ساسة الاستبداد الطائفي وخطابهم التضليلي الإقصائي

أنْ تكونَ على حقٍ، فأنتَ لا تحتاج لإقصاءِ الآخر وإلغائِهِ؛ ولا إلى خطابٍ ذرائعيٍّ للتضليلِ والتعتيمِ على ما تقومُ بهِ من مريبِ الفعلِ وربما الجريمة! وذلك هو ما يحدثُ مع الاستبداد الطائفي المتسلط اليوم.. فيدَّعي قادتُهُ أنَّهم جاؤوا ديموقراطياً لتلبيةِ العدالةِ وإنصافِ المظلوم، وإنْ هي إلا مزاعم المرضى للتغطية على ما يجري وما يعيشه الفقراء بأنفسهم مما لن تغطيه ادعاءاتٌ أو مزاعم. والحقيقة الأنكى، ألا تقف قوى الطائفية السياسية عند ادعاءات تبييض الأوجه الكالحة لها، بل هي تتجه أولاً وقبل كل شيء إلى تشويه الآخر وثانياً لإقصائهِ ومحاولة إلغائه وطمس وجوده نهائيا.

إنّ ما جرى ويجري في عراق اليوم الأخير، يتمثل في حملاتٍ سياسية وإعلامية هوجاء، لا ترى الآخرَ، في تقدُّمِ مجنزراتها، سوى عدوّاً يجبُ تصفيته، إنْ لم يخضعْ ويكون تابعاً خانعاً! ومن هنا فإن المواطن العراقي يُؤسَر اليوم خلف تخندقات الانقسام الطائفي المفصولة قسراً عن أيّ مجال للاتصال بالآخر كي لا يطلع على الحقائق. فنجد قطع وسائل الاتصال بخاصة شبكة الإنترنت والهواتف والتشويش على الفضائيات ومنع بعضها من العمل الميداني  وحجب الصحف بمختلف الأشكال ومنها منع توزيعها واختلاق مشكلات تقطع الطريق على طباعتها وحتى على أية فرصة للعاملين فيها من الحراك! وسياسياً لا صوت فوق صوت (المعركة) الطائفية حيث التمترس خلف ميليشيات الدفاع عن (المقدسات) وأشكال التضليل المكرورة الممجوجة!!

وفي ظلال كل هذه التحضيرات، تأتي التصفيات للآخر بوصفه عدو الله والمقدسات والوطن والناس! ولكن من الذي حَكَمَ ليكون طرف عدوا؟ الجواب في العبارة المأثورة: “فيك الخصام؛ وأنت الخصم والحكم!”.

أما بالعودة إلى نتائج تلك السياسة على الأرض فلن نرى سوى أن هذا الآخر ليس شخصيةً هي الخصم السياسي بل هم أبناء الوطن أجمعين.. إذ تتعكز سلطة الطائفية بأنها مشلولة اليد عن البناء لانشغالها بالعدو وهي لا تبني ولا تخدم حتى في المدن التي تتبع لها، وتعدّ هادئة.. وحكومة المالكي بدل أن تبني البصرة والناصرية والعمارة وكل من كربلاء والنجف هاجمتها ومنعت أية فرصة للتعددية حتى في معسكرها الذي تدعي تمثيله فيما هي تجند أبنائها لمعارك مفتعلة وأخرى أوقعتنا بمآزقها بسياستها الرعناء، فضلا عن كونها تطيح بالآخر في محافظات مارست فيها الإهمال المتعمد والإقصاء والإلغاء وأشعلت نيران الحقد والاحتراب بفضل جناحها المستنبت هناك بقصد إضفاء الشرعنة على وجود خطابهم وأسر البلاد برمتها بأيدي أحزاب الطائفية التي تحيا بجناحين يبرر أحدهما للآخر وجوده..

أما هؤلاء بكل ما لديهم من دجل وتضليل يُرسم من الجهات التي تمتلك مصلحتها في خطاب الطائفية، فإنهم لا يستطيعون البقاء وسط أجواء الديموقراطية الحقيقية، ولكنهم يوجدون فقط بآلية الاستبداد؛ لأنهم لا يمتلكون رجال دولة والدليل ليس [فقط] حيرتهم بتقديم شخصية (رجل دولة) وإصرارهم على التمسك باسم بعينه بل هم يوغلون للتمسك بما وضع العراق بظلاله في أعلى قائمة البلدان الأكثر فساداً والأكثر فشلاً حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من الانهيار حيث لا معنى للأكثر فشلا إلا الانهيار الشامل والتفكك!!

إنّ إغماض الأعين عن المآل الأخطر في التفكك والدخول بحربٍ ضروس لا تُبقي ولا تذر، حربٍ ميليشياوية همجية يتشرذم فيها الشعب ويتفكك الوطن على كانتونات! إنّ ذلك هو عين ما يفضح مقدار الجهل والتخلف الذي يكمن خلف نهج استبداد أغلبية الصندوق المفصَّل على مقاس خطاب الطائفية السياسية وعناصرها المتحكمة.

وحقيقة الأمر أن الأغلبية السياسية في العمل بخطاب الديموقراطية البرلمانية المؤسسية لا يعني قطعا  استبداد مكون على بقية المكونات حتى لو حاولوا الالتفاف بممارسة خطاب الطائفية عبر لعبة جناحين متقابلين مصطرعين شكلاً، لكنهما جوهريا يخدمان لعبة السطو على كراسي السلطة والتحكم بالناس بوصفهم رؤوس غنيمة يقدمونها قرابين في معارك ذينك الجناحين من مؤججي الاحتراب بصنع متاريس الاقتتال من أجساد الفقراء من الجانبين!

لقد فضح أولئك الذين تحكموا طوال الدورات الانتخابية السابقة بكرسي السلطة الغنيمة كما يسمونها، أنفسَهم بتمترسهم خلف خطاب إقصاء الآخر وتشويهه. وها هم يهاجمون لا القادة الوطنيين بل أبناء شعبنا من المكونات المختلفة التي يهمشونها بتوصيف الأقليات!!!

وهم لم يكتفوا بتزوير إرادة الأغلبية بل همشوا المكونات بتسميات وممارسات لفضها القانون الدولي.. فالمسيحيون عندهم  أقلية، والأيزيديون أقلية، والمندائيون أقلية، والتركمان أقلية، وحتى الكورد والسنة بملايين وجودهم أقلية؛ مع لفتنا النظر إلى طابع التقسيمين الطائفي (السياسي) والقومي في خطابهم وغاياته ومآربه التي نراها!؟ وإلى أن فكرة تقسيمهم المرضي لبنية شعب يعيش بدولة كانت مهدا للحضارة وبنى التمدن كما يعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين وآليات منجزه، حيث التقسيمات المجتمعية تقوم على أساس العمل وعلى وحدة الوجود لكل الأطياف والهويات المكوناتية، إنما هي تقسيمات تناقضية تتعارض ومرحلتنا وطبيعتها ومصالح الشعب ولا تخدم سوى اجترار ذرائع للاحتراب بين أخوة الوطن والتمييز بينهم بما يؤدي إلى الإيقاع  بهم في أسر بلطجية الميليشيات ومآربها…

وعليه، فإنّ أمام تلك الأحزاب والقوى أن تتحرك باتجاه تراجع عن نهج أودى بالبلاد نحو أفق التفكك فضلا عن مجريات تسليمه لأعتى همجية في عصرنا هي همجية إرهابيين لا يعرفون لحياة الإنسان احتراماً أو قبولاً.

وأول طريق أخذ الدروس والعبر القائمة اليوم، يتمثل في التوقف عن التمترس خلف مَن أوصَلنا إلى هذه النقطة المأزومة والإتيان ببديل كيما يبرهنوا على اتعاظ  من واقع انتهى نوعيا جوهريا من مرحلة وبدأ مرحلة جديدة. واقع يقول: أما عراق موحد على أسس مدنية تحترم العدل والمساواة وتلتزم بالعقد الاجتماعي (الدستور مع تعديلاته) مضمونا يوجه العلاقات والأداء أو تفكك مُكرهين عليه جرى تصنيعه وطبخه بمعامل الجهل لقوى الطائفية السياسية.

إنَّ التلكؤ في الحديث عن تغيير رجل فشل بكل مقاييس بناء السلطة في وقت يتطلب الوضع تغييرات جوهرية أبعد، سيكون القشة التي تقسم ظهر بعير الوجود العراقي.. فإذا كانوا لا يملكون رجال دولة وهم كذلك فعلا حيث العقل العلمي الوطني التنويري يقف في ضفة التهميش والتجميد بعيدا عنهم وخارج أطرهم حبيسة الجهل والتجهيل، إذا كانوا كذلك من الفقر العلمي فإنهم بهذا لا يملكون قدرة الإتيان ببدلاء يحظون بمقبولية وطنية ومن ثمّ ماذا سنقول بشأن التغييرات النوعية الأخرى التي تنتظر التفاعل العاجل استجابة للمطالب الوطنية المستجدة الطارئة!؟؟

إنّ الطامة الكبرى عراقياً هي أنه وسط عقود من الزمن كانت مؤسساته منخورة لتأتي العشر العجاف وتنهي حتى ذاك الوجود المظهري لتلك المؤسسات ولتصطادنا جريمة مثلث (الطائفية الفساد الإرهاب) ونكون أسرى تشكيلات ما قبل قبل الدولة الحديثة بمعنى أنها تشكيلات ترفضها حتى أزمنة دويلات الطوائف ومغاور الجهل والتخلف.. وفي هذا الخضم اتسمت قوى مَدْيَنةِ الحياة ودمقرطتها بالتشتت تئن تحت ضربات متصلة…

ولكننا بالمقابل يمكن أن نشرع بالتغيير تدريجا بفرض خارطة طريق التغيير التي تبدأ من صغير تفاصيلها وأسهلها تلبية لتتنامى فتلج العناصر الأكثر تأسيسا للعراق الديموقراطي، يغادر المحاصصة الطائفية وفلسفة البيع والشراء بالعراقيين عبيدا لبلطجية زمن الميليشيات وسطوتها على الشارع ومؤسسات البلاد وفئات المجتمع..

وستكون الاستجابة العاجلة لنداءات تقرأ الواقع ومتغيراته بموضوعية وحنكة سياسية هي أول طريق النجاة والإنقاذ. فلقد دفعت كوردستان وقيادتها بنداءات واضحة تمثلت في رسالة فخامة رئيس كوردستان الأستاذ مسعود البارزاني التي تضمنت توضيح الأمور والحقائق كما تضمنت أسس الانتقال إلى عراق جديد يحترم مسيرة بناء وتنمية فعلية تنصف الجميع وتضعهم على طريق الصواب ومثلها جاءت نداءات أخرى بضرورة تقديم مصالح الوطن والشعب على مقام أفراد وربما من يقف وراءهم من أحزاب ولعل أبرز مطلب ملموس لتقديم ما يؤكد تبادل الثقة وإخلاص النيات هو استبدال الشخص الذي تسبب بكل ما انحدرت إليه البلاد من أوضاع مزرية..

ونحن في معارك بسفينة وسط بحر هائج بمنطقة ملتهبة والتلكؤ أكثر يعد عبثا ولعبا بالنار لحصد مكاسب حزبية ضيقة.. الأمر الذي يفرض إجرائيا: أولا وبوجه عاجل تقديم مرشح تُجمع على وجوده الأطراف المشاركة ثم دعوة لجنة تنسيق وطني تنهض بمهمة وضع خارطة طريق تتضمن قضايا العفو العام وعقد المؤتمر الوطني ووقف خطاب التشويه والتسقيط السياسي التضليلي المخادع  وإشراك القوى والحركات والفئات الأشمل لمكونات الشعب وأطيافه وإطلاق عملية بناء وتنمية محسوبة بقراءات علمية ومنها بناء مؤسسة الجيش الوطني بأسس نوعية مختلفة وحل كل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة مع الاعتراف بوجود البيشمركة جزءا حيويا رئيسا من الجيش الوطني وطبعا إنهاء حال الحصار الاقتصادي ودفع المستحقات للمواطنين جميعا ومنهم الكورد ومرتبات الموظفين المقطوعة بأوامر تشكل جريمة وطنية وإنسانية…

وضمن خارطة الطريق المنتظرة سيكون إصدار قوانين النفط والغاز والمجلس الاتحادي والأحزاب واستعادة استقلالية المؤسسات واستكمال بنائها وفصل السلطات بعضها عن بعض بأسس دستورية أمراً حيويا بأولوية عليا…

خلا هذا الاتجاه تكون: “على نفسها جنت براقش”.. وللصامتين أو الممالئين لطرف مستبد بغاية الحصول على مكاسب ضيقة ليس لهم سوى “لات ساعة مندم” ولكن أولئك الذين نعنيهم ليسوا سوى حفنة منتفعين سطوا على كل شيء أما المواطنين المأسورين بين أجنحة الطائفية وقطعان غربان الإرهاب إنما هم اللقمة السائغة أكثر وأسهل لمآرب تلك القوى التي ستزداد استبدادا وبمبررات وذرائع أخرى جديدة، الذين نخاطبهم لتفعيل مواقفهم وقطع طريق هذا الاستعباد والاستبداد…

فهل نعي الدروس التي نحن فيها ونفعِّل مواقفنا ولا نقبل الصمت، في ممارسةٍ لضغطٍ فعلي لأصواتنا على قوى الاستبداد الطائفي كي تغير نهجها وكي تنزل عن صهوة استبدادها وتمسكها بإذلالنا واستعبادنا واتخاذها بيتنا الوطن العراقي غنيمة تتملكها وتعبث بها كما تشاء!؟؟

أيتها العراقيات.. أيها العراقيون

ليس لكم سوى إدراك الحقيقة والتصدي لجريمة أسر بغداد ومن ثم للتصدي لأسر البلاد وإذلال العباد بسبب (اسم) أودى بنا جميعا إلى المشهد التراجيدي الكارثي الراهن.. فهل فيكم من يتمسك به على حساب وجوده وكرامته وحريته وحقوقه!؟ تذكروا أن البديل الوطني لن يتحقق من دون شعب يتمسك بهويته الوطنية وإلا فإن الجريمة ستمضي بحقنا وبحق وجودنا وستنحر العراق على تشظيات وتشرذمات وتضعها بقتال في حرب بلا نهاية!!! وبين أيديكم مشروعات حلول وطنية تقدمت بها قوى مدنية ديموقراطية والقوى الكوردستانية وقياداتهما الحرة، فلا تفلتوها أبداً.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *