لاجئات ولاجئون يستصرخون الضمائر الإنسانية

اندفعت موجات النزوح والهجرة القسرية في كل من سوريا والعراق في ضوء المعارك الطاحنة الجارية في البلدين. ولأنّ تلك الموجات البشرية المهولة كانت حبلى بكل أشكال المصاعب والمصائب، فإنها ما كانت تمضي بوسائل نقل مكيفة مريحة! بل كانت تمضي بأقدام كثير منها حافية ولم تمتلك العوائل الفارة بأطفالها ما يفي من زاد الطريق!!

وهكذا فرضت الظروف القاسية على تلك الجموع البشرية أن تحط الرحال بأول ماوى تصله وإن كان في عراء الصحارى وعلى تخوم المدن بدول الجوار. وفي أوضاع مأساوية طاردت ملايين طالبي اللجوء ظروف العيش بمخيمات بلا جاهزية وحتى خارجها في العراء ونقص حاد في مطالب العيش من غذاء ودواء وملبس، لكن تلك المصاعب والمتاعب لا تنتهي عند ذاك الوضع بل تعاورت عليهم مافيات الجريمة والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي حيث البيع والشراء تحت قسوة مطالب العائلة حيث لا وجود لمن يسد الرمق!
 إنّ موجات اللجوء تتفاقم يومياً وباستمرار في حجمها النوعي المهول وبأعداد طالبي طوق النجاة من النساء وأطفالهنّ ومن الرجال المصابين في حروب الطائفية والإرهاب الدائرة رحاها في كل من سوريا والعراق؛ حتى وصلت الأعداد لملايين في تركيا ولبنان والأردن والعراق.
إنّ سنوات الجمر هي سنوات الاستغلال والاتجار التي فقد طالبو اللجوء كل شيء وباتوا عبيداً لأصناف المتاجرين بهم. بضمنهم تجار السياسة في المنطقة وما يحاولون ترحيل أزماتهم عبره.
يمكننا هنا الإشارة إلى مثالين منفصلين الأول عجز الحكومات الاتحادية والمحلية العراقية عن استيعاب النازحين وتفشي أولئة الاستغلال لإنسانيتهم واستباحة وجودهم بكامل حقوقهم! والثاني أزمات الحكومة التركية وفشلها بميادين كثيرة بل تعاملها بصيغ غير مباشرة [وقد تكون مباشرة] مع قوى الجريمة والإرهاب..
والقصد من هاتين الإشارتين كشف ما يختفي وراء أسباب زحف جموع بمئات الآلاف مجددا عابرة تركيا باتجاه أوروبا، منها عبر البحر الذي ابتلعت أمواهه الآلاف أم عبر البر وغاباته التي قضت على مئات من العوائل في مجاهلها.. كل ذلك جرى ويجري بغض طرف متعمد من جانب الحكومة التركية…
وقد وصل من تلك الجموع بالفعل عشرات آلاف اللاجئات واللاجئين إلى أراضي البلدان الأوروبية بعد أن قطعوا آلاف الأميال مشياً على الأقدام و\أو عبروا البحار بقوارب الموت. فيما قدرتهم مصادر الاتحاد الأوروبي بـ300 ألف إنسان منذ مطلع العام حتى اليوم.
ما أريد التركيز عليه بالخصوص، أنَّهم بعد أنْ اجتازوا مهول العقبات الطبيعية ومطاردات وصراعات بين مافيا التهريب والجريمة ومآرب التضاغطات السياسية لدول المنطقة وزعماء عُرِفوا بأطماعهم، وقعوا مجدداً في مصائد الأسلاك الشائكة وجدران يصنعونها فتخدم قوى الاتجار من جديد. كونها لا تؤدي إلا إلى مزيد آثار سلبية تقع على كواهل الأبرياء…
ولكن بعد دروب الشقاء تلك، جاءت اعتداءات القوى العنصرية، التي تتفاقم أنشطتها، مثلما جرى طوال الأشهر الأخيرة بمخيمات استقبال اللاجئين في ألمانيا وبعدد من الدول الأخرى، تلك التي أدت إجراءاتها الأمنية لاستخدام مفرط للقوة ولأعمال عنفية مبالغ بها من طرف قوى حفظ الأمن. الأمر الذي أدى إلى وقوع ضحايا أبرياء أنهكتهم، سلفاً، طرقات الوصول إلى بر الأمان لينتهوا إلى الموت الذي يمثل اغتيالاً وقتلاً عمداً وبالجملة لطالبي اللجوء ..
ومن أجل البحث في وسائل الحل والمعالجة، نرى أنّ القضية لا تقف على دول الاتحاد الأوروبي وحدها كما لا تقع على طرف أحادي في المجتمع الدولي. ولكن من الضروري في اللحظة الراهنة ىحيث باتت مئات الألوف في الأراضي الأوروبية من حراك نوعي كبير، بتلبية الآتي:
1.  بشأن ما وقع من اعتداءات عنصرية سافرة، يجب فتح تحقيقات فورية عاجلة بخاصة تجاه مئات الاعتداءات التي جرت في ألمانيا مثلاً، وإحالة الملفات للقضاء.. وأن يجري تقديم كل معتدٍ على بيوت اللاجئين ومخيماتهم إلى المحاكمة مع تشديد العقوبات بحقهم، ونحن نذكّر هنا أن أكثر من (200) اعتداء قد وقع على دور ومخيمات اللاجئين بألمانيا وحدها في مدة قصيرة لم يتم البتّ حتى الآن إلا بقضية واحدة، تلك التي أحرق فيها موظف حكومي بألمانيا داراً كاملة وكان الحكم عليه متهاوداً وجرى فيه إيقاف التنفيذ!
2. مع مثل هذه الجموع الكبيرة يلزم عاجلاً توفير مخيمات كافية بما تتطلبه من حاجات إنسانية.. تستجيب للظاهرة وحجمها ويمكنها تقديم المساعدات الإنسانية للمخيمات الموجودة في بلدان المصدر تحديداً ببلدان الشرق الأوسط المعنية وكذلك تلبية المطالب بمخيمات دول الاتحاد الأوروبي وحماية من يلجأ إليها من الوقوع ببراثن الاستغلال من أيّ نوع.
3. كما يتطلب الوضع المتفاقم حاليا، التوجه نحو إرسال لجان تحقيق إلى مخيمات المنطقة في تركيا ولبنان والأردن والعراق للحد من الانتهاكات الخطيرة الجارية تجاه سكان تلك المخيمات بخاصة في تعرضهم المستمر شبه العلني لظاهرة الاتجار والاستغلال الجنسي القهري وغيرها من جرائم ضد الإنسانية من تلك التي تُرتكب بحقهم بشكل ممنهج..
4. ومن الواجبات المؤملة، إعادة النظر في سياسة ما يسمى بحماية حدود بلدان الاتحاد الأوروبي بخاصة في موضوع التعامل مع قوارب البحر وما تحمله من مخاطر على راكبيها من طالبي الوصول إلى بر الأمان !؟ ونشير هنا إلى مئات ضحايا زوارق الموت وإلى عشرات حالات الضحايا في الغابات في الطريق إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وإلى ما اكتشف بالأمس القريب من ضحايا كانوا على متن، شاحنة امتلأت بـ (71) جثة لضحايا سوريين اختنقوا فيها وتم تركها على قارعة طريق خارجي بين البلدان الأوروبية..
5. وبالتأكيد فإنّ الموقف يتطلب وبشكل ملحّ اتخاذ قرارات تتناسب وحجم الظاهرة من مئات ألوف طالبي اللجوء بسرعة إنضاج فرص انعقاد مؤتمر عاجل بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبدعوة ممثلي عدد من دول المنطقة وتلك المؤثرة دوليا، لدراسة ظاهرتي الهجرة القسرية والنزوح في ظل الحرب المستمرة في إطار توجه لعقد مؤتمرات متخصصة بمكافحة ظواهر الإرهاب وثقافات التخلف الظلامية الماضوية.
6. وفي ضوء مجمل ما مرّ من ملاحظات فإنّ الحلّ النوعي الرئيس يكمن في العمل على معالجة المشكلات المتفاقمة في كل من سوريا والعراق وإنهاء مصادر الدعم المحلي والدولي لقوى الإرهاب وتعزيز حراك الشعبين لبناء منظومة مؤسساتية لدولة مدنية يجري تطهيرها من مجرمي ثالوث (الطائفية الفساد الإرهاب) وتلتزم باحترام التنوع في الانتماءات القومية والدينية وتضمن حمايتها وتمنع محاولات إفراغ المنطقة ودولها من هذا التنوع الموجود تاريخياً..
7. وسيكون من المفيد ومن الواجب التوجه إلى تشكيل لجان تستثمر وجود منظمات حقوق الإنسان التابعة للجاليات الشرق أوسطية سواء في بلدان الاتحاد الأوروبي أم في متابعة الأوضاع المباشرة في مخيمات اللجوء بدول المصدر بمنطقة الشرق الأوسط.. وتوفير الدراسات المناسبة للحلول النوعية بأولوية خاصة بحقوق اللاجئين والاهتمام بظروفهم الإنسانية كافة.
8. وبدل ما يطفو من من الانتقادات اللاذعة التي تدخل أحيانا في البروباغندا السياسية تجاه دول المنطقة يلزم جذب زعماء المنطقة ودولها لتحمل المسؤولية بكل مفاصلها. مثل استثمار أموال دول نفطية وكذلك قدراتها لاستيعاب الممكن من اللاجئين وتوفير الرعاية الإنسانية. وكذلك دعم الجهود المهمة والكبيرة لأطراف جدية في معالجة قضايا اللاجئين بافشارة على سبيل المثال إلى جهود كوردستان تجاه حجم لجوء ونزوح إليها يعادل اليوم أكثر من ثلث شعب كوردستان، وهو أمر يضاعف متاعب الإقليم الفديرالي إذا ما تُرِك من دون تفاعل دولي مسؤول..
   وإذا كانت الجهات الإنسانية والمنظمات الحقوقية تتابع بقلق تفاقم الاعتداءات العنصرية وتزايد حجم ظواهر لا إنسانية في المجتمع الأوربي فإنها ترصد ايضا الحجم الرائع والكبير للتعاطف من لدن شعوب أوروبا وتضامن الحركات السياسية التقدمية والحقوقية الأوروبية الوطيد مع طالبي اللجوء..
ولابد هنا من تعزيز الثقة بأنّ مزيداً من التعاون القائم على أرضية خطط استراتيجية بعيدة سيكون حلاً جدياً وجوهرياً مؤثراً .. سواء في مجال غشاعة ثقافة التسامح وقبول الاخر وتشارك الانحدارات بتعدديتها وتنوعها قوميا دينيا ثقافيا في مسيرة بناء تتناسب وتحديات الواقع .. ومن أجل ذلك لابد من أن تتخذ الإجراءات القانونية الصارمة اليوم قبل الغد وبوقت مبكر  ضد أية اعتداءات مثل تلك التي جرت بعدد من المخيمات كي يتم كبح أية فرصة لتفاقمها الأمر الذي يحتمل فرص تحولها إلى أزمات أخطر.
إنّ موضوع لاجئينا يمرون عبر نفق اسود من صراعات المافيات والقوى السياسية يجب أن ياخذ مكانه على الرغم من تعقيدات شائكة يمر بها الجميع.. لذا نتطلع لمطاردة المافيات وجرائمها ولإيجاد استراتيجية تتناسب والقضية الإنسانية الأكثر وجعا في يومنا..
* المادة أيضا تم دفعها لتصدر بصياغة أخرى بوصفها بياناً يشترك مع هذه المعالجة من حيث الجوهر والمضمون كما ستكون بصياغة ثانية بصيغة حملة باسم عدد من المنظمات والشخصيات التي اشتركت بالتوقيع على الحملة بنصها المستقل المخصوص.
* نشكر تعليقات وتداخلاتكم ومواقفكم البناءة التي تسجلونها هنا تضامنا وتركيزا على ما ترونه المطلب الأكثر أهمية لمصلحة طالبي اللجوء

 

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *