التعليم الألكتروني وعقد الصلات مع طلبة العلم بمختلف قومياتهم ولغاتهم؟!  بلدان الشرق والعراق نموذجا

في أغلب بلدان الشرق الأوسط هناك تعدد أثني قومي وديني. وهناك حال من نسب إهمال أو تهميش لأبناء المجموعات القومية والدينية في مختلف الميادين الحياتية. وفي التعليم بعامة والتعليم العالي بخاصة تتعاظم أعداد الطلبة الذين يفقدون فرصهم في مواصلة تعليمهم سواء بلغاتهم القومية أم بأية لغة أخرى. دع عنك أن بعض اللغات تكاد تنقرض بسبب من حال المحاصرة والإقصاء، وبسبب من فعل التجهيل والأمية أو عدم وجود كوادر علمية تدرّس بتلك اللغات أو ترعاها وأبناءها.

ونجد الأمازيغية ولغة الأزواد الطوارق تتعرض لضغوط ذاك الإهمال الذي نشير إليه وأبناؤها شعب له وجوده الحي في حاضرنا. والمجموعات القومية الشرق أوسطية المسيحية من أقباط ومن الكلدان السريان الآشوريين بلسانهم ولهجات اللغة التي يتحدثون هم أيضا في حال من التهميش المشار إليه.. أما عند تعلق الأمر بمجموعات قومية دينية أخرى كما في حال الصابئة المندائيين والتركمان والأرمن فإنَّنا سنجد تعتيما بعيدا يضرب سورا حواليهم.. وبالحديث تفصيلا يمكننا أن نشير إلى جناح العراق الفديرالي الثاني يعانون من مصاعب وتعقيدات بشأن استخدام لغتهم أقصد هنا الكورد واللغة الكوردية وما يجب من موقف علمي لغوي بالخصوص…

إنَّ وجود كل هذه المجموعات بلغاتها وألسنتها ووجود الحاجة الماسة للعناية بثقافات مستقلة وتراث ثرّ غني بإنائه اللغوي المستقل يفرض وقفة مسؤولة من جهات البحث العلمي والتعليم العالي أن تتخذ قرارها الصائب في التعاطي مع هذه اللغات والدفع باتجاه دراستها والعناية بتراثها وبالمنتج من النصوص فيها فضلا عن النهوض بمسؤولية تقعيد لغوي وتأسيس أبجدي لما كاد يضيع تماما عن الاستقرار الأبجدي بسبب قرون أو عقود من الإهمال المتعمد… كما ينبغي الالتفات إلى إدخال التعليم بمختلف المعارف المعاصرة ليكون طوع بنان أبناء جميع هذه المجموعات القومية والدينية بلا تقصير أو مواصلة لمصادرة حق ثابت أساس في الحياة الإنسانية الكريمة…

ولعل بعض عوامل الإهمال تعود إلى قصور فاضح في القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم التقليدي المنتظم لملايين من طلبة العلم في ظروف تنموية مرتبكة. ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان أن نبحث عن حلّ جدي مسؤول لتلافي هذا القصور الشديد عبر أشكال التعليم الحديثة (أشكال التعليم عن بُعد) التي يمكنها أن تصل إلى أبعد المناطق النائية المهملة أو التي لا تمتلك البنية التحتية الوافية لإنشاء مؤسسات تعليم بحاجة لأبنية وتجهيزات مكلفة أو غير متاح إشادتها في ظروف غير مؤاتية… ومن الطبيعي أن يكون التعليم الألكتروني أحد أهم الأنماط المفيدة في حلّ هذه المعضلة، والاستجابة لحاجات طلبة العلم من كل هذه المجموعات (اللغوية: بقدر تعلق الأمر بهذه الإشكالية) ومطالبهم وحقوقهم في التعليم…

إنَّ التعليم الألكتروني الذي تباشره اليوم كوادر العلم والمعرفة من علماء وأساتذة يتجه في أهم أهدافه لتلبية تطلعات مئات آلاف الطلبة في الدول الشرق أوسطية بأطياف أبنائها ومن غير عقبات التمييز العنصري أو الشوفيني الاستعلائي وفعاليات الاستبعاد والإقصاء التي مورست في أكثر من ظرف ومكان.. وها قد صار اليوم للتكنولوجيا أن تتدخل لحل معضلات كالتي نشخصها هنا..

وإذا كانت بعض مشروعات التعليم الألكتروني قد دخلت في سوق التنافس والربح وأخرى في مجالات الاستجابة لتوجهات تتطابق وحالات الثقافة الإقصائية السائدة فإن بعض مشروعات التعليم الألكتروني الجديدة تتطلع أن تسجل ريادتها في الاستجابة لحقوق طلبة العلم. ونسجل بثقة لمشروع جامعة ابن رشد في هولندا أن تكون الجسر الحضاري بين وجودين تعايشا ويتعايشان على ضفاف المتوسط شمالا وجنوبا.. وأن تكون جامعة ابن رشد جسرا بين الطلبة وتطلعاتهم وطموحاتهم والوسيلة الأهم التي تضع مبدأ المساواة بين أبناء الشعوب وتعميد حقوقهم نصب أعينها…

جامعة ابن رشد تحمل جوهر التوجه العلمي المتنور كما كان الفيلسوف ابن رشد في منجزه وهي تُعنى بالعربية ومنجزها العلمي المعرفي التنويري التحديثي ما يصبّ عميقا في هذا الهدف النبيل باللقاء مع جميع الطلبة من مختلف المجموعات المتعايشة هنا في هذه البلدان. والنموذج النيِّر المشع هناك في العراق حيث يتطلع الطلبة لتثبيت العلائق بينهم عبر جامعة ابن رشد بلا تمييز أو إغفال وغمط لحق طرف على حساب آخر.. هنا في هذه التجربة سيكون للطلبة أن يتخذوا القرار في التعبير عن ثقافاتهم وعن معارفهم ودراسة تراث قومياتهم ومجموعاتهم الدينية بالطريقة التي تساهم في تعزيز التفاعل الإنساني الصادق الأمين الحريص على العدل والإنصاف والمساواة وإزالة الحيف التاريخي ومسار المظالم والاعتداء..

إن روح الاستقلال في الخطاب العلمي الأكاديمي لجامعة ابن رشد تنبع من حرصها على توطيد فلسفة التنوير وخطاب البحث العلمي الرصين ورفض أشكال المغالطات التي تاجرت بكل شيء ومن ذلك التعليم بله الإنسان نفسه. بينما خيار هذه الجامعة بدأ من الخلفية المعرفية وجوهر ذهنية الأساتذة وطبيعة اللوائح التي تضبط العمل منحازة للعلم وللحقيقة العلمية ولطلبة العلم بمختلف انتماءاتهم الإنسانية القومية والدينية والفكرية.

في ضوء هذه التوجهات نجدنا نلتزم التمسك بالقوانين الضابطة للعملية التعليمية وتلك التي تنفتح على المجتمع الإنساني بقيمه الحرة المنعتقة من ربقة أو نير التمييز والإقصاء. وهذا أمر جوهري مهم بسبب من أن الدراسات الموجودة في التعليم الألكتروني هي دراسات العلوم الإنسانية وليست العلوم التطبيقية الصرفة ما يعني صلة إضافية وطيدة بالإنسان وانتماءاته وتوجهاته ومعالجاته لقضاياه على وفق منطق عقلي علمي…

وبالطبع سيكون من يقرر نجاح ابن رشد جامعة َ َ بهذه المقاييس ليس الورق والخطط ولا النيات الطيبة وحدها بل هيأة التدريس والإدارة وكذلك بالتأكيد الطلبة أنفسهم بإقبالهم على توكيد دورهم الفاعل في تطبيق اللوائح وفي التعاطي مع المشروع من جهة توطيد مصداقية التطبيق العملي لما يُرفع من شعارات ومبادئ والمشاركة في العملية التعليمية من جهة توجيه البحوث نحو غايات هي في صميم الحاجات الحقة لمجتمعنا بكل أطيافه وما ينتظره من تطلعات وآمال…

وسيكون صدور البحوث والمعالجات التي تعود للعملية التعليمية  وللمؤتمرات والأنشطة البحثية بما ينظر إلى واقعنا ومتطلباته ومجرياته أمر يمثل غاية النجاح والتوفيق في إنجاز المستهدف في العلاقة بين جامعة التعليم الألكتروني وطلبتها في مختلف أرجاء بلدان المنطقة وفي النواحي والقصبات القصية من تلك البلدان مما لم تصله بعد خدمة التعليم العالي.. وبالمناسبة سيكون هذا ربطا لتلك الأماكن – التي كادت تقفر –  بعالمنا في أعلى قمم المدن الحية الناشطة والفاعلة في جهودها الإنسانية الكبيرة…

أليس وساما ساميا أن ينضم إلينا ابن قرية كوردستانية بعيدة أو فراتية من أقاصي فروع الشط والهور في الناصرية والعمارة  أو من أبعد نجع في الأنبار والموصل أو في تلك القرى النائية في لبنان أو اليمن أو عمان والسودان من النوبة ومن دارفور ومن صحراء الأزواد في البلدان المغاربية ومن أية بلدان مهجرية.. ؟ إنه بحق الوسام الأرفع لأنه الوسام الإنساني بذاته حيث طلبة العلم هم أوسمة العلماء والأساتذة الأجلاء وهم يعملون هنا معنا في التعليم الألكتروني بنموذجنا المشرق “جامعة ابن رشد” التي تضمنا كافة في بوتقة واحدة للتعلم والتزود بالمعارف وها نحن عربا وكوردا وتركمانا وكلدانا سريانا آشوريين وأرمن وصابئة مندائيين وأقباط ونوبيين ومن دارفور وجنوب السودان ومن الأزواد الطوارق والأمازيغ ومن كل تلك المجموعات القومية والدينية التي شادت حضارات هذه المنطقة لتؤسس لتراث الإنسانية وها هي تعود المشاركة الفاعلة في مسيرة البناء مجددا لتعلي الريادة في مشروعنا جميعا…

ليكن ملتقى الجميع ها هنا حيث التجربة العملية الملموسة تتحول بفضل تعاضد جهودنا مشتركة متفاعلة وليس حلما في الهواء… إنه بحق ما نخطو به سويا لنبني لأنفسنا مؤسسة علمية تمثل الصرح المستقبلي الأنجع والذي نتقدم به سويا بروح المساواة والتآخي والتآلف وإزالة عقبات الاستلاب والمصادرة واللامساواة… وتلك الحجر الأساس التي ننطلق في التأسيس والبناء عليها حتى يشمخ شاهقا بنيان جامعتنا وتكون نموذجا لعديد من الجامعات في نمط التعليم الألكتروني في زمن هذا التعليم بأفضلياته وما يلبيه من متطلبات وحاجات…

http://www.averroesuniversity.org

موقع جامعة ابن رشد في هولندا

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *