النازحون ومعاناتهم والبحث عن منقذ

كتبتُ هذه المعالجة وهي تتناول ظروف النازحين لمرات متعددة بأرض عراقية الانتماء والهوية وهي معالجة تنطبق على مجمل النازحين في كل الأرض العراقية بالأمس في الفلوجة واليوم في الشرقاط وبيجي وغدا في الموصل وغيرها وبكل مدينة تعود لحضن الوطن متحررة من سطوة الإرهاب وشرذمه..وإذا كان لابد من إشارة فإنني أضيف هنا من الخروقات بلطجة العناصر الميليشياوية مثلا قصفها المتكرر لمخيمات النازحين بطريقة تثير الشحن والاحتقان الطائفي ولكن خسئوا فشعبنا متمسك بوحدته وقرابين ضحاياه ذلكم الثمن الباهض هو ثمن الحرية واستعادة السلم الأهلي وليس أداة كسر شوكة الشعب وإرادته .. ومهما اشتدت واكفهرت الظروف فإن صلابة التمسك بوجودنا العراقي وبأنسنة وجودنا تبقى قوية صامدة حتى ينتصر الشعب موحدا .. كونوا بتداخلاتكم  لبنة في طريق المحبة والتسامح وتقوية العزائم  وفتح نوافذ الآمال كبيرة واسعة

منذ أول شرارة حروب القوى الإرهابية وشراذمها المريضة بالسادية والمازوخية، اندفعت مئات آلاف النساء والأطفال والرجال جموعاً زاحفة نحو مأوى آمن فتوجه منها زخم كبير نحو كوردستان الخير والعطاء. واحتضنتهم برعاية تامة وقاسمتهم رغيف الخبز في أحلك الظروف التي تمر بها في السنوات العجاف بخاصة في وقت قطعت بغداد مرتبات ملايين الموظفين والعمال وحجبت الأموال الاستثمارية والتشغيلية عن كوردستان، إلا أن شعب كوردستان وحكومته لم يصدوا موجات اللجوء والنزوح التي حلت بينهم معززة مكرمة لحين انجلاء الأزمة…

تلك هي معاني الإنسانية وحكمة التصرف وإدارة الأزمات الإنسانية الحادة وذات الضخامة المهولة مما لا تجابهه دول بحالها.. ومع تحمل المسؤولية كانت الإدارة الكوردستانية للمخيمات توجه نحو أفضل سبل الخدمات وما يتيح تلبية المطالب وسد النواقص التي لا تستطيعها إلا قدرات استثنائية لحملة أممية كبرى، وهو ما جرى تحشيده إنقاذا لتلك الملايين من دون شكوى أو تذمر أوقصور تخطيط..

لكننا آثرنا المقارنة ونحن نمر على معالجة نازحي الفلوجة والأنبار من طرف الحكومتين الاتحادية والمحلية. وبدءاً لنضع الجمهور بتصور الموجات القديمة التي توزعت بين كوردستان وقليلا في محافظات أخرى عملت كثيرا من العقبات والشروط والتعقيدات بوجه النازحين والمهجرين قسريا…

أما بشأن الموجة الأخيرة التي أعقبت العمليات العسكرية لاستعادة سلطة الحكومة بالفلوجة المستباحة من شراذم الإرهاب الدواعش الأوباش  فتقول الإحاءات الرسمية إنّ أعداد العوائل والأسر النازحة من كل من الفلوجة والصقلاوية وما يتبعها من قرى وقصبات قد بلغت (13184) أسرة تم استقبالها في مخيمات: ((عامرية الفلوجة (5572) والمدينة السياحية (3315) والخالدية (2362) وبزيبز(700) ومخيم 18 كيلو(1235)…)). وتشير الجهات الرسمية إلى أن النازحين قد تسلموا حال دخولهم المخيمات مساعدات غذائية وعينية وصحية من الكوادر المسؤولة التابعة لوزارة الهجرة والمهجرين في فرعها بمحافظة الانبار..

لكن إحصاءات الجمعيات والمنظمات الأممية الموجودة في تلك المخيمات تنادت طوال مدة العمليات العسكرية لتوكيد القصور الفاضح في الإعانات والمساعدات؛ وطلبت بنداءاتها مساعدات عاجلة من كل الجهات الأممية.. والأوضاع تشير إلى افتقار جدي للحاجات الإنسانية مع افتقار لشروط العيش بتلك الخيام بخاصة منها الموجودة في العراء,

الكارثة الأنكى في كل هذا أن العوائل تُحشر حشراً في خيم لا تستوعب العدد الضخم ما يجعل النازحين يشعرون بالمهانة فضلا عن قسوة النقص في كل الاحتياجات الضرورية.. وهذا الوضع من الكثافة في الإقامة الطارئة قد تسبب بمشكلات جمة ليس اقلها انتشار الأمراض وتضاعف معاناة المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن والأطفال، إلى جانب أمور تخص العلاقات الإنسانية وتضاغطاتها..

لا ننسى حال الانتهاكات التي تعرض لها السكان المحليون من مختلف أشكالها الماسّة بحقوق الناس وبالتي تحط من اقدارهم وتهينهم وتمرغهم بالتراب! فهناك حالات اغتصاب للنساء والرجال وأمام أعين العوائل رصدتها المنظمات الإنسانية كما أن هناك حالات القتل أمام أنظار الأطفال بعد ممارسة التعذيب والتنكيل!

ولعل خبر إطلاق سراح الآلاف المؤلفة من أبناء الفلوجة هو أمر يشير إلى الاعتقالات العشوائية التعسفية على خلفية اتهام المجتمع المحلي بالإرهاب وبدل تحريره بعد أن سلمته السلطات للقوى الإرهابية بدم بارد تأتي لممارسة العقاب الجماعي بصنوفه كافة.

ولا نعلم بتاريخنا الحديث، أن حكومة تطلق مع الجيش الوطني ميليشيات لا تستطيع ضبطها ولا السيطرة على الأفعال الانتقامية الثأرية لجرائم مضى عليها 14 قرنا ويراد إحياء التمترس خلف انقسام طائفي مفتعل مصطنع مختلق الذرائع من أجل إدامة سلطة الطائفية السياسية وأذرعها الميليشياوية المافيوية.. سوى هذه التي جرت في الأنبار وتجري في الفلوجة!

فعن أي ظروف إنسانية يمكن الحديث بقضايا نازحي الفلوجة؟

لا شيء سوى الآلام والفواجع وتراجيديا جرائم تمر وربما يطفو تصريح ها هنا وهناك يعترف بمفردة من مفردات تل الجرائم ويكتفى بوعد كاذب بفتح التحقيق والمحاسبة وتموت القضية وتبدأ جراحات الناس بالتقيح ألما وفجيعة وتمترسا خلف مفاهيم الانقسام بسبب هذا الشحن وما يخلقه من احتقانات وخنادق يحتمون بها مما عاشوه ولم يسمعوا عنه بل وقعوا ضحاياه وقدموا من أبنائهم فلذات أكبادهم ضحايا الدموية والوحشية التي تحملها عناصر مريضة منفلتة في ميليشيات بلا ضابط بعضها يُدار من خارج الحدود…

إن قضية النازحين تتطلب اليوم موقفا حازما وحاسما يقطع الطريق على مزيد من إراقة الدم وإثارة أو زرع بذرات لانقسامات مستقبلية.. وعليه فلابد من استعدادات لوجستية مناسبة تبدأ بتوسيع كوادر العمل في المخيمات وتزويدها عاجلا بالمؤن والضرورات الطبية المطلوبة وتاليا الشروع بتطهير المدن من الألغام والمتفجرات والمفخخات المزروعة من قوى الإرهاب مع العناية القصوى وباهتمام بتجنيب المتطوعين في هذه المهام  من مخاطر عمليات التعامل مع المتفجرات، فتلك تبقى مهمة وظيفية تخصصية حصرا بالجهات المعنية التي تظل بحاجة للدربة والخبرة وكذلك بحاجة ماسة إلى توافر الأجهزة المتطورة..

إنّ مثل هذا الأمر يدفعنا للطلب من الحكومة الاتحادية ومن الحكومة المحلية  أن تتصدى لمهامها بمسؤولية ترتقي لمستوى المتطلبات.. وإذ ندرك حجم المسؤولية المضاعف وظروف عمل الحكومة وثغراتها وسلبياتها فإننا نوجه نداءنا إلى المجتمع الدولي بغاية التعامل بسرعة لتقديم أشكال الدعم الفني اللوجستي المناسب لتلك المناطق التي تعد مناطق (منكوبة) حتى لو لم تعلن الحكومة الاتحادية ذلك..

ونداء الاستغاثة هذا يأتي بقصد إعادة تأهيل الفلوجة والصقلاوية وتوابعها ضمانا للعودة الآمنة المستدامة لسكانها، بسقف زمني مناسب..

وفي هذا الإطار ومن واقع التجربة الحية ندعو إلى مراقبة المنظمات الحقوقية الأممية لمنع تكرار حالات التمييز بين النازحين في طريق عودتهم أو تعريض بعضهم لنمط من الضغوط وأشكال الاستغلال و\أو الإجبار والإكراه في شيء. متطلعين إلى وصول منظمات المجتمع المدني بخاصة  منها، لتساهم في تنظيم إجراءات تسهِّل سبل العمل والعيش وتساعد في حل المشكلات والعقبات الجارية مما أشرنا إليه.

إن المنقذ اليوم لا يكمن فيمن يتاجر بهم وبمصائرهم فيما ستغلهم ويبدل استباحة ميليشيا إرهابية بأخرى طائفية ولكنه أخوة الوطن والشعب من قوى الحراك المدني الحقوقي ممن يستطيع الوصول ولا يكتفي بالمراقبة والرصد بل يمتلك صلاحيات الحسم والمعالجة للحالات التي تجري مع غبعاد حقيقي لعناصر الميليشيا التي طاولتها التهمة مما جرى فعليا على الأرض..

إن تجربة الفلوجة وجوارها ستكون علامة لكل المناطق الأخرى المنوي الوصول إليها في الأفق القريب وهي الدرس الوطني إذا ما أحسنا التعامل معها وصححنا المجريات واتخذنا القرارات الصائبة التي تحمي الانتصار وتمنحه عمقه الوطني بدل تجييرات طائفية تصمّ الأسماع وتطرح بفحيحها سموما لا منأى عن ضحايا لها أولها الانتصار للعراق وجودا وهوية وبديلا يحمل الهمّ إنسانيا…

لنكن مع هويتنا الوطنية ولنعزز بنى العمل المؤسسي الرسمي ولنزح كل التشكيلات الخارجة على القانون ولنستعن بالمساعدات الأممية بنزاهة وبلا تمييز وبما يعيد للعراقين الثقة بأخوّة الوطن فتمضي السفينة ببحر هادئ بدل أمواج متلاطم العواصف التي تختلقها الصراعات الطائفية الرعناء..

ويبقى للنازحين أولوية لا تسمح بالمهاترات وبالادعاءات والتبريرات وأي شكل لإسقاط القدسية على الذات الطائفية لتبرير العدوانية السادية وآثامها..

فهلا تذكرنا معاني أنسنة وجودنا من خلال نافذة النازحين وظروفهم القاسية واتخذنا طريق السلامة للجميع طريق وحدتنا وجسور العلاقة الأخوية إنسانيا وطنيا؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *