ماهو قانون السلامة الوطنية (الطوارئ) ومتى يُستخدم في العراق الاتحادي وظروفه المشتعلة اليوم؟

بدءاً لابد من الإشارة إلى أنّ قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، تتخذ أسماء عديدة على وفق تشريعات البلدان وتوجهات مسمياتها. ففي الدول ذات النظام القانوني اللاتيني تدعى قوانين حالة الطوارئ أو حالة الحصار، فيما تأخذ تسمية الأحكام العرفية في الدول ذات النظام القانوني الأنجلوساكسوني، على أنّ ذلك لا يلغي وجود اختلافات في خصائص كل من النظامين والحالتين. ويمكننا هنا أيضا الإشارة إلى أن بعض الدول يسمي تلك القوانين: (قوانين السلامة الوطنية والأمن الوطني) وهكذا في شأن التسميات التي يبقى طابعها واحداً، من جهة الأهداف. أما تشريع تلك القوانين فهي تتخذ بتشريعها المسارات والإجراءات المعروفة تجاه تشريع أيّ قانون آخر. لكن قانون السلامة الوطنية (الطوارئ) بعد إقراره وصياغته يبقى ((معلقاً)) ولا يدخل حيز التنفيذ إلا بشرط إصدار مرسوم يُعلن الأحكام العرفية أو حال الطوارئ. وهذا المرسوم مشروط بمن له حق إصداره والسقف الزمني المحدد والمحدود لممارسته وحدود الممارسة بالعلاقة مع العهد الدولي والتزاماته فضلا عن أمور أخرى.

ومن الطبيعي التذكير بأنّ القانون قد يشمل كل التراب الوطني و\أو جزءاً محدوداً منه على وفق الظرف المخصوص. والفكرة من ممارسة حال الطوارئ تقتضي سحب (صلاحيات) من السلطات التشريعية والقضائية ووضعها بين يدي السلطة التنفيذية التي تحتاج توسيع صلاحياتها للحركة في الظروف المخصوصة؛ حيث يتضمن قانون الطوارئ من الجهة الفعلية الجوهرية تضييقاً يسمونه تحديد حقوق المواطن وحرياته، كما بحال إلقاء القبض والحبس الاحترازي أو الحجز لمدد تتجاوز الأسقف القانونية من دون اتهام إلى جانب فعاليات مثل منع التجول بظروف زمنية ومكانية مختلفة.

ولعل من أبرز الظروف (الاستثنائية) المتسببة أو الداعية لإعلان حالة الطوارئ وممارسة قوانينها تتمثل في:

  1. التعرض للكوارث الطبيعية و\أو البشرية…
  2. حال الفوضى والانهيار الأمني الشاملة وأشكال التمرد والعصيان وعدم الاستقرار السياسي المجتمعي.
  3. حال النزاعات المسلحة سواء منها ما يدخل في مسمى الحرب الأهلية أو العدوان الخارجي والتجاوز على السيادة الوطنية وحدود الدولة.

إن حال الطوارئ لا يتم اللجوء إليها إلا في الظرف الاستثنائي، كونها مخصوصة بمعالجة تهديد شامل لمصالح البلاد والعباد. الأمر الذي يضع أولوية في ترتيب ممارسة أنشطة الحياة. وفي ظل هذه الظروف تدخل بعض الأنشطة بحقل التجريم القانوني وتحكم في الأمر محاكم استثنائية مستحدثة بالخصوص. ومن الواجب سرعة إلغاء ممارسة قوانين الطوارئ أو الالتزام بسقف زمني بشأنها عادة ما يحدده القانون إلى جانب ما نصت عليه المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية..

ففي الفقرة (أ) من تلك المادة جاء ما نصه: “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسمياً، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد، أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي، وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.”

وفي الفقرة (ج) نصت على أنّ: “أية دولة طرف في هذا العهد استخدمت حق التقييد أنْ تُعلِم الدول الأطراف الأخرى فوراً، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تُنهي فيه عدم التقيد، أن تعلمها بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.”

غير أنّ العهد الدولي ألزمَ الدول الموقعة عليه بحقوق لا يمكن التجاوز عليها و\أو مخالفتها. من قبيل كفالة الحق في الحياة، زمنع ممارسة التعذيب والحماية منه والامتناع عن أشكال التعامل أو ممارسة العقوبات القاسية، وألزمها أيضا بمنع العبودية والحماية من كل أشكالها وحظر أعمال السخرة والعمل بالإكراه وتم ترسيم حقوق واشتراطات أخرى ملزمة حتى بظل الطوارئ على وفق مواده من 6-16.

وهناك ظروف أو محددات وشروط عديدة بشان هذا الاتجاه علينا أن نلتقط هنا منها الظرف السياسي الذي تفرضه الأوضاع الآنية الظاهرة بمقدار ما يمسّ حياة الناس وتفاصيل يومهم العادي من الاستثنائي. وبين ظروف معطيات النظام السياسي ومكونات البلاد الاقتصا اجتماعية والأمنية العسكرية وما يحيط بها إقليمياً بشكل جغرافي مباشر ودولياً بشكل غير مباشر تتحدد توجهات الموقف من اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ. طبعاً وبالتأكيد في إطار حماية المواطنين ومقيمي الدولة من كل تهديد سواء من عناصر داخلية عابثة أم من جهات تحاول إرهاب المواطنين وشق صفوفهم بأسس طائفية أو عرقية أو غيرها من أشكال التمييز التي شخصتها القوانين الأممية بوضوح.

وإذا عدنا للأوضاع العراقية وبقطع النظر عن موضوع إقرار قانون جديد للسلامة والأمن الوطنيين؛ فإننا نجد أنّ الأوضاع في العراق تتداعى بشكل خطير إذ أن مساحة شاسعة منه تعرضت لانهيار شامل لمؤسسات الدولة وتُرِكت محافظات تشكل أكثر من ثلث مساحة البلاد عُرضة للفوضى ولسطوة قوى الإرهاب وجرائمها. وتمّ ارتكاب جرائم التمييز والتطهير العرقي والديني وجرائم ضد الإنسانية بل حتى منها جرائم إبادة جماعية تجاه مكونات بعينها فضلا عن الاتجار بالبشر وإكراههم على ممارسة السخرة والاتجار جنسيا بالنساء والأطفال وطبعاً رافق ذلك شلل تام لكل ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بصورتها الطبيعية.. فماذا تنتظر الحكومات الاتحادية والمحلية لكي تُعلن الطوارئ على أقل حد في تلك المناطق المستباحة وتجعلها مناطق عسكرية بأحكام عرفية وتعلنا مناطق حرب منكوبة!؟

إنّ تلكؤ الحكومة الاتحادية في ممارسة واجباتها لحماية المواطنين، يفرض تعاملا وطنياً وأممياً عاجلا على وفق القوانين المحلية والدولية، درءاً لاستمرار جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية الجارية بحق العراقيات والعراقيين. وكل ما يتعلق باصوات ديماغوجية دعائية رخيصة وجاهلة وتضليلية تتحدث عن السيادة تظل في خلاصتها ومنتهاها بخدمة جريمة تسليم رقاب المواطنين لقوى الإرهاب وللميليشيات الخارجة على الدولة وغير الخاضعة لسلطتها…

ولمن يُغمض عينه عن الحياة العامة السليمة بأسس وجودها وحمايتها إنسانية الإنسان فإن البلاد حتى في المناطق التي تبدو آمنة، هي بأوضاع شاذة بوجود حراك حر ومطلق السطوة لقوى مسلحة من (مافيات) و (ميليشيات) خارج تشكيلات الدولة وسلطاتها الشرعية..

لقد باتت الأوضاع منذ هزيمة الموصل بحاجة لإعلان حالة الطوارئ فيها؛ حماية لحيوات الناس وحرياتهم وحقوقهم التي ما عادت موجودة بعد إعلانهم عبيداً يُباعون ويُشترون ويُقتلون على وفق أمراء الحرب بتلك المناطق التي تسودها حال الانفلات الأمني المطلق.

والأوضاع أكثر هولاً وخطورةً بسقوط مدينة الرمادي والتقليل من شأنها ليس في مصلحة العراق والعراقيين كافة. إنّ الخطوة التالية ستكون انهيارا شاملا بكل التراب الوطني ليس بسبب تهديد جناح إرهابي يملأ الفراغ في الموصل والأنبار حسب بل لتهديد شامل من سلطة قوى خارج الدولة وسلطاتها مع انهيار كبير للجيش الوطني الذي تنخره حتى الرأس حال ما صار معروفاً بظاهرة الفضائيين تسندها خطابات طائفية مقيتة..

إنّ قوى الظلام الإرهابية بتشكيلاتها من جناحي الطائفية باتت تقترب من غاياتها الأمر الذي يستدعي تطبيق نظام الأحكام العرفية ولو بتحديدات مناطقية وبدرجات مختلفة بين مناطق العراق الاتحادي. بخلاف حال التوهان والضياع بين عبثية اعتماد القوى الميليشياوية من عدمه في هذه المنطقة (الموصومة) طائفياً والمقسمة برؤى طائفية بقصد مسبق يخلو من البراءة بشكل فاضح أو تلك.

وعليه فإن من واجب المؤسسة الرسمية أن تطبق نظاما قانونيا مكفولا بالتشريعات المحلية الوطنية والدولية بما يُنهي وجود الميليشيات وسلطتها وبما يعزز بنية مؤسسات الدولة وجيشها الوطني ومؤسستها الأمنية تحديدا.. وبما يتجه استراتيجيا وبأسرع الآجال إلى إنهاء ما أوقعت البلاد والعباد فيه من كوارث ما فوقها كارثة إنسانيا سوى هلاك آخر عراقي وآخر وجود حي للزرع والضرع في البلاد. فهل تنتظر الحكومة الاتحادية هذه الحال وتبقى مترددة متلكئة عن اتخاذ قرار الحسم!؟

إن الواقع الفعلي في العراق الاتحادي باستثناء كوردستان يحيا ويعيش في ظل أوضاع أسوأ من تلك التي وصفتها قوانين الطوارئ! فما الذي يدعو لهذا التنكر لواجبات حماية المواطنين!؟ ولربما تطلب في سياق المعركة مع القوى الغازية التي تملأ فراغ انهيار السلطات الاتحادية في كل من الموصل والأنبار إعلانا عاما لحال الطوارئ تستخدمه السلطات بحسب الظرف المخصوص بكل منطقة. فكوردستان بحاجة حاليا للتصدي لعدوان خارجي خطير على تخومها ولربما حالات خلايا نائمة فيها. وجنوب العراق ووسطه تصول فيه الميليشيات وتجول فوق القانون وسلطة الدولة فضلا عن تهديدات الاختراق بعد تقدم الإرهاب باتجاهها.. وبغداد محاطة بتقدم أعتى مجرمي العصر الظلاميين الإرهابيين وهم يستبيحون أكثر من ثلث الأرض العراقية ويستعبدون مواطني العراق فيها ويهددون سائر الشعب بكل مدنه ويصلون إليهم عبر التفجيرات والخروقات الخطيرة.

إن من واجب الدولة اليوم التوجه إلى خيار قوانين الطوارئ التي تستطيع توفير الحماية على وفق ما ترسمه أدوات قانونية في الأداء.. فلا تنتظروا طويلا والمعركة السوداء بكلكلها تغزو بغيومها ملبدة بواحش الجريمة والمجرمين.. اضبطوا الأمور بين أيدي سلطة تعبر عن المواطنين لا عن أمراء الميليشيات وقادة الفساد والجريمة الإرهابية. اضبطوا الأمور لتعود مسيرة المجتمع واقتصاده إلى الحياة وتبعدوا المتصيدين والعابثين والمجرمين عن نيل غاياتهم ..

وفي المنتهى ليس من هذه المعالجة هدف سوى حماية المواطنين من الآتي بعد كل النوائب والكوارث التي حلت بهم.. حمايتهم من اشتعال ظروف العيش بما يدخلهم باحتراب لا يبقي ولا يذر… إنها واجبات الدولة وهي أيضا ما ينبغي أن يتجه إليه وعي المواطن بالقوانين والآليات ليضغط باتجاه تفعيلها حماية لمصالحه بدل من يتصيد بحجة الديموقراطية وبحجج لم يعد منها واقعيا ما يمكن تبريره.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *