معركة استعادة سلطة الدولة وطرد غربان الإرهاب بين المدني والطائفي؟

لم يعد سراً ما جرى في نينوى والأنبار؛ فقد عاش العراقيون جراحاته التي لم تندمل بعد.. ولكن كيف يمكن قراءة تلك الكوارث والنكبات التي حلَّت بالعراقيات والعراقيين هناك؟ هل هي مجرد انكسارات وانتكاسات عابرة أو كبوات في الصراع مع شراذم الإرهاب وقطعان غربانه أم هي أبعد من حال اختلال في التوازنات العسكرية بما يعود إلى عوامل ذاتية في بنية الدولة العراقية ما بعد 2003؟

وما هي الأسباب الفعلية الموضوعية منها والذاتية التي أدت لتلك المآسي التي وقعت على رؤوس الضحايا من المدنيين الأبرياء؟ تلكم هي أسئلة عامة ربما كان الاتفاق على إجابات عامة أيضا بشأنها ليس معقداً. ولكن عندما نتجه إجرائياً نحو التفاصيل والأمور الدقيقة لإجاباتها، سنجابه عقبات كأداء تخص طابع الدولة ومن يتحكم بها وبمؤسساتها وآليات اشتغال تلك المؤسسات وفرص الاستجابة للضوابط القانونية الدستورية من عدمها.

وأغلب القوى الوطنية العراقية تدرك حقيقة الأمراض التي تنخر في جسد الدولة؛ وأبرز تلك الأمراض، مرجعية التفكير الطائفي واستشراء كل من الفساد وعناصر الإرهاب وانتشارهما بصيغ مافيوية منظمة!! ومن الطبيعي والمبدئي أن تدين تلك القوى ثالوث (الطائفية، الفساد والإرهاب). ولكن ليس جميع تلك القوى التي تدين هذا الثالوث المرضي الخطير تمتلك أدوات العمل لمعالجة الواقع المأزوم وآليات تغييره!

فبعضها يتحدث عن مخاطر الطائفية وآليات المحاصصة وما أودت إليه من كوارث. ولكن، كثرما وجدنا ها تقتصر على التناول (الوصفي) الاستعراضي الذي يقرأ هذا الواقع (وصفياً) كما أشرنا، بكل مآسيه وجراحاته الفاغرة. لكن المواطن المغلوب على أمره ليس بحاجة، في ظل ضغوط تلك الكوارث، لمن يعيد وصف ما يعيشه يومياً من أزماتٍ ومن جرائم  تُرتكَب بحقه، فتسلبه حرياته وحقوقه وتمنع أية محاولة لتلبية مطالبه ولو بحدها الأدنى إنسانياً. إنّه بحاجة فعلياً إلى من يضع الحل جوهرياً ومن يوظف القدرات (المتاحة) لتلبية المطالب الحياتية الأولية مرحليا تكتيكياً لحين تحقيق التغيير الجوهري استراتيجياً.

اليوم أركز على إشكالية البديل المتفق على أنّه يتجسد في استعادة سلطة الدولة وتحديداً هنا خيار (الدولة المدنية) بعد أنْ برهنت برامج القوى الطائفية المتحكمة على خطلها وعلى انحدارها بأوضاع العراقيات والعراقيين إلى أدنى مستويات العيش الإنساني.. حيث يفتقد المواطن حتى حقه في الحياة؛ دع عنك حقه في الأمن والأمان وفي الاستقرار والسلم الأهلي وفي حقوقه الأساس الأخرى.

فالكوارث ليست محدودة بجغرافيا المناطق التي تركتها السلطة الطائفية (بجناحيها) لتخضع لقوى الإرهاب بكل ما ترتكبه من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية؛ وإنما تمتد الكوارث لتشمل كل جغرافيا العراق! فكل المدن العراقية تخضع لاحتمالات جرائم التفجيرات الإرهابية في أية لحظة وفي أيّ مكان! ومسلسل جرائم الاختطاف والابتزاز والاغتصاب وجرائم الاغتيال والقتل لا يخلو منه يوم ولا مكان! وغذا كانت ميليشيا الإرهاب وغربانه تستبيح مناطق فميليشيات ومافيات وعصابات منظمة أخرى تستبيح بقية مناطق البلاد وهي في غالب الأحيان أعلى صوتاً وسلطة من الدولة ومؤسساتها!

فالأدهى والأنكى أن مناطق الجنوب والوسط التي تعد شبه آمنة تخضع لعمليات إفقار واستغلال، تصل فيهما نسب الفقر أحيانا لمستوى يقارب الـ90% كما في ريف السماوة!! والمشكلات الصحية تطحن الناس وتلتهمهم توابيتها بالسرطانات والأمراض المزمنة والوبائية بمستويات مأساوية! ولا خدمات فعلية تحفظ المستويات المتدنية لكرامة المواطن وإنسانيته في وقت تُكرِهه على العيش بآليات نظام كليبتوقراطي [نظام الفساد] وإلا فإنها تطحنه وتمرّ على وجوده لتنهي حياته!!

فهل بعد هذه الصورة، تكون إعادة سلطة قوى الطائفية وبرامجها وآليات إدارتها الدولة ومؤسساتها هي المنتظرة من أبناء المناطق المستباحة من قوى الإرهاب؟ وهل سلطة قوى الطائفية هي ما تنتظره المكونات العراقية التي تعرضت لجرائم الإبادة الجماعية والتطهير القومي العرقي والديني وجرائم ضد الإنسانية؟ وأبعد وأشمل هل من الصحيح استمرار بلطجة الناس في كل المحافظات العراقية وتحديدا بالوسط والجنوب لسطوة عناصر خارجة على القانون وسلطته!؟

هذه الأسئلة نلخص الإجابة عنها في موضع واحد، هو في أنّ الصحيح السليم والصحي الصائب يتجسد في عودة الدولة ومؤسساتها القانونية الدستورية. ولا يمكن لصاحب عقل أن  يخرج على حقيقة تقول: إن طرد قطعان الإرهاب وغربانه يأتي ببديل غير وطني أو ببديل طائفي مثير لذات الصراعات التي أودت بالاستقرار في البلاد بكل ما جلبه من كوارث! فمصلحة المواطن باتت بوضوح تكمن في خياره للدولة المدنية وسلطتها الراعية لحقوقه ومصالحه ووجوده الإنساني.

إنّ استعادة سلطة الدولة بكينونتها المدنية وبقوانينها الدستورية لا تقبل ولا تسمح بعبثية الإصرار على ذات الآليات التي مزقت البلاد واختلقت أشكال التناحرات والاحترابات بين مكونات العراق ودفعت أبناء كل مكون للتمترس خلف خنادق مكوناتية محتربة، تحمل أسباب حذرها من الآخر وحساسيتها منه ومن احتمالات استبداده وإيقاعه بها!

وبناء على هذا التصور فإنّ المتطوع لطرد مرتزقة الإرهاب وبلطجيته ومافياته وعصاباته، إذا لم يكن مؤمناً بالأداء الوطني وبالهوية العراقية، فإنه يرتكب جريمة بحق هذا الوجود (الوطني) وجوهره الإنساني القائم على صيغة (الدولة المدنية) التي تحترم مبدأ (المواطنة) وما تعكسه من إخاء وعدل ومساواة. وهو يسمح لقادة الطائفية أن يجيروا تضحياته لمآربهم الدنيئة!

وهكذا فإنّ قيادة قوى الطائفية تستغل المتطوعين وتضحياتهم وبدل وضعها حيث مسيرة استعادة سلطة الدولة المدنية، تضعها وتجيرها لصالح تعزيز ما اختلقته من خنادق الاحتراب الطائفي. وهو ما يعني ضرب أية فرصة لاستعادة الوجود الوطني الذي تجسده الدولة المدنية وقوانينها الوحيدة التي تخدم إنسانية العراقية ووجوده.

وبإمكان أيّ متابع (عراقي) الهوى والهوية أن يُلاحظ استماتة عناصر الطائفية في تمترسها خلف الأسماء التي تؤكد خطابها إعلامياً سياسيا. على سبيل المثال ما تطلقه من شعارات وأسماء على أي نشاط وطني تشارك فيه. فبديل التسميات العراقية الأشمل تركز ميليشيا الطائفية وأجنحتها السياسية (أحزابها) وعناصرها المتحركة، تركز على أسماء يدرك العراقيون جميعا أن الشعب يحترم ما تجسده تاريخيا من علامات مضيئة ولكنهم في الوقت ذاته، يدركون أن استغلال تلك الأسماء اليوم لا ينطلق من إشراقات العلامات التاريخية ومضامينها الرائعة إنسانيا ولكنه ينطلق تعبيرا عن خطاب (سياسي حزبوي) ضيق الأفق بحدود التجيير الطائفي السياسي. بمعنى بحدود استغلالها لمآرب أجنحة الطائفية بخندقيها المتمترسين فيهما.

الكارثة في كون هذا الخطاب الإعلامي السياسي لا ينطلق من الميليشيا ومَن يمالئها وينفذ أجنداتها حسب بل ينطلق كذلك من أعلى العناصر الحكومية المسؤولة وتصريحاتها ما يخلط الأوراق بين الدولة ومؤسساتها وبين الخنادق الميليشياوية الطائفية فيثير المشكلات وتعقيداتها التي تقف بوجه بناء الدولة والتقدم بها لمصلحة المواطن وخياراته.

وعليه وَجَب اليوم ونحن نخوض المعركة مع الإرهاب أن نلتزم بالآتي:

  1. إخضاع جميع القوى التي تتطوع لمحاربة الإرهاب وقواه لسلطة الدولة العراقية وقيادتيها السياسية والعسكرية. مثلما يجري بكوردستان حيث حظر تشكيل الميليشيات على وفق ما ينص عليه الدستور.
  2. رفض التطوع على أساس ميليشياوي بكل أجنحة تلك الميليشيا ومسمياتها.. فذلك أمر يحظره الدستور العراقي من جهة ويتعارض واستعادة وجود الدولة المدنية وطابعها وهويتها.عليه يجب بالخصوص، أن تمضي مهمة التطوع بأسس تنظمها الدولة وتكفل احترام قوانينها الدستورية.
  3. المباشرة اليوم بالعمل بخطط الطوارئ وأحكام قوانين السلامة الوطنية وآلياتها فوراً. بتطبيقها أولا في المناطق المشتعلة وببقية الأقاليم العراقية على وفق ما تتطلبه أوضاع كل منطقة وإقليم.
  4. عقد مؤتمر وطني شامل يتضمن المهام والأولويات التي منها المصالحة الوطنية ومنها توكيد الاتفاق على خطى استعادة سلطة الدولة (المدنية) في الأراضي المستباحة ورسم المطالب العاجلة والاستراتيجية لمهام البناء والتنمية.
  5. إطلاق حملة إعلامية سياسية شاملة بخطاب (وطني) يزيح أية فرصة للخطابات الطائفية التناحرية. ومتابعة ذلك على وفق برامج يتم الاتفاق عليها.
  6. مد يد الإنقاذ للملايين الثلاثة من النازحين العراقيين ومعالجة مجمل ظواهر العوز الناجمة عن التلكؤ في معالجة الظاهرة وما يتصل بالمواطنين العراقيين جميعا بالإشارة إلى ظاهرتي الفقر والبطالة.
  7. إطلاق حملة للحرب ضد الفساد والفاسدين وعناصرهما ومافياتهما بمساعدة أممية بالخصوص؛ مثلما الحرب على الإرهاب ومرادفة لها في الوقت عينه.
  8. إطلاق حملة وطنية تتبنى قضايا المكونات وتعالج ما تعرضوا له من كوارث ونكبات وتعيد دمجهم بمجتمعهم الوطني العراقي على أساس حمايتهم وتأمين مستلزمات عيشهم الآمن والعادل بمساواة تامة مع الآخر وإنهاء أشكال التمييز كافة.

إنّ معركة استعادة سلطة الدولة لا يمكنها أن تتم إذا جاءت على أكتاف العبث الطائفي وخطابه. بل ستكون جريمة تؤسس للضربة الأخيرة القاضية على الوجود الوطني العراقي وتمهد لكانتونات الطائفية والعرقية ولحروبها الآتية. ولكوارث ونوائب لن تكتفي بما تشيب له رؤوس الأولاد بل ستأتي على جرائم لا نعرف لها مسميات لهولها.

فهلا التجأنا للبديل الوطني وتحملنا مسؤولية إنقاذ وجودنا ومسيرة تأمين مطالبنا عبر الدولة المدنية؟ أم سيستمر (البعض) في استسهال التمترس الطائفي؟

من أجل الإجابة عن هذا السؤال الجوهري في مسيرة البديل والحل أحيي كوردستان التي تمضي باستقلالية في مشوار مدنية وجودها وقوانينها وتمسك شعبها وقيادتها بوحدة المسار الدستوري وبمدنية الطابع والمسيرة.. وعسانا نكون بمجمل العراق الفديرالي بهذا النهج الأمثل والأنجع.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *