احتفاليات الفرح .. احتفاليات البرهنة على عمق علائقنا وجدية تضامننا

يحتفي كل منا شخصيا وجمعيا بمناسبة أو أخرى للفرح.. ومن ذلك احتفاليات الميلاد أو التأسيس… وفي مثل هذه الحالات عادة ما احتفظت تقاليدنا الاجتماعية والحضارية بمفردات للاحتفال ومبادئ للالتزام يتمسك بها المجتمع الإنساني ومجموعاته بطرائق تلتقي جميعها في الاتفاق على أهمية التعاضد وواجب الحضور ومشاطرة المحتفى به أفراحه حتى أنَّ بعض هذه الأطراف كانت تقدّم فروض واجب الفرح في أحلك ظروفها وما تجابهه من مصاعب…

وقد نجد اليوم بعض التراجع عن تلك التقاليد الإيجابية المشرقة التي تؤمن بالفرح وبواجب المشاركة فيه، فصرنا نسمع عن الاعتذارات المسبقة وعن البحث عن أعذار أو حتى اختلاقها من أجل التخلص من واجب المشاركة بفرح صديق أو أخ أو جهة أو طرف حليف في الحياة الاجتماعية أو السياسية العامة.

وفوق هذا وذاك لا يكلف المرء نفسه [من ذاك الـبعض] عناء تقديم الاعتذار بالطريقة التي ترتقي لمستوى قيمة التعاضد والمشاطرة فتأتي كلمته كأنها غفلا منسيا وسط زحمة مراكمة المختلق من المشاغل…

إنَّ مسؤولية المساهمة في أفراح أهلنا والجماعات التي نعيش معها ونحيا في كنف الوجود الإنساني المطرز بها، تبقى واجبا يدلل على مصداق عيشنا بخطاب إنساني وطيد يحمل لغة المساواة ومحبة الآخر واحترام وجوده ومشاطرته مفردات حيواتنا وبخلافه نلغي السمة الأهم في وجودنا الإنساني،  المفترض أن يسمو باتجاه تحقيق الاستقرار والسلم والألفة والمودة ومن ثمَّ الفرح الحقيقي الذي يحتفي بالوجود المتداخل المشترك لبني الإنسان أفردا وجماعات…

إن مزيدا من الاختلاف والتباعد وحتى ولادة الأحقاد وأغلال احتدام التقاطع والمشاحنات هو ما سيكون في ضوء ترك الاهتمام باحتفاليات الفرح لأي سبب عادي يمكن تجاوزه من أجل ذياك الحضور وتلك المشاطرة…

من هنا أجد من المفيد أن أتحدث بالملموس عن احتفاليات جرت وتجري وتخلو فيها قاعات الاحتفال من أناسنا الذين ننتظر دوما وجودهم واحتفاءهم بنا،  لنحتفي بهم مرتين.. مرة لحضورهم إلينا ومرة بهم أنفسهم وهم يعلنون فرحا غامرا يحيونه…

فعندما يعلن أخ لنا أو مجموعة وطنية نرتبط بها وترتبط بنا، عن احتفالية فأول أمر ينبغي أن يبرز هو الاستعداد للمشاركة والحضور والعمل الدائب على أوسع تحشيد للاحتفالية..

وعلى سبيل المثال لا الحصر سيحتفي الاتحاد الآشوري العالمي (فرع أوروبا) قريبا بالعيد الأربعين لتأسيسه وقد أعلن مكان وزمان الاحتفالية وها أنا ذا أسمع جمعا رائعا يتحدث عن التحشيد للاحتفالية بوصفها احتفالية وطنية مشتركة يريد هذا الجمع أن يحولها لمناسبة يشعر فيها أعضاء الاتحاد بتلك الحفاوة التي تحيطهم من أخوتهم في الوطن من جميع الأطياف وبلا تردد من الأقرب فكريا وحتى الأبعد.. لأن القضية ليست قضية صراع فكري أو أيديولوجي أو سياسي بقدر ما هي انعكاس للبحث في توسيع وتكثير عدد المناسبات التي يحتفي بها شعبنا ويجدها فرصا مضافة لتوكيد وحدته ولحمة نسيجه وعمق العلائق بين مكوناته وأطيافه..

وإنَّ الأجدر بالتعبير عن هذا هم أبناء الشعب أنفسهم من العامة وأبناء الجالية العراقية في المهجر المعني بالاحتفالية قبل أولئك الذين يتصدون للمسؤولية في قمة هرم المناصب والمسؤوليات في الأحزاب والجمعيات لأن المعني بالفرح هم الناس ذواتهم؛ فيما الزعامات والقيادات والإدارات [في عديد من الحالات] تثبت أو تبرهن على أنها منشغلة أولا بالعلاقات الفردية والمشخصنة والخاصة أكثر مما يعنيها أمور الجمعيات والأحزاب والأعضاء وعامة الناس…

إنَّ ارتفاع وعي الناس بمصالحهم سيفضي إلى الضغط المناسب على الإدارات لكي تنهض بمسؤولياتها في التعبير عن مطالب الأغلبية في اللقاء والتفاعل والتعاضد وتنفيذ خطى العمل المشترك وبرامج التعاون والتعايش بمودة ووئام بعيدا عن الحساسيات وتقديم الذرائع لتجنب حضور مناسبة أو أخرى ومنع التحشيد لها أو حتى تعطيلها أو عرقلتها…

ها أنا ذا أستثمر أول مناسبة للاحتفال واللقاء لأدعو أبناء الجالية العراقية هنا في هولندا لكي يعبروا عن عميق وحدتهم ووطيد متانة أرضية علائقهم بالتوجه الحاشد يوم العاشر من مايو إلى قاعة البيت العراقي في لاهاي \ دنهاخ ليقولوا لأخوتهم من أعضاء الاتحاد الآشوري العالمي ومن الآشوريين الكلدان السريان جميعا وكافة لتكن الذكرى الأربعين لتأسيس اتحادكم علامة لطريق محفوف بالأزاهير من أطياف شعبنا بغض النظر عن الرؤى الفكرية أو السياسية أو الدينية أو المذهبية ولتكن أفراح أيّ طيف من شعبنا هي فرحة لمجموعنا وعيدا لكافتنا نحتفي سويا به وتعتلي فيه جميع الرايات سويا…

ولنصنع من عيد الاتحاد عيدا لكل المجموعات الآشورية بل لكل المجموعات العراقية القومية الأثنية الدينية المذهبية السياسية فكلنا أهل في الوطن والإنسانية وكلنا أهل لمبادئ عشرة آلاف عام من تراث الإنسانية في وادي الرافدين لنضحك فرحا غامرا وسرورا بالغا في حاضر حضارتنا التي لا يجوز أن نقبل بتراجعها بل أن نحقق تقدمها بتقدمنا سويا ويدا بيد ولننشد للسلام للمحبة للوئام وليكن العيد مناسبة لتعاضدنا وتصالحنا وتسامحنا ووحدتنا وتكاتفنا…

وتحية لمن حمل من هذي الرسالة جيدها وصحيحها ومنيرها تاركا ما لايراه مما يصب في الخير ومشرق الأهداق وصائبها.. ولكم جميعا سلام المحبة ومحبة السلام…

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

سومري من عراق السلام و الديموقراطية

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *