تهانيَّ بحلول رمضان الكريم وليكن الشهر الفضيل شهراً للسلم والأمن

إنّ عمق احترام قدسية هذا الشهر عند المؤمنين به، ينبغي أن يذكرهم بأنّ أولى أسباب القدسية والتبجيل، تبدأ من حيث يكون المسلم من سلم الناس من أي شكل للإيذاء يمكن أن يتسبب به، بقصد ودراية أو من دونهما. إنّ التفرغ للعبادة يبدأ من التصالح مع الذات والآخر ومن تذكّرِ القيم السامية النبيلة وممارستها فعلياً

والعبادة بهذا الشهر، هي قبل كل ممارسة طقسية، تبدأ بالصيام عن الغيبة والنميمة وعن التجريح وعن أي شكل للتجاوز على الآخر والابتعاد عن الأفعال وردود الأفعال الغاضبة الانفعالية و\أو السلبية.. والصحيح السليم يكمن في تعميد قيم التسامح والصفح والعفو والغفران والتمسك بعلاقات إنسانية صحية صحيحة سليمة؛ تتذكر بالحسنى: الإخاء وصلة الرحم والجيرة والصداقة.. وكل ذلك يقتضي أن يتمّ في أجواء تنتهي فيها أشكال العنف النفسي الروحي القيمي وتعلو فيها أصوات السلم الأهلي والبحث بوسائل تطمين الأمن والأمان للآخر مثلما نبحث عنها لنا ولأحبائنا…
فإلى أولئك الذين انتسبوا لأفعال تستسيغ العنف وإطلاق  العنان للغضب والتوتر ولاستسهال ارتكاب أعمال العنف النفسية السلوكية وتلك العنفية المسلحة بانتسابهم للميليشيات والمنظمات المسلحة، إليكم جميعاً، من كان منكم يؤمن حقا بدين ومذهب فإن اسم الرب الخالق هو (السلام) وإن أساس الإيمان به يمر عبر الإيمان بـ(السلام) وبوسائله.. فهو لا يصارع ولا يحارب ولكنه بجادل بالتي هي أحسن..

والرب لمن آمن به حقاً وليس تمظهراً وادعاءً، هو (الرحمن) (الرحيم) (الغفور) (العفو) (الغفار) . أفلا يجدر بعد ذلك أن نفصل بين وجودنا الإنساني، يتمسك بتلك المعاني القدسية وبين من يضعنا بطريق القيم النقيضة!؟ أفلا يجدر بنا أن يكون إيماننا بكل تلك المعاني القيمية التي تطمّن علاقات الإخاء والتسامح!؟ وأن نغتنم مناسبة  الشهر الفضيل الذي نؤمن به وقدسيته، كي نستذكر قويم السمات ناضجها سليمها وصحيحها!؟

وعسانا حقاً نتحدث عن قدسية لا تقف عند الجلابيب وما نرتديه من ملابس وما يتمظهر به بعضهم ليدعي التقى والتدين فيما هو وما يفعل وما يملك من أموال ووسائل وقدرات ونفوذ وجاه وسلطة، كل ذلك يدفع باتجاه ما يدور حولنا من عنف دموي لا تقبله لا الديانات والمذاهب ولا حتى قيم الغاب ووحوشها؛ فحتى وحوش الغاب تمتلك وجودا للتعايش في بيئتها وفيما بينها ولا يقتل حيوان حيواناً آخر من جنسه!! فما بال بعض بني آدم من البشر يضمر وحشية وهمجية، نيرانها مستعرة، باتت تلتهم كل شيء حتى وصلت بيوت الناس وشرّدتهم وأكرهتهم على النزوح فسكنوا الصحارى بلا خيام تظللهم من حر صيف بلادنا الحارقة!؟ بل الأنكى من حرائق حروب الطائفية السياسية المتسترة بالتدين المزعوم والدين منها براء!!؟
ليكن رمضانكم أيها السادة، رمضان السلم والأمن.. ولتكن عبادتكم وقدسية ما تفعلون مبتدئة بتذكر الأسماء الحسنى وأولها (السلام) فهلّا كان السلام عنوان رمضان القابل؟ وهلا كان السلام سلوك رمضان الآتي؟ وهلا كان السلام فضاء رمضان وبوابته إلى شعوبنا وبلداننا!؟؟؟
أترك القرار لكل مؤمن وبخاصة لمن يقتتلون ويمارسون أشكال العنف مع أنفسهم وعوائلهم وأقربائهم وخاصتهم وعامتهم ومع الآخر أيا كان! أترك القرار لكل من عبث بمنطقه انتسابه لحزب أو لجناحه العسكري أو لميليشيا كي يرعوي ويعود لرشده ولبدائل العيش الكريم بظلال السلم الأهلي.. حيث واجبه البناء لا الهدم والمساعدة بشربة ماء ولقمة غذاء لملايين الفقراء واليتامى والجوعى بدل التعنيف والتقتيل..

فإن لم يرعوِ ويتجنب القتال في شهر القدسية الحرام وإن لم يحرم عليه دم أخيه الإنسان، فليتأكد من مرضه وخروجه على كل القيم السمحاء.. وليتذكر أنه بارتكابه جرائم العنف بأشكالها من بسيطها حتى معقدها، ليس إلا دابة هوجاء بلا عقل ولا منطق سليم؛ ديدنها وباء العنف استقر فيها ووجبت معالجته

أما القدسية والإيمان والأنسنة فهي سلام في سلام في سلام.. فهلا كانت التهاني منطلقة من حيث السلام يسكن الأنفس والقلوب والأفئدة صحيحة سليمة!؟ مؤمنة بالسلام متمسكة بكل سبله وفروضه وواجباته؟؟؟
كل عام وأنتم بأمن وسلام تعملون ببركة التسامح والإخاء وإنصاف الآخر كما تنصفون أنفسكم وتحبون لها..
يا بني الإنسان لا تنسوا أنَّ أنسنة وجودكم وأنفسكم لا يأتي ويكون إلا من احترام ما للآخر من حقوق بمساواة مع ما لنا من حقوق.. فأدّوا واجباتكم سلاما لا عنفا.

ولتفرملوا على انفعالاتكم كلها، عسانا نجد ثمار إيماننا بالسلام وممارستنا لقيم السلام سلاما للأنفس والفضاءات والأجواء كي تنطلق أعمال الخير والبناء والتقدم..

ارفضوا دعاة العنف والحرب والإرهاب واعزلوهم واطردوا من أنفسكم كل ما يداخلكم من عذر وحجة وذريعة للعنف وجرائمه..
ذلكم هو الإيمان وتلكم هي القدسية والعبادة الأزكى لمن يريد أن يؤمن بدين ومذهب… وليس معيار الإيمان غير السلام. بلى، لكل منكم حقه بالتعبد والإيمان ولكن على كل منكم واجب أن يكون الإيمان حيث معانيه الصادقة الصحيحة السليمة.. بينما كره الآخر أو الغيرة مما لديه أو التحسس مما يصيبه من خير أو التمييز تجاهه أو البحث له عن منقصة أو عرقلة جهد له أو اصطناع مثلبة هو عينه العنف وعينه الكفر بالسلام ومثل تلك الأفعال ستعود بشرورها على الجميع بضمنهم من يرتكبها!
لا تنسوا ليكن رمضان العام هو رمضان السلام ضد كل أشكال العنف
والسلام لأهل السلام

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *