النفط والحكومة الفديرالية وبعض آثار سياساتها

يشكل النفط العصب الرئيس لتغطية النفقات العراقية برمتها. وفي ظل استمرار النهج الحكومي واستراتيجيته منذ 2003 حتى اليوم صار النفط المورد الوحيد وصار الاقتصاد العراقي ريعياً (سلبياً) بمعالمه الجوهرية وبامتياز! وقد دفع هذا في ظل ظروف الشروخ البنيوية بكل الميادين والمجالات التي تجابهها الدولة العراقية بخاصة منها ظاهرتي الفساد البنيوي ونزيف الحرب على الإرهاب، صار الاتجاه إلى انحدار شديد لم تنفع معه كل البرامج الترقيعية الجارية… ومن أجل قراءة زاوية من زوايا ما يجري ونتائجها وآثارها على مجمل أوضاع العراق الفديرالي وضمناً ضغوطه المركبة على على المواطن العراقي وعلى محاولات كوردستان للخروج من آثاره السلبية، سنقرأ بعضاً من محاور الفعاليات في اقتصاد النفط.

تشير التقارير الصادرة عن منظمة أوبك إلى انخفاض قيمة صادرات الدول الأعضاء فيها. إذ هبطت لأقل من تريليون دولار في 2014 للمرة الأولى منذ عام 2010 متراجعة بنسبةٍ، تجاوز معدل انخفاضها الـ 40% من سعر البرميل بين عامي 13 و14. وفي وقت شهدت السعودية أكبر مصدِّر للنفط في أوبك هبوطاً في الإيرادات بنسبة 9.2%، وفي الوقت ذاته لم يشهد العراق المصدّر الأسرع نمواً في أوبك هبوطاً إلا بنسبة هي أقل من 5.7%.

وبسبب من تراجع الطلب وزيادة الإمدادات جاء قرار أوبك في عدم خفض الإنتاج لدعم الأسعار.. وذلك من أجل الحفاظ على الحصة السوقية لدولها من جهة وعلى مقدارٍ من الإيرادات يمكنها أن تغطي جزءاً من الانحدار القيمي. لكن الأسعار لم تبق باتجاه التراجع إذ أنها عادت لترتفع مجدداً ولتكسر حال التذبذب صعوداً بالاستناد إلى انعكاسات قوانين السوق ومنها وظروف المناطق الكبرى للعملات الرئيسة؛ كما ظهرت مؤخراَ مؤشرات ربما كانت إيجابية بتأثيرها على اسعار النفط، على سبيل المثال: موقف اليونان من سداد الديون وارتفاع إنفاق المستهكلين على وفق بيانات أمريكية بما أثر ويؤثر على أسعار الخام المختلفة بحسب  معايير معروفة. ولقد كسرت معدلات الأسعار حاجز الـ60 دولار بفارق جد مهم؛ سيبقى له دوره في قراءة الموازنات.. ويعنينا منها هنا، السياسات العراقية التي ربطت ميزانيتها بسعر متدن للبرميل تحسباً لاحتمالات كثيرة…

لكننا ندري أنّ أموراً محلية عراقية كثيرة تتحكم بما نشير إليه.. إذ نعرف مثلا، كيف جابه تصدير نفط الجنوب مشكلات في الشتاء المنصرم عبر موانئ البصرة وكيف أثّرت وتؤثر حالات التقادم وتهالك الحقول القديمة وكيف يجري إهدار ثروة البلاد من الغاز من دون استثمار حقيقي فيها وكيف تم ويتم الاستمرار في إهمال الأنابيب الاستراتيجية إلى موانئ المنطقة وإخضاعها للعبة تجاذبات سياسية تخضع لتوجهات ما بعد 2003 في القطيعة مع المحيط الإقليمي الذي ينتمي إليه العراق وندري أبعد من ذلك كيف خسر العراق احتياطيات كبيرة له من العملات الأجنبية ومنها مدور الميزانيات الذي لم يجرِ تنفيذ ما تم تخصيصه بشأنه ومدور الميزانيات من الفوائض للسنوات السابقة الذي بقي باتجاه انحدار من دون تفسير ومعالجة حتى انتهى من أرقام مهمة كبيرة إلى ما يقارب التصفير، من دون استعادتها من ناهبيها!؟ فيما اختفت من احتياطي البنك المركزي أرقام ليست سهلة لينخفض الاحتياطي من 76 مليار إلى أرقام جديدة متدنية!

ومرة أخرى لا نجد سوى معالجات ترقيعية من قبيل إصدار سندات بقيمة لا تعني شيئا ولكنها قد تعني عثرات كبيرة تدريجيا ستقف بوجه أية فرصة لمعالجة الوضع العراقي مستقبلا. فماذا تعني 2 مليار دولار سندات خارجية إذا ما تذكرنا أن المنهوب الممكن استرداده يشكل عشرات مليارات الدولارات إن لم نتحدث عن مئات مليارات الدولارات لسياسة الفشل والفساد السائدة!؟

ألا يشكل جريمةً حالُ اقتطاع لقمة عيش المواطن وفرض ضرائب عليه لمعالجة انخفاض سعر البرميل وتذبذب السوق والمضاربات!؟ وغير هذا وذاك ألا نلاحظ إصراراً على مواصلة النهج ذاته عندما نلاحظ (الحكومة الاتحادية) وهي تطلق بالونات اختبار بشأن رهن الثروة الوطنية والبيع بالآجل وتسلّم الثمن قبل إيصال المستحقات..!؟

إن تلك السياسة يجري التعتيم على نتائجها الكارثية بالتركيز على نجاحات جزئية لا تأتي من استراتيجيات جدية للمعالجة بقدر ما تأتي من صحوة السوق واستعادة الأسعار عافيتها نسبيا ومن بعض تقدم في الإنتاج موسميا باستقرار الظروف البيئية ومن انعكاسات السوق الدولي؛ فيما لا نلمس توجها لاستثمار الغاز ولا لتكرير و\أو صناعة النفط بحسب حاجات السوق الداخلي ولا لجهد تكاملي في مهام التصدير ومتطلبات الاقتصاد المحلي وحاجات البلاد لمعالجات الثغرات الخطيرة في خططها..

إنّ ما يجري يقع في مجالات سلبية تماما منها فعاليات الفساد وبرامج أثبتت فشلها الأمر الذي أدام مشكلات القطاعات الافتصادية الرئيسة حيث الشلل التام لكل من الصناعة والزراعة.. وما يتبقى من أموال تتحدث الحكومة عن دفعه بصيغ ترقيعية لجهتي التشغيل والنفقات الأمنية العسكرية التي تمثل بوابة أخرى للفشل والاستنزاف؛ ما يتطلب مراجعة الاستراتيجيات المعمول بها..

وعلينا هنا أن نشير إلى أبرز حال للعراقيين حيث وصلت أوضاعهم إلى مستويات باتوا فيها لا يتسلمون مرتباتهم ومصادر أرزاقهم إلا بعد أشهر عديدة وباتت الحكومة الاتحادية ببغداد تمارس عبثية قطع حصص كوردستان سواء من المرتبات أم غيرها بحجج وذرائع واهية!

إذ كان آخر تبرير لإرسال نصف الحصة بعد أن تم الاتفاق على إرسال الحصص كاملة في حال سلّم حكومة الإقليم ما يصل إلى 550 ألف برميل وهو ما تم بالفعل عندما سلّمت كوردستان في شهر نيسان (أبريل) الماضي (562) ألف برميل يومياً إلى شركة سومو ولكن بغداد لم ترسل في المقابل وللشهر ذاته إلا مبلغ (480) مليار دينار عراقي إلى الإقليم وهو مبلغ لا يعادل نصف الميزانية المحددة للإقليم في قانون الموازنة العراقي، والذريعة التي تضعها بغداد أنها تخصم ما يساوي انخفاض الـ40% من أسعار النفط  من دون الأخذ بقانون الموازنة وتقسيماته ومن دون الأخذ بحاجات كوردستان الفعلية!! ومثلما تحرم قطاعات واسعة من مرتباتهم ومصادر عيشهم وتحملهم أعباء برامجها وسياسة الفساد أيضا تحرم كوردستان من إمكانات العمل على وفق خطط سليمة باختلاق تلك العقبات والمعضلات بصيغ جديدة للحصار الذي كان يُفرض بمواقف (مركزية) و (فوقية) طالما كانت عدائية متعمدة فيما تبيّته من مآرب!

ولكن لماذا لا تتحدث الحكومة عن فشل خططها وبرامجها؟ ولماذا لا تستمع إلى نصائح الخبراء والعقول العراقية؟ لماذا على سبيل المثال تصر على سياسة توقع العملة الوطنية بانخفاض مريع؟ هل هي الخطة المبيتة ضد خطة رفع الأصفار من العملة بعد أن استقرت نسبيا بسبب حجم الفوائض النفطية والاحتياطيات؟ هل هي خطة لإبقاء العملة على ضعفها والسير بها إلى انحدار كارثي جديد؟ أليس هذا سرقة أخرى للمواطن وجعله يدفع ضريبة ذاك التخبط وافتقاد الاستراتيجيات السليمة؟

نذكّر مرة أخرى، بهذا الشأن أنّ سقف بيع البنك المركزي للعملة الصعبة هو 75 مليون دولار يوميا لكنه فعليا وصل إلى أكثر من 200 مليون مع فجوة في السعر بين الرسمي وسعر السوق وصلت أحيانا 4.7% وهذه الحقيقة ستدفع لتوقعات تُدخل السوق بمضاربات ومن ثمّ ولوج دائرة من ((تبادل التأثير سلبيّ الاتجاه)) يقود ايضا إلى تدهور قيمة العملة مع ولادة السوق الموازية وتعزيز وجود جهات ذات سطوة على السوق المالي ببغداد [بالإشارة إلى طبقة الفساد] فيما سيتضرر المواطن أكثر مع تحكم السوق الموازية بالانحدار العام الذي سيدفع لارتفاع أسعار السلع بخاصة هنا بالنسبة للفقراء وذوي الدخل المحدود ما يزيد من فجوة الفقر من جهة ومن عدم تمكن المواطن من سداد فواتير السوق بخاصة مع تدهور مواد البطاقة التموينية واضطراره لبدائل لا يستطيع تحمل أعبائها…

وعبر زاوية نظر أخرى وبمستوى استراتيجي فإن وضع العراق دوليا سيتراجع مع تعزز الظاهرة الإرهابية الأمر الذي يتطلب حلولا استراتيجية غير أشكال الترقيع وغير سياسة اعتماد نظام الميليشيات على حساب الدولة المدنية وبناها المؤسسية. فكلما أوغلت الحكومة في التعاطي مع الميليشيات على حساب المؤسستين الأمنية العسكرية سيكون هذا سببا آخر للتراجع والتدهور ولأوضاع أكثر ضغوطا واستيلادا لمشكلات خطيرة جديدة ومثل هذا فإن تنامي الصراخ الإعلامي بخصوص الميليشيات هو الآخر يُسقط ورقة التوت عن السياسة الحكومية ويضع البلاد بأوضاع تتراجع أكثر فأكثر…

من هنا بات على المواطن العراقي ومنظمات المجتمع المدني التصدي لحال اجترار سياسة فاشلة وإدراك حال الانحدار وعلى القوى المدنية أن تضع البديل المناسب فيما على كوردستان أن تستفيد جديا ومباشرة مما تتيحه الفرص القانونية كما بالفقرة الثالثة من المادة 11 من قانون الموازنة العامة للعراق الفديرالي لعام 2015 ومواد قانونية كوردستانية تنص على أنه في حال عدم تأمين بغداد حصة كوردستان من الميزانية فإنّ حكومة الإقليم تكون حرة في تأمين ميزانيتها السنوية بأية طريقة وطبعا هنا منها بيع النفط مباشرة. وهذا الأمر بات ملحاً بسبب من عدم وصول معدل التصدير العام إلى 3.3 مليون يوميا كما هو مقرر ما يدفع لمزيد تشوش في جهود الحكومة الاتحادية وطبيعة سياستها…

أما حكوميا فإن فرق التخطيط من مختلف الوزارات يجب أن تعتمد الخبراء والمتخصصين وما يقدمونه من توصيات بمستويين عاجل وآخر بعيد استراتيجي مع مراقبة السوق الموازية ووضع سقف جديد للبيع اليومي للدولار وتعزيز المكانة الدولية بغية استعادة الثقة وتطمين حاجات المواطن وحقوقه وإدارة معركة الدولة مع ثالوث الطائفية الفساد الإرهاب بجدية وسلامة لإنهائها سريعا والعودة إلى الأوضاع التي تضمن الحياة في عراق السلام والتنمية والتقدم.. عراق فديرالي يمنح مكوناته وأقسامه التي اختارت الفديرالية فرص العيش مع كامل الحقوق والحريات..

وإذا كانت هذه القراءة هي مجرد مرور على بعض مفاصل عامة ومحورية فإنّ طرحها أسئلتها تتطلع للاستكمال والتنضيج بالحوار وربما بتقديم استكمال للمعالجة وفي قراءة لاحقة

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *