُنشِد كلما تفتحت الأعين على ضوء نهار جديد من ترانيم شعر الأستاذ الدكتور عبدالإله الصائغ وهو يصوغ قباب حضارتنا السومرية العريقة, قباب الزقورة والملوية وحضرات دراويش الحياة النظيفة الطاهرة الأولياء المطهرين الصالحين, مجدِّدا تلك القباب بشعريَّته التي تسمو بنا إلى مجد زمننا فنحتفل بعلياء قامته وشموخها وإبائها, ولقد صَحَّت قصيدته قائلة:

 ولو أنِّي رضيت الذل دارا  \  لما فارقت مُغـْتربا ديارا

الأستاذ الصائغ الأب والعم والخال وهو يناجي من في موقع أبنائه في تواضع العلماء والكبراء ياأبتاه وعمّاه يا مَن أراه الأب في سلطته على قلبي وروحي! ألا إنَّ ذياك الروح الكبير في تواضعه الجمّ لكبير في معدنه وفي قيمه وفيما يريد أنْ يغرسه من حافل الدلالة وغنيِّها…

وهو المقدَّم الذي يحرِّك مشاريع الفعل والخير ويدير الأمر بعيدا عن رئاسات الإدارة ومن خلف كواليس العمل يخلق ويُوجـِد ولا يسأل المنصب أو الجاه فمكانه ومكانته علياء أكبر وأعظم حيث يدرِّب الأبناء على النبل والمكارم والمهمات الأساس الأولى ولقد كان كما هو اليوم ودوما النصوح الذي ما ينفك يواصل العطاء بلا تفكّر في ما يأخذ..

فإلى مَن يصوغ الكلمات قيم الوجود الإنساني الكريم السخي ويفعِّل الحركة توجيها إلى مقاصد الخير؛ إلى حيث صاحب الشاعرية والجمال, إلى مَن نرى بعيونه مسيرة آلاف أعوام انتاج الأدب والعلم.. نلتفت لنحصي ولا نتوقف كم من عظيم الأمور تصغر بين يديه ليخلق منها مُوجِدات الحلول في عراقنا الجديد الجميل..

الساكن قلب الزقورة الخالدة وباني مجد سومر الجديدة

العالم الجليل الأستاذ الدكتور كاظم حبيب

ومن عيون عراق المجد ووطن الحضارة الأستاذ الدكتور كاظم حبيب, الشخصية الوطنية التي لا مَغنى لباحث أو دارس أو عالم عن الرجوع إلى معارف الدكتور حبيب وهي التي تشكل ثقلا من العقل الجليل وخزينا من الفكر الحصيف وتؤسس لبرامج جدية هي منطلق بناء العراق الجديد..

يكتب الكلمة فلا تكون إلا أرضية خلق الفعل ووضع لبنات البناء لزقورات العراق الجديد لا معابد صلاة وانقطاع عن الحياة بل قوي الاتصال بالحياة ميتن الصلة والارتباط جدي التفاعل وتبني العقلنة والعلمنة بما يعود على الإنسان \ العراق بحل مشكلاته..

إنَّه الساكن مجد هندسة البلاد وشرعنة قوانين اقتصادها بما ينطوي على خيرها وخير أهلها.. هو مكثر بلا تكرار ولا إنشائية بل بتفصيل يفك الرموز والطلاسم في حياة تتعقد يوما فآخر, ليسهِّل على قارئه ومتابعه وتلميذه طريق العلاج لمختلف شؤون البلاد ومسائلها المطروحة على ابن الرافدين في يومه وفي غده…

إنَّه المناضل العنيد العتيد الذي لا يكلّ ولا يملّ في مقارعة أعداء مجد الفراتين وهو الأكاديمي اللامع الذي لا يكتب إلا دراسة بحثية متخصصة هي الدليل حيثما وضعَ مبضع تشريحه لقضية..

وهو دوما الذي يضع مصالح الأهل والوطن في أولوية حلّه وترحاله, بلا سؤال لمقابل من أي نمط أو نوع أو حتى انتظار مديح…

هؤلاء بعض من عيون حضارتنا.. هل ترون أي كرم أن يعطي الإنسان حياته بلا مقابل.. فلعلنا نفي بعض حق علمائنا وأدبائنا ومفكرينا ونضعهم حيث يستحقون في حياتهم.  فذلك أدعى للقول إنَّنا استفدنا من دروسهم التربوية قبل وفوق دروسهم العلمية المعرفية.. وهم أحق في أنْ نشرع بتكريم العلم والأدب والفن في تكريمهم حيث نلتقيهم هنا معنا على أرض وطننا على أرض الواقع, واقع العراق السومري, العراق الحضارة؛ بينما هم في الحقيقة في علياء سماء الإبداع, سماء المجد, فهل سنفعل على مستويات إعلامنا وحكومتنا ومؤسسات مجتمعنا المدني.. فجوائز بأسمائهم في مقابل ما يقدمون من جوائز يوميا من حيواتهم لكل من حواليهم؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *