الاحتفال بالفرح شدّاً للعزائم وعدم الركون لسلبية اصطناع البكائيات وتضخيمها

لقد احتفل العراقيون بالفرح دوما، بوصفه تتويجاً لمنجزهم وتركيزهم على العمل وإعمار بلادهم؛ فكانت ثمارها حيوية وعطاء وثمار تنمية وتقدم. ولم ينشغلوا يوماً باختلاق  مناسبات الأحزان ولم يسمحوا باحباطهم وكسر الهمم وبتكريس الروح السلبي، عبر عبثية اصطناع البكائيات أو التباكي مما تختلقه اليوم قوى تتحكم بالسلطة أداة للنهب والاستغلال فيما تشاغل الجموع كرهاً بطقوس ما أنزل الله بها من سلطان.

وردتني الصورة الظاهرة في أدنى هذه الكلمات، ببريد من الصديقة والزميلة الفاضلة الدكتورة كاترين. فأعادتني الصورة إلى حقيقة أن العراقيين عبر سِفْر مسرتهم القديمة والحديثة، كانوا يحتفلون بمناسباتهم المدنية بحضور شعبي كثيف. في إشارة  واضحة ليس إلى وعيهم حسب بل إلى ممارستهم ما يؤمنون به في وجودهم المجتمعي.

وهم حتى قبيل ولادة الدولة الحديثة أكدوا ذلك في حيواتهم.. وهذه الاحتفالية التي ترونها بالصورة في أدناه، جرت في العام  1902أي مطلع القرن العشرين.. ولدينا صور كثيرة تحفظها الذاكرة لاحتفالاتهم الشعبية الحاشدة بالحياة الحرة الكريمة وبمنجزاتهم كافة..

تذكروا معي كم مرة شاركتم في مهرجانات الرياضة والفنون وكيف كانت الأفراح تُعقد لها غب كل انتصار.. وكيف كانت بافتتاح مشروعات التنمية والبناء……

وعلى الرغم من ذلك مما تجذر في حيوات الناس، فإن تيار أحزاب الإسلام السياسي الطائفية تصر على اصطناع آلية نشر البكائيات لكسر المعنويات ولحرف الاتجاه من العمل والبناء إلى السلبية والانفصام عن مهام إعمار الوطن وبساتين وجودنا!

إنّ تلك الشراذم المفسدة المساة أحزاب وبلطجيتها المسماة ميليشيات تصر على تكرار تهريجها وتطبيلها (ليل نهار، وعلى مدار السنة)  ليقضي العراقيون سنتهم بالندب واللطم مما لم ينزل الله به من سلطان! وطبعا كل مناسبة حزينة كئيبة هي، في خطابهم وما ينشرونه من عرف وتقاليد مدّعاة، مقدسة بقدسية الخالق. وهي في فروضهم ملزمة لجميع العراقيين، مَن يؤمن بها ومن لا يؤمن!

وهكذا فإن فرض مناسبات العزاء واللطم وكل ما هو حزين يجري حتى خارج منطق المناسبات الأصل وخارج طقوسها السليمة بغرض مبيَّت يريد (إشاعة الكآبة والاحباط وفلسفة الموت والسواد والانسحاب من الحياة) واختلاق موقف سلبي من قيمة العمل والبناء في حيواتهم وقيمة إعمار الأرض التي أمر الله بها في جميع الأديان.. أفلم نقرأ بجميع الرسالات أن الله استخلف الإنسان على الأرض لإعمارها ولينشغل بالعمل وبتفاصيل دنياه وألا يشغله عن العمل والحياة ما يُفرض عليه زورا وبهتانا وتضليلا من انشغال بالموت والأموات..

ولابد من التذكير أنه حتى ذكر السابقين فرضت القيم أن يرد بقصد الاستفادة من تجاريبهم ومن منجزهم وسلوكهم وقيمهم وليس الانشغال بالتأسي والتباكي على أيّ منهم.. إن الإنسان حر بوجوده إلا بالعمل والإعمار فمأمور ملزم بهما لا بالانقطاع للبكاء ونصب المناحة على مدار السنوات إذ أن ذلك محظور عليه دينا وطبعا من السخرية عقليا أن يدمر نفسه ويقتلها حزنا وألما على رحيل أسلافه أبا عن جد وعلى مدى قرون الزمان!!! فلا حزن فوق ثلاث كما توصينا الأحاديث الصحيحة المقدسة بلا باطل التزوير. فما بالنا ونحن نرى أعداء الحياة وأعداء قيم العمل والإعمار والبناء على مدار القرون وعلى مدار السنة يريدوننا أن نجتر الأحزان لتستعبدنا وتقطعنا عن وجودنا الإنساني المفروض أن يكون حراً مستقلا يمارس وجوده بتفاصيل تؤنسن معانيه ومنجزه!!؟

إن الرد لا يحتاج لنصيحة أو موعظة فالعراقيات والعراقيون مازالوا يحتفلون بنجاحاتهم وأبنائهم ومواليدهم وأذكارهم الإيجابية وبكرنفالات الفرح ويصنعونها حيث فرضت الحياة اليومية ذلك.. إنهم يحتفلون اليوم بفوز بكرة القدم أو برياضة ما وبمنجز فني جمالي لمبدعة أو مبدع وبمنجز العلماء والعقل العلمي العراقي وهم بذلك يؤكدون أن معنوياتهم ستنطلق عائدة وستعاود أفراحهم عالية الصوت وتزاح أتراحهم المصطنعة مكنوسة غير مأسوف على ما اُخْتُلِق منها دجلا وتضليلا…

carnaval1902

احتفالات أفتتاح الجسر العتيق (جسر الشهداء) في بغداد عام 1902شكرا لمن التقط الصورة ولمن وثقها واحتفظ بها

تعليق أول:

لست شخصياً ضد حزن حقيقي يعبر عن مشاعر إنسانية صادقة للحظة في حيواتنا فذلكم موجود وليس بحاجة لموقف فردي أو جمعي ليذكرنا به ولكنني ضد اختلاق مناسبات للحزن واصطناعها بطريقة مفرطة مبالغة تضخّم من المدى الزمني ليكون الفرد منا مشغولا ليل نهار وعلى مدار السنة يغرق بالبكائيات التي لا يُسمح له بمغادرتها أو التفكير خارجها.. ومن ثم فالقصد من ذلك تكريس اسلبية والانكسار والاحباط والابتعاد عن تشغيل العقل في أمر منطقي صحيح سليم…
وفي وقت يريدون مشاغلتنا بتلك القشمريات المصطنعة نجد كل خطابات الحياة وضمنا الرسالات الدينية بمختلفها توصي الإنسان وتفرض عليه ألا بنشغل إلا بإعمار بساتين وجوده..
هذه كلمة موجزة أثارتها صورة من الذاكرة لاحتفالات الفرح عند العراقيين، ربما ستعبرون أنتم عن معالجات أكثر دقة وأكثر صوابا وسلامة تعبير، لنتحرر مما يراد لنا من احباط وانكسار ونكون أصدق عيشا وتوافقا مع منطق العقل العلمي التنويري وأقرب لحيواتنا مؤنسنةً تبني وتصنع وتزرع وتحتفل بالنجاحات، كما كل البشرية لا كما تشاء قوى الظلام والدجل والتضليل والغش وقشمرياتها. فهلا تنبهنا!؟ وهلا انسحبنا من عبثية يريدون قيادتنا فيها كقطيع بائس!!؟ هلا انعتقنا من اللعبة ونحن ندرك الحقيقة ونعي ما يدور وما يدار أمامنا لا خلفنا بوضح النهار!؟

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *