احذروا إدخال قوى الظلام والتشدد الإرهابية في حل مشكلات شعوب الشرق الأوسط!؟

مذ انطلقت ثورات ربيع الشعوب، بكل مكوناتها  بتعدديتها القومية والدينية والمذهبية، كان التطلع هو بناء البديل، مجسَّداً بدولة مدنية ديموقراطية تحترم التعددية والتنوع، وتؤمِّن مسيرة بناء وتنمية وتقدم اجتماعي يلاحق عصرنا وما وصلت إليه شعوب الدول المتقدمة. إلا أن التجاريب التي جرت في كل من سوريا، اليمن، ليبيا وأيضا في العراق وحتى بتونس ومصر، أكدت أن هشاشة الأوضاع عرَّضتها للاختراق، ونقلت تلك الثورات الشعبية الديموقراطية، من سلميتها إلى حال العنف والعسكرة وفرض منطق الحروب الدموية التصفوية!!!

تلك التجاريب أكدت بحسب الحالة بكل بلد، على أن الحراك السلمي حين يُخترق يخسر معركته من أجل التغيير المنشود؛ وبدل أن يحظى بنظام يستوعب تطلعه لتحقيق البناء والتنمية والعيش بكرامة وحرية يقع أسير البلطجة وسطوة ميليشيات التطرف والعنف الهمجية. ولأنَّ أوضاع تلك الشعوب احتوت ظروفا قاسية من مسيرة التجهيل وإشاعة منطق التخلف وتعطيل التفكير التنويري وفرض حال الشلل على العقل العلمي وإلغاء إرادة العمل الجمعي الوطني ومحاصرة تنظيماته، فقد كانت الأمور أسهل على الاختراق، باستغلال العاطفة والطيبة والمعتقدات السائدة وآليات منطق الخرافة وخطابها..

لقد ركزت القوى المعادية على إذكاء طقوس أغلبها لا علاقة لها لا بدين ولا بمذهب.. وأثارت نزعات طائفية، تتمترس خلف الانقسام واستعداء الآخر وإثارة منطق الكراهية وخطاب الثأر مع إيقاع ضربات في خندقي ما اختلقته من انقسامات، تتمظهر دينيا أو مذهبيا – كما ذكرنا كادعاء وزعم –  ولا علاقة لها حقيقة لا بالدين ولا بالمذهب وأتباعهما؛ وهي إذن، توقع تلك الضربات، لتمارس خلف غبار المعارك جرائم نهب الثروات وأبعد منها استعباد الناس وإرسالهم إلى سوح القتال يطحنون بعضهم بعضا؛ فيما يتمتع بالخيرات عناصر الفساد وقواه المافيوية المحلية والدولية!

لقد تركت التجربة العراقية نموذجاً خطيراً على معاني التقسيم الطائفي وخندقته وتوفيره فرص الاحتراب والاقتتال ثأراً وانتقاماً من الآخر، على الرغم من أن هذا (الآخر) هو أخٌ في الوطن وربما في الدين وحتى أحيانا أخ في المذهب نفسه، لكنه من فريق ميليشيا أخرى، تحارب لأجل زعيم أسقط على نفسه قدسية انتساب لعائلة أو لبيت أو لجهة ذات مكانة في الذاكرة الجمعية؛ ليمارس عبثه وجرائمه متخفياً تحت عباءة وجبة وعمامة هو أول من يهينها بجرائمه…

إنّ فرض منطق أن شعوب منطقة الشرق الأوسط هي تركيبة (طائفية) ودينية متناحرة، ليس سوى خطاب مرضي مفتعل لا علاقة له بالواقع ولا يدرك جوهر هذا الواقع بمنطق سليم. فلقد عاشت هذه الشعوب قرونا طويلة وكان لها في التاريخ القديم حضارات هي مهد التراث الإنساني..

فحوض وادي الرافدين وما بين النهرين، كان العراق القديم وحضاراته السومرية والبابلية الكلدانية والآشورية وغيرها بما فيها من تركيبة شعوب تعايشت سلميا وشادت الحضارات المشرقة. وليس بعيدا عنها امتداد تلك الحضارة في سوريا الحديثة وما تنتسب إليه من الحضارة الفينيقية صاحبة الألفبائية الأعرق ومثلهما الحضارة الفرعونية بمصر القديمة بعراقتها وسمو منجزها وثرائه وكذا بتونس القديمة وحضارة سبأ والحميَرية باليمن السعيد.. وهكذا فإن تشكيل الدولة الحديثة مطلع القرن الماضي لم يكن فعلا طارئاً غريبا على شعوب هذه البلدان بل جسّد تاريخاً عريقاً لجغرافيا الحضارات الأقدم.. أكد هذا نهوض شعوب بلدان الشرق الأوسط بكل تركيبتها القومية والدينية، بثورات وطنية ديموقراطية ونحو مسيرة بناء وتنمية وإعلاء قيم التمدن ومحاولات التوجه نحو خطى التحديث والمعاصرة…

لكن المشكلة كانت ومازالت تكمن في واقع التخلف والأمية والتجهيل وإشاعة خطابات  تصدت لها تلك الشعوب ونخبها الواعية. ومع انهيار نُظُم الطغيان والدكتاتورية، خرجت من قمقمها قوى الثورة المضادة من بقايا تلك النُظُم ومعها قوى التخلف وكهوف الظلام الماضوية لتفرض نفسها بالقوة ومنطق العنف واستغلال هشاشة الظرف. ولم تكن لتتصدر المشهد لولا فرض منطق العنف إياه وعسكرة الثورات وتوجيهها نحو أداء مشعلي الحرائق وغاياتهم ووسائلهم الكارثية..

بوجود قوى التشدد والتطرف، سهل الاختراق، معتمداً أرضيته على استدراج الناس بخطاب ديني مذهبي من أقصى اتجاهاتهما؛ ثم من أسْرِهما في منطق التطرف والتخندق المتقاطع المتعارض وإثارة خطاب الكراهية والتحريض غلى الانتقام.. وسهل بـ التشدد ذاك الاندفاع نحو اعتماد أسلحة الحروب والقتال طريقا لسرقة السلطة السياسية أو سلطته في الميدان ليتابع مآربه الدنيئة.

ومع قوة النضالات الوطنية وجهود فضح جرائم الطائفية وخطابها المرضي احتاجت قوى التشدد والتطرف إلى استدعاء عناصرها من مختلف أصقاع العالم بخاصة من تلك التي تم تدريبها بعناية وتضخمت خبراتها الشريرة في القتل والذبح والتفجير وحمل سلاح الجريمة الحربي لشن الحملات ضد أبناء الشعوب المسالمة..

ثم تفاقمت بفرضها التجنيد الإجباري على المناطق المستباحة وساهمت مع قوى الإرهاب التكفيري في جريمة تجنيد أبناء تلك المناطق، سياسات ميليشيات الحكومات الطائفية [نموذج بغداد] وحكومات الدكتاتورية [نموذج الأخوان بمصر ونظام السد بسوريا] والقوى الانقلابية [نموذج اليمن] وخطاب تلك النماذج، المرضي التحريضي… أما شعوب المنطقة وقواها الوطنية التحررية والديموقراطية فقد أدركت بحسها أن ثلاثي (طائفية، فساد وإرهاب) هو ثالوث الجريمة؛ فباتت تبحث في خطط الخلاص من هذا الثالوث المرضي الخطير.. كما في تظاهرات العراق السلمية ضد هذا الثالوث وتطلعا للبديل المدني الوطني وكما في انتفاضة الشعب المصري ضد محاولة أخونة مصر التي انتصرت باستعادة السلطة وانتخاب القوى والعناصر الوطنية لقيادة المسيرة وبناء الدولة المدنية وتعزيز الديموقراطية ومسارها.

إلا أن قوى الإرهاب بخلفيتها الطائفية مازالت تمتلك فرص البقاء لمدة أطول بالاستناد أولا للعبث ولخلط الأوراق ولاستقدامها عناصر أجنبية متشددة وفرض منطقها بقوة السلاح وبالعنف وبالتقسيم الطائفي والتخندق والتحريض على الكراهية والانتقام فضلا عن الدعم اللوجيستي الإقليمي الدولي…

اليوم، تأتي المنظمة الدولية ومعها الدول الكبرى لتفرض حلولا ترى أنها تجمع الأطراف جميعا! ولكنها في الحقيقة تقع بعبثية تمرير مشاركة قوى التشدد وفرض وجودها في الدولة المنتظرة.. فمثلا تفرض قوى إقليمية ومعها قوى دولية منظمات إرهابية من قبيل ما تسمي نفسها جيش الإسلام وأشباهها لتكون بتركيبة أحد طرفي الحوار (المعارضة) السورية وهي بذات الوقت تتعمد استبعاد قوى شعبية ومكون أساس في البنية السورية أقصد هنا على سبيل المثال الكورد! تضع هذه الفروض بحلول لن تكون حلولا قاصرة حسب بل ستكون كارثة على مستقبل سوريا والسوريين بزرعها قوى إرهابية بقلب الحل وبقلب سوريا الجديدة ليكونوا قنبلة موقوتة تنتظر لحظة أخرى للاشتعال والانفجار.. ومثلها ما فرضته من إلزام الدولة الليبية الجديدة على استيعاب الأخوان المسلمين ومعهم قوى إرهابية أخرى في مسار الحل الجديد!

إن الحل الحقيقي لما جرى هو منح الشعوب فرصتها في تبني خياراتها لبناء دولتها المدنية الديموقراطية بأسس وطنية وبرفض منطق الطائفية القاصر الذي فُرِض عليها طوال العقد الأخير. ودعم هذه الشعوب في خيار السلام، خيار التمدن ودمقرطة الحياة والتحديث والتفرغ للبناء والتنمية بخطاب تنويري لا محط فيه لعناصر الظلام وخفافيش التحريض على الكراهية …

ويلزمنا هنا رفض وجود قوى التطرف الإرهابية وكل من ساهم بحروب إرهاب شعوب المنطقة في المرحلة الجديدة مثلما حظرت أوروبا النازية والفاشية بعد الحرب الكونية الثانية. وطبعا يلزم الدولة المدنية وخيار الديموقراطية إطلاق منطق التنوير وحظر منطق العنصرية والتحريض على الكراهية وإدانة وتجريم منطق الانتقام والثأر..

وعليه فلا الحلول الترقيعية التي فُرِضت على ليبيا وباتت تشعل الحرائق وتمنح السلفية الجهادية وقوى التكفير، أي قوى الإرهاب، فرص اللعب والعبث للاتساع والسطو على مساحات جديدة حيث الدواعش يتفاقم خطرهم بوجود قوى التطرف كرها في بنية الحل البديل.. ولن يكون عبث إرسال البوارج والطائرات والقصف الجوي سوى تكرار الخراب الذي شمل العراق ويكاد يودي به..

إن الحل يكمن في دعم خيار الشعب هناك من دون فرض قوى التطرف التي تمثل سلطة ميليشاوية إرهابية مسلحة بلا جذور شعبية والصحيح هو أن يكون الحل بمشاركة الشعب وحراكه وخياره لإنهاء تلك المجموعات الصغيرة عددا وحجما ولكنها الكبيرة بما يردها من أسلحة جهات كبرى دولية وإقليمية؛ الصحيح إنهاء تلك القوى بخاصة أنها تكشف عن نفسها بما تمارسه من ألاعيب وجرائم وعلى وفق حتى الاتفاقات التي وقَّعت عليها، يجب إدانتها وإخراجها من فرص السطو على السلطة..

اليوم بسوريا ايضا لا يجب منح تلك القوى فرصا وأرضية لتكون عقبة الغد، فمفردة عقبة هذه تعني مئات آلاف الضحايا من جديد وملايين اللاجئين يتجهون إلى حيث إثارة مشكلات أخرى بوجه المجتمع الدولي فليكن الحل هنا في الوطن جوهريا..

لا مكان للإرهابيين في كل حل وفي كل بديل وفي مسار دعم المجتمع الدولي لبناء الدولة المدنية الجديدة..

نحن خبراء هذه المنطقة والعقل العلمي لشعوبها وقوى التنوير فيها ونحن ندرك الحل النوعي البديل بدقة؛ فلا تفرضوا تصورات نظرية توقع شعوب هذه المنطقة بعبثية تشخيصٍ ينظر إلى مظاهر تركيبتها ولا يدرك عمق وحدة شعوب المنطقة وطنيا مدنيا.. هذي الشعوب لها قيادات حركة تحرر قومي وطني وحركات ديموقراطية؛  ومن يريد دعم السلم هنا وفي العالم، عليه أن يدعم تيار التنوير والبناء والتنمية وألا يفرض قوى إرهابية لا علاقة لها لا بالسلام ولا بالتنمية فهي قوى بلطجة مافيوية فاسدة خطابها الكراهية وقعقعة السلاح وإرهاب المنطقة والعالم

فهل من مدركٍ مجيب؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *