جرائم نكراء بحق أبناء شعبنا ولا قوات في الميدان!! يجب ألا تُتَّخَذ السيادة مصطلحاً للمزايدة على حساب المواطن وكرامته

تتوالى أنباء الأهوال مما يُرتكب من جرائم بحق أبناء وبنات شعبنا في المناطق المستباحة بخاصة هذه الأيام في مدن وقصبات محافظة الأنبار. حيث يتمّ إعدام العشرات يومياً من أبناء القبائل التي تقاوم داعش وإجرامها الهمجي. لقد أثبت مقاتلو أبناء المنطقة مقاومة باسلة وعزيمة بطولية في تصديهم للمجرمين وإرهابهم ومحاولاتهم ترويع أبناء المناطق المستباحة؛ إذ يستغل الإرهابيون الانهيار الشامل لمؤسسات الدولة في تلك المناطق والانسحاب من قوات الجيش! لكن الأنكى في المعركة غير المتوازنة في العدة والعتاد أن أبناء العشائر على ما ينهضون به من بطولات لا يملكون لا السلاح ولا العتاد الكافيين لتلك المعركة في وقت حصلت فلول داعش الإرهابية على أسلحة متطورة وعلى مخازن العتاد والذخيرة مما تركته قوات الجيش العراقي والقوى الأمنية المنسحبة بلا مبرر سليم…

وأبعد من ذلك فإنّ المدن والقرى المتناثرة في جغرافيا صحراوية قاسية باتت مُحاصَرة من قوى الإرهاب التي تتضخم شيئا فشيئا في ضوء اجتياحها معسكرات ومناطق آهلة منزوعة السلاح.. وهذي المناطق بلا مؤونة من غذاء وماء ودواء الأمر الذي يُضاعِف من الظروف المرعبة التي تتعرض لها المنطقة!

وفي وقت ناشدت القوى والحركات السياسية والحركات الحقوقية الوطنية الحكومةَ كي تسارع بإرسال المؤونة وتوفر الحاجات الإنسانية العاجلة فإنّ النداءات تصاعدت كيما يجري دفع قوات الجيش إلى حيث حماية الأماكن الاستراتيجية والمدن والقصبات ذات الكثافة السكانية ومنع أهوال الجريمة الجارية.

إنّ ترك أبناء العشائر يقاتلون بأسلحة بدائية وبصدور عارية لم يعرضهم لوحدهم لخطر الإبادة بل عرَّ عوائلهم بكل تركيبتها لجرائم الاستباحة والانتهاكات الحقوقية الكارثية وتمت جرائم انتهاك العِرض والاختطاف والاغتصاب مثلما جرى في الموصل وهو يتكرر اليوم بشناعات أشد فتكاً في الأنبار بسبب البطولة في التصدي للمجرمين.

لكن بمقابل هذي المشاهد الكارثية سيكون من الخزي والعار أن تتفرج مؤسسة رسمية مناط بها حماية الوطن وأمنه وأمن أبنائه ولا تتقدم لكسر الحصار ولا ترسل سلاحا أو عتاداً.. ولعل الأتعس في المشهد هو خطاب المزايدة المرافق لتكرار وقوع ذات الواقعة أو ما يُسمى (خطاً) إلقاء الأغذية والأسلحة في مناطق تحت سطوة الإرهابيين الدواعش..

وينبغي هنا التذكير بحقائق تخص جغرافيا المنطقة وطابع انتشار المنفلتين الدواعش من مجرمي العصر وأوباش أزقة الجريمة من جنسيات أكثر من 70 دولة؛بما يوجب الاستفادة القصوى من أبناء المنطقة وقدراتهم على المقاومة ومعرفتهم بمناطقهم فضلا عن فرص الرصد الأحدث تكنولوجياً بوجود القوات الدولية.

على أنّ المعركة هناك ليست معركة أبناء المدن والقصبات ولكنها معركة باسم الشعب العراقي بأجمعه والعدو لا يميز بين أتباع دين وآخر ولا مذهب وآخر بل الكل تحت مقصلة جرائم الفوضى الإرهابية.. ومع ذلك ما زال الشعب العراقي مبتلى بذيول سياسة حكومة (سابقة) ظلت طوال السنوات المنصرمة بيد (أحادية) رفضت وجود وزراء للدفاع والداخلية والمخابرات والأمن الوطني وما زلنا نعاني من آثار تلك التخبطات الفردية من جهة ومن عوامل التمييز بأسس الطائفية المريضة.

إنّ نداء الضمير الإنساني وقيم الشرف والكرامة الوطنية تدعونا إلى التنادي جميعاً كيما نخوض المعركة معاً بكل قوانا وحشودنا وكيما نضع المسؤولية بأيدي قيادة عسكرية متخصصة تستفيد من خبرات أبناء الوطن ومن التحالف الدولي واستشاراته ومن فرص استقدام قوات ميدانية تتناسب والوقائع الجارية وليس مع خطاب الأماني السياسية والادعاءات الجوفاء والحرص على سيادة منتهكة حتى النخاع!

إنّ القيادة العسكرية للحكومة الاتحادية يلزمها استيعاب الدرس وما جرى حتى يومنا. وأن تنفتح أولا وبشكل نهائي حاسم على قوات البيشمركة وتمنحها الأسلحة المتوافرة بدل التبديد وتركها ميدانيا لتكون أدوات بأيدي الدواعش!! وعليها أن تنسق تنسيقاً مباشراً مع قيادة البيشمركة في استقبال المعونات العسكرية الدولية وتستفيد من خبرات هذه القوات بطريقة سليمة تستند لوجود العراق بأسس فديرالية لا بأسس محاصصة طائفية وفلسفتها التي أودت بنا عبر خطابها وآليات ممارسات أتباعها إلى هذه المهالك والمنزلقات التي لا يُحسد عليها شعب ولا دولة!

كما على القيادة العسكرية، الالتفات إلى أهمية إدارة المعركة باستراتيجية وطنية تجمع بين الميداني واللوجيستي في إطار استراتيجية حركة مرسومة بمبادرة من الجيش العراقي لا بردود فعل لقطعات ممزقة مقسمة بطريقة تهيئ لانهيارها وللتضحية بمنتسبيها وبأسلحتها وذخائرها كما توالى في مناطق شمالية وغربية من البلاد طوال المدة المنصرمة!

أيضا تستلزم الرؤية الوطنية واستراتيجيتها أنْ يوجد خطاب ثقافي سياسي تعبوي يعزز منطق وحدة البلاد وأطياف شعبها وتكون الحكومة الاتحادية مسؤولة عن الجميع وأولهم  أبناء المناطق المتعرضة للاستباحة وملايين النازحين سواء منهم من اتجاه لمحافظات الجنوب أم إلى كوردستان.. فجميعهم يلزم التفكير بآليات عيشهم وتفاصيل يومهم العادي. فالقضية ليست الأسقف للحماية ولقمة الزاد للإطعام يتصدق بها فقير على فقير بل هي واجب بعنق الدولة والعراق ليس الصومال ولا من دول الفقر المدقع كي تتخلى الحكومة عن مسؤولياتها…

إن إيرادات أسبوع من البترول تكفي لتغطية أضعاف ما يأتي من تبرعات أممية أو تلك التي يتفضل بها شركاء الوطن من فقراء ولكنهم أغنياء الأنفس.. وليس من عذر في عبث ادعاءات فراغ الخزينة وخوائها ولهذا فإن مجلس النواب مطالب بمتابعة هذه القضايا بوصفها ذات أولوية استثنائية طارئة..

إنّنا إذ نعالج قضية أمنية استراتيجية وخروقات فادحة لأرض الوطن وسيادة الدولة لا يمكننا إلا أن نقدم قضايا تمس حياة المواطن العراقي ونضعها في أولوية الأمور. وهنا فقط ترتسم صورة الميدان حيث انهيار لوجود الدولة واستباحة من قوى الإرهاب ومن دواعش الرذيلة ينشرون الخراب ويروعون العباد!

لا يمكننا بمواجهة هذه الحقائق ومعالجة للمشهد الدموي وللانتهاك الفاضح للحرمات إلا أن نقول الآتي:

  1. إرسال فوري للقطعات العسكرية بقيادة وأمرة جيش وطني وخبراء متخصصين  إلى المناطق الملتهبة التي تتطلب تدخلا عاجلا.
  2. تأطير عمل الحشد الشعبي باستراتيجية عسكرية مرسومة من قيادة الجيش الوطني ومنع أي فرصة للتجيير الطائفي.
  3. تدريبات عاجلة لأبناء المنطقة ودعمهم بالسلاح والتنسيق المباشر معهم في كل الفعاليات سواء في التصدي للهجوم أم في المبادرة بإعادة سلطة الدولة للمناطق التي انهارت فيها.
  4. إيصال المساعدات اللازمة فوراً إلى المناطق المحاصرة.
  5. التعامل مع الإرهابيين لا كأسرى حرب فهم لا يمثلون دولة ولا يوضعون بكفة تعادل ضحاياهم من شعب بحجمه ووجوده؛ وهم أبعد من ذلك ليسوا سوى مجرمين مطلوبين للعدالة بأكثر من بلد.
  6. الحزم والحسم بشأن عناصر الإرهاب واستعجال المحاكمات العسكرية بحقهم وتنفيذها بأسرع ما يتيحه القانون مع ترحيل مئات وآلاف الأجانب إلى بلدانهم ومساءلة دولهم فيما جرى ويجري من تبعات إجرامية بسبب تركهم تلك العناصر تتسلل إلى بلادنا.
  7. رصد الموازنة الوافية للمناطق المنكوبة بسبب انهيار مؤسسة الدولة فيها. وأول الموازنات للنازحين وتفاصيل حاجاتهم ومطالبهم.
  8. الالتفات استراتيجيا لاستكمال بنى المؤسسات الفديرالية وتعزيز فرص اشتغالها القانوني.
  9. تفعيل آليات اشتغال الحكومة الاتحادية وسلامة الأداء على وفق الدستور وإنهاء العمل بصيغة رئيس وزراء يمتلك الصلاحيات حصراً حيث يتعطل المجلس وأدوار الوزراء؛ بخلاف البنى الدستورية.

إنّ العمل على استثمار الدعم الدولي بخاصة منه العسكري لا ينبغي أن تعطله المزايدات المتعكزة على مفهوم اعتباري كمصطلح السيادة الوطنية بل ينبغي التفكير بأولوية حيوات المواطنين ومصالحهم وظروف عيشهم وهي قضية تتطلب وجود ((قوات على الأرض)) لا طائرات في السماء تشتغل بطريقة الخطأ والصح في إلقاء المؤونة أو الأعتدة…

إن ملخص الموقف أما أن تتحمل القوات العراقية الفديرالية بكل أقسامها مهام الدفاع ميدانيا عن العراقيين أو تطلب الدعم العاجل على وفق أجندة وطنية عراقية وليس على وفق منطق الأداء العسكري الأجنبي. فلقد أصبح وجود قوات برية أجنبية بأجندة وطنية مطلبا للعلاج وليس هذا المطلب هو ما يمس السيادة بل ما يمس السيادة ويفرط بها هو ترك عناصر الجريمة من لملوم تقيأته سجون ومواخير عشرات البلدان ليستبيح الأرض والعِرض…

من العبث لحكومة مكلفة دستوريا بمهمة حماية الناس أن ترتدي قناع التمسك بالسيادة وتزايد باستخدامها المصطلح فيما تترك المحافظة تلو الأخرى والمدينة تلو الأخرى لقوى الجريمة تستبيحها وتُنشئ على أنقاضها سوق نخاسة لاستعباد العراقييين والاتجار بهم وبمصائرهم.

إن السيادة الوحيدة تكمن اليوم في العراقي ومصالحه وحاجاته ومطالبه في الأمن والعيش الحر الكريم وليس في قشمريات البيانات المتمترسة خلف ألفاظ غادرت مضامينها مع أول سوق نخاسة نصبه الدواعش المجرمون على أرض البلاد.

والمنتظر الرئيس الوحيد من الحكومة يكمن في حماية سيادة المواطن كرامته، عِرضه وليس إسماعه كلمات جوفاء عن سيادة خاوية منتهكة من كل من هب ودب..

وإلا فعلينا أن نسأل عن أي سيادة يتحدثون؟ فليدلونا عليها كي لا يتواصل تقديم قرابين الشعب أضاحي للميليشيات ومجرمي العصر الأوباش!؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *