من هو المعني بالحوار في اليمن؟ وهل يمكن إنهاء الانقلاب بالنداءات المكرورة؟

هذه محاولة أولية لمعالجة ما يجري في اليمن بالاستناد إلى رؤى يمنية وإلى دراسة الحدث من وجهات نظر قانونية دولية وبرؤية تستقرئ المجريات كما هي على الأرض. المعالجة لا تدعي الصواب المطلق وتفرض نفسها وصية على اليمنيين فهم الأدرى بالبديل الأنجع ولكنها تقترح التصور. وترد على المزايديات الطائفية وغير الطائفية الآتية من اليمن ومن خارجه. كاتب هذه الأسطر سيجيب عن تساؤل أو تفاعل بحوار موضوعي الأسس.


تنطلق نداءات عديدة لاتخاذ الحوار طريقاً لتطمين مطالب مسيرة بناء الدولة المدنية ومؤسساتها في عدد من بلدان المنطقة. وهو أمر جد صائب وصحيح. ولكن، من المعني برسائل المناشدة للاحتكام إلى الحوار والوحدة الوطنية؟

الصائب أن النداء يتجه إلى جمهور أطياف المجتمع بالبلد ومكوناته من انتماءات قومية ودينية ومذهبية متنوعة. عبر من يمثل تلك الأطياف والمكونات. فهل من يمثل مكونات المجتمع هو ذاته من يتحكم بالأمور والأوضاع بوساطة المال السياسي الفاسد والعنف المسلح وتشكيلات الميليشيات؟
هل القوى الانقلابية الميليشياوية في اليمن مثلا تعبر عن الخوثيين أو أتباع المذهب الزيدي وهل هم يمثلون الشيعة؟

لقد برهنت التجاريب بخاصة في الأشهر الأخيرة أن الانقلابيين ليسوا سوى ميليشيا عنفية لم تستجب لنداءات الميل نحو الحل السلمي واتخاذ الحوار سبيلا بل أصرت على استراتيجية ثابتة في قناعاتها وهي فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.. وقد تمددت فاحتلت العاصمة وأسرت القيادة الشرعية فيما واصلت التمدد نحو الجنوب واحتلت تعز واتجهت نحو عدن وهي تواصل جريمتها بحق الشعب اليمني بقوة السلاح وسياسة العنف..

وحتى تمنح نفسها الشرعية فإنها لم تتجه إلى المكلا بل هللت لوقوعها بأيدي ميليشيات من جناح آخر ومن دون لعبة الانقسام بين خندقين يتمترسان خلفهما ويصنعان المحرقة للشعب لا تكون الأمور سهلة لهم ولهذا فاللعبة مستمرة ببروباغندا الطائفية من جهة والراديكاليات التضليلية عبر صراخ الضخ الإعلامي الممول من جهات إقليمية ذات مصلحة.

إن أي نداء يطالب بفتح الحوار لا يستبعد القوى الميليشياوية باستبعاد سلاحها ومنطق العنف وفرض الأمر الواقع كرها وقسرا لا يمكنه أن يصل إلى نتيجة مثمرة وسيبقى مجرد صرخات في واد بلا صدى. وبالمحصلة لن يكون له لا جمهور يتفاعل وبالتأكيد لن يجد أذنا لدى قوى الانقلاب التي لن تفرط بما وصلت إليه من مغانم.. والأنكى أنها ستستغل النداءات لتجيرها في خطابها التضليلي وكل جناح طائفي سيرمي سبب اشتعال النيران على الآخر ويضع الشعب بدوامة بلا نهاية.

الصحيح الصائب اليوم، أن نعترف أننا وصلنا إلى طريق مسدود في ظل سلطة انقلابية لن تتخلى عن غنيمتها سلميا. وعليه فإن وجود قوة ملزمة تزيحها عن السلطة أمر مطلوب..

إنّ التحالف الدولي الحالي الذي يقصف الانقلابيين هو تلك القوة والمطلوب إطلاق نداءات تتحدث عن لجم الانقلابيين والميليشيات التي أتت بهم ونزع سلاحها هي وكل الميليشيات الأخرى التي تستبيح أرض اليمن.

وأن ينطلق فرض هذي الشروط من مجلس الأمن والمنظمة الدولية التي تتابع أولا الوضع الميداني لليمنيين لتزويدهم بالغذاء والدواء في ظل هذه الظروف الطارئة وتمنع ارتكاب مجازر وتحاكم المسؤولين عنها بعد وضعهم مطلوبين على قائمة العدالة.

أما سذاجة مطالبة الانقلابيين للالتحاق بالحوار ونزع أسلحتهم فقد فات أوانه منذ زمن. وعلينا أن نتخذ موقفا غير الطلب للتحالف وقف التدخل فهو أصلا يأتي بطلب من الشرعية اليمنية المنتهكة من الانقلابيين. الشرعية الوحيدة القادرة على توفير فرصة الحوار بلا انتهاك ولا إكراه ومنطق قسري من اي طرف.

ولا حوار مع الميليشيات وقياداتها ولا مع العناصر المسلحة خارج الشرعية بل الشرط الأساس والنهائي هو نزع سلاحها وحصر السلاح بأيدي السلطة الشرعية لليمن.

وعلى وفق المجريات فإن الوقوف مع التدخل الدولي لإنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للجهة الشرعية تحديدا ليس انحيازا طائفيا لأن الهدف هو استعادة الشرعية على وفق القوانين الدولية وبما يحترم الدستور وقوانينه في اليمن وبما يهيئ لليمنيين أجوار الحوار واتخاذ برامج بناء البلاد وحل مشكلاتها بأسس الديموقراطية وأجواء السلم الأهلي.

كل ما عدا ذلك لن يطعم اليمنيين ولا يمنع تهديدهم ولن يحل مشكلة بل سيعمق معضلات المسار.

وأبعد من ذلك يكمن في كون الانقلابيين أكثر استعدادا لمنح قوى إقليمية حصان طروادة للإخلال بالأمن الإقليمي برمته وليس بمصائر الشعب اليمني فقط. وهو ما كشفته الأحداث فعليا وليس منطق الأمور لوحدها.

من جهة أخرى فإن الحديث عن النموذج العراقي للتدخل الخارجي وما جلبه من نتائج ليس سليما بالمرة فالمقارنات الرياضية هي سذاجة سياسية وتسطيح مفبرك خشية ضغط الأحداث وطابع ما يتحكم بها. أفضل مقاربة في هذا أن الفاشية الدينية أو الطائفية السياسية وسلطتها الدموية البشعة هي قرينة للنموذج الفاشي النازي بألمانيا وإيطاليا الأمر الذي لم ينتهِ إلا بالتحالف الدولي ضده. ومكافحته مبكرا قبل انتقاله إلى مكامن جديدة على وفق تدرجه في تصدير مبادئه إقليميا دوليا..

فهلا تنبهنا إلى المخاطر…

انتبهوا أيها السادة ولا تتقوقعوا على تحليلات قاصرة جامدة لمجرد أنكم تختلفون مع بعض دول التحالف التي تنهض بمهمة إزالة الانقلاب..
وانتبهوا أن المحرقة التي تعدها سلطة الانقلاب ستطاول الزيدية قبل غيرهم بينما الدفاع عن اليمنيين جميعا بلا تمييز بينهم هو باستعادة الشرعية.. وهل ستتتعطف قوى الانقلاب وتتصدق على اليمنيين بما نالته بالعنف والقسر والإكراه وبإصرار دموي بشع نشهده يوميا؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *