احتفالية اليوم العراقي في هولندا واختيار الرابع عشر من تموز\ الهوية الوطنية العراقية للجالية ومواقف التنوع

تنطلق يوم الرابع عشر من تموز يوليو الجاري احتفالية كرنفالية لأبناء الجالية العراقية في هولندا. كانت جهود السفارة العراقية قد بدأت بالدعوة إليها مذ حوالي العامين محاولة عبرها أن تُعلي من وحدة كلمة الجالية العراقية وتعمِّق صورة الهوية الوطنية لتنهض بمهمة التعبير الأكثر في تجليه عبر إبداعات العراقيين المهجرية، بخاصة وأن عشرات بل مئات من الكتّاب والفنانين المسرحيين والتشكيليين والموسيقيين وغيرهم من المبدعين موجودون بكثافة لا تضاهيها حالات مماثلة من جاليات أخرى..

وقد تصدت السفارة للمبادرة بروح نبيل محاولة من جهة أن تغير صورة العلاقة بينها وبين الجمهور بعد سقوط نظام الطاغية وتحولها من وكر لمطاردة الوطنيين إلى ممثلية رسمية لعراق جديد هو عراق ديموقراطي فديرالي موحد. كما تصدت للمهمة على الرغم من ظروف محدودية التمويل [الرسمي] بغاية التفاعل وتوحيد الجهود بين جميع الأطراف العراقية الفاعلة الرسمية وغير الرسمية فضلا عن فرصة اطلاق المبادرة والشروع بالفعل ولو من حجم محدود ليجري مراكمة الأنشطة لاحقا وتفعيلها وتنميتها في السنوات التالية…

بالأمس كان لرابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين موقفها ونهوضها ضمن إمكانات العمل المتاح فقدمت مهرجانها عشرة أيام عراقية [العام2002] ليكون ذلكم هو نشاط القوى الوطنية العراقية ومنظمات المجتمع المدني التي نهضت بخطابها تعبيرا عن طاقات عراقية كبيرة للفعل والإبداع فيه وفي تنوعاته. ويمها حشدت رابطة المبدعين العراقيين طاقات وجهود عراقية في مختلف المجالات الثقافية الجمالية تعبيرا عن الهوية العراقية التي كانت أسيرة بيد نظام طارد المثقفين المبدعين…

اليوم وقد وضعت السفارة العراقية الجديدة دعوتها أمام أبناء الجالية، استجاب لها عدد من شبيبة الجالية من المبدعين الحريصين على تقديم كل ما يدخل في مسيرة الإبداع العراقي وتفاعله مع الجهد الإنساني عامة.. والتحقت منظمات المجتمع المدني وأبرزها اتحاد الجمعيات الديموقراطية العراقية في مؤازرته للفعالية كونها تصب في التعبير عن جوهر الروح العراقي في كونه روحا للمحبة والسلم والديموقراطية وللإبداع الإنساني الصادق وفاء للهوية الوطنية ومهدها في وطن الرافدين باكورة المنتج البشري حضارة وتمدنا.

لقد كان خيار الرابع عشر من تموز يوما يجري فيه تنفيذ الاحتفالية الكرنفال خيارا صحيحا، لأنه اليوم الذي يتفق عليه مجموع الطيف العراقي من بوابة تمثيله الجذور الحضارية للعراق إذ كان منتصف تموز موعدا لأسبوع من الاحتفالات الكرنفالية المقدسة عند السومريين، ومعروفة الأسطورة التي تتحدث عن ديموزي أو تموز وهو يعود للحياة ويعيد إليها رونقها وربيعها ويعيد إليها قدرة الإنجاب والولادة والخضرة وينضج الزرع وسنابله لتثمر وتعطي خيراتها… ولقد بقيت تلك الاحتفالات آلاف السنين يمارسها الرافدينيون السومريون والبابليون..

وعندما كانت تنعقد الاحتفالات الكرنفالية لكل الحضارات التي ولِدت هنا في عراق الخير كان يجري اختيار هذا الموعد لأنه موعد لقاء العراقيين على المودة والخير والعطاء.. وأثمر اللقاء ثورتهم الوطنية التحررية التي كانت وما زالت عنوانا لمحاولتهم الانعتاق وإعلانا لصوت الديموقراطية والسلام.. وقد بقي أبناء العراق الحديث يحتفلون بالثورة حتى عندما ألغى الدكتاتور الطاغية العمل بها يوما وطنيا في سبعينات القرن المنصرم..

وتوافقت جميع القوى الوطنية العراقية بكل أطيافها بلا استثناء على جعل شعارها [شعار ثورة 14 تموز] شعارا للعراق الجديد، لانتماء هذا الشعار إلى جذور وادي الرافدين وتمثيله للشمس السومرية الخالدة بعطائها ولأنه الشمس لعراق الحياة والحرية والديموقراطية ولفديرالية تجمع شعوب العراق المعاصر وتمثلهم وتعبر عنهم  مثلما عبرت عن شعوب سومر بالأمس البعيد..

من هنا سيكون لقاء العراق محبة يوم الرابع عشر من تموز موعدا مهما لكي يثبت العراقيون من أبناء الجالية في هولندا أنهم أصحاب مدنية وحضارة وأنهم بحق أصحاب العقل التنويري الذي أعطى للبشرية مهدها وتراثها وأنهم ما زالوا اليوم أصحاب قدرات إبداعية ويمكنهم أن يكونوا المساهم الأبرز في العطاء والبناء وفي التفاعل مع الآخر إيجابيا…

ولكي يكونوا في مناخ التفاعل مع مجتمعهم الجديد ينبغي أن تظهر الصورة كما معادنهم الناصعة أصالة الباهرة بكيفية تآخي العراقي مع العراقي حيث تتجلى تنوعات الطيف العراقي من العرب والكورد والتركمان والأرمن والصابئة ومن المسلمين والمسيحيين والمندائيين والأيزيديين واليهود ولتكن الصورة الحقة مشرقة فعليا وعمليا في تعميدهم بهاء الزاود بارك مكان الاحتفالية بكرنفال أزيائهم ورقصاتهم وأغانيهم وليثبتوا للجميع أنهم يحبون الحياة ويحيونها بأفراحها ويشعون مسراتها وأشكال السعادة عليها كما شموسهم العراقية السومرية الخالدة..

ليكن اللقاء مركزا لصورة تحتفي بالهوية تاريخا وحاضرا ولنبتعد في لحظة الكرنفال عن وقفات مع أيّ أمر لا يدخل فيما ستراه أعين الهولنديين من صورة لعراق مصغر ممثل في جالية تؤمن بالسلام و وداعة العلاقة واستقرارها وثباتها ووديتها ومصداق العمل بروح متمدن متحضر يتلاءم وأجواء الاستضافة التي نحن في محيطها…

إنَّ مسألة ظهورنا بصورة عراق المحبة والألفة والتفاعل والوحدة والانسجام أمر يمثل خطاب أبناء تموز الثورة وأبناء تموز المجد لحضارة سومر ومهد الإنسانية فيما سيمثل أي عامل للفئوية الدينية أو القومية أو الحزبية حال من التردي وأمراض تجعلنا في موضع الريبة والحساسية من الآخر… ولا أجد أحدا يريد هذا قطعا.

بينما تسابق التنوع لا الاختلاف أقول مؤكدا التنوع بأطيافنا كافة وتسابقنا في الإبداع بكل أشكال الأداء الفني التعبيري هو العمل الوحيد الذي سيمنحنا نحن فرصة لا دعم مكانتنا وتصويب رؤية الآخر فينا بل سيمنح هذا الفعل الإبداعي المشترك الموحد لشعبنا أملا في غده وفي أن بيننا من بقي يحمل منطق العقل التنويري الصحيح الذي وُلِد هنا بين أحضان وادي الرافدين وربوعه…

وكما يعرف الجميع فإنَّ هذه الفعالية المهمة تقف على أكتافها عوامل حمل صور العراقيين الملونة بألوان أطيافهم  ما يستدعي دائما لنكون الأسبق في التسامح والأسبق في تقديم بعضنا بعضا لميادين المحبة في التغني بوجودنا الإنساني الصحيح الذي لا مرض فيه… ولنفكر أننا جميعا سنكتب في اليوم التالي كم كان كل فرد وكل فئة وكل مجموعة وكل طيف مساهما حقيقيا وفائزا بلقب رائد السلم والمحبة في اللحظة التي أردنا فيها أن نسجل هدف فوز للفريق العراقي في ملعب الآخر الذي يرنو إلينا بعين المستكشف لحقيقتنا..

ومن الجدير هنا أن نتذكر أن هذا العام جرت فيه الأمور بعجالة وسرعة ما قد يدعو لظهور حاجة لتضافر جهود الجميع لسد أوجه القصور بتفاعلهم وتعاضد عطائهم ليصب في العراق محبة وعراق المحبة والسلم والتآخي والتسامح.. وليكن كرم العطاء في أوسع مشاركة ليس في الحضور حسب بل في الدخول لميدان الحب الواسع ميدان الجمال ويمنح الجيل الأول لأجيال الشبيبة مثلا في عطاء والعكس صحيح أيضا…

لنرقص ونغني ولتصفق الأكف سويا لعراقنا الجديد الذي لا ينشطر فيه الرسمي والشعبي بل يتفاعلان ولنكن جميعا رسميين وغير رسميين سفارة لعراقنا وسفارة لجاليتنا ولنكن رسالة حقة لمصداق تفاعلنا بأطيافنا كافة موجهة إلى داخل الوطن الأم الذي يحتضن الجميع بالخير والمحبة…

لنترك مساحة للفرح والاحتفال الكرنفالي الذي غادرنا طويلا في زمن الطغيان والألم ولنترك ميدان النقد واللوم والمعاتبات مركزين يومها على دورنا في إحياء الفرح الذي يدخل القلوب؛ قلوب الموجودين في الوطن وقلوب المحيطين بنا قبل قلوبنا.. ولن يكون الفرح كاملا ما لم يكن منفعلا بوشيج ابتسامات التسامح الحقة وعميق لغة التواصل ولقاء المودة..

من كان له كلمة عتاب ودودة فليتركها خارج ميدان اللقاء وخارج لحظة اللقاء وليقلها لاحقا وله كل الآذان الصاغية ليكون احتفال العام القابل كرنفالا تقف له لا مساحة الميدان حسب بل لاهاي ذاتها بشوارعها نسير فيها في كرنفال أوله في طرف وآخره في طرفها الآخر وتنقله وسائل إعلام هولندا مثلما وسائلنا وأكثر..

لنبدأ اليوم بهذه النسمة التي سيكون فيها طيبة أهل البصرة وضيافة أهل الأنبار ووداعة أهل السليمانية وهولير ومحبة أهل السماوة ومودة أهل النجف وكربلاء وعطاء أهل العمارة والناصرية ولنطرب سويا لإيقاعات الهور والجبل ورقصات النخلة والسنديانة وتعبيرات النواعير ومياه الأنهر والبحيرات والشطآن، ومن المؤكد أن كل هذا وغيره سيكبر في قابل الأعوام بكم جيلا بعد جيل ليكون تقليدا يشاطرنا فيه أبناء البلاد نؤثر فيهم بمثل ما أثرى أسلافنا البشرية بكل قيم الخير والعطاء والروعة والجمال…

من أحب أن يعطي مودة ومحبة فليكن معنا يومها حيث الملتقى بكم والعراق كما قال السياب الخالد ولا نستثني أحدا بل نؤكد أن ساحة المحبة لا تكون إلا بنا جميعا موحدين مجتمعين متفاعلين.. وأملي أن أجد أبو عقال وأبو شروال أبو جبة ودشداشة وأبو كوفية وكشيدة وسدارة وأن أجد ألوان تزهو بكل ممرات تاريخنا وألوانه التي زهت حيوية وروعة ولتختفي أية عتمة أو ندبة في هذا اليوم الأغر ولنحتفي بما في دواخلنا من استعادة لمجد ما يراه كل منّا مجيدا خالدا ولنصنع مجد اليوم بوجودنا سويا عراقيين وحسب؛ سعداء باللقاء وبما نصنعه اليوم وأن يبقى اللقاء واحدا منسجما بأطيافه وألوانه وليس بماضيه فقط…

بوركت سلفا كل محاولة لصنع الفرح لنا وبنا وفينا ولغيرنا عبرنا نحن أبناء الجالية العراقية أبناء سومر الفرح والمسرة والسلام… بوركت جهود الشفارة سفارتنا نحن جميعا وسويا وبوركت كل أيدي العاملين فيها بدءا بسفير العراق وليس انتهاء بآخر موظف أو موظفة في سفارة عراقنا الجديد.. وبورك في أولئك الذين عملوا بصمت لم يلتفتوا أو يعطلوا جهدا فكنَّ شابات حيويات وشبيبة ناشطة فاعلة عملت فكان يوم الملتقى…

ولنقل إن لقاء بما سنراه هو هذا العام جهد أفراد وأكف قليلة صفقت ولكننا سنمنحها أكفنا ليعلو التصفيق ولتعلو هلاهل الفرح والمسرة وسأذكركم جميعا يا بنات عراقنا وأبنائه رسميين وغير رسميين بعد غد يوم نلتقي ونحتفل ويكون جزل العطاء مضمخا بحناء القدسية المبجلة لهوية عراقية للسلم والتسامح والمودة والمحبة..

وليعش العراق محبة بكم جميعا أبدا……………….. ولنبكّر في حضورنا للقاء العراق محبة ولنحتشد سويا في ميدان الفرح فحيث نبدأ اليوم سيكون في الغد الآتي حفلنا الجديد سويا نملأ فيه شوارع بغداد وميادينها بموسيقا حناجر الأفراح الدائمة…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *