صراعات قوى الطائفية لاقتسام الغنائم وخسائر الأبرياء في محارقها

ما يدور من صراعات في قمة الهرم ببغداد، هو تجسيد حي للصراعات التي تفجرت عن أزمتها المتفاقمة إلى حد ولوج مرحلة كسر العظم. ولكن جميع أطراف الصراع، لا يمكنها في اللحظات الحاسمة أن تتخلى عن النظام الذي تسطو بوساطته على مجمل مآربها وأطماعها. بخاصة هنا موضوع ملكية كراسي وزارية ومراكز وظيفية هي أداتها في إدامة فسادها، أو امتصاص الثروة الوطنية والخيرات التي ينتجها الغلابة المقهورين، من فقراء الوطن ومعدميه ممن نُهب منهم مصادر رزقهم.

ما يجري من صراعات، يدفع زعماؤه بالأبرياء، إلى ميادين معاركه ليكونوا حطب عبثية تلك المعارك الأبشع في تاريخ البلاد؛ تلك التي باتت تضع آخر اللمسات على جرائمها بين أن يبقى العراق تحت سطوتها وإدارتها جرائم النهب والسلب والتقتيل أو يفككونه ويتركونه نهباً لحروب أسَّسوا لها كي ينشغل بها الأبرياء عنهم وعمّا ارتكبوه من سرقات وجرائم قتل وإبادة بحق مجموعات هي قلب الوطن ورئته.. لأن أيّ بديل آخر سيفضحهم وسيجلبهم أمام قضاء الشعب ويستعيد منهم ما سرقوه.

وعلينا هنا أولا أنْ نؤكد أن الطائفي لن يتخلى عن جلده، فهو مرتكب لجرائم السرقة وفسادها وجرائم القتل وبشاعتها، وكالذئب لن يكون يوماً حمَلاً وديعاً. وأن الطائفي لن يغير فلسفته ونهجه، كما أنّه لن يقبل بتقديمه أمام القضاء أو يجيب عن سؤال من أين لك هذا.. ولن يعترف بأنه المسؤول عن كل تلك الجرائم التي وقعت في ظل سلطنه بكل بشاعاتها، وعلى خلاف ما بجميع بلدان العالم المتحضر حين تقع واقعة يتحمل صاحب المنصب مسؤوليته الاعتبارية ويستقيل ويخضع للمحاسبة أيضاً، هنا في العراق تمَّ ارتكاب الفظاعات ولا مراجعة حتى في النهج!

فنحن لا نجد إجابة عمن قتل مواطناً بريئاً ولن نجدها ما دام الحاكم هو ذاته القاتل الحقيقي ومن يقف وراء كل جريمة.  ولن نجد إجابة عمن اختطف مواطنة و\أو اغتصب أخرى ولا عمن سلَّم محافظة كثيفة السكان كالموصل أو واسعة المساحة كالأنبار وطبعا لن نجد منهم من يجيبنا عمن ارتكب فساد هذه الصفقة أو تلك وهي بالمئات والآلاف من تلك التي شابها الفساد فالمنظومة برمتها تقوم على قوانين المفسد وفساده.. ولهذا كان تهريب كبار الفاسدين السرّاق جهاراً نهاراً وليس بالخفاء، ألم يهرب معالي الوزير الفلاني أو العلاني ولا إشارة تحرك ساكناً تجاهه على الرغم من إدانته!؟

يقولون: إنّ هناك أحزاباً طائفية وبحقيقتها ليست أكثر من أدوات لحشد الأنصار ووضعهم في كراديس بالمناوبة لحماية زعيم لا يفك الخط، لا وجود لرجال دولة ولا لزعامات سياسية حقيقية، وجود الأغلبية منهم ليس سوى اتكاء على اسم العائلة أو خلفية علاقات وارتباطات لم يعد يستحي من افتضاحها.

ولننظر للمجريات، مع سقوط الأقنعة ومع الموقف الجماهيري الحازم والحاسم بكل صلابتها ووضوحه لم يبق ما يتم إخفاؤه؛ ولكن بقيت الورقة الأخيرة التهديد أما نستمر بسلطة الطائفية بتحسينات وتلميعات في الصورة أو نفكك البلاد ونضعكم خلف متاريس الاحتراب والتقاتل في مسلسل ثأري انتقامي بلا نهاية!

وهكذا نزلوا إلى الشارع يهددون الوزارات والمؤسسات ولا يقصدون استعادتها لمصلحة الشعب وقراره السيادي في إعادة بناء الدولة على أسس مدنية بعمقها الوطني الديموقراطي ولكن بقصدون إسقاط ما تبقى من الدولة وشكلها المؤسساتي ليدغعوا نحو توظيف ميليشياتهم في معركة البقاء وطمطمة أخيرة على أكبر جريمة سرقة في العصر الحديث.. سرقة العراق بكل ما فيه وإضاعته وهدره في سوق نخاسة مافيوية مريضة.

ونحن إذا ما ساتثنينا البنى المؤسسية في كوردستان، فإننا لن نجد إلا هياكل خاوية يتحكم فيها أفراد بلا دراية ولا معرفة ولا تخصص وهي بنى غير منتجة معطلة مشلولة.. وبقي الهدف الجديد قائما على تعطيل قمة الهرم من وزارات الحكومة ومجلس النواب الذي يعتصم فيه النواب بمسرحية هزلية يتحدث فيها ممثلو أحزاب الطائفية وزعاماتها باسم (الشعب)! وحركته (الإصلاحية)!

فعن أي إصلاح وأي شعب يتحدثون وفكرة الاعتصام ليست سوى حركة شلت البرلمان العاجز والمؤتمِر بأوامر الزعامات الطائفية؟ ألم يلاحظ المواطن البريء كيف تم سحب كتلة بعينها من الاعتصام بين ليلة وضحاها؟ القضية بجوهرها في كل مجريات المؤسسة الرسمية تمارس عبثا خطيرا.. فهي تستمر بدوامة تبادل الأدوار وتبديل الوجوه وتريد أرنبا خذ أرنبا.. تريد غزالا خذ أرنبا فلا يوجد غيره.. والنظام عو عو لن يتبدل!

الحركة الاحتجاجية الشعبية لم تخرج لتبديل وجوه السرّاق وبعض من ارتكب ويرتكب الجريمة بل خرجت بمطالب واضحة.. عراق فديرالي ديموقراطي جديد يقوم على تغيير الحكومة بأخرى مستقلة تماما عن التبعية لأية جهة حزبية طائفية مع برنامج عمل بمحورين أول تنظيمي بنيوي يعيد الهيكلة على اساس الاختصاص والكفاءة ويهيئ القوانين الوافية لانتخابات ديموقراطية لا يشترك فيها أي من المدانين الذين حكموا طوال المدة المنصرمة وبرامج عمل إجرائية قريبة وأخرى استراتيجية لإطلاق جهود البناء.

إنّ الوجه التنظيمي البنيوي يخص إنهاء لعبة تغيير الوجوه وخضوع عملية التغيير لخيارات الشخوص الذين قادوا مرحلة الكارثة التراجيدية بكل جراحاتها الفاغرة في يومنا. تلك الجراحات المجسدة في مشاهد نسب الفقر والبطالة وملايين الأيتام والأرامل وملايين النازحين والمهجرين إلى مصائب طاولت كل هؤلاء من جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وظلام المشهد برمته.. والقصد بالجهد التنظيمي مجيء حكومة تكنوقراط مستقلة حقيقة مع وقف كل أولئك الموجودين في قمة المؤسسات بخلفية الانتماء لأحزاب الطائفية وهم ليسوا سوى من جهلة القوم وسقط متاع المجتمع وحثالته، وليس بديلهم غير العقل العلمي العراقي المتخصص. ولابد لهذه العملية من سقف زمني لا يتجاوز الأشهر السنة بحسب خطط مرسومة من قمة الهرم حتى أبعد نقطة تفصيلية…

بينما الوجه البرامجي يتضمن مفردات برامجية للعمل المباشر العاجل الموجه إلى حركة بناء جدية لكل ما هو خدمي طارئ في حياة المواطن، بخاصة هنا في المجالات الصحية والماء والكهرباء والمفردات المطلبية المباشرة المعروفة. لكن هذا بالترافق مع برنامج خطط متوسطة وبعيدة ثلاثية وخمسية وعشرية تتضمن إعادة بناء المناطق التي استباحتها القوى الإرهابية وتأمين المناطق والأحياء الفقيرة بخطط بناء شاملة لا تتوقف عند ترقيعات ووعود أكل الدهر عليها وشرب!

 هذا هو بديل الحركة الاحتجاجية وهي تؤمِّن نفسها ضد معركة خلط الأوراق التي ضخت جموع من تلك التي تتبع زعاماتها من دون إدراك ما تأخذه غليه تلك الزعامة، لكي تخلخل الحراك الشعبي وتشوهه بدليل لعبة اعتصموا ثم أنهوا الاعتصام لإنهاك الشارع من فعاليته ذاتها؛ وأبعد من ذلك رفعوا أعواد مشانق في بادرة لخطاب عنفي يشوه الطابع السلمي الحريص على المؤسسات الرسمية بوصفها ثروة وطنية لا يمكن التفريط بها كونها الفطاء لوجود الشعب بأمان.. وعليه فإن (الاستقلالية) في الحراك المدني وفي شعاره الرئيس الثابت (عدالة اجتماعية .. دولة مدنية) وفي أسلوب الأداء المنضبط القائم على احترام أمن الجميع وعلى التوجه الثابت نحو خطى التغيير وليس الترقيع ولا غش المواطن الذي أنهكته التلاعبات وقد دخل الآن السنة الـ14 من حكم الطائفية..

ولعبة الاعتصامات مارسوها أيضا ليس في الشارع حسب بل توجهوا بها إلى البرلمان وهو أحد رؤوس الوباء الذي أصاب مؤسسات الدولة في تمثيله قوى الطائفية. إن هذه اللعبة القائمة على شطر كل بنية وكل كينونة على خندقين محتربين هي اللعبة التي باتت عند كثير من المواطنين مفضوحة بجوهرها ولمن تنتمي وماذا يراد منها، من مآرب مرضية..

ووسط كل هذا الخضم من معارك الطائفيين الموجهة ضد الشعب العراقي برمته يوجهون بالمرة سهامهم ضد بنية هذا الشعب القائمة على تحالف جناحيه من العرب والكورد وأطياف المجتمع العراقي. وهم هنا يحاولون تمرير لعبتهم على حساب هذا الحلف الاستراتيجي وتحديدا ضد الكورد وصيغ العمل التي تحكمها قوانين فديرالية معروفة بعد أن ظنوا أنهم انتهوا من المجموعات القومية والدينية التي يسمونها أقليات بمعارك إبادتهم الأبشع في يومنا!

وللرد الحازم والحاسم، سيبقى الشارع للشعب ولحراكه المدني الديموقراطي وعمقه الوطني القائم على احترام التعددية والتنوع وعلى ثبات المطلب الجوهري بالتغيير الشامل ولا بترقيعات الوجوه واستبدالاتها الإيهامية التي لا تنطلي على طرف.

فانتبهن أيتعا العراقيات.. وانتبهوا أيها العراقيون

اللعبة تريد لكم هذه المرة استعباداً سافراً لقيادات الطائفية التي ما فتئت تحتمي ببلطجة ميليشياوية على حساب إضعاف متكرر لمؤسسات الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وضخها بممثلي الطائفية وحاشيتها المستفيدة من قوى الفساد ومن أصابهم وباؤه.. فلتكن الكلمة لكم اليوم في فرض البديل المجسِّد لشعب تاريخه مهد الحضارة الإنسانية وتراثها ووجوده المعاصر شموخ انتفاضات الحرية ومنطقه هو ذاك القائم على التنوير والعقل العلمي…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *