معالجة مشكلة  الميليشيات أم مطاردة أعضائها وأنصارها؟

الميليشيات بخاصة منها التابعة للحركات الحزبية في العراق هي القوة المسلحة التي تشكلت بين زمني المعارضة للنظام الدكتاتوري أو سنوات سقوط نظام الطاغية الخمس الماضية.. وهي بجميع الأحوال ترى أن وجودها وأساليبها العنفية المسلحة هي الحل في المرحلة التي وُلِدت فيها… ولا يمكن لأحد أن يتعامل معها من منطلق لغة الاتهامات والتعريض السلبي حتى عندما تختلف المنطلقات. والصحيح يكمن في الموقف من تعاطيها مع المصلحة الوطنية العليا في المرحلة القائمة…

والمتابع منّا يجد اليوم تزايد نسبة أعضاء تلك الميليشيات التي تعتقد بأن حلَّها والانتقال إلى الأنشطة السلمية هو الطريق الأسلم والأصوب في التعاطي مع المرحلة والتوجه إلى فعاليات مختلفة نوعيا تضمن في النهاية الانخراط في العملية السياسية السلمية وتطمين الحاجات العامة في تهدئة الأوضاع وتركيز المهام الأمنية بيد مؤسسات الدولة وحدها.. وهذا في الحقيقة لم يأتِ إلا من سببين:

  الأول: يكمن في وطنية الخلفية التي ينتمي إليها أغلب أعضاء الميليشيات ومستهدفاتهم…

  الثاني: يكمن في تعاظم الضغوط الشعبية ضد حالات توظيف تلك الميليشيات عبر إغراقها بالاختراقات والضغوط والأحابيل باتجاه خلخل الوضع الأمني، الأمر الذي ما عاد ممكنا القبول باستمرار وجود أو عمل تلك القوى المسلحة خارج إطار القوانين ومؤسسات الدولة الرسمية..

 مؤتمر وطني لرسم خريطة طريق حلّ الميليشيات:

إنَّ المطلب الرئيس اليوم يكمن في عقد مؤتمر وطني تحضره جميع القوى السياسية المعنية مباشرة بوجود ميليشيات مسلحة خاصة بها وممثلين عن تلك الميليشيات لتدارس الآليات التي تتفق على خريطة طريق حل الميليشيات وحصر أي نشاط مسلح بمؤسسات الدولة من جهة وبالشرعية القانونية الدستورية في المجتمع.. وسبب الدعوة لمؤتمر وطني يجمع مختلف الأطراف هو لمنع أن يجري توظيف المؤسسة الحكومية لصالح جهة على أخرى أو حتى مجرد السماح بالشعور بهذا الحيف..

ضرب ميليشيا وغض الطرف عن أخرى:

إذ يرى الصدريون [خاصة بعد أحداث البصرة] أن الحكومة تحابي البدريين وآخرين فيما تنزل فيهم طعنا وضربا ومطاردة على الرغم من الإعلان الكلامي من أن الدولة تطارد الخارجين على القانون فقط وهي لا تطارد تيارا بعينه كما التيار الصدري تحديدا.. ولكن المتابع للاصطدامات الجارية بين القوات الوطنية شرطة وجيشا من جهة وبين قوات أخرى يلاحظ بوضوح أنها تجري بين الصدريين من جهة وبين قوات ترفع راية الحكومة ومؤسسات الدولة وتتضمن بالملموس أفعالا تقع في خانة القوات البدرية وغيرها… ومثل هذا ينطوي على أمرين غير سليمين:

الأول: إثارة الإحساس بالحيف الواقع على طرف لحساب آخر ما يثير ردود فعل تتشدد أكثر في التخندق الفئوي أو الجهوي..

الثاني: عدم ترك فرصة لخيار السلم أو التحول للحياة المدنية ونزع السلاح ما يدفع لأمر واحد فقط يكمن في عدم مغادرة السلاح واتخاذ الخطط البديلة لمواصلة العنف بطرائق متجددة بسبب لغة المحاصرة والمطاردة وقطع طريق الخيارات…

الحوار والإقتاع أفضل السبل وأنجع الحلول:

إنّ الحلَّ الحقيقي لا يمكن أن يبدأ بالمعالجات العنفية المتشددة وترك الحوار ولا يمكن أن يبدأ بطرف ويسكت أو يصمت عن آخر لأنَّ هذا حتى لو كان يتضمن خطة المتابعة اللاحقة للطرف التالي فإنه لن يفلت من تفسيرات تترك آثارها السلبية على جمهرة غير قليلة من أتباع التيار الأول في مسيرة حل الميليشيات فكيف بنا والحل يجري بطريقة المعارك والأعمال العنفية المسلحة وأحيانا بإفراط في استخدام القوة بما يكون ضحيته [أي ضحية الإفراط] المواطن العراقي الأعزل وأعضاء الميليشيات الذين ينخرطون فيها لا إيمانا بالعنف بقدر ما هو استجابة لأوضاع منفلتة لا يد مباشرة للأعضاء البسطاء فيها…

لقد دعونا وأصوات أكاديمية وطنية عديدة للتعامل مع الميليشيات بآلية حلها بالتدريج وعلى وفق خطة تطمن نزع أسلحة تلك القوى بمقابل تدريب عناصرها على الانتقال إلى الأنشطة المدنية تحديدا لأن نقل تلك العناصر إلى الجيش والشرطة سينقل معه صراعات وانشطارات وتشظي في هذي المؤسسة الأمنية الوطنية العليا وهو ما لا تحتمله الظروف القائمة ولا طريق تقرير مصير العراق ومستقبله…

توفير الوظائف المدنية والبدائل الملائمة لعناصر الميليشيات المنحلة:

إن أفضل الحلول تكمن في التدرج بخطة متزامنة لجميع الميليشيات في نزع الأسلحة الثقيلة ومن ثم المتوسطة فالخفيفة وعلى مراحل قد تمتد لمسافة أشهر من بداية الفعاليات وفي الوقت ذاته يجري تعويض تلك الحركات ماديا مقابل تلك الأسلحة ويجري قيدهم في سجل الانتقال للتدريب على العمل في المهن المدنية المناسبة للفئات العمرية والتعليمية والقابليات والرغبات في الانخراط بعمل أو مهنة بعينها وقد يكون الأمر بدعم مشروعات خاصة صغيرة للفرد أو لمجموعة أو لمجموعات بحسب الخطط الملائمة…

إذن صار واضحا أن أي نية صادقة لمعالجة مشكلة الميليشيات لا يجري بوضعها في حالة اصطراع وقتال مسلح مع قوات الشرطة بل بوضعها أولا وقبل كل شيء بمجابهة مع مسؤلياتها الوطنية وبعملية تتوافر فيها فرص الإقناع بجاهزية الجيش الوطني والشرطة لأداء المهام وباستقلالية المؤسستين  ووطنية توجههما مع الأخذ بمواقف أعضاء تلك القوى المسلحة الإيجابية البناءة منها، بخاصة تلك التي تميل إلى التهدئة وإلى الحلول السلمية ذلك أن الحلول القمعية حتى إذا انتهت في الوضع الآني العاجل إلى انكسار قوة ميليشيا أمام قوة أخرى كقوة الشرطة فإنها سترتد بآليات بديلة محصلتها استمرار مخاطر الأعمال العنفية والتحول لمعارك عصابات من نوع آخر، لا يمكن أن يكون ضحيتها غير الوضع الأمني العام والمواطن العراقي االبريء…

إنَّ المطلوب اليوم أما مؤتمر وطني عام لجميع القوى تتفرع عنه مؤتمرات مختصة أحدها يتعلق بوضع خطة طريق وطنية مشتركة لحل جميع الميليشيات بلا استثناء وفي جميع أراضي الفديرالية العراقية على أساس من التدرج بتعزيز عوامل الثقة بين جميع القوى بالاستناد إلى خطة تطمن الجميع في آليات التنفيذ والتقدم نحو الانتقال لدولة المؤسسات الوطنية غير الخاضعة إلا لسلطة القانون والدستور ولا غير…

فهل سنستمع إلى مواقف صحيحة في توجهات الحكومة ومراجعة برلمانية لخططها بما يكفل منع افتعال أو اختلاق معارك جديدة وخطابات بطولية للانتصار على المارقين وإعلاء شأن البطل الفائز!

إنَّ ذلك ممكن ومتاح فقط في ظل تحول نوعي في توجهات أعضاء الميليشيات أنفسهم وضغطهم على القيادات لكي تتخذ طريق الحل السلمي الناجع الذي ينتقل بهم نحو العمل المنتج المدني الذي يخدمهم ويخدم مصالح أبنائهم ومستقبل الوطن الذي يبنون… وليسأل كل منّا نفسه: وماذا بعد؟ قتال متصل مستمر هل سيفضي لحياة طبيعية نحياها نحن بني البشر كما أرادت لنا شرائع السماء وهي تستخلفنا على الأرض لنعمرها لا لنخربها ونهدمها.. وقوانين الأرض التي تريدنا نبني الخير ليسعد بني الإنسان في عيش آمن مستقر.. فهل للميليشيات والبنادق والهاونات سبيل للبناء وأي بناء ومتى نبدأ؟

خلفية نقيضة عن الميليشيا بدأ العراقيون يغادرونها لغير رجعة:

إنَّ المنضوون تحت الميليشيات أدركوا كم جرى استغلال خلفياتهم الدينية وإيمانهم بطقوسهم وشعائرهم وما هي الحقيقة التي بدأت بها أغلب قواعد الميليشيات وأرضيتها.. فالمصدر الرئيس لتمويل الميليشيات بقي أجنبيا  والمصدر الرئيس لتسليح الميليشيات بقي أجنبيا غريبا على العراق والعراقيين والتدريب العسكري بقي مرتبطا بالأجنبي وبالمحددات التي أرادها وأبعد من ذلك فإن القيادات الاستراتيجية ظلت أجنبية في مرجعية التخطيط ومدياته المتوسطة والبعيدة وأحيانا التكتيكية الميدانية..

ومن الطبيعي أن تستغل تلك القوى الأجنبية نسائل من نمط الفراغ والخواء الفكري السياسي لصبية وفتية صغار في تجربة الحياة ولكنهم الأشد حمايا لتحقيق تطلعات والنظر إلى مستهدفات مزوقة ولكنها مجرد خدع وأضاليل بل أفادت القوى الموجِّهة الأجنبية من وضع بعض العناصر الشابة الفتية قليلة الخبرة على رأس قوى مسلحة واسعة الحجم كبيرته مستغلة حالات الاندفاع والانفعال وهزال الخبرات والمعالجات معتمدة على توجيه ردود الأفعال عن بعد إلى جانب توظيف أولئك الذين وُلِدوا في دول الجوار وتربوا فيها وارتبطوا روحيا وفكريا بمصالحها ومطامعها…

لكن هذه الصورة لم تبقَ على ما هي عليه وكما قلنا فهؤلاء  في أغلب قواهم بخاصة من القواعد أدركوا يوما فآخر أنَّ لغة السلب والنهب والتقتيل والاصطراع وخطاب السلاح ومسيرة العنف لا تصب في خدمة وجودهم وحيواتهم دع عنك أحوال أهاليهم وشعبهم ووطنهم وتراكمت خبرات وطنية صارت لا تتصارع على فتات المصالح الفردية والأهواء وما تدره من مفردات مادية رخيصة ومؤقتة بل صارت تبحث عن أهداف وطنية عراقية وتتطلع لمصالح غير فردية بل جمعية تحقق على الأرض المفيد في إعادة بناء البيت العراقي لأهله بعيدا عن البقاء صنيعة لأجنبي من أية جهة كانت…

عاش السلام وعاش العراقي من كل طيف وقومية ودين ومذهب وفئة:

أيها الأحبة من العراقيين الأصائل من كل القوى والتيارات الفكرية والسياسية ومن كل الميليشيات والأجنحة المسلحة للأحزاب والحركات الوطنية العراقية.. جميعنا وسويا نحب الحياة، حياة السلم والحرية وجميعنا لنا مصلحة في أن نعيش أخوة متحدين نعاضد بعضنا بعضا لنبني خير بلاد مثلما كانت الجنائن المعلقة ولدينا كل الخير ويكفينا ويزيد لأجيالنا القابلة وللبشرية معنا فلنعزز طريق العمل والبناء والسلم والمدنية والاستقرار بدل أية مفردة للعنف والسلاح ولنشرع في لقاء وطني عام ومخصوص نعالج فيه الكيفيات والآليات ولا تردد في توجهنا جميعا بلا استثناء وبلا إقصاء أو استبعاد أو تسلط..

وعشتم جميعا البدري والصدري، الإسلامي والعلماني، العربي والكوردي والتركماني والآشوري، المسيحي والمندائي والأيزيدي جميعا سواء في وطن الجميع [[وليكن فقط]] من يخرج على إجماع طريق السلام  هو الوحيد الذي ستتكفل به قوة الحكومة وحكومة الشعب وليس جهة بعينها ولا على حساب أية جهة..

فلقد بدأ العد الأخير للشروع في مسيرة الوحدة الوطنية الراسخة وفي الاعتراف بالوحدة في التنوع وجماليات الحياة عراقية خالصة نبني بثرواتنا وطنا لنا ولأبنائنا هو جنة الله على الأرض وها أنتم تتركون صيدا ماديا بخسا لا يغني ولا يسمن ولا يجعلنا نحيا إلا في خرائب فيما المستفيد هو من يستغلنا ويستغل تمسكنا بسلاح الطعن في وجودنا وفي أنفسنا وأخوتنا.. فإلى لقاء وطني على أرضية التسامح والسلام والإخاء والوئام……….

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *