من أجل شئ من الجدية والمسؤولية في تكوين التحالف الوطني الديموقراطي المنشود؟!

قراءات في شؤون التحالف والتسامح وثقافة الحوار

يمضي الزمن بنا سريعا فيُـسابقنا، حيث تمنح الظروف المطواعة للتغييرات نفسها لمن يستغلها أو يستثمرها.. وليس بعيدا عنّا كثيرا عملية الاستفتاء والانتخابات الوطنية؛ ما يتطلب من القوى الديموقراطية أن تعيد حسابات ما جرى بالأمس القريب في الانتخابات الوطنية العامة الأولى… وكلنا نتذكر ما حصدته سياسة استغلال الظرف الآني من قوى عراقية شمولية التفكير وإن زعمت لبرهة أنها تغيرت وصارت تؤمن بـ “اللعبة”  “الديموقرطية” وسطوتها على النتيجة وعلى ما تلاهاعندما بدأت باستغلال الأوضاع لإحكام سطوتها من خلال موقعها الذي تبوأته بما أسمته “اللعبة الديموقراطية”…

ولست بصدد الكيفية التي حصدت بها تلك القوى النتيجة.. ولكنني بصدد التوكيد على طبيعتها التي كشفت عنها وهي بعد لم تكسب المعركة الانتخابية الحقيقية وعلى وفق المنهج الديموقراطي وثوابته.. وهنا تكمن قضية معالجة ما جرى بطريقة موضوعية مناسبة.. حيث تطلَّع الشعب العراقي وقواه الخيِّرة إلى من يخلصه من زمن عبوديته واستلابه ومصادرته فأوقِع في نكبة أخرى شبيهة…

وإذا ما عجزت القوى الوطنية الديموقراطية عن تحقيق خلاصه الناجز، فإنَّ الفئات الشعبية الواسعة ستقع فريسة اليأس والاحباط من التقدم إلى عالمها ما يدفعها لمزيد من الفرار من واقع شديد الآلام محبِط في سيرته.. وستكون الكوارث متوالية في تسليم العراق والعراقيين لأيادي  السلطة الشمولية المطلقة واختزال ملايين الناس في مرجعية شخص مستبد جديد اسمه المرجع “قدس اللهم سره” وهذا أرفع من “حفظه الله” وإنْ كنّا لم نعرف بعد من أين يأتي الحفظ لكافر والتقديس لمدعي!؟

على أية حال، ليس من الصعب معرفة أن الحل الديموقراطي للعراقيين وهو الحل المنشود المؤمَّل لا يمكن الانتقال إليه بين ليلة وضحاها ولا يمكن تحقيقه والأوضاع العامة ملك قوى العنف وميليشيات السطو على الشارع السياسي العراقي ولايمكن التصدي له وقوانا الوطنية والليبرالية والديموقراطية والعلمانية أسيرة أوهام الزعامة والتشتت والتشظي بين معطيات ماضوية مريضة…

إنَّ مشكلة كثير من تلك القوى أنها تعيش مسألة تصدّرِ المسيرة وحسم المعركة لصالحها سياسيا.. كما أنها ما زالت تحيا على مبادئ إلغاء الآخر على الرغم من تبنيها للخطوط الديموقراطية محاور لمسيرتها.. إلا أنها في واقع الحال ما زالت تعمل بآليات منقوصة أو تخفق في الارتقاء إلى مستوى ابسط أنشطة العمل الديموقراطي وآليات تنظيم الناس في حركات تحالفية إن لم نقل حزبية للتصدي للمهام الوطنية العامة…

وبمراجعة لبرامج عشرات الأحزاب الديموقراطية الواجهة سنجد أنها متماثلة حتى من جهة الصياغة ولكن عملها يعتمد الفردنة والزعامة وتحديد الهوية بإطارات قبلية أو عائلية أو طائفية أو أية تحديدات سلفماضوية تعود لوعي التشكيلات الاجتماعية المنقرضة في الإطار الإنساني المعاصر.. ومنها حتى تلك الاتي تجاوزها العراقيون في دولتهم الوطنية الحديثة المتأسسة مطلع القرن الماضي..

وعليه فإنَّ القوى الديموقراطية المؤثرة بحق هي تلك التي تتصدى لمسؤوليتها بشئ من الجدية والارتقاء لمستوى مسؤولية الحوار الوطني بالدعوة لجلسات حوار على مستوى القيادات الفاعلة والتي صار لها اسمها في الحياة العامة أولا وعلى مستوى حتى تلك القوى المتناثرة تنظيما المتشظية لكي تكون الخطوة الأولى من مسافة الألف ميل المطلوب ألا يجري تعطيلها أكثر ولو للحظة بعد أن استُنزِف العراقيون ولم يعد بالإمكان لنهر تضحياتهم أن يستمر من دون أن يبدأ محو هويتهم الوطنية العراقية..

وهذا الشئ من الجدية والمسؤولية يكمن اليوم قبل الغد في دعوة واضحة لملتقى الحوار الوطني من أجل قائمة ديموقراطية مفتوحة تماما لكل من يريد للعراق الخروج من عنق زجاجة الشمولية والاستلاب لأي حجة أو ذريعة كما في طغيان البطل القومي بالأمس وطغيان نظام دولة الولي الفقيه على الطريقة الإيرانية أو الطالبانية…

إنّنا لم نستطع تجنب وجود عدد كبير من الميليشيات والقوى الحزبية الدينية التشطيرية للمجتمع العراقي على أساس من الطائفية الضيقة المنتسبة لعصور لا وجود لها اليوم.. ولم نستطع أن نوقف زحف كثير من التأثيرات المرضية لعقود الطغيان وآثارها السلبية الخطيرة وهذا كله عائد للتوازنات ونتائجها كأمر يمكن أن يكون عاديا.. ولكننا حيث لم نستطع لمرة يمكننا  ونستطيع النجاح تماما في مرة أخرى للتقدم بالصوت العراقي الذي نعرفه ويعرفنا ليكون في موضعه من السلطة الوطنية ومن إدارة الحياة العامة بطريقة تناسب الجميع من دون فلسفة الإلغاء والمصادرة وسلاحها الوحيد القائم على الإكراه والقسر..

وهذه الكلمة القصيرة ليست بحاجة لتمهيد طويل ولا إلى استرسال مسهب ولكنها بحاجة لحسم أمرها بدعوة واضحة ملموسة واحدة هي وجوب عقد مؤتمر عاجل هو مؤتمر الطوارئ الوطني مؤتمر الإنقاذ لكل القوى الديموقراطية بحق ونتجنب ومهمته الوحيدة كونه ملتقى الحوار الوطني الديموقراطي هو التصدي لمهمة الاستفتاء والانتخابات القادمين والتعبير عن تطلعات مكبوتة محبطة لملايين العراقيين الذين راحت أصواتهم عبثا في جمعية نتائج سلطة العنف والتضليل السياسي المتخفي وراء التدين كعادة الطغيان والاستبداد…

فهل سنبدأ على الفور بتكوين قائمة “تموز” عراقية ديموقراطية وطنية تنصف أكثر من نصف المجتمع العراقي أي النساء العراقيات اللواتي اُستُلِبن حقوقهن بذريعة التدين والتكفيروإلحاقهنَّ بزعامات مرجعية معممة أو مهندمة.. وهل سيكون لهذه القائمة أن تبدأها نسوة العراق بكل منظماتهن مهما صغر حجمها لسبب الحال المادي وضعف الحال لظروف محيطة سلبية كثيرة أولها موضوع العار في كل حركة ونشاط وهو ما لا يمكن القول بعودته لخطاب ديني سليم بقدر ما يعود إلى تقاليد عفى عليها الزمن..

وإلى متى يمكن للمرأة العراقية أن تقبل بخضوعها لسلطة عاجزة عن حمايتها وتلبية مطالبها وتحريرها من ربقة العوز والحاجة؟ وإلى متى يمكن القبول بنوازع الاستغلال والسادية والخضوع للتخويف والإرعاب والإرهاب؟ إن المرأة العراقية هي أول من ينبغي أن يتقدم الصفوف لعقد مؤتمر الديموقراطية للحوار الوطني ولتكوين قائمة تموزبعيدا عن لعبة محددات مسبقة في استبعاد طرف وضم آخر..

لنبدأ المسيرة على وفق منطق واحد هو منطق التحرر من الشمولية بكل أشكالها والدخول في طريق الديموقراطية.. وهنا أمضي لأقول إن الطرف الرئيس الآخر في أهمية هذا المؤتمر له وفي التصدي لمسؤولية عقده هم كل القوميات العراقية والمجموعات الدينية من الذين استلبهم زمن طغيان الدكتاتور واليوم يريد الإسلامويين أن يختزلوهم في موالي عليهم حق الجزية!!!! وهؤلاء ينبغي لهم ألا يطمئنوا لعبارات في الدستور ستظل حبرا على ورق ويتم إلغاؤهم سريعا إذا لم يوحدوا جهودهم مع القوى الديموقراطية ومع قائمة موحدة لكل العراق بعيدا عن مسائل آنية تخص هذا الإقليم أو ذاك الغطاء من الحماية…

أما العلمانيون والليبراليون فهم الأكثر خسارة حيث التكفير والتحقير والتهميش بل الإبادة والتصفية كما لكل الأساتذة والنخب الثقافية والعلمية والأكاديمية.. فهل سيبقون على قبول النتائج من دون التحام جدي مسؤول حقيقي يعود على الناس بآمالهم وتطلعاتهم لتقود النخب المثقفة المتنورة الحياة السياسية في البلاد بعد أن أسفرت أو تجربة عن خلل بسبب الظروف المعتمة التي أحاطت بالأوضاع؟

إن الحل يكمن في تصدي كل هذه الجموع الكبيرة والعظيمة والمتقدمة لمهماتها في ملتقى الحوار الوطني الديموقراطي اليوم وليس غدا ولتتقدم منظماتنا النسوية والطالبية والشبيبة والشغيلة والقطاعات المهنية والنقابية والقوى والتشكيلات النخبوية لا بمشروعها لأن هذا ليس معقدا ولا صعبا ولكن بخطوة عقد المؤتمر وتوحيد الجهد وإعلان القائمة الديموقراطية الأوسع والأنجع.. ولسنا بالانتظار بل نحن في معمان الجهد والعمل ولتتشكل لجان العمل اليوم وتتحرك فورا وهذا هو المطلب…  وللنقاش والحوار بقية تكمن في ما تحقق ويتحقق وحركة العمل والحياة.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *