ما الموقف الذي تفرضه الجينوسايد وجرائم ضد الإنسانية على المجتمعين المحلي والدولي؟

في الأيام والأسابيع المنصرمة استطاعت قوى الإرهاب أنْ تثبِّت أقدامها على الأرض بسبب تلكؤ قوات الحكومة الاتحادية من لملمة أوضاعها بعد انسحابها المهين وتركها المدن لاستباحة تحولت بمفرداتها إلى عمليات تطهير عرقي ديني بتوصيف قانوني يشخّص المجريات كونها جرائم إبادة شاملة (جينوسايد) وأخرى ضمن إطار جرائم ضد الإنسانية.. إذ أنّ قوى داعش الإرهابية لم توفّر أمراً إلا ومارسته في موبقاتها. فقتل وتصفية جماعية بطرق الذبح الهمجية واستغلال ماوقع بين أيديها من أسلحة تركتها لها وحدات (الجيش) الاتحادي! واختطاف وأسْر واغتصاب للنسوة والصبايا! وبيع لهنّ في أسواق النخاسة التي اعتادوا على إقامتها بديلا لأسواق المدن والمدنية!! وما طاول المسيحيين بعد اغتصاب الموصل طاول الشبك فالتركمان ليأتي دور الأيزيدية ويضيفوا ربع مليون رابعة وخامسة  من المنكوبين والمهجَّرين!!!

                        وينبغي هنا وتحت هول الصدمة والجريمة الجارية وتعقيدات تسلسل وقوعها؛ أن تنهض القوى المدنية رسميا وشعبيا بمهامها.. فترصد المجريات وتوثقها وتُحصي كل جريمة وكيفيات حدوثها ومن يقف وراءها بمختلف أشكال تسجيلها… فمن جرائم النحر والذبح البشعة وقصف الأحياء المدنية وبيوتها ومدارسها ومستوصفاتها إلى جرائم الاختطاف والاغتصاب والتنكيل بالمواطنين الأبرياء العُزَّل إلى التمثيل بجثث القتلى وتعليق الرؤوس المقطوعة و(اللعب!) بها!! إلى  العبث بالممتلكات ونهبها وسرقة البنوك والمؤسسات والبيوت وليس انتهاءً بتفجير دور العبادة والنُصب والتماثيل وتخريب المتاحف ونهب الآثار وتدمير المعالم التاريخية المنقبة وغير المنقبة!

تلك المجريات هي غيض من فيض في تلك الجرائم الجارية بحق النساء والأطفال والشيوخ وبحق المجتمع المدني الذي يُفرض عليه العودة لتقاليد العيش المندثرة وقيم كهوف الظلام والتخلف وممارسة أبشع قوانين التحكم والتسلط… وكل يوم يمضي من دون عودة قوات الحكومة الاتحادية لأداء مهامها يعزز قوة الإرهاب وسطوته وممارسة بشاعاته وكذلك تندفع تلك القوى الدموية باتجاهات جديدة مثلما حصل بالهجوم على مدن الأيزيدية منذ أيام معدودة!!

إنّ مكونات شعبنا من مسيحيين وأيزيديين وشبك ومن تركمان ومثلهم الكاكائيين والمندائيين سواء من أبناء المنطقة المنكوبة اليوم أم من مدن عراقية في مناطق أخرى يعانون الأمرَّين في ظل جرائم إبادة حقيقية تجري أمام أنظار السلطة ببغداد تنشغل بتقسيم الغنيمة والتمسك بكرسيها.. فماذا فعلت تلك السلطة غير كيل الاتهامات وصب الزيت على نار تقسيم المجتمع ووضعه في تعارض واحتراب على وفق منطقها الطائفي السياسي المتشدد المتطرف!؟؟

ولكن؛ ألم يُذبح الصابئة المندائيون بالأمس القريب وتجري مطاردتهم في ليل بمدن العمارة والناصرية!؟ ألم يتم إكراههم على ترك ديانتهم واعتناق إسلام الأحزاب السياسية وميليشياتها!؟  ألم يتم اختطاف المندائيات واغتصابهنّ واستيلادهنّ من يسمونهم أطفال رجال الإسلام السياسي!؟ والأسئلة ذاتها طاولت مسيحيي البصرة ومدن الجنوب وأخرجتهم من ديارهم وكنائسهم وأديرتهم بل خرّبوا المعابد والأديرة والكنائس عن عمد وسبق إصرار ونهبوا ما فيها وأحالوها إلى خرائب مهجورة ثم طاردوهم ببغداد ليدفعوا بهم إلى كوردستان وإلى أقاصي المنافي بكوكبنا!! ولم تسلم من تلك الجرائم الوحشية حتى مقابر سكان هذه الأرض الأصليين الذين شاد أجدادهم مهد حضارة البشرية وتراثها الإنساني!! ولا يمكن إلقاء اللوم على فكرة لا أدري ولم أعلم بهذا مثلما جرى مع جينوسايد الكورد في ثمانينات القرن المنصرم!!!

والحقيقة تبقى صارخة، إذ لا فرق بين إرهاب داعش وإرهاب ميليشيا طائفية من أيّ جناح كانت، سواء ادعت شيعيّتها أم سنيّتها.. فكل الجرائم واحدة في جوهرها. إنها جرائم إبادة للآخر شريك الوطن من كل الديانات والمذاهب وهي في المنتهى والخلاصة جرائم إبادة بحق الشعب العراقي وأول من وقع تحت طائلتها هم تلك المكونات المهمّشة بتسمية أقليات!!

وإذا كانت ألاعيب من ينفرد بالحكومة (الاتحادية) يتحكم بها وبتوجيهها وعبث عدد من الحكومات المحلية وربما عجزها عن أداء واجبها، إذا كان ذلك يؤدي لسكوتها وللتغطية على الجرائم وتمريرها، فإنَّ أصوات المقهورين والضحايا يجب أنْ تلقى في الأخيار مَن ينقلها ويوصلها إلى المجتمع الدولي وقوانينه التي صيغت في ضوء نتائج الحروب الكونية وحروب الإبادة التي جرت في التاريخين القديم والمعاصر للبشرية؛ فصارت تتصدى لكل جريمة أينما حلت لتحفظ للضمير البشري موقفه الأمين.

لقد ثبَّتت القوانين الجنائية الدولية وقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي حقاً للإنسان فرديا بكل تفاصيل حق الحياة الحرة الكريمة وجمعيا بكل تفاصيل حقوق تقرير المصير والانتصار لإرادة الشعوب والمجموعات البشرية ممن ينتمي لقومية صغيرة أو من أتباع دين أو مذهب مهمّش لحجمه. وتلك القوانين سارية على الجميع منذ حوكم هتلر والفاشيين والنازيين ومرورا بالطغاة المجرمين الذين حرثوا الأرض للجريمة ولتركها في ظلال وحشيّ القوانين وأكثرها همجية!

ويبدو أنّ بعض حكام اليوم بعد التغيير من عناصر تسللت في ظروف معتمة وركبت موجات الطائفية السياسية بجناحيها ومافياتها لم يستفيدوا من التجربة العراقية ذاتها.. فليس بعيدا عن الذاكرة الطرية الحية محاكمة الطاغية المهزوم على ما ارتكب من جرائم وزبانيته، فراحوا يرتكبون الجرائم ويمررون  لشركاء تقاسم الغنيمة جرائم أخرى حتى غُمر العراق  بالدماء النازفة أنهاراً وبركاً تفاقم أمرها حتى خرج عن حدود السيطرة عراقياً….!؟؟

هنا، يجب التنبه على دور مهم منتظر وملزم للمجتمع الدولي تجاه الوقائع المهولة الجارية في العراق. فما جرى في الغربية وشمال غرب البلاد وما جرى في شرقها هو ذاته ما جرى في جنوبه ووسطه سوى أنّ فلسفة الطائفية أدت الجريمة بتدرج في حجمها وبأشكال وتنوعات تتلاءم ودرجة تمكنها من السلطة… وعليه فالموقف الدولي ملزم بقرارات حازمة حاسمة على وفق ما صيغ في القوانين الإنسانية.

وإذا كانت المنظمات الدولية قد مارست إدانة شديدة اللهجة للجرائم جنوبا شرقا وصعودا نحو الغرب وشماله؛ فإنّ مواقف المجتمع الدولي باتت مُلزَمة بالانتقال من تشخيص المجريات وإدانتها سياسياً إلى اتخاذ قرار قضائي بسلطة القانون الدولي يستقدم المجرمين لينزل بهم القصاص العادل ويكونوا عبرة لمن اعتبر.. ولكن هذه المهمة القانونية الإنسانية يسبقها قرار دولي بالتدخل الفوري العاجل لأجل:

  1. إيصال المساعدات الإنسانية من غذاء وماء ودواء لعشرات آلاف النازحين المحتمين بعراء الجبل..
  2. توفير المأوى من خيام ووسائل احتماء تتناسب والطبيعة التي فروا إليها..
  3. إنقاذ الأسرى والمحتجزين بين أيدي المجرمين من أشكال التعذيب والاستباحة والتنكيل والاغتصاب..
  4. إنقاذ التراث الإنساني من جريمة التدمير والتخريب والعبث والنهب والسرقة والاتجار به.
  5. السعي لممارسة جهد مخصوص لتحرير الأرض من سوقة الجريمة وميليشياتها وجيوشها وبطريقة تُنهي ظاهرة سطو الإرهابيين على مدن البلاد.
  6. استصدار قرار أممي ملزم بعدم الاعتراف بالهياكل التي تولد عن الجريمة مما يسمى إمارة أو خلافة ومنع التعامل معه من أية جهة أو طرف.
  7. إقرار إعلان القوى الوطنية الديموقراطية والليبرالية العراقية لمناطق بعينها في بلادهم هي تلك المستباحة من الإرهابيين ((مناطق )) والتعامل الفوري معها بقوات دولية فاعلة وقادرة على أداء المهام المنتظرة من مكافحة الجريمة والمجرمين ومن حفظ الأمن والأمان والسيطرة على الأوضاع ومعالجة جراحاتها.

إنَّ المجتمع الدولي لن يأتي إلينا من دون وقفات شعبية ولمنظمات المجتمع المدني والحركات السياسية الوطنية الديموقراطية والليبرالية وتلك التنويرية التي تدرك قويم الخطى وصحيحها. وهو ما ينتظر اليوم تفعيل خلية العمل المتخصصة بالتحالف المدني الديموقراطي وبرنامج عمل مخصوص لا يلهث وراء الوقائع ولكنه يتحسب لكل احتمالاته ويضع الخطط المناسبة للتصدي.. وهنا بالتحديد نشير في ظروف عدم توافر القدرات البنيوية للتصدي استنطاق أدوار المجتمع الدولي بقراءة ما توفره الفرص القانونية والهياكل المتخصصة أمميا مثلما المحكمة الجنائية ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي… وعلى التحالف عقد خليته في داخل الوطن وخارجه وتوظيف طاقاته وشخصياته لمتابعة ميدانية فاعلة.

وسيكون الوصول العاجل إلى هذي المنظمات وإلى الحكومات والبرلمانات الأوروبية لتفعيل دورها فضلا عن الاتصالات الإقليمية المناسبة مهمة ذات أولوية عاجلة سواء على أبناء الجاليات ومنظماتهم ومن ثمّ تظاهراتهم وأنشطتهم المتنوعة أم على قادة الحراك المدني الديموقراطي بتحالفه الذي قادة حملة انتخابية قبيل مدة ووجد التفافا جديا من قوى الشعب ما يستوجب إدامة الزخم عبر قيادة الحراك هذه المرة بوضوح وصراحة ومكاشفة مع الذات ومع الجمهور لما اكتنف ذياك الحراك من نواقص وعثرات وما ينتظره من وسائل تفعيل وتقدم إنقاذا لما يمكن إنقاذه…

وهنا لابد لي من التذكير بأنّ الركن المكين الذي بقي أمينا على تصديه للجريمة والدفاع عن حيوات العراقيين كافة هو أرض كوردستان وقياداتها وقواها التحررية التي ينبغي تعزيز الصلات على أعلى مستوى وأمتنه معها من أجل إدامة فرص التصدي للجريمة والمجرمين والتحول نحو مرحلة التحرير الشامل بوجود دعم دولي مؤمل بتزويد قوات البيشمركة بالسلاح بوصفها جيشا رسميا لحماية السيادة الوطنية وللدفاع عن القانون وسيادته وإنهاء الانفلات الذي تريده قوى الطائفية السياسية وإرهابها…

إنّ الوضع اليوم لا يمكن إدارته بالخطابات السياسية  وردود الفعل واللهاث خلف إدارة أحزاب الطائفية وقادتها ببغداد مثلما لعبة اختيار رئيس لمجلس الوزراء ولكنه وضع يفرض واجبات ميدانية هناك حيث يؤسر أهلنا بين يدي أعتى المجرمين شراسة وبشاعة على خلفية الفكر السياسي للطائفية التي تنخر وجودنا الرسمي والشعبي وينبغي أن نتخلص منها أولا قبل تمكننا من الانعتاق.. فهلا تنبهنا على الحقيقة المريرة التي كان بعضنا ضالعا بتمريرها ولو من دون اكتشافه ما يفعل بسبب المخادعة والتضليل وربما بسبب من ألاعيب قوى تحكمت بعصا الميليشيات وتمزيقها وجودنا وإشاعتها قيم الثأر وروح الانتقام ووحشية الفعل وهمجية الأداء!!؟ علينا تحرير أنفسنا والتحامنا مع العقل العلمي التنويري للتحالف المدني الديموقراطي يقود البلاد للتحرر مع حليف استراتيجي متمثل بكوردستان الشمس والحرية. وإلا فلات ساعة مندم!!!!!!!

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *