المرأة العراقية في يومها العالمي: واقع مأساوي مرير وتطلعات للانعتاق

اليوم العالمي للمرأة يُعدُّ عيداً في البلدان المتحضرة التي يسودها السلم وخطى العيش الكريم. ولكنه يوم كفاحي نضالي في بلدان تسودها الاضطرابات وتجكمها فلسفة أحادية ذكورية؛ ويُشاع فيها كل ما له صلة بجرائم الاستغلال والابتزاز.. وعراقيا في ظل الانهيار الشامل للأوضاع يقع على المرأة عبء مضاعف من تجليات ذاك الاستغلال الأبشع بجرائمه. حتى أننا شهدنا اجترار أسواق الاسترقاق والاتجار بالنساء بوصفهنّ عبيداً؛ كما جرى ويجري للمختطفات الأيزيديات وغيرهنّ! ولكن الجريمة ذاتها تُرتكب بتسميات مجمَّلة تتخفى هي الأخرى بالدين ولكن يتسويق آخر حيث إكراه الصغيرات على الزواج المبكر وعمليات الختان وزيجات مؤقتة بمسميات المتعة والمسيار والعرفي وغيرها، فضلا عن معاناة الفقر وابتزازهن بظلاله.. هذه معالجة تكتمل بتداخلاتكم للظروف التي تحياها المرأة العراقية اليوم.

سنة بعد أخرى تتوالى في عراق اليوم حالاتُ الانحدار والانهيار.. ولعل أولَّ مَن ينعكسُ عليهم هذا التداعي الكارثي، هم البسطاءُ من الفقراء والمحرومين وبمقدمتهم النساءُ. فكل أشكال الاستغلال تجتمع في مطحنة متعددة الأغراض.. أول تلك الأغراض جريمة التجهيل وإشاعة الأمية وترك الدراسة وعدم إكمال التعليم الجامعي إن لم نقل التعليم المدرسي؛ فنقرأ حال انتشار الأمية والجهل والتخلف بين النسوة، لعل سجل الأمية عند النساء يقرأ رقماً ضعف ما عند الرجال… وثاني تلك الجرائم الحَجْر على المرأة في البيت فالمجتمع اليوم يراد له أنْ يجترَّ عبارة: “من بيت أبوها لبيت زوجها ومن بيت زوجها للقبر”! لكن جرائم أخرى تترى وتتوازى في الوقوع على كاهلها.. فالتزويج المبكر والتدخل فيما ترتدي وتلبس وفي الزيِّ وفي حتى نمط القماش وخشونته وقسوته وعتمته ولونه! والعزل من العمل والوظيفة، فكارثة البطالة تطال النساء بنسب هي أكثر من ضعف ما نجدها عن الرجال، لكنّ ذلك لم يمنع من تحميلهنّ أعباء الأعمال المنزلية بكل تفاصيلها وأحمالها وأثقالها، ومثلها أعمال الحقل في الريف، بلا مقابل حتى في قيمة وجودها الإنساني…

الكارثة أنَّ الاستغلال الواقع على النسوة لا يقف عند هذا الحد من الانتهاك والاستباحة.. ولكنَّ مشكلات التحرش الجنسي والنظرة الدونية وفلسفة العيب والعار تقع دائما بالاتهام على كواهلهنَّ.. والأنكى أنّ الاعتداءات الجنسية والاستغلال والابتزاز والاختطاف والاغتصاب كلها تكون هي التي تقع تحت طائلتها فهي السبب في وقوعها وهي التي تتحمل عواقبها وتقع تحت طائلة المحاسبة المجتمعية ومن ثمَّ معاقبتها فوق ما ألمَّ بها من عذاب وقسوة وتعنيف…

وبشكل أوسع وأشمل فإن ما أصاب المجتمع من ظواهر النزوح والتهجير القسري والتشرد والعيش في العراء وتعرض العوائل لغوائل الزمن، كله يقع بحيفه وبعذاباته على المرأة أولا، فيما السلطة الحكومية الذكورية هي الأخرى في ممارساتها تمنع حق التعبير والتنظيم وتشكيل الروابط والمنظمات وهي حتى في الفسحة المسموح بها للمرأة للحراك تختلق العقبات جمةً أمام تلك المنظمات لتقطع الصلات بينها وبين جموع النسوة…

تلكم حالة حقوق المرأة وأوضاعها عراقياً وهي تحتفل باليوم العالمي للمرأة. فمنذ العام 2003 جرى فعلياً الاعتداء على حقوق المرأة بكل المستويات. إذ جرى عملياً تعطيل القوانين الدستورية بشأن حقوق المرأة ومساواتها ومن ذلك وقف العمل فعليا بقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.. فنحن نرى سنّ إجراءات وإصدار قرارات في مختلف الوزارات بالتعارض مع الدستور ومع القانون بخاصة فيما يتعلق بإلزام النساء بشروط ومحددات تقع في إطار الحرمان من الحقوق الدستورية ومن إنسانيتها وحقها في العدل والإنصاف ومبدأ المساواة.

من جهة ثانية جرى ويجري على قدم وساق، تفعيل قوانين الأعراف في ظل غطاء التعكز على تحويل السلطة القائمة في البلاد من سلطة نظام مدني إلى السلطة الدينية المتوهّمة المدعاة؛ مع ما يجري من إسقاط القدسية عليها زوراً وبهتاناً، لمزيد من إرهاب مجتمعي نفسي للمرأة بخاصة. وهذا ما يمنح أشكال تنظيم ما قبل الدولة سلطة فعلية للحكم كما في سلطة فرد يتصرف باسم العشيرة أو القبيلة أو آخر باسم المذهب أو الطائفة وعلى وفق أدنى مستويات الإعداد للحكم أو الفصل في قضايا اجتماعيةٍ معقدة تتطلب إعدادا قانونيا وقضائيا واجتماعيا رشيدا كبيراً ليكون كافيا وبمستوى الحكم والفصل فيه…

كما تم إشاعة قوانين العيب والعار وتفعيلها في المستويين الاجتماعي والسياسي واستدعاء تقاليد ماضوية مندثرة وإعادة اجترارها بقصد توسيع نطاق التثقيف بهذه الخلفية الظلامية الممثلة لأحط مراحل التخلف في التاريخ البشري.. بكل ما تحمل تلكم الثقافة من أدران ومآسٍ وقعت ويمكن أن يستمر وقوعها بحق المرأة.

من جهة أخرى فلقد جرى منح الفرص واسعة لتطبيق رغبات زعامات أحزاب الإسلام السياسي وأمزجتهم بما يخص التدخل في نوع اللباس الذي ترتديه النسوة وتحديداً منه، فرض الشادور الإيراني والرداء الأفغاني مع مبالغات مضافة أخرى ويجري هذا بممارستين الأولى عبر تسيير مظاهرات بهذا الغطاء في لـَفـِّهِ المرتدية له بالسواد المطلق وإلزام نسوة تلك الحركات برفع شعارات أعيدونا إلى بيوتنا؟؟! والممارسة الأخرى تتضمن التهديد والوعيد والتصفية الجسدية بعد الاغتصاب والتعذيب ومن ثمَّ التمثيل بالجثث وإلقاؤها في الشوارع وقريبا من بيوت الضحايا… هذا فضلا عن إشاعة التخويف والإرعاب وأشكال الابتزاز..

وأمام الأزمة المستشرية لطابع الاقتصاد الريعي المنخور بأعلى نسبة فساد عالمياُ، فإنّ ظواهره المرضية كما بالبطالة تطال أول من تطاله النسوة[حيث نسبة البطالة كادت تصل الـ 66% من قوة العمل ونسبة النساء في العراق تصل قريبا من الـ60%] فيما تمَّ تحديد مجالات أو نوع العمل وميادينه المسموح لها بها… علما أنها [أيّ المرأة] تمثل المعيل لعشرات ألوف الأسر بسبب من وجود أكثر من مليون أرملة ومليون مطلقة وأرقام شبيهة على الطريقة المليونية التي أدمنها المسمع العراقي من تلك التي تشير لاختفاء أرباب الأسر لأسباب قهرية…

وفي بلاد الكارثة الشاملة، لا وجود للرعاية الصحية الخاصة بالمرأة من مثل رعاية الحوامل والولادات وظاهرة حالات التشوهات وأمراض التأثر بالإشعاعات والكيمياوي وما إلى ذلك… ولا يشمل التعليم برامج التوعية الصحية المناسبة  أو أنهنَّ في الحقيقة أول من يجب حرمانه من ذلك داخل العائلة…

ولا فرصة جدية حقيقية أمام المرأة لتنظيم نفسها في جمعيات ومنظمات إلا بشرط الخضوع والتبعية لسطوة جهة من جهات الإسلام السياسي… وهو ما يشابه زمن حصر تنظيمهن باتحاد النساء زمن النظام السابق، وتجد المنظمات الحقيقية عقبات وتجاوزات واعتداءات صريحة خطيرة باستمرار…

وتعاني المرأة العراقية اليوم من المشكلات الاجتماعية الخطيرة وهي تتعرض اليوم لأبشع عملية استغلال عبر استرقاقها وبيعها أو المتاجرة بها في سوق النخاسة والجنس سواء كان ذلك داخل العراق أم خارجه وباتت هذه المشكلة من الخطورة بحجم نوعي عميق الغور عبر العصابات المنظمة وأساليب تمريرها أنشطتها تلك.. ولا ننسى هنا ما جرى من فتح أسواق النخاسة علنا في ظل تنظيم الدواعش الإرهابي الذي اختف آلاف النسوة ومازال يمارس الجريمة جهاراً نهاراً باسم الدين وباسم سياسته الظلامية!

وفوق هذا وذاك تجد المرأة العراقية نفسها اليوم أمام مشكلات عائلية مريرة حيث لا تستطيع أن تلعب دورها إيجابيا بمصادرة حقوقها في التعبير وفي إدارة حياة أبنائها وعائلتها وتختل أجواء التوازن والعلاقات داخل العائلة بسبب من التشوهات الخطيرة في التركيبة وبالتدخلات القهرية من خارج العائلة ومن داخلها… وسيجد البحث والتقصي العلميين مشكلات كما في اتساع ظاهرة تأخر الزواج لدى نسبة واسعة منهن وتوسع حالات الطلاق وشيوعها على حساب تراجع حالات الزواج وتفاقم ظاهرة التحكم والفصل الديني والطائفي في هذا الإطار وما ينجم عن حالات الابتزاز تحت مظلة مشكلات الفقر والحاجة وما ينجم عنهما…

إنَّ جملة المشهد الذي يعاني منه العراق عامة يتأسس على تحالف سلطتي المال والسلاح، المال السياسي ومافياته وسطوة الميليشيات المسلحة وانتشارها وتعمق أدوارها وسلطتها في الشأن العام واحتلالها المدن والقصبات كافة! ووضع هاتين الأداتين العنفيتين بيد ما يسمى الإسلام السياسي  أي ساسة المصادفة وجلابيب التخفي الديني المزعوم، بما يمثله من غطاء كارثي حقيقي في توجيه أو إدارة الأعمال الإجرامية من بلطجة وتجارة واسترقاق وما أشبه، وهذا ما يعقد مسيرة استعادة حقوق النساء وتحقيق العدل والمساواة وإنصافهنّ على وفق مباديء الديانات السماوية والقوانين الإنسانية القويمة..

إننا بهذه الصورة الداكنة ندعو إلى توسيع نضال المرأة العراقية بالاستناد إلى قواها الواعية وإلى القوى الحليفة التي تتبنى تطلعاتها وأهدافها وبالاستناد إلى دعم جدي مطلوب ومنتظر من المنظمات الدولية بالخصوص.. ويلزم في هذا الإطار البحث في تعزيز العلاقات بين المرأة العراقية ومنظماتها والمحيط الإقليمي والدولي والقوى المتنورة فيه كما يلزم توسيع حملات التوعية والاتصال بالنساء ومنع حجرهن بطريقة تغطي على آلاف الجرائم التي تستفرد بكل امرأة لاستباحتها من شتى جهات الإجرام عائليا وأسريا وعشائريا وطائفيا وبعموم الأعمال المنظمة المشخصة…

ولابد هنا من حملة جدية تضع خطة لعقد المرأة العراقية تندرج فيه خطوات فعلية لمناصرتها عبر عدد من محاور العمل من قبيل:

  1. توسيع دور تنظيمات المرأة العراقية وتوحيد المنظمات المتنورة وجهودها بطريقة فاعلة مؤثرة.
  2. عقد الصلات الوافية مع المنظمات الدولية  وتنسيق الفعاليات بالخصوص بما يستقطب أشكال الدعم المادي الملموس والفاعل..
  3. عقد التحالفات والأنشطة على المستوى الوطني بعيدا عن سلطة القوى التي تمثل غطاء في برامجها لاستباحة النسوة العراقيات.. ونخص هنا بالذكر عناصر الإسلام السياسي وتشكيلاته أو مدّعي العصمة والقدسية وتمثيل الله على الأرض!!!
  4. إطلاق حملة توعوية شاملة بكل وسائل الإعلام والاتصال وبكل المستويات المنتظرة منها وبخطط موضوعية مدروسة..
  5. العمل على فرض تعديلات قانونية يمكنها أن تتيح حماية المرأة وحركتها  وتحظر أشكال الجرائم المرتكبة بحقها من قبيل استمرار جريمة يسمونها ظاهرة الختان. الأمر الذي يتطلب مضاعفة العقوبات التي تمس التعرض للمرأة وانتهاك حقوقها كما يجري في الاتجار بها واستعبادها واختطافها أو تصفيتها وعدِّ كل تلك الجرائم جرائم كبرى تمس مصير البلاد والمجتمع…

ولابد هنا من المطالبة بإشراك النساء في الحراك المجتمعي للتغيير؛ وكذلك تصعيد وتائر النضالات الوطنية من أجل قضية المرأة العراقية بوصفها نقطة البدء بمشوار تلبية خطى استتباب السلم والأمن وانطلاق عمليات البناء وإعادة إعمار المخرب في الإنسان العراقي…ومن الطبيعي ألا ننسى أن تحرير المجتمع يكمن في تحرير المرأة لا شكليا بل فعليا بكل المقاييس التي تحقق أنسنة وجودها بمبدأ العدل والمساواة..

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *