العيش في الماضي تغريب عن الواقع وانكفاء مرضي خطير النتائج

هذه مجرد تداعيات أخطها أحيانا بالإشارة إلى ما يصادفني من ملاحظة متغيرات المحيط وما يعج به من ظروف متنوعة، بخاصة بشأن مواقف متخذة وممارسات وسلوكيات عيش. وربما تساعد الخلاصة فيها على التنبيه على أخطاء بعضنا عندما تغرقه الأمور السائدة بلجج بحر الظلام. إنك على سبيل المثال، تلاحظ حالة اغتراب مع قيم العصر وتصرف بعضهم وكأنهم يحيون في عالم ندرك أنه أما انقرض أو أنهم يوهمونا بأنه عالم الأمس الخالد الباقي وما الأمور كذلك.

وإنك لتجد (اليوم) بعض الناشطين يتحدثون عن معالم ذاك الماضي المُستدعى وكأنها ما زالت حية و هم يفرضون قسراً علينا أن نكون ديكورهم للعيش وسطها، فيما هم بحقيقة الحال يحيون اغترابا عن يومهم وعن بيئتهم ومحيطهم سواء بالشكل أم بالمضمون مثلما في طريقة التفكير وآلية العيش والمفردات السلوكية..
و هم يوقفون حواراتهم وخطاباتهم حصراً في ضوء الاختلاف على قضية ماضوية. فمثلا في إطار عيشهم بدولة مدنية معاصرة حديثة بكل مفردة يحاولون اجترار نظم ماضوية لتشكيلات ما قبل الدولة ويعملون على فرض أمور (اليوم!) من قبيل متابعة الاقتتال فيمن يختارونه للحكم الخليفة فلان أم غيره؟ والكارثة أنهم لا يقفون عند الفكرة وقراءة التجربة بل يديرون صراعا وكأنهم مازالوا يحيون ماض انتهى من قرون!؟ وهكذا يتنازع خطابهم ذاك قيم تتحدث عن وقائع انتهت فعليا قبل مئات وآلاف من السنين!
وإذا كنّا مع مبدأ رصين في الاستفادة من تجاريب الماضي فإنّ البون شاسع بين تلك الإفادة وبين الاتكاء على مجد ماضِ وقدسية بعض مفرداته من جهة والعيش فيه بصيغ متحنطة كمومياءات نحركها مجددا لتلغي العصر وآلياته وتجتر آليات انقرضت بطريقة سلبية خطيرة من جهة مقابلة…
وفي ضوء هذه الصورة فأنتَ لا تجد للمتحدث باسم ذاك الماضي المنقرض أية مساهمة بشأن مطالب الحياة اليومية للناس ولا أية معالجة تخص ظواهر الفقر والبطالة ولقمة الخبز ومشكلات لحظتنا الراهنة من مثل: قضية مخيمات النازحين والمهجرين قسراً وهذا المتبتل بمحاريب الماضي لا يجيب عن أسئلة الناس فيمن يقف وراء استعبادهم؛ مثلا استعباد إنسان بذريعة إيمانه بدين (آخر يُصادره) ولا يجيب هؤلاء الذين يريدوننا العيش بالماضي عن حقيقة أسباب اغتصاب حقوق الإنسان ولا عن جرائم الاختطاف والتعذيب والاغتصاب الجنسي والاتجار بالنساء والأطفال!!! بل تساور الجهة الماضوية أوهام تدفع بعض المضلَّلين لإدانة التضامن مع الضحايا بتبريرٍ وتذرع يغطي على الجريمة كما جريمة السبي والاغتصاب وما يشابههما.
وكلّ ما يفبركونه يتجسد بفكرة مرضية كأن نعيد الشعوب لمرحلة ركوب البعير واستخدام الحمير أو استخدام تلك الثقافة الماضوية وآليات العيش قبل آلاف السنين يوم سكنت البشرية الخيام والكهوف! ومنطقهم يتعمد مشاغلة الناس بطقوس يسميها لنا دينية وما هي بذات علاقة بدين.. ولم تكن موجودة حتى بين سكان الكهوف!
القضية تخص أمراض مجتمعية بحاجة لمراجعة ومكاشفة ومعالجة جوهرية. وبحاجة لموقف حازم من طرفنا تجاه التصديق بنفر من الأدعياء والسير خلفهم مغمضي الأعين! فإن سحبنا منهم تأييدنا وجدناهم مكشوفين على حقيقتهم واستطعنا التخلص من مآسينا التي تسببوا فيها..
فلا يتردد امرئ من الخروج من أحزاب تدعي دفاعها عن الإنسان وهي تضحي به لمصلحة فكرها السياسي المغطى أو المتستر بادعاء تعبيره عن القدسية الدينية أو عن أية قدسية يسقطونها زورا وبهتانا على فلسفتهم..
لنصحُ أينها السيدات أيها السادة من لعب التضليل ولنكن مع أنفسنا مع الإنسان وعيشه في عصره مستجيبا لمطالبه وحاجاته ولإعمار أرضه كما جاء بوصايا كل الأديان بجوهرها الصحيح السليم وبكل الشرائع والقوانين وبمنطق الحياة الإنسانية بحداثة وجودها وكما هي اللحظة التي نعيشها وليس كما يريدون إيهامنا بعيش في فلك ماض ولَّى واندثر وانقرض…
وللفكرة بقية تكتمل بنضج تداخلاتكم وبتسليط الضوء على محاةر أخرى لهذه افشكالية الخطيرة

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *