تلاعب لفظي للتضليل باستغلال مصطلح أسلمة والجوهر إرهاب المجتمع

لكل حزب سياسي خلفيته الفكرية وقيمه الأخلاقية بالمعنى الفلسفي الأوسع لمصطلح أخلاق، ومن ثمّ لكل حزب وسائله وأدوات عمله وآلياته. وفي الدولة المدنية الحديثة، جميع الأحزاب تخضع لقوانين ومحددات لا تخرج على آليات دستورية وفروض قانونية ملزمة للجميع، لا تجاز من دون الالتزام بها. ولعل أبرز تلك المحددات والشروط تتمثل في: ألا تكون ذات طابع ديني عنصري فاشي وأن تتحدد مصادر التمويل وأن تكون معلنة شفافة وألا تسمح بوجود أجنحة ميليشياوية مسلحة وألا يدخل في ممارساتها خطاب العنف وثقافة التحريض والانتقام والكراهية…

ولطالما شاهدنا ثورات الشعوب وانتفاضاتها على الدكتاتوريات ونظم الحكم العسكرتارية المخابراتية وإرهاب الدولة وتحكّمها برقاب الناس واستلابها حرياتهم وحقوقهم، تسعى للانتهاء من تلك الآليات الإجرامية. ولم يكن الشعب العراقي بعيداً عن حراك الشعوب ونهج الثورات الوطنية الديموقراطية.. ولأن الأحداث سبقت انتصار نضالات الشعب وجاء التغيير في العام 2003 ليسقط نظام الطاغية؛ فقد اختار الشعب نظاما فديراليا ديموقراطيا يرفض المركزة وقتامة سطوتها ويعزز منطق الحريات والحقوق وصيغ هذا في أغلب بنود الدستور الذي أقره الشعب متطلعا لمزيد تقدم ٍ به نحو آفاق جديدة أرحب وأغنى وأكثر دقة في الصياغة.

لكن ما جرى بالتوازي مع خيارات الشعب أنّ القوى التي تسللت إلى سدة الحكم؛ أما استغلت ثغرات طابع التغيير ومن وقف خلفه بين غضّه الطرف عن أفاعيلها ودعمه ورعايته لبعض مساراتها أو ركبت موجة صراعات المحيط الإقليمي وتدخلاته مستثمرة الاتجار بالخطاب الديني تارة وبمظلوميات جرى العزف عليها ليس من أجل سواد عيون الناس ومصالحهم ولكن من أجل أسرهم في خانتي جناحي الطائفية السياسية المتسترة بالدين زوراً وبهتاناً…

وهكذا تشكلت ما أسمت نفسها أحزاباً بالانشطار من ميليشيات مسلحة جرى تدريبها بكليتها في دول أخرى وبأسس لا علاقة لها بمصالح الشعب وتطلعاته في بناء وطن حر وعالم سلام بديل للحروب وعبثيتها وما اذاقت الناس من ويلاتها.. وبدل ميليشيا كذا صرنا نسمع بحزب كيت والحركة العلانية و\أو الفلانية! ومع ذلك فلم تترك تلك الأجنحة السياسية تشكيلاتها العنفية التي وُلِدت عنها بل أبقتها بوصفها أداتها في الصراع وفي فرض وجودها على حساب خيارات الشعب ومحاولته الفكاك من العنف والدموية والحروب، وصارت الغطاء الذي يدعي قانونية وجود جناحي الحركات المنتشرة؛ جناحيها الميليشاويين التصفويين المسلحين وغطائهما السياسي المتغلغل في أجهزة الدولة باسم حزب أو حركة لا علاقة لهما بالسياسة بالمعنى الصحيح لعلم السياسة وخلفياته ومرجعياته!

حتى صارت الدولة برمتها، غنيمةً؛ لا يخفون سطوتهم عليها بدليل فرض منطق المحاصصة الطائفية بديلا عن الديموقراطية وضمنا حتى تلك المسماة الديموقراطية التوافقية التي لا تعني بالضرورة، لا محاصصة ولا طائفية بقدر ما تعني البحث عن أسس تجنب زمن تحكّم طرف وإلغاء الآخر ولكن، تمّ الإمعان بتوشبه كل المفاهيم والمصطلحات لخدمة مآرب جوقة الفساد. فالمصيبة أنّ من سطا على المشهد تدريجاً حتى تغوَّل واستفحل كالسرطان لا يمكن أن يسلم ما عدّه غنيمة كسبها ولن يعطيها ولن يعيدها لأصحاب الحق أهلها من الشعب العراقي، وأولئك لا يخفون ذلك بل يصرحون به علناً بلا استحياء، مستغفلين من يقف جنبهم ووراءهم.

فما جديد تلك الشراذم الهمجية المتمظهرة بشكل تسميه الأحزاب!؟ تحديدا تلك التي تتحدث باسم (الله) وكل زعيم فيها يعلن أنه الوكيل الرسمي الحصري الناطق باسم  (الله) على الأرض..!!!  وبناء على منطق الوكالة الحصرية؛ يتم اختلاق صراعات تزعم كونها (دينية) الخلفية، بالاستناد إلى تلاعبٍ لفظيٍّ،  أبرزه الادعاء بأن مشروع كل ميليشيا وجناحها المتسترة به (سياسيا)، هو من أجل ما تدعيه وتسميه ((أسلمة)) المجتمع وهدايته إلى طريق (الإله أو الله) الخاص بهم!

ولكن عن أية أسلمة يتحدثون!؟ هل صحيح أن أحزاب الطائفية بوصفها الغطاء (السياسي) للميليشيا ولمافيات الصراعات على كسب الثروة والسحت الحرام هي بحق صوت الدين الصحيح؟ أو صوت الله وأوامره ونواهيه ووصاياه!؟ أم هي مجرد تلاعب للتضليل ولتمرير سياسات الفساد، تلك التي لا يخفى على مواطن تفاصيلها وهو يعيشها يوميا بالتقتيل والاختطاف والابتزاز والاغتصاب بكل أشكاله وتمظهراته!؟

أية أسلمة، تلك التي تحوَّل في ظلها العراق إلى الدولة الأسوأ ومن ثم الأكثر فشلا فانحدرت إلى مستوى تكاد تتفكك بسببه؟ وأية أسلمة والفقر يتفاقم في أغنى مدن العالم [البصرة مثالاً] وأكثر بلدانه ثراءً؟ أليست تلك الأسلمة هي ذاتها التي شاع بوساطتها النهب والسلب والتفريط بالثروات بأعلى مستوى وأخطره عالمياً!؟ أية أسلمة يريدون الناس الإيمان بها وأردأ الرزايا تنتشر بظلالها؛ ليس أقلها ذاك الابتزاز والاغتصاب الجنسي للأطفال والنساء وحتى لغيرهم  وقد بات الاغتصاب بمستويات لا تحصى حتى تفشت الأمراض بكل أشكالها البدنية والاجتماعية والنفسية!؟ وأية أسلمة وماذا تعني تلك الأسلمة وهي تنخر في كل القيم السوية بالمجتمع !؟ وأية اسلمة وما معناها الفعلي وجرائم الإبادة لمكونات البلاد قضت على حيوات مئات الآلاف من ورثة من شاد حضارة البلاد بمراحلها التاريخية الأبرز!؟ أية أسلمة وماذا يراد بها من دين – أيّ دين – وقد بات اغتصاب الحقوق مشاعا لمن هب ودب من سوقة الأرض ورعاعه!؟

لنأخذ نموذجاً على الإيغال فيما يسمونه أسلمة بقصد محاربة التيار المدني الذي نما وتصاعد وعاد ليجمع الناس ويلفهم حول مطالبهم وحقوقهم ويمضي بهم باتجاه حرياتهم وانعتاقهم من نير قوى الطائفية، الفساد والإرهاب. ففي اليام الأخيرة دفعت قوى ((الأسلمة)) إياها، من أحزاب التغطية والتستر على الميليشيات والعصابات والمافيات، دفعت بزعرانها لتعليق لافتات وبوسترات تريد القول: إنهم يعظون المجتمع باسم الدين وباسم الأخلاق وباسم الله لكي يكونوا مسلمين على طريقتهم ونهجهم بوصفهم الوكيل الحصري لله الذي يعتدون عليه بتوصيفاتهم وبسياساتهم وبرخيص ما يرتكبون ليل نهار…

لقد خرجوا من حيث أماكن خطبهم ودجلهم ولم يكتفوا به، فحملت تلك اليافطات، ادعاءات بأحاديث نبوية موضوعة أو أوّلت الخطاب الديني الأصل لتفرض توجهها وما فيه من انحرافات تريد مصادرة الحريات والحقوق وإشاعة الظلام والتخلف لمزيد سطوة على الوضع العام كي لا ينفلت من بين أيديهم وميليشياتهم الإجرامية بكل أطيافها وتلوناتها وتمظهراتها..

ها هم يثيرون بخطابهم التحريض والتأسيس لمنطق التكفير بكل ما يتبعه من منح الرخص لبعض المتشددين المتطرفين كي يندفعوا أكثر باتجاه ما يسمونه إقامة الحد، وفي الحقيقة هنا تسنفحل آليات إثارة العنف والاصطدامات والبلطجة على الناس وأولهم قوى التنوير وثقافة الحقوق والحريات..

إنهم يحرثون الأرض ليشهلوا الحرائق.. أولئك هم مشعلو الحرائق؛ ومثيرو العنف ومنح الرخصة التي تغطي على جرائم بلطجيتهم من شقاوات زمننا المنضوين في عصابات منظمة ومافيات وميليشيات ما أنزل الله بها من سلطان.. ومن الطبيعي في ظل منطق الدولة الدينية المزعومة واجترار قضية الخلافة والخليفة والمذهبية وانشطاراتها مع تأويلات وخطابات تحريضية يقع بعض الناس أسرى الاحتراب وينجرون إلى مآس بلا نهاية ودائرة مغلقة تتوالى كأحجار الدومينو في تساقطها المتوالي…

إن الخطورة تكمن في كون مسؤولي الحكومة حتى أعلى قمتها يتبعون تلك الميليشيا إلى درجة أن القائد العام ورئيس مجلس الوزراء لم يستطع لأكثر من مرة وحالة أن يدخل بعض المدن التي خضت لمذابح الطئافية وعناصر الفساد أن يدخلها ويل الضحايا ولن نقول إنقاذ الأبرياء!!!

ولابد هنا من أسس تُلزم بإعادة تشكيل الأحزاب وألا يكون بين قياداتها من ساهم بقيادة حرب الطائفيين وميليشياتهم وأن تتحدد بالقوانين المدنية للدولة وتعمل بشفافية وتمتنع عن كل ما يدخل في إثارة خطاب الثأر والانتقام واستدرار الماضوي السلبي وما يفتعل الانقسام وخطاب الحقد والكراهية والأبرز والأهم حل كل الميليشيات وحصر السلاح بالدولة ومنع وجود أية مجموعة مسلحة مع إقامة الجيش والشرطة على أسس وطنية ..

أما بمجال الخطاب الثقافي الإعلامي فتمنع كل أشكال الخطابات السلبية المتعارضة وقوانين الدولة المدنية من تلك المنتمية لتبرير جرائم ثالوث الوباء: الطائفية، الفساد والإرهاب. ومن أبسط الأمور منع ظهور لافتات تدعي الوعظ الديني ولكنها تختلق الانشطارات وتدخل في جوهر خطاب الحقد والكراهية وقيم القهر والثأر والانتقام…

وليس معقولا أن يجري تعليق تلك اللافتات على مقربة من السيطرات والمواقع الأمنية لتكون حامية لمنطقها ولوجودها وتمنع قوى التنوير من التصدي لها، أو حتى الاقتراب لتصويرها وفضح محتوياتها..

وعليه، فإن اسلمة بوجه لا تعني التعبير عن الإسلام تحديدا منه عدم تعبيرها عن معتقد الناس ووجدانهم بل هي حركة سياسية للتغطية والتستر على جرائم الفساد واغتصاب حقوق الناس وهذا ما يجري فعليا بشكل يومي وبنهج ثابت لم يتغير منذ جاءت تلك الشراذم من خلف حدود الوطن لتستفحل وباء استغل جرائم التجهيل وإشاعة الأمية والتخلف واستغلال إفقار الناس ونشر البطالة بينهم فضلا عن تحضيرات أخرى باتت مفضوحة.

الأسلمة من وجه آخر هي الهراوة التي تدعي تمثيلها المقدس زورا وبهتانا وهي التي تعتمد أما الأحاديث الموضوعة أي الكاذبة المختلقة او تأويل أخرى على وفق منطق معوج.. وهي من ثم هراوة فكرية بعنفها السياسي والنفسي والاجتماعي وطبعا فيما يفرزه هذا من عنف مادي همجي مسلح..

وبين واقع سادت فيه جرائم العنف الوحشية وتطلع يريده الشعب لن يتغير الحال ما لم يغير الشعب بنفسه ليغير بواقعه ويصل مراده والهدف السامي سلاما وتنمية وتقدما بأجواء التنوير واستثمار منطق العقل العلمي وتنويره بما يفضح كل تستر وتغطية وادعاء لأية جهة تزعم حصر التمثيل الرسمي للمدقس بقصد استعباد الناس وهم الأحرار بكل خطابات الأديان وأعراف البشرية وقيمها وقوانينها.

وبقية المعالجة فيما ترون أنفسمن فيه وفيما تتطلعون غليه عبر السلم لا العنف وعبر العقل لا الجهل وعبر الإخاء والتسامح لا الاقتتال والخنوع لمنطق التحريض والإيقاع بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد والقيم الإنسانية السامية التي تجمعنا وتوحدنا. أفلا تنبهنا؟؟؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *