اللاجئون بين المواقف الدولية وظروف عيشهم القاسية \ سياسات ونتائج وحلول مؤملة

بينما تتزايد أعداد طالبي اللجوء، تتفاقم أزمة القدرات الاستيعابية للبلدان وحجم الإمكانات المتاحة للتعامل مع حالات دخول مئات الآلاف منهم بشكل جماعي مفاجئ. وإذا كان السبب في تلك الجموع الهائلة هو حال الحرب المشتعلة من جهة وضغوط الاستغلال والابتزاز في مخيمات اللجوء بدول الجوار فإنّ بعض القرارات الأوروبية دفعت باتجاه ولَّد كثيراً من التعقيدات، بخاصة في ظل تناقضات بين قرار وآخر وفي ظل عدم وجود سياسة موحدة وبرامج كافية لقراءة الظاهرة على وفق الظروف الدولية القائمة وليس على وفق ظروف مرحلة الحرب الكونية الثانية قبل أكثر من نصف قرن…

وعلى صعيد كل من العراق وسوريا، فإنّ القوى الحكومية غير معنية فعليا بمعالجة أوضاع النازحين والمهجرين قسراً بمقابل أوضاع متدهورة في البلدين بشكل شامل بخاصة بمجالات استفحال أزمات البطالة والفقر وانتشار مافيات الاستغلال والابتزاز.. يُضاف إلى ذلك أن القوى الإرهابية التي تسيطر على مساحات شاسعة تتاجر بهؤلاء المبتلين بعسف سلطتها ودفعت وتدفع بجموع جديدة باتجاه دول الجوار…

أما في المخيمات فيجري تشغيل اللاجئين بأعمال السخرة بلا مقابل كما يجري الاتجار بالبشر وبالأعضاء البشرية وتوريطهم بممارسات توفر فرص ابتزازهم واستغلالهم ومن ذلك التجارة الجنسية التي باتت ظواهرها بنسب خطيرة..

في ظل تلك الأوضاع يفرّ المواطن العراقي والسوري للخلاص من ذاك الاستعباد والإذلال، إلى حدّ قبوله بالمغامرة بحياته وحياة عائلته ورفض البقاء فيما وُضِع فيه من أوضاع منافية لكل القيم والأعراف والقوانين الإنسانية!

ماذا جرى طوال الأسابيع الأخيرة؟ دولة المجر ودول أخرى  شادت جدران الفصل بالأسلاك الشائكة وخلفها موانع منها الحراسات المشددة التي رافقتها حالات تشريع قوانين (حماية) هي بالمحصلة سبب آخر خدم ويخدم المهربين المتاجرين بالبشر! وإذا كانت المجر [هنكاريا] قد حدّت من حالات عبور حدودها فإنّ سيولا بشرية مازالت تتجه عبر البلقان التي تحاول هي الأخرى (التصدي) السلبي للجموع!

وما يؤسف له أنّ خطاب الإعلام بات يكشف مرارة ما يجري ففي ظل تفاقم الأزمة وانهيار القيم الإنسانية وعجز الدول عن معالجتها: تعلن المجر عن انتصارها في معركة الحدود في وقت اتجه المهاجرون نحو كرواتيا..!! وهو أمر يركز على نجاح سياسات الحكومة المجرية المتشددة حيث أغلقت حدود الدولة أمام المنهكين من طالبي اللجوء الذين قطعوا مسارات مهولة الأخطار للوصول إلى هناك.. وقامت قواتها بتفريقهم سواء باستخدام قنابل الغاز أم خراطيم المياه أم أية ممارسات أخرى مما صرح به جنرالات الحكومة وكأنهم في حرب مع الجموع البشرية وصدورها العارية ..

إنَّ التقديرات الأولية تؤكد احتمال وصول أكثر من 20 ألف طالب لجوء إلى كرواتيا خلال أسبوعين الأمر الذي دفع الحكومة الكرواتية لرفع الاستعداد في الجيش تأهبا لنقل قوات إلى المواقع الحدودية التى بدأ التدفق عليها. واليوم بدأت كرواتيا التي تواجه تلك الأزمة بنقل مئات أخرى منهم الى حدودها مع المجر وهو ما خلق منطقة توتر هي الأسوأ منذ الحرب الكونية الثانية من بين مناطق استقبلت حتى الآن مئات الآلاف..!!

إنّ كل دولة تتحدث عن حدود قصوى وأسقف في طاقة الاستيعاب واستقبال طالبي اللجوء وتتحدث كرواتيا على سبيل المثال عن كونها وصلت إلى ذلك السقف الاستيعابي بوصول أكثر من 14 ألف إليها خلال 48 ساعة، ولهذا فقد بدأت بتحويل تدفق المهاجرين نحو حدودها الشمالية الشرقية مع المجر، البلد الذي أشرنا إلى جملة إجراءاته المتشددة  في الدفاع عن حدوده بمجابهة آلاف طالبي اللجوء..!

هناك في تلك المناطق التي باتت خارجة عن إرادة السلطات وإدارتها وفي ظل نقص شديد في الحاجات الإنسانية تلعب المافيات والعصابات أدوارها في إدارة مصائر الأبرياء ممن تطلع إلى ميناء لجوء وهروب بحياته وحياة عائلته عساه يتحرر من الاستغلال.. لكنه لا يجد سوى مرار الطريق وعذاباته ومخاطره ثم آلام الاستغلال والابتزاز ومواجعهما!

تدور هنا صراعات بين تلك المافيات وعصابات الاتجار بالبشر فيما بينها وبينها وبين القوات المحلية والنتائج دائما على حساب الناس المعدمين من كل حيلة.. وتقع حالات اختفاء بين طالبي اللجوء ربما تعرض بعضها لأبشع الجرائم والانتهاكات وليس مَن يراقب ويرصد و لا نقول يدافع عنهم ويحميهم! ومن الطبيعي أن تكون تلك العصابات أطراف لها جذورها في مخيمات اللجوء ببلدان جوار كل من سوريا والعراق وغيرهما من البلدان الأفريقية..

الكارثة عندما نشاهد ازدحاماً استثنائياً تغص به الكامبات \ المخيمات مثلما بمخيم جيسن الألماني حيث وُضِع فيه ما يزيد على الـ6000 شخص.. هناك تذكرنا الاعتداءات بحالات وحشية وانفلات  للسلطة التي تدير الوضع أو عدم كفايتها على أقل تقدير!

لقد باتت النسوة غير قادرات على الذهاب إلى المرافق الصحية، ليلا، بسبب كثرة حالات الاعتداء والاغتصاب التي جرت بشكل متكرر في الأيام المنصرمة من دون رادع.. يذكرنا هذا أنّ المخيمات تجري فيها جرائم الاغتصاب وحتى الاتجار بالمخدرات وبالجنس تحت الستار من دون إمكانات رصد كافية أو بوجود غض الطرف وعدم الإعلان عنها تجنباً لمزيد صراعات تتحملها السلطات المسؤولة في تلك المخيمات..

ومن دون حماية العوائل والمجموعات الصغيرة التي تتشكل للدفاع عن نفسها تجد الأمور تعقيدات بلا حدود.. ولكن هل هذا هو الحل في معضلة هي من أخطر ما جابهته البشرية منذ الحرب العالمية الثانية؟ أم أنّ موقفاً آخر يجب أن يظهر عاجلاً للتفاعل مع الأزمة؟؟

ما تنشره الأخبار ووكالات الأنباء وما نرصده حقوقياً بشأن ملف طالبي اللجوء يشير إلى حملات فردية وجماعية  مثل حملات توقيع لتوفير فرص الحماية وصلت قريبا من الـ100 ألف توقيع وأخرى لحماية الطفولة مثلا بهولندا فاقت الـ11 ألف وفتح حملات وكامبات هي من أكبر الأنشطة أوروبيا بالخصوص مثل ذاك الموجود بمدينة نايميخن وحملة تبرعات بمسمى (غوغل) يدعم اللاجئين حيث تمّ وضع موقع لجمع التبرعات وإعادة  توزيعها على اللاجئين عبر طرف مختص لتقسيمها بين أربع4 جهات. وقد جمع الموقع 10 ملايين دولار خلال الساعات الأولى من صباح الجمعة 18 سبتمبر..

ولكن هل القضية تقف عند حملات التضامن وجمع التبرعات العينية والمالية بتلك الجهود المحدودة تجاه ظاهرة بحجم يفوق ملايين طالبي اللجوء!؟

لقد أكدت الحقائق أنّ المطلوب يجب أن يتجه إلى حلول جوهرية استراتيجية وأخرى عاجلة وبشكل رئيس العمل على تحجيم قدرات القوى الإرهابية وهزيمتها نهائيا وبشكل شامل في دول المنطقة.. وإنهاء ظاهرة الميليشيات التي باتت تحكم بصيغ دولة داخل الدولة في إطار كانتونات طائفية معروفة.. وهو ما لن يكون من دون وقف الدعم اللوجستي المستمر عبر دول الجوار المعروفة بصيغ المرجعية لتلك الميليشيات التي مزقت البنى المؤسسية للعراق وسوريا…

إنّ دعم إقامة الدولة المدنية بأسس القانون وآليات الديموقراطية ودعم الحراك المدني الجديد والامتناع عن دعم قوى الإسلام السياسي الطائفية بأجنحتها كافة والتشدد ضد وجود ميليشيات أو قوى مسلحة خارج سلطة الدولة ودعم الحاجات الإنسانية العاجلة مع الدفع باتجاه تحريك عمليات إعادة الإعمار في الدولتين التي تم تخريبهما مع اهتمام بحماية أممية من المنظمة الدولة لمخيمات النزوح واللجوء.. سيمثل هذا التوجه النوعي الاستراتيجي ضمانة وكفالة جدية بوقف التدفق غير المسبوق لطالبي اللجوء كما يخلق أرضية الحل الحقيقي..

وكل ما عدا ذلك سيكون مقدمة لأزمة أكثر تعقيدا من تلك التي مر وصفها هنا. إذ أنّ اختراق الاتحاد الأوروبي من عناصر التشدد والخلايا المتسللة واندلاع حركات عنصرية وحالات الاعتداء والصراع المتفاقم بوجود عناصر التهريب التي جاءت لتبييض سجلها والابتعاد عن مكامن مطاردتها؛ كل ذلك هو مقدمة خطيرة لأوضاع غير محسوبة..

إنّ القضية التي مازالت بحدود الحاجات الإنسانية ستتحول إلى قنبلة موقوتة وتتفجر بصيغ عنفية لا إنسانية غير ممكن السيطرة عليها بخاصة والحديث يجري ليس عن طالبي لجوء من سوريا والعراق حسب بل من دول إفريقيا التي أعدت ودربت عناصر إرهاب سبق للقاعدة أن كانت نموذجاً إجراميا بحق البشرية جمعاء…

يلزم النظر بعمق إلى ضرورة بل حتمية انعقاد مؤتمر للأمم المتحدة ينعقد ببروكسل أو القاهرة أو كليهما بخصوص الظاهرة وعدم وقوفه عند حدود التعامل الآني العاجل من حاجات إنسانية بحدود اللحظة بل النظر بعمق إلى ما يتم تصنيعه بفعل مباشر أو غير مباشر من شرذمة للوضع الشرق الأوسطي في تهديد للسلم والأمن الدوليين.. وهو الأمر الذي يجب سرعة حسم الموقف معه..

إذن، القضية لن تقف عند تخوم طالبي اللجوء بين الصراعات والمساعدات الإنسانية الخجلى لأنه إن توقف هنا فسيأتي بنا إلى مراحل أكثر تعقيدا وأسوأ انهياراً..

فهلا أدركنا عمق الأزمة المختلقة وسارعنا لمعالجتها جوهرياً!؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *