المرأة الكوردستانية في عيدها الأممي قوة شخصية وجهود بنيوية مهمة

تحتفلُ النساءُ في أرجاءِ المعمورة، سنوياً باليوم العالمي للمرأة. وفي هذا اليومِ تجري مراجعة أحداث العام المنصرم، سواء ما كان في إطار منجزات أم ما كان في إطار عقبات وهفوات وتراجعات. كما يجري تبادل الخبرات بين الحراكات والمنظمات النسوية بمختلف البلدان. ولعلَّ من عناصر التقدم الاجتماعي وفاعلية دور المرأة في بلدٍ، ما نرصده في تلك الصلات المتفتحة بين نساء البلد ونساء العالم وحركاتهن التحررية البنيوية بخاصة في البلدان المتقدمة.

لا يمكننا بالتأكيد مقارنة ما حظيت به المرأةُ في دول أوروبا على سبيل المثال ودولنا النامية المتخلفة. فقانونياً هناك كثير من الضمانات التي تؤكد مبدأ المساواة فيما لا نجد هذا بكثير من البلدان النامية! والأساس في ذلك، يكمن في التعكز على التشريعات الدينية؛ وهي ليست حقيقية بل فروض تريد بعض عناصر التخلف فرضها بادعاء كونها دين، وهي ليست أكثر من تقاليد وقيم ظلامية لا علاقة لها بأيّ دين…

ومثل هذه الفروض القسرية، جرت وتجري في عراق ما بعد 2003، غب تسلم أحزاب الطائفية من الإسلام السياسي بجناحيه للسلطة. فها هي عناصر التخلف والظلام تختلق المناسبة تلو الأخرى لتحريم أمر أو تحليل آخر بما يتفق وجرائم التحكّم بالمجتمع ويساعدها على النهب بأعلى مستوياته عالمياً فضلا عن اللجوء إلى العنف بأعلى درجاته حيث بلطجة ميليشيات الطائفية وصلت حدّ جرائم التصفية الجسدية..

إنّ أول من طاولتهم تلك الجرائم هي المرأة.. فجرائم من قبيل الاختطاف والابتزاز والاغتصاب والحجر في البيوت ونشر الأمية والتجهيل باتت بنسب مخيفة بين النسوة وبحقهنّ. وإذا كانت من كلمة حق يجب التحدث عنها، وقراءة موضوعية يمكن الركون إليها في العراق الفديرالي الجديد، فإنّ مجمل المجريات مختلفة نوعياً بين كوردستان وعموم البلاد؛ وكثير مما يتعلق بالمرأة من بين تلك القضايا.

ففي كوردستان تدار مؤسسات الدولة مدنياً لا بصيغة الفروض الدينية المزعومة المدّعاة كما ببغداد والمحافظات التي تتحكم بها الطائفية السياسية وبلطجيتها المنظمة بعصابات وبميليشيات. وفي كوردستان هناك قوانين إيجابية تحمي المجتمع وتفتح له طرق العيش الكريم وكذلك ما صدر بشأن النساء من قوانين حماية وتبني مشروعات تفعيل أدوارهنَّ من جهة والارتقاء بالمستويات النوعية بقصد الوصول إلى المساواة مبدأ عيشٍ وممارسة فعلية لا شكلية.

ومن هنا نرصد ظهور المرأة الكوردستانية في الحياة العامة بقوة الفعل والدور مثلما في عضوية وقيادة الأحزاب السياسية وفي إدارة الدولة وهي ليست كتلا سوداء مجمدة سلبية الفعل كما يظهر شكليا في أحزاب الإسلام السياسي عندما يضطرون للتمظهر بالالتزام ببعض بنود الدستور، فيدفعون بحطام نسوة بتلك الأشكال!

وتشارك المرأة الكوردستانية الأنشطة المجتمعية العامة بعيداً عن قوانين العيب ومنطق العورة والمنقصة التي يُنظر إليها من قوى التخلف بباقي أنحاء العراق الجديد.. وها نحن نجدها بكل ميدان حتى في ميدان الفدائية المقاتلة بين صفوف حركة التحرر القومي بلا تردد أو وجل أو أية تبريرات أخرى تتعكز على دجل المتخلفين، ومن يحامي عنهم…

إن الصورة الإيجابية المشرقة للمرأة الكوردستانية لا تعني أنها تخلصت من كل العقبات والمشكلات. ففي محيطٍ إقليمي بات يعج بصراعات قوى الهمجية والتخلف التي تتمظهر بإسلامويتها، وفي علاقة فديرالية للعيش بالعراق اليوم وبتأثيرات تضاغطات تقليدية عبر حصان طروادة المجتمعي السياسي الذي تجسده قوى الإسلام السياسي وعناصر مرضية أخرى بكوردستان وما تمارسه تلك العناصر والقوى من محاولات التشويش والتشويه، في مثل هذه البيئة تظهر بعض مثالب لابد من معالجتها والتصدي لها..

فلقد برزت ظاهرة جرائم الشرف التي اُرتُكِبت بحق الفتيات والنسوة الكوردستانيات، وهي جريمة غريبة على عمق التنوير المجتمعي بكوردستان ولكنها جرت متسترة متخفية من أطراف وعناصر مرضية في المجتمع؛ تلك التي حاولت التهرب من القانون بمسميات استغلتها من مثل الانتحار وما شابه لها من ممارسات ضالة، حتى عولجت مدنياً ولكنها تتطلب أيضا مواصلة النضال لإنهائها قطعاً..

وظهرت بقايا جرائم تشويه الأعضاء التناسلية بمسمى الختان. وهي قضية أخرى مما خضع للتقاليد المتسترة بالدين للاحتماء بسلطته. وهذه هي الأخرى من الأمور التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية وتعمل على معاقبتها واقتطاع كل ما يبقي على سلامة بنيتيها الجسدية والنفسية في حياتها الحاضرة والمستقبلية، الأمر الذي يتطلب خططا موضوعية أكثر جدية وتأثيرا في التخلص منها نهائياً…

وليس غريباً أن تلاحظ هنا وهناك حالات الأمية والتجهيل في الريف بخاصة.. أو حالات الإبعاد عن إكمال الدراسة أو التوظيف وإن كانت بدأت تختفي بسبب الجهود الاستثنائية الجارية ولكنها ظاهرة موجودة ونسبتها تجاه الذكور أكثر بوضوح مما يستدعي الدراسة والمتابعة.

وإذا كانت هذه القضايا ومثيلاتها قد جرى ويجري النضال الحثيث على إزالتها بروعة الحملات التنويرية التوعوية وتلك التي تتصدى لقوى الظلام من أجل إنهاء الجريمة وحالات التمييز فإن أموراً طارئة وقعت وباتت اليوم تؤرق الجميع بقصد المعالجة الجدية الناجعة.

إنّ كارثة اختطاف آلاف من النسوة الكورديات الأيزيديات من طرف مجرمي الدواعش الهمج المتوحشين تظل علامة تحدٍّ ينبغي التوقف عندها بوصفها قضية تجسد جرحا غائراً في تفاصيل الحياة الكوردستانية، وفي واجبات التصدي لتمظهرات المشكلة مجتمعيا وآثارها السلبية بعيدة المدى.

وهنا ينبغي وضع برامج نوعية لتعميق جهود التغيير الشاملة وللوصول إلى النتائج المؤملة بأقصر الدروب وأكثرها سلامة ونجاعة. فثقافياً إعلامياً ينبغي وضع خطط موحدة، رسمية ؛ أي من طرف منظمات المجتمع المدني لكي تزيح تلك النظرة الدونية المتخلفة تجاه المرأة بشكل عام وتجاه ما يصيبها من جراحات ويقع بحقها من جرائم.

إنّ جرائم الاختطاف والاغتصاب لا تقع إلا تحت التهديد والابتزاز وقسرياً بجميع تمظهراتها. وتحديداً جريمة اختطاف الأيزيديات واغتصابهنّ، لم تقع في ظروف وأجواء عادية، حتى ولا بمثل جريمة اغتصاب فردية بما تحفل به من إيذاء جسدي بعدوانيتها ووحشيتها.. فالجريمة الأخيرة وقعت في ظل صراع شامل أفلحت قوى الهمجية الداعشية في مدّ بلطجتها على مجتمع بأكمله حيث القوات الاتحادية العراقية تركت الميدان لتقع العوائل ومجمل المدنيين العزَّل في أسر الوحوش الظلامية الظالمة، ولتكون المرأة في أسر تلك الأشكال الكالحة مما ينتسبون خطأ للبشرية وهم مجرد حيوانات داعرة بشعة الأفعال…

ومن أجل ذلك أكرر التوكيد على أن القضية المرتبطة بالنسوة الأيزيديات، لا يمكن أن تخضع لمطالب التوثيق الطبي الجنائي بالطريقة الكلاسية لما يقع على امرأة منفردةً في ظروف الاستقرار المجتمعي.. إنّ تلك النسوة خضعن لجريمة بلطجة واختطاف مشهودة أممياً عالمياً وليس محلياً فقط؛ كما خضعن للبيع مرات ومرات في سوق نخاسة لا تنكره جهات الجريمة بل تتفاخر به كونه واحدة من قوانينها وهو وصمة عار بوجه البشرية.. فما بالنا والمجتمع اليوم يقوم باعتداء آخر، حيث الجريمة الأنكى أن يجري تعريض المختطفة المغتصبة لنكاية أخرى بذريعة التوثيق للاعتداء الإجرامي الأول..!!!

إن تلك الممارسة بخاصة وقد كانت في البدء تجري بطريقة متخلفة، تمثل مواصلة لفلسفة المجرم في جريمته الأولى حيث تعامل مع المرأة بوصفها سلعة تباع وتشترى وكأنها وجود أصمّ وها هي ادعاءات إجراء الفحوص تجري وكأن تلك المرأة ليست إنسانا بمشاعر بل مجرد أداة صماء تخضع لفحوص توثيق جنائي!!

في هذا أريد من النسوة الكوردستانيات أن يكون موقفهن قوياً كالعهد بهنّ، بوجه الأساليب المتخلفة وبوجه صيغ التعامل مع المعنَّفات.. وللمرأة الكوردستانية تجاريب مع جرائم مازالت حية الأثر من قبيل جرائم الأنفال ومن ثمّ فلديهن الخبرة الكافية للتصدي لأية معاناة جديدة قد يتم افتعالها بحقهنّ سواء بقصد أو من دونه..

إن توثيق الجرائم ينبغي أن يتخذ الوسائل والخطى المناسبة التي تحترم إنسانية المرأة أولا وحقوقها كافة ولا يوقع عليها أية ممارسات مؤذية بأي وجه بدني أو نفسي أو مجتمعي..

ومن الطبيعي أنْ يكون الدور المميز لمنظمات حقوقية ومنظمات المرأة الكوردستانية فاعلا في الوقوف بوجه ما يشوه الحقيقة الناصعة لصلابة المرأة الكوردستانية وقوتها بوجه الجرائم كافة..

كما أن المجتمع مطالبٌ اليوم بحملات جدية ضد فلسفة التخلف التي تنثرها قوى التأسلم من جهة لتمرير خطابها الماضوي الأرعن ومن جهة للطمطمة على الجريمة والمجرم ونشر ادعاءات رخيصة تختلق ثقافة مجتمعية مجترة من عصر الكهوف وقيمها..

وهكذا فإن المرأة الكوردستانية إذ تحتفل بعد أيام مع نساء العالم بيومها العالمي يمكنها عبر الصلات المفتوحة والحوارات مع نسوة العالم جذب أفضل أشكال التضامن والدعم الأممي لقضاياها ومنها تلك المتفجرة الفاغرة جرحاً؛ كقضية المغتصبات وما يجابهن من مشكلات مجتمعية ونفسية جراء الصدمات المتعاقبة سواء صدمة الاختطاف والاغتصاب أم صدمة تعامل بعض قوى التخلف مع قضيتهن وطابع الثقافة التي يراد لها أن تسود بخلاف التفتح المشهود كوردستانياً..

إن التحية التي توجه اليوم للمرأة الكوردستانية لا تقتصر على المجتمع الكوردستاني وحده بل تمتد لتأتي إليها من الحراك التضامني للنسوة العراقيات كافة وهن يحاربن بقوة سطوة الثقافة الذكورية وجرائم ماضوية الاجترار من قوى البلطجة والأسلمة السياسية.. كما تأتي من المجتمع ، ما يتطلب وضعها بإجراءات جدية فاعلة يمكن أن تعود للمجتمع برمته بدفق آخر من قوى التغيير والتقدم وتضمن سلامة المسيرة وخطاها الجارية كوردستانيا اليوم.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *