حرية التعبير وحق الاطلاع على المعلومة بين الممارسة ومحاولة الاستلاب

على الرغم من سحب القانون من جلسة البرلمان المشار إليها إلا أن التجربة أكدت طابع المناورة والتسويف ومحاولات تمرير القوانين في جنح ظلام ما يتطلب أقصى درجات الحذر والاحتياط والتوجه إلى إعادة الضغط وإدامته حتى يتحقق تشريع صياغة تستجيب للمطالب العشبية وتلك هي غاية معالجتنا في أدناه

على مدى زمني غير قليل تابعت القوى الوطنية الديموقراطية، مجريات الحوار خلف أسوار القاعات شبه المغلقة للبرلمان العراقي، بشأن قانوني حرية التعبير والتظاهر وحق الحصول على المعلومة.. وقد عمل ممثلو أحزاب الطائفية كدأبهم على التصدي لكل ما يدخل في تلبية الحقوق وضمان الحريات على وفق القوانين الدولية والإعلانات الحقوقية والمواثيق الأممية المعمول بها في الدول الديموقراطية التي تحترم مواطنيها.

ومن أجل ذلك، أعادوا الصياغة لكثير من العبارات بما يتفق أو يمرر مقاصدهم سواء في الحد من حرية التعبير والتظاهر السلمي؛ وإخضاعه لمحددات وشروط استثنائية معقدة تحجب فعليا فرص التعبير عن الرأي وتستلب حقوق المواطن في متابعة المجريات ورصد الانحرافات في أداء الحكومة وممثليه في مجلس النواب… كما عملت على صياغة شروط تحجب المعلومات عنه وتحظر تداولها حتى في قضايا لا تخضع لقضايا من قبيل الشؤون الأمنية القومية العليا…

وبهذا الفعل فقد تمّ تشويه النصوص التي كان ينبغي أن تضمن الحقوق والحريات.. وصارت تلك النصوص بيد (سلطة) تريد تكريس كل ما هو طائفي يخدم المفسدين ويغطي على جرائمهم ويمنع المواطن من استعادة حقه في الاختيار إذا ما رأى اعوجاجا..

ومن هنا بدأت حملات وطنية شاملة بخاصة من قوى الحراك المدني الوطني الديموقراطي كونه الحراك النضالي المدافع عن أنسنة وجودنا وهذه الأنسنة لا تأتي في ظل استلاب حق التعبير وحق أن يكون المواطن فاعلا في مراقبة من يكلفه في تمثيله بإدارة السلطات الثلاث وتسييرها على وفق إرادته وتطلعاته..

كيف يمكن أن يكون فاعلا وحجب حقه في التعبير بكل أشكاله مسلوب منه مصادر من طرف مؤسسات مرضت وتريد إمراض الحياة العامة!؟

لا مجال هنا للتحرك وما يتم تخليقه وتصنيعه هو دكتاتورية من طراز جديد.. وأرضية خصبة لتسلط المفسدين على الجموع الشعبية وعلى حراكها الوطني الاتجاجي. بمعنى أن السلطة باتت تشرعن سطوتها وبلطجتها وطغيانها وتغوّلها على المواطن..

إنها تقمع الحريات في التظاهر السلمي وبدل أن يكون الحق متاحا بآلية مناسبة تحمي هذا الحق وتمنحه التفعيل المناسب فإن المراد من الصياغات الجارية يتجه إلى المصادرة وضمان سطوة وبلطجة من طرف المؤسسة الأمنية..

إن القضية هنا تفضح تحول السلطة من اتجاه استكمال مؤسسات وقوانين تخدم نهج الديموقراطية خيارا عراقيا شعبيا حاسما إلى شرعنة القمع والاضطهاد وامتلاك الشروط التي تقلم إرادة الشعب وتجعله مكبلا عن حقه في التعبير الحر عن مراده ومقاصده وتطلعاته..

هذه الحقيقة تنبه إليها الحراك المدني وأطلق حملات في وسائل التواصل الاجتماعي لحشد الجمهور ما يتطلب تفعيلا لتلك الحملة ونزل إلى ساحات التظاهر السلمي بخاصة ساحة التحرير رفضا وإدانة لمحاولات تشريع القانونين بعد استنفاد ممثلي أحزاب الطائفية لعبة الصياغة المفصلة على مرامهم.. وتوجههم لتبني القانونين..

الكارثة في الأمر أن هذا يأتي مع افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان وعقب كل الحركات الاجتجاجية السلمية التي جرت وسحبت التفويض الذي منحه الشعب لأحزاب الطائفية بعد أن تكشف زيف ادعائها وبرامجها التضليلية التي لم تلتزم بها بل عملت بالضبط باتجاه معاكس لما التزمت به يوم انتخبها الشعب..

وطبعا هم يستكملون محاولة الاجهاض على الحراك ودوره في مراقبة أنشطتهم القمعية الاستغلالية وجرائم النهب وما يعرضون له الشعب من مآس وكوارث.. إنهم يستكملون الأمر بمنع وصول المعلومة إلى الجهات المعنية سواء الشعب نفسه وجموعه العريضة أم الجهات الصحفية الإعلامية العليا التي عادة ما يلزم وجود المعلومة لديها بوصفها السلطة الرابعة..

إن هذه الظاهرة في التكتم وعدم وضع المعلومة بيد من ينبغي أن تصل إليه هي مفردة تضع الأمور بيد عناصر فاسدة أو تلك التي تتستر على فساد يجري في السلطة وهو أخطر ما يمكن أن يقع في آليات اشتغال سلطة بعينها..

نحن مقبلون على مواجع وفواجع جديدة من قبيل حق اعتقال واحتجاز مواطن يعبر عن رأيه أو يحاول التعبير عن الرأي في قضية رأي عام تخصه وتوقع عليه ضيما أو ظلما إذا ما تركها سبهللة بأيدي مفسدين!

إننا مقبلون على جرائم اعتداء على المواطنين بسلطة القانون الذي تسنه جهات تشريعية منتخبة.. ولكنها في الحقيقة باطلة كون الحركة الشعبية خرجت بالملايين وقالت كلمتها أن لا مجال للسلطة التشريعية أن تستمر بممارسة عملها ومنح الشعب وحراكه فرصة وحيدة على طريق سلطة تسيير أعمال تستكمل سن القوانين بما يتفق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقوانين والشرعة الدولة التي تحترم البنى والهياكل والآليات الديموقراطية وليس العكس..

ولكن البرلمان الخاضع لسلطة زعماء أحزاب الطائفية ولسلطة تنفيذية حكم الشعب عليها بالفساد والخطل والفسل المطبق في أداء المهام، إن هؤلاء مازالوا يصرون على متابعة اشتغال بالضد من إرادة الشعب ومطالبه وتطلعاته..

إننا في وقت نرى ضرورة الانتباه على التهديدات الأمنية والمخاطر المحدقة بالوطن والناس من جانب القوى الإرهابية والتدخلات السافرة ننبه أيضا في الوقت نفسه على الاستهانة بمصالح الشعب عبر تلك الأنشطة السبهللة التي تشرعن القمع والقهر والاستلاب والمصادرة فيما يحجب عن الشعب حقوقه وحرياته..

إن كل الشعوب حتى في النظم الاستغلالية تمتلك حقها في المعلومة وتصلها عبر السلطة الرابعة التي تعمل بمهامها وتؤديها بأفضل وجه وتعبئ الشعب بوساطة ما توصله إليه من معلومة بل إن الصحافة والإعلام في البلدان المتقدمة بات يملك قدرات التأثير على شعوب كوكبنا وإيصال المعلومة بالطريقة التي يراها بينما يكتب أعمدة إعلامنا وصحافتنا رؤاهم في ضوء التخمينات بسبب من قصور المعلومات ومن حجبها عنهم..

كما إن مراكز الإحصاء الوطني والمعلومات عندنا نفسها لا تمتلك ما يفي بسبب من آليات اشتغالها وقوانينها وفرص تفعيلها دع عنك أنها لا تقدم للمواطن ما يشبع حاجاته من المعلومات لجملة من الأسباب منها الحجب المتعنمد ومنها القصور والفشل في توفير المعلومة لخلل بنيوي فيها..

وفي ضوء تلك الوقائع، أرى أن من أولويات الحركة الاحتجاجية أن تعمل على صياغة حملة وطنية بمطالب محددة تحتاط لاحتمال التشريع لهذين القانونين القمعيين وتحشد الشعب بتوقيع الحملة وسحب المشروعية من أداء البرلمان والحكومة والتقدم بشكاوى بأسس قانونية للجهات الأممية التي يمكن أن تساعد في الضغط المناسب والمشروع باتجاه وقف الأعمال القمعية وما سيعقبها من تنكيل مشرعن على هوى قوى الطائفية وفسادها وبلطجتها الإرهابية..

كما ينبغي أن يجري وضع شعار رئيس مخصوص في الوقفات الاحتجاجية في داخل الوطن والمهجر بخصوص القانونين حتى يعاد صياغتهما على وفق إرادة الشعب وكما تنص عليه الشرعة في الدول الديموقراطية وتجاريبها الإنسانية المشرقة..

وكخطوة ثالثة يلزم إعداد مذكرة قانونية لعرضها على المحكمة الاتحادية ومقاضاة الجهات التي يمكن أن تورط الشعب بسن تلك التشريعات سلبيا وبالتضاد مع الحقوق والحريات، على أن يتحمل وفد قانوني هذه المهمة..

إن فلسفة الديموقراطية نوعيا مختلفة عن طابع السلطة الذي يجري تكريسه ببغداد حيث نهج الطغيان يتعمق تدريجا وتتصاعد أعمال قالمع عبر بلطجة تكرس الميليشيات خارج السلطة وهذه المرة في ظلال لا إجراءات وقرارات حكومية حسب بل في ظل شرعنة يريدون عبرها التقدم نحو مزيد من القمع..

وعليه ففلسفة الديموقراطية جوهريا تأتي بإنهاء نظام الطائفية نفسه والنضال من أجل تشريعات تخدم الخيار الشعبي وهو ما يفرض علينا النضال من أجل وجودنا الآمن بكامل حقوقنا وما يحمي حرياتنا..

وشعب يعي هذه المهمة لن يخذل نفسه بل سيعزز النضال من أجل انتصار أقرب في سقفه الزمني وإلا فإن المعاناة ستكون فاجعة ماساوية: فهلا أدركنا الأمور وتمسكنا بخطى البديل الذي نريد وبناء مؤسسات دولة مدنية تنضبط بقوانين تسن بإرادة الشعب ولمصالحه وحاجاته وتطلعاته؟

ثقتي وطيدة بالشعب ووعي حراكه المدني الوطني الديموقراطي…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *