رسالة مفتوحة إلى مؤتمر مناهضة جرائم الإبادة والتطهير العرقي للأيزيديين والمسيحيين في العراق

الصديقات والأصدقاء أعضاء مؤتمر مناهضة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للأيزديين والمسيحيين ومستقبلهم في العراق

تحية طيبة وبعد

أبارك لكم لحظة الانعقاد التي لم تأتِ لولا جهد مميز من لجنة التحضير التي عقدت العزم وواصلت العمل ليل نهار من أجل الانعقاد بقصد تلبية الأهداف المنشودة من وراء هذا المؤتمر. وهو المؤتمر الذي ينعقد في ظروف معقدة إثر جرائم مهولة

طاولت المسيحيين العراقيين والأيزيديين بُعَيْد انهيار الدولة بالموصل وتركها مشرعة الأبواب لاستباحة قوى الإرهاب الدموية الأبشع في تاريخنا المعاصر. لقد تعرضت المكونات العراقية القومية والدينية لحملات متعاقبة اعتمدت الاعتداءات المتكررة بين عمليات اختطلف وابتزاز وتهديدات وصلت حدّ الاغتيالات الفردية والجمعية المحدودة، لكن تراكمها قد وصل حداً مريباً. وجاءت استباحة الموصل ومدن عراقية أخرى لتكون الطامة السوداء حيث تمّ ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق هذين المكونين من المسيحيين والأيزيدية؛ وكان من البشاعات المرتكبة هو افتتاح سوق النخاسة الذي سيقت فيه مئات النسوة والفتيات للبيع لهمج العصر ومتوحشيه ليمارسوا جرائم الاغتصاب مع تصور الجريمة ونشرها على الملأ!

إن سجل الوقائع الإجرامية الأكثر إيغالا في إذلال مواطناتنا ومواطنينا ات موجوداً ومتاحاً للعامة قبل الخاصة وتوثيقه ليس فيه من تعقيد إجرائي على الرغم من المصاعب النفسية الأدبية التي تعترض الأمر.. لكن وصف الجريمة قانونياً مع مضي كل هذه الشهر عليها لم يتم من أية جهة. لقد دعونا في مرحلة سابقة قبل هذه الجرائم الكبرى إلى حملة وطنية وأخرى دولية للتصدي لما يجري لمكونات الوطن ولم يتحرك الأمر كثيرا منذ أعوام.. والنتيجة الخضوع لتداعيات انهيار الدولة ومؤسساتها بعد أن هوت تحت تأثير النخر الذي أحدثه كونها الدولة الأكثر فشلا عالمياً، وجاءت استباحة مافيات الإرهاب وعصاباته وميليشياته لتستكمل الجريمة وتملأ الفراغ بفوضى جرائمها التراجيدية الأعقد كارثية!

إن التعقيد الأشد وقْعاً هو الانقسامات الجارية وحالات التمترس والمشاغلة بصراعات هامشية أو ثانوية لا تسمح بالتقدم باتجاه الحل والتصدي للجريمة النكراء. وفي مثل هذا الوضع لن تستمع إلينا أية جهة أممية ولا اية منظمة بل ستنظر شزراً وتهملنا كون بعضنا يمارس انغماسه بعنتريات المراهقة السياسية والمواقف الراديكالية المتشنجة والانشغال بالتهجم الشخصي أو تقسيم القوى بين حالات التشظي فوق ما هي فيه من انقسامات وحالات تقاطع انفعالية أكثر مما هي التزام بحقوق الضحايا..! وهكذا فنحن نشاهد عناصر تستسيغ الشتيمة والتهجم وكيل الاتهامات وتخوين الآخر لتكتفي بتفريغ انفعالاتها بهذه الممارسات التي لن تعيد لضحية حقها، ولم يكن يوما خطاب الثأر والانتقام وردود الفعل السلبية المرضية حلا أو رداً…

ومن أجل أفضل الحلول ينبغي لنا التعامل مع واقعنا بشديد الحذر والتمسك بالهدوء والصلابة مع الحكمة والفطنة وترشيد تفكيرنا وتدبر الحلول المناسبة بموضوعية وحنكة بما يتيح أفضل الفرص للحل الأنجع. ولعل أول مسارات الحل تكمن في وقف المهاترات التي بات يطلقها بعض المنفعلين وربما كان لاحتدامهم سبب منطقي لقسوة المشهد ولكن المنطق يفرض على الحليم مزيد رباطة جأش وتوحيد الطاقات ومنع فتح جبهات هامشية الآن ومنع تكثير تلك الجبهات لحين طرد العدو الرئيس الذي استباح الأرض والعِرض وبات علينا واجب التصدي له موحدين لا منقسمين…

على أننا من أجل ذلك ينبغي ألا نجابه الانفعال بالانفعال ولا الشتيمة بالشتيمة ولا الفوضى والردود الراديكالية الحادة بمثلها بل يجب أن نتفهم ما يجري ونحتويه ونحتضن الجميع بروح يتسامى على الجراحات الفاغرة ويشرع بتهيئة ظروف المعركة الفاصلة مع الإرهاب وتحرير الرهائن كافة بلا استثناء من سطوة همج الوحشية والشر.

واسمحوا لي أن اسجل هنا ما كنتُ دعوتُ غليه منذ سنوات ولكن الآن يأتي بسياق أوضاع ومستجدات نوعية أكثر عمقا واجتراحا للمآثر المنتظرة ولعل ذلك يأتي بالخطى الآتية:

  1. تشكيل ((لجنة متابعة)) تكون في حال انعقاد دائم مستمر لتتابع كل تفاصيل الأنشطةالمنتظرة بتحشيد جهود المنظمات والجمعيات والروابط والأحزاب بخصوص حقوق أبناء هذه المجموعات القومية والدينية ومصائرهم… وتنبثق هذ اللجنة من المؤتمر المنعقد بأربيل مع عدم إغفال إدخال باقي المكونات بلا استثناء وفي الطليعة منهم الصابئة المندائيين…
  2. البدء بتدقيق الإحصاءات الرسمية والشعبية بشأن ما يجري من جرائم وتوثيقها مع كل تفاصيل الإجراءات القانونية القضائية والمتابعات السياسية والرسمية بشأن كل حالة وبشأنها مجتمعة…
  3. على أن يجري حسم إحصاء رسمي شامل في داخل العراق وخارجه لهذه المجموعات القومية والدينية وتوزيعهم الديموغرافي السابق والحالي وأسباب التغيير ورسم خارطة طريق لكل إمكانات المعالجة لحالات النزوح والتهجير وآليات التنفيذ مع وضع الأسقف الزمنية المنطقية لمهمة التنفيذ…
  4. وضع الخطط الشاملة لآليات الحماية بما يشمل المهاجرين والمهجرين قسراً والنازحين مؤقتا وتتشكل لجنة اختصاص رسمية بوجود قوى المجتمع المدني فيها لمتابعة شؤونهم في مهاجرهم وأماكن النزوح والعمل على صيانة حقوقهم المادية والأدبية المعنوية ومن ذلك حقهم في المسكن الأول بكل تفاصيل الأمر… وتستقبل الشكاوى وتفاصيل الأمور لجنة العمل الرسمية التي تعلن عن عناوينها للجميع…
  5. الطلب إلى المنظمة الدولية لتشكيل لجنة متابعة مخصوصة بالمجموعات القومية والدينية العراقية كلا على انفراد واستقلالية بشؤونه ومطالبه وحاجاته كاملة تامة مع التقاء تنسيقي لاحق بين اللجنة الوطنية العراقية واللجنة الأممية.. والعمل على استصدار قرار أممي بالخصوص يشرّع لهذه اللجنة وأنشطتها..
  6. البدء بحملة دولية ووطنية واسعة يشترك فيها ممثلو جميع المجموعات القومية والدينية والمذهبية ويحشدون له الجهود الوافية بهذا الاتجاه…
  7. الالتفات إلى أنه بلا تجمع يرتقي لمستوى المسؤولية سيظل الأمر مجرد محاولات فردية أو متشظية وسيقع المؤتمر حبيس العزلة الأمر الذي لا يمكن في ضوئه التصدي لجريمة الإبادة التي تكاد تأتي على آخر مسيحي ومندائي ويهودي وأيزيدي وشبكي وبهائي في العراق وسيكون هذا المصير الكارثي هو الخطر الحقيقي الذي نجابهه حيث التصفية الدموية بلا رحمة… ومن هنا وجب البحث في وسائل تفعيل المؤتمر لينعقد دوريا تحت مسمى “مصير المجموعات القومية والدينية العراقية“…
  8. إنَّ حق تقرير المصير والحقوق القومية والدينية والثقافية الروحية والمادية على أساس من المساواة والعدل والإنصاف لأمر لا يمكن المساومة عليه وحتى بشأن النكوص الدستوري عن القبول بالمساواة التامة بين جميع الشعوب والمجموعات القومية والدينية العراقية فإنَّ نضالنا يلزم أن يقف على أرضية القوانين والشرائع الإنسانية التي أقرت تلك الحقوق كاملة كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقوانين أممية للمنظمة الدولية ولمؤتمرات معنية؛ وهذا يعني واجب إصدار قرار مخصوص به تسجله وثائق المؤتمر وبيانه الختامي…

وبغية التوصل لتشكيل لجنة التنسيق والمتابعة أدعو للآتي:

  1. تشكيل نواة اللجنة عبر مؤتمر أربيل وتتجه اللجنة للاستكمال في ضوء الحوارات المضافة وفي ضوء الاتصال المباشر مع بروكسل طلبا لدعم البرلمان الأوروبي وأية جهة نصيرة لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير…
  2. ينبتتخذ اللجنة الوطنية والأممية قرارات الاستفادة من الشخصيات الناشطة بهذا الخصوص  وتعقد الاتصالات عبر تكييف آليات عملها بما يتناسب والظرف المعين.

إنني أيتها الصديقات ايها الأصدقاء أجدد ندائي الذي أطلقته منذ عقد من الزمن وكررته مرارا لكي نتحول جديا عمليا نحو الفعل المؤثر القادر على التصدي للجريمة  وعلى خلق واقع مفيد لأبناء المجموعات القومية والدينية في العراق وأتمنى عليكم الانفتاح على جميع الجهات المعنية الرسمية والمدنية الحقوقية بما يخدم أوسع تحشيد  من كل منظمة وجمعية ورابطة ومنتدى وحزب وحركة بلا استثناء ممن يعنيهم أمر المساهمة في الحملة الدولية المشار إليها وممن يرى مسؤوليته في الدفاع عن حقوق الناس وحيواتهم ومصائرهم وكراماتهم..

ولن يكون هذا تنازلا من طرف أحد ومكانته وحجمه فليس من الصائب تقديم العربة على الحصان والأجدى أولا هو تجميع تلك القوى بوصفها إعلانا عن اتفاق على حق الحياة لأبناء هذه المجموعات وواجب حماية وجود يكاد ينتهي بهذه المجزرة الدموية التصفوية وما من ضمير يرتقي لمستوى المسؤولية… وأعتقد جازما أن كل من يتلكأ في إرسال عنوانه وتعريفا وإعلانا عن وجوده وموافقته على المساهمة في الحملة وخطواتها سيكون مشاركا في الجريمة بسبب هذا التلكؤ أو التغافل لأي سبب يقدمه أو ذريعة تدعوه لعدم التفاعل، فهذا الجهد ما بعد المؤتمر هو جهد فعلي ميداني لرسم خطى الإنقاذ وخارطة طريقه…

فإذا كانت الجريمة مستمرة وإذا كنا نتفق أن نهايتها تعني إبادة جماعية مطلقة ونهائية ينقرض بعدها كل وجود لهذه المجموعات بمعنى تصفية مطلقة لمجموعات بشرية كاملة وإذا كنا نتفق على أنه لا بد من عمل فوري وحاسم وشامل ولا مجال لأعمال ترقيعية مؤجلة فإن الصائب هو التنادي لتحويل مؤتمر أربيل إلى مؤسسة تلتقي دوريا  تحت مسمى “مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية” وتتبنى ما تم إهماله طويلا على الرغم من توكيدنا المناشدة والمطالبة ورفعنا لصوت نداءات الحق طوال العقد المنصرم وأكثر..

إنَّ المصير العراقي هو مصير تعددي يقوم على احترام التنوع والمساواة والعدل بين جميع الفرقاء الذين يشكلون المشهد العراقي مذ كانت أول حضارة إنسانية في ربوع وادي الرافدين.. ولهذا سيكون نجاح مؤتمركم هو تأسيس لـ مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية الذي يمثل مؤتمرا تنفيذيا لا مجرد مؤتمر إعلان لاحترام التنوع والتعددية في إطار المشهد العراقي الوطني بجوهره الإنساني المشرق والمشرّف…

دعونا نؤكد مجددا على أن البداية من هنا:

  1. بتأسيس مركز أو لجنة متخصصة للمتابعة.
  2. استكمال أوراق عمل المؤتمر وإعلان يُسمى “الإعلان الأممي لحماية الشعوب العراقية” أو “الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة”…
  3. سيكون مفيدا الاتصال بالحكومة العراقية لجهة التعرف إلى إجراءاتها الجدية المنتظرة وتعريفها بمطالب فعلية حقة لهذه المجموعات وأوله الإعلان المشار إليه مع خارطة الطريق للحل.. وايضا في مطلب تغيير الدستور بما يستجيب لتشكيل البرلمان العراقي من قسمين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي وبشأن تشكيل وزارة للمجموعات القومية والدينية تستجيب لمتابعة القضايا المعقدة المطروحة…

إنَّ العمل وحده هو الكفيل بضمان النجاح لأية حركة أو قضية ولأية مستهدفات موضوعية كما في حقوق الناس والمجموعات البشرية… ومقترح حملة دولية والاستناد إلى ذياك الدعم  لا يتعارض وطرف وطني مسؤول بقدر ما يدعم الجهود ويحشدها من أجل خير الجميع وسلامتهم ومستقبلهم الواعد المشرق سويا وبروح الإخاء والعدل والمساواة…

سلمتم وأتمنى للمؤتمر النجاح الأكيد والتحول إلى إشراقات مؤكدة مع خالص تقديري واعتباري وتوكيدي أنني معكم بثبات وبامتداد كل الخطى الحالية والمستقبلية

صديقكم تيسير عبدالجبار الآلوسي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *