التعليم عن بُعد نظام تعليمي رصين ومطلوب تجربة جامعة ابن رشد ودعوة مفتوحة للتعاون

(1)

تأسست أول أشكال المدارس على وفق ما نقلته لنا سجلات تراث الإنسانية الموجودة عند السومريين باتصال (المعلم) بـ (تلميذه) مباشرة. وبعد هذه الآلاف من السنين؛ تتعاظم اليوم توجهات المجتمعات البشرية نحو مراجعة صيغ نقل الخبرات والعلوم ونشرها.. ففي عالم صارت تحكمه التكنولوجيا الحديثة وتربط بين جنباته بما يجعله مفتوحا على الجميع وبينهم؛ ولإنَّ عالمنا اليوم المحفوف بالتحديات يلزمنا بالتعاطي مع أدواته ووسائله وإلا أصبحنا نسيا منسيا.. فقد صار واجبا في يومنا أن نوظف هذه التقنيات ونستخدمها بما يجعلنا أبناء العصر الذين يدركون أشكال التحديث والتجديد في كل مكوناته ومفرداته ويحيطون بها جميعا…

إنَّ من أخطر عوامل إثبات الذات هو اكتساب المعارف والعلوم الحديثة والوصول بأوفر الخطط في مجالات حساب الزمن والمحددات المكانية وأشكال متنوعة من الكلفة المادية التي تتطلبها مسائل توفير الأبنية وتأثيثها وموضوع المواصلات والتنقل بين المدن والبلدان وكل ما يستتبع ذلك من شروط وتعقيدات.. وسيبقى العقل البشري هو الرأسمال الأكثر ثباتا وأهمية بخاصة في يومنا وفي مستقبلنا القريب والبعيد.. وهذا ما صارت الدراسة الجدية المسؤولة اليوم تقترح من أجله الحلول والبدائل المعاصرة وتحديدا هنا في ركيزة التعليم، استخدام “التعليم عن بُعد” وليدا آخر للتعليم بالمراسلة والتعليم المفتوح وشكلا مهما مناسبا وجديدا لمعالجة التحديات الاقتصادية والروتينية التقليدية المتنوعة…

لقد تسابقت في عصرنا قوى مهمة على تفعيل هذا النمط من أشكال التعليم وصار مهما أن تدخل قبل غيرها لتفعيل خبراتها ولحسم أمرها من مسائل عديدة تحيط بطرائق العيش المستقبلي وضمان هذا الغد؛ بدل القعود بانتظار أنْ يأتي قطار لاحق ليأخذ (المُنتظرين) معه بعد أن يكون قد مضى قطار العصر بعيدا ويكون المنتظِرين كأبناء قرية نائية متخلفة مهملة بأهلها المنسيين..!!

وفي خضم التداخلات والأوضاع القائمة، بادر عدد من العلماء والمفكرين والأساتذة العراقيين والعرب لكي يتصدوا لمهمة بناء هذا الصرح ووضعه بين أيدي أبناء بلدان الشرق الأوسط جميعا.. ولينقلوا فرص التجربة العلمية بوصفهم من الرواد الأوائل [عالميا] بين هذه الفعالية الاستثمارية التي تنقل المعارف والعلوم من دون الخضوع للكلف المادية ولأشكال التعقيدات التي تخص جذب العقول ونقلها وتأمين سكنها وإقامتها وعيشها أو روتين نقل الطلبة إلى بلدان ومهاجر قصية.. وانطلقت عملية تأسيس المراكز العلمية البحثية والجامعية متجهة إلى أبناء الوطن ليكتسبوا أحدث العلوم ويتصلوا بمحيط بعيد مكانا، تكتنف عملية الانتقال إليه مصاعب وتعقيدات في حالة الالتحاق بالتعليم التقليدي…

وصرنا اليوم نلمس يقينا وعمليا وجود عدد من الجامعات [التي تتخذ التعليم الألكتروني نظاما]؛ تلك الجامعات التي شرعت بجهودها المميزة لتُعنى بخدمة طلبة العلوم المتنوعة المختلفة ما يمكنه أن يلبي بعض الحاجة الحقيقية لعدد الطلبة الذي يقدر بالملايين في حوالي 30 بلدا في غرب آسيا وشمال أفريقيا وعدد آخر من بلدان القارات القصية التي تضم ملايين المهاجرين.. وإذا كانت غالبية هذه الملايين من ذوي الدخل المحدود وأبناء الطبقة المتوسطة فإنَّ قضية توفير مصاريف الانتقال والإقامة وغيرها قد صارت مُعالجة َ َ بوساطة التعليم الألكترني…

إننا وأغلب جامعات التعليم عن بُعد نجابه – كما هو واقع الحال – اعتراضات ضد التحديث في طرق التدريس والتعليم تكون أحيانا شديدة جدا.. ولكنّ ذلك سينتهي مع تقدم الوقت وإدراك حقيقة نظام التعليم الجديد أي نظام التعليم عن بُعد [الألكتروني].. وهو تعليم بالأساس يأتي استجابة لعمليات لا تخص توفير الكلفة الاقتصادية حسب بل يأتي استجابة لنقل أحدث العلوم والمتغيرات في الكشوف الحديثة والمعاصرة في زمن المتغيرات الجاري لا في السنوات والأشهر بل في الأسابيع والأيام ويأتي حاضنا للصلات المباشرة بين مراكز العلوم والبحث العلمي الموجودة في أماكن متباعدة ولكنها تحيا على مقربة من بعضها بعضا حيثما استخدمت واستثمرت وسائل الاتصال الحديثة كما يفعل التعليم الألكتروني..

وفي هذا السياق لا يمكننا إلا أن نقول إنَّ جامعات التعليم الألكتروني كما الجامعات التقليدية قد يكتنف عملها بعض الأخطاء، وستكون تلك الأخطاء أكبر إذا ما اسبعدنا القبول بها ووضعها تحت التسجيل الرسمي لوزارات التعليم العالي واتحادات الجامعات الرسمية.. وإذا كانت خطوة اتحاد الجامعات العربية وعدد كبير من البلدان العربية قد جاءت توكيدا لهذا المعنى باعترافها الرسمي بالجامعات الألكترونية وإدراجها في سجلها الرسمي واعتماد شهاداتها؛ فإنَّ عددا آخر من البلدان العربية ما زال يبدو وكأنه غير معني بالأمر ويعلن عدم اعترافه بهذا النظام التعليمي من دون مشاورة أو دراسة ملموسة وأسباب موضوعية أو تخضع لمنطق علمي صريح.. هذا الأمر يُنتظر أن يُدرس مجددا ويُعتمد المنطق البديل الذي يقرّ الواقع المتغير وكل ما هو صائب فيه وتحديدا الاعتراف بالتعليم عن بُعد وتسجيله رسميا ومتابعة تطبيق مؤسساته للشروط العلمية الرصينة كما هو الحال في بقية أنماط التعليم…

ومن المفيد التوكيد هنا على أن المتابعة لشروط التعليم تكمن في تطمين الثقة بأسس القبول ومصداقية التعاطي مع المدخلات بشأن قبول الطلبة الحاصلين على شهادات مدرسية وجامعية معتمدة ثم المناهج الدراسية العلمية المتكاملة التي تتبنى الدقة والرصانة والموضوعية والأساتذة الأكفاء والإدارة العلمية الأكاديمية الخبيرة المتمكنة فضلا عن جملة محددات أخرى مهمة إلى جانب متابعة المتخرجين وتمكينهم عبر نظام التعليم المستمر من أداء مهامهم الوظيفية والحياتية على أكمل وجه وأنضجه…

(2)

 ويمكن القول: إنَّ من بين المشروعات ذات الريادة والخبرة والتمسك بالمحددات العلمية الدقيقة للعمل الجامعي التي اُفتُتِحت مؤخرا هي جامعة ابن رشد في هولندا التي باشرت عملها التأسيسي منذ مطلع العام الجاري 2008..  وقد أنجزت أغلب الأمور من مفردات اللوائح والأنظمة وجداول المقررات العلمية.. مع تمكين علماء وأساتذة أفاضل وأجلاء من الاتصال بطلبتهم عبر اعتماد عملهم الذي اكتسى خبرة عبر عشرات سنوات العمل الجامعي العلمي المبدع وعبر خبراتهم في تأسيس كثير من مشروعات التعليم الألكتروني الأخرى.. وهم إذ يشرعون في تأسيس جامعة ابن رشد فلأجل تغطية سعة الطلب من جهة ولتعزيز التفعيل العلمي وتنشيط أدواته، وتصحيح بعض الثغرات على مستويات مختلفة من التعاطي مع المسيرة العلمية بكل أوجهها.. والاحتفاظ بأعمق العلاقات العملية والعلمية مع جميع الجهات التي تضع العلم في أعلى قائمة اهتماماتها..

 وكون جامعة ابن رشد في هولندا مؤسسة للتعليم العالي بطريقة (التعليم عن بُعد) أو ما اصطلح عليه التعليم الألكتروني، فقد وضعت لها موقعا رسميا على شبكة الأنترنت يمكن أن يتيح للجميع فرص الفائدة بعقد الصلات مع الأساتذة والإدارات العلمية وأخذ ما يرومون منه علميا عبر المكتبة الألكترونية والدورية البحثية العلمية وصفحات المقالات والبحوث وغيرها من المفردات التي ستستكمل قريبا بأتم صورة، مما سيكون له الأثر الجدي الفاعل في نقل الخبرات والمعارف لأوسع طالبيه…

إنَّ جامعة ابن رشد ليست مجرد مؤسسة للتعليم بالتوصيف المدرسي المحدود بل هي مؤسسة خبرة واستشارة ووضع الدراسات والخطط وعقد المؤتمرات العلمية المنصفة التي يمكن أن تتقدم بمجتمعاتنا وبطالبي العلوم إلى مصاف الحداثة وآخر ما وصلت إليه البشرية في أصقاع المعمورة.. وفي ضوء ذلك ستشهد الجامعة وقائع المؤتمر الأول للغة العربية ودورها في التنمية البشرية في ضوء جسر العلاقة بين الحضارتين العربية والأوروبية ووجود الجاليات المهجرية في أوروبا  حيث مقر جامعة ابن رشد في هولندا كما ستنهض بمؤتمرات في العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية بما يخضع لفائدة المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء وبما يفيد في التفاعل لجسر الفجوة وردمها وتفعيل أدوارنا في الحياة المعاصرة..

ولأن الخطط الموضوعة بهذا الشأن صارت جاهزة وتنتظر الانتقال للتنفيذ فإنّ عوامل عديدة تتطلب التضافر لهذا الانتقال كيما نرتقي لمستوى مسؤولية الحدث وواقعنا ومتطلباته اليوم.. وبالتأكيد سيكون لاستجابة وزارات التعليم العالي والجامعات في امتداد البلدان الشرق أوسطية والجهات المعنية المسؤولة ولدعمها مثل هذه الفعاليات دوره في النجاح المرجو من وراء جذب الطاقات العلمية وقراءاتها الدقيقة لوضعها في ميدانها الفعلي الحقيقي… ومثل هذا الأمر موجود بمسؤولين وجهات تعليمية عربية وغيرها تنظر بعين الاهتمام نحو ما يؤدي لطريق التفعيل الذي نتحدث عنه هنا بعجالة ونضعه بأوراق عمل ملموسة بين أيديهم..

وفي سياق التطبيق والعمل تبقى لاتصالات الأساتذة وانتسابهم لجامعة ابن رشد أو تعاونهم مع توجهاتها العلمية ولاتصال الجهات الرسمية والمعنيين واحتضانها لمشروعات العمل الموجودة بالفعل وتنتظر الانتقال للعمل بدفع جدي مادي ومعنوي، حيث يهمنا هنا بإيجاز ومباشرة الدعوة لعقد الصلات المباشرة والاتصال بنا؛ مرحبين (باسم أساتذة جامعة ابن رشد وإداراتها وطلبتها) بكلّ صوت نبيل شريف تهمه مصالح أبنائنا ومستقبلهم ومستقبل وجودنا الحضاري المخصوص بهويته الإنسانية التي ظلت وما زالت مشرقة ساطعة متفاعلة مع الآخر بطرائق موضوعية ورصانة المنطق العقلي التنويري الصحي الصحيح…

موقع جامعة ابن رشد في هولندا:           http://www.averroesuniversity.org

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *