كوردستان بين الشأنين الحقوقي والسياسي

 لا مناص من أن الأولوية دائماً تنصب في كل دول العالم وشعوبها على القضايا الحقوقية بوصفها الأبرز في الأهداف والاهتمامات سواء فعليا أم حتى بمجرد الكلام المعلن . ولكن ما يتحكم بالشأن الحقوقي ومساحة الحريات العامة والخاصة هو طابع الوضع السياسي والنهج المتبع. كوردستانياً، يمكننا الحديث عن واقع حقوقي مميز نسبة إلى المجريات الواقعة في بقية الدولة العراقية.

 

وبمقارنة بين نسب الفقر في محافظات الوسط  والجنوب وبينها في محافظات كوردستان سنجد أيّ معنى لقيمة الإنسان والاستجابة لحقه. والفارق كبير بين ما يصل من الحدة في الانحدار والتدهور إلى حوالي 90% كما في ريف السماوة و3% فقط كما في أربيل.. ومن جهة حال استقرار المواطن وطمأنينته بكوردستان مقابل الانفلات الأمني وقلق المواطن ببقية البلاد حيث التفجيرات مسلسل لاينقطع والفشل في السيطرة على الأوضاع إلى درجة تحول الخروق إلى واقع أزمة مستفحلة..

وهكذا فالعراقي في القسم العربي يعاني من فقدان الاستقرار والطمأنينة بكل مستوياتهما: غذائياً صحياً أمنياً.. لا يدري هل سيحظى بما يفي عائلته غذاء جيداً..؟ وهل سيتمكن من معالجة أفراد العائلة إذا ما تعرضوا لمرض أو إصابة..؟ لا يمكنه الإجابة والقضية مرتبطة بالوضع العام وانهياراته بمختلف الميادين…

هذا ليس كذلك في كوردستان، فلقمة المواطن ليست مفقودة بهذه الطريقة وصحته ليست مهملة بلا رعاية أو اهتمام. أما الوضع الأمني فإن ابتعاد كوردستان عن جرائم الإرهاب وخروقاته قضية بادية حتى اليوم بفضل سياسة أمنية سليمة. صحيح أننا لا نتحدث عن مثاليات ولكن أهم دول العالم الكبرى تحصل فيها خروقات، ولكنها تحت السيطرة والمعالجة، دائما.

من هنا وجدنا مبادرات أحزاب الطائفية المتسببة بتدهور الأوضاع لا تريد أن يكون هناك نموذج مستقر لأنه سيفضح حكمها وبرامجها الفاشلة بامتياز فضلا عن نهجها ومعاداتها لمكونات الشعب العراقي كافة وعدائها السافر للكورد ولتطلعاتهم وحقوقهم.

في ضوء ذلك وجدنا محاولات دائبة لتلك القوى كي تمزق الموقف الكوردستاني وتطعن وحدة قواه.. فباتت الزيارات المكوكية سواء من قادة ذاك التيار كما بزيارة المالكي أم من بعض شخوص تابعين لا تصل قاماتهم لحل قضايا شخصية أوعائلية وفشلوا بجل مهامهم يأتون بادعاء حرصهم وعملهم على معالجة المشكلات في كوردستان!!! الحقيقة لا معالجة ولا إمكانية لتحريك الوضع ايجابا فهم لا يمتلكون التحكم برجل دجاجة أو حل معضلات البلاد كي يأتوا ويحلوا قضية في كوردستان .. إن كان لديهم حل فليؤثروا على مركز القرار كي يطلق مرتبات الموظفين ويحرر أرزاق شعب كوردستان المقطوعة بقرار حصار عدائي منذ حكم سيدهم طوال ثماني سنوات!

حقيقة الأمر أن خبث عناصر الطائفية وأحزابها يأتي ليثير مشكلات أخرى ويفاقم الأوضاع أكثر وليستكملوا لعبة الحصار بلعبة إثارة التناحرات والقلقلة . ولكن كوردستان سياسيا ستبقى عصية تفضح كل الألاعيب . صحيح أن بعض العناصر التي تقود بأحزاب كوردستانية باتت تتجه إلى حيث اللقاءات الحزبية ومحاولة رسم الأمور خلف الأبواب المغلقة وحل قضايا وطنية واقتصادية كبرى باتفاقات حزبوية ضيقة الأفق والمآرب، إلا أنه من الصحيح أن هذه العناصر جاء الرد عليها حازما من داخل أحزابها..

لايمكن المتاجرة بقضايا الناس بخاصة كوردستانيا.. فهناك نظام دولة وقوانين ملزمة ضابطة للأمور.  وعبثية التوجه لمزيد تورط من بعض عناصر حزبية تم الرد عليها بتشكيل مركز القرارالحزبي الذي سيكون كل شيء خارجه غير مشروع ومن ذلك على سبيل المثال محاولة الاتفاق على تصدير نفط كركوك بوساطة (الشاحنات الحوضية) الأمر الذي يمرر انتهاكات و (ربما) سرقات غير محسوبة  وقد لا يمكن السيطرة عليه..

وحسنا فعلت الحكومة الكوردستانية بالتوجه المباشر والعمل على حسم الموضوع وحجب أية فرصة للتصدير بآليات لا تخضع للرصد والرقابة وتأمين ثروات الشعب ومنع التلاعب به.. والقضية ليست بسرقة شاحنة معبأة بالنفط بل هي قضية أبعد حتى من الملايين المحتمل سرقتها عندما يتعلق الأمر بتوجيه الدفعات النفطية لإيران وهي الدولة التي كشفت التقارير الموثقة استمرارها بسرقة النفط العراقي بالحفر المائل وبطرق كثيرة أخرى منذ 2003 حتى يومنا وموضوع المقايضة لن يكون الرابح فيه الدولة العراقية وطبعا ولا شعبها… ماذا عن الاستقرار السياسي العام؟ هل مازال بعض مثيري القلاقل من المتصيدين يمكنهم مواصلة العبث والتصيد في الماء العكر؟ ألم تفتضح محاولات اقتسام الغنائم المهولة بطريقة عائلية؟ أبهذه الطريقة تُحل الأمور وتمضي؟ لقد تشرذم الجمع قبل أن تستوي أمور بيتها…

لكن السليم يكمن في دعم الاستقرار التنظيمي للقيادات الحكيمة وتوجهها إلى عقد مؤتمرات ربما تفضي لإبعاد العناصر المرضية والتأسيس لحراك مؤسسي لا يخضع للعائلي بقدر ما يخضع لمأسسة ولوائح وعمل حزبي ناضج مبرمج بطريقة إيجابية سليمة يمكنها التمسك بالاتفاقات الاستراتيجية التي بنت كوردستان وعبدت لها طريق التقدم.

من جهة أخرى كان ومازال العمل الحقوقي لا يوضع متعارضا مع المنطق وحكمة السلوك الجمعي المؤسسي الملتزم بالقوانين واللوائح الحقوقية، وليس المستند إلى خطاب الشتيمة وراديكالية يعيش يسقط ولا مساومة أبداً. كوردستان يدرك شعبها أنها بمعارك مركبة معقدة. فالأوضاع في منطقة تمثل إقليما مضطربا بحروب، ملتهبا بصدامات لا مجال فيها لإغماض العين وفيها تهديدي مباشر لشراذم الإرهاب والحرب معهم دموية مصيرية هي معركة حياة أو موت .. وعدا هذه وتلك هناك معارك ضد حصان طروادة بكل تمظهراته ومحاولات اصطناع خروق في الداخل الكوردستاني للعبث بالأوضاع بمجموعها.

وهكذا فإن استغلال تجاوز حقوقي أو آخر وخرق هنا أو هناك هي عملية تسييس مفضوحة أو قلة حكمة في التعامل مع القضية الحقوقية. فالحقوق أولا ضمان حق الحياة وضمان أمنها وأمانها ثم ضمان الصحة وضمان التعلييم غذاء للعقل وبناء الوعي وضمان الغذاء الصحي الكافي ومعالجة ظواهر الفقر والبطالة ومنعها من الاستفحال كما يجري في ذات الدولة الاتحادية..

أليست تلك هي الحقوق الأساس التي كفلتها القوانين الإنسانية الدولية ولوائح الإعلان العالمي واتفاقات ملحقة..؟ ونأتي على حقوق التعبير والتظاهر السلمي وحرية الرأي، لنرصد جديا كم هو حجم الفرق بين منطقتي العراق العربي والكوردستاني..

ولا تنكر كوردستان بعض ما يطفو من ثغرات ونواقص وتجاوزات ومن أخطاء، ولهذا فإن منظمات حقوقية ومدنية متنوعة تتابع بدقة وبموضوعية مثل تلك الخروق والسلطات تعمل على مطاردة الأسباب ومحاسبة الجناة بالقدر المتاح في ظروف مضطربة في مجمل المنطقة وفي الدولة الاتحادية والخشية كوردستانيا من مزيد خروق قد يجري تصديرها بألاعيب القوى والعناصر المرضية المتحكمة بالقسم العربي بل بمجمل الوضع العام…

إن واجب الحركة الحقوقية العراقية أن تنظر بعين العقل وتحليله الموضوعي وألا تقرأ الحدث في كوردستان بمعايير ما يحصل ببغداد والبصرة والناصرية لاختلاف الأوضاع فيهما وألا تقع بمطب الراديكالية السياسية صاحبة شعار لا مساومة أبدا وكأن الأمور تمضي بطريق أحادية وبعين واحدة.. بل أتعس من ذلك أن بعض أولئك لا يرون في الحركة الحقوقية معالجة موضوعية تسترد بها الحقوق وتصان بل يرونها فقط بتحشيدها بشتائم والتكيل والتسفيع الشخصي وبطريقة يسقط فلان ويعيش علان!

والحقوق لا تُسترد بالشتائم، والانتهاكات لا تعالج بهتافات يسقط يعيش ولكنها تأتي بهدوء الشخصية الحقوقية وموضوعيتها ورصانة معالجاتها لفرض إرادة الحق تلبية لكل تفاصيله وإحقاقا للحريات بمنطق التقدم بوعي المجتمع وبتكافل أطرافه وتوحيد مختلف المشارب كي لا يعبث بهم حصان لطروادة يمرر هذه الجهة أو تلك ومآربها..

بلى، لا ملائكة ولا آلهة ولا أرباب ومثاليات وليس من معصوم ولكن ضابط التفاعل سياسيا حقوقيا هو العقل ومنطق برامجه ومعالجاته.. فهلا أدركنا ما جرى من تشويه وتهجمات حتى تلك التي تتعكز على بعض وقائع فردية وخروقات لكنها تريد بتضخيمها ومفاقمتها الطعن بكوردستان وشعبها وبوحدة قواها…

ندائي أولا إلى المركز القيادي في الاتحاد الوطني أن يحزم أمره ويعيد الأمور إلى سلامة الاتفاقات التي حفظت كوردستان بأجمعها من دون التخلي عن جهود الإقناع لجميع الأطراف كي تمرر المرحلة من دون وقوع آلام لشعب كوردستان..

وندائي إلى قيادة الديموقراطي الكوردستاني ونهج البارزاني الخالد أن تستثمر المستجدات لفتح حوار نوعي يوقف محاولات عناصر بعينها من هذا الحزب أو ذاك للعبث بالاستقرار الذي ما جاء على أكتاف دماء الضحايا والشهداء..

لابد من مشروع مشترك يجمع قوى التنوير والتحديث الكوردستاني ووحدة لا تسمح بتمكين قوى إقليمية وأدواتها من أحزاب الطائفية ببغداد أن تمزق الوحدة وتمعن في إيذاء شعب كوردستان..

نحن ندرك كم هي الظروف معقدة على سفينة تمخر في لجج بحر العواصف والأعاصير ولكن ليس صعبا الانتصار إذا ما توحدت الجهود على برنامج عمل يضم جميع قوى التنوير.. وثقة وطيدة بمسيرة التقدم والانتصار بخاصة في ظروف الدعم الأممي ودعم قوى الشعب الحية.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *