في لغة الاتهام والتجريح والشتيمة عندما تصدر عن مسؤول في الجامعة

في ظروف الانهيار القيمي تسود لغة شوارعية  تتضخم بالشتيمة والسوقية وتمر عابرة بين من يمارسها في واقع الانحطاط عندما يتفشى. وليس قليلا ما نشهده في عراقنا من خروق قيمية للفساد بمستويات عديدة، لكن الرد الشعبي والنخبوي مازال قويا في رفضه وفي تحدي الوباء ومكافحته.. فالعراق معروف بانكسارات عسكرية عبر آلاف سني مسيرته إلا أن عمق ثقافته وتمدينه بجذوره السومرية كان دائما ما ينتصر بتلك الثقافة على المحسوسات المادية الرخيصة التي تبدو منتصرة ولكن جوهرها  يحمل اندحارها..

ولكن ما بالنا ونحن نرى شخصاً يحتل منصباً في جامعة ويُفترض أنه يمثل الصفوة وخطابها، ولا نجدنا إلا بمفاجأة خطابه المملوء تجريحاً بعراقيين أصلاء اضطرتهم النكبات والويلات لركوب سفن المنافي والاستقرار بموانئ الغربة، والخطاب إن جاز تسميته بهذا الاسم مملوء بالتجريح والتعنيف والتشويه لنخبة هذه الملايين!؟

إن قصدنا من هذه المعالجة ومثالها يتجسد أولا في كوننا نريد أن نؤكد هذا التصدي لانحدار الخطاب بخاصة عندما ينتهك حرمة دور العلم ومراكزها البحثية العليا.. وثانيا أن نتأكد من الواقعة أما بالنفي وليس بسحبها وكأنَّ شيئا لم يكن أو بالاعتذار كي نعلن لأهلنا أن نقاء خطابهم سيبقى محفوظا في الضمائر والأنفس الزكية للشعب وبناته وأبنائه.

تبدأ الحكاية اليوم حيث وردني منشور كتبه معاون عميد بكلية في جامعة القادسية، ويبدو أنه حذف المنشور بعدما جوبه بمواقف حازمة تصدت للغته وأسلوبه وما تضمنه من تهجم على الكفاءات العائدة إلى الوطن. والنص كما ورد يتضمن اتهام العراقيين الذين أفنوا أعمارهم بحب الوطن والتمسك بهويته بالآتي من التهم وأشكال التجريح والتشويه:

  1. يقول باتهامه الأول للكفاءات العراقية العائدة: “يدعون الكفاءة”! وهو بهذا لا يحدد شخصا أو مجموعة أشخاص بل يشمل العائدين من عراقيي المهجر جميعا!! وقد نصّب نفسه عالما بكل الاختصاصات وأصدر حكمه بصيغة (الفتاوى) بعدم كفاءة العائدين علمياً وأن شهاداتهم وعلوم البلدان التي أتوا منها بلا قيمة (عنده طبعاً).
  2. ويقول عنهم باتهامه الثاني: “يدعون النزاهة”! فنصّب نفسه قاضي نزاهة وصار هو الحكم الذي (أفتى) بفساد جميع العلماء والمبدعين ونخب الفكر والثقافة العائدة! وطبعا هو النزيه والآخرون محكوم عليهم بالفساد!!
  3. يقول باتهامه الثالث بل في شتيمته: “همكم تحصيل الامتيازات” يستكمل تهمة الفساد بتهمة الطمع والدناءة وحاشا لأبناء شعبنا الأحرار الأباة تلك التوصيفات المهينة!!!
  4. ثم يطارد تلك الكفاءات في حقوقها الطبيعية فيما قدمت وتقدم من خدمة للوطن ومن أداء واجبات تستحق عليها مرتباتها العادية ولن نتحدث عن القيمة الأدبية الاعتبارية العظيمة، ويُصدر فرمانا بواجب حرمانهم من “الراتب التقاعدي” لأنهم كما يوجه إليهم من شتائم يريدونه: “ليضمنوا تسكعهم في البلاد الأجنبية” وهو لا يكتفي بالتجريح في الكفاءات بل يطال بها وما فيها من طابع الشتيمة “عوائل” تلك الكفاءات ويضيف ليعيّر بالقول: إن تلك العوائل ” لم تر العراق” ولم يقل لماذا حُرِمت من حقها في العيش بوطنها بالأمس واليوم!؟
  5. إنه لا يكتفي بتهجماته بل يتعمق بتجريحه مما يراه (القانون والعرف) تطاولا، بوصف تلك الكفاءات الوطنية بالعبارة الآتية: “صوتكم رياء وزيف وكذبة كبرى”!؟
  6. وقبل أن يختم مسلسل التجريح والشتيمة يقول السيد معاون العميد في النص الذي وردني: “اني لا أريد حتى أن أبصق على جباهكم الحقيرة لأنكم لستم أهلا لاستقبالها”!!!!!!!
  7. يختتم بتوجيه نسخ من (نهجمه وتطاوله إلى :”من لا يهتدي” طبعا به وبرؤيته! وإلى الذين :”لا يفقهون أبجدية المعرفة القانونية في العمل الإداري” كما يقول وواضح درجة معرفته بالقانون من أسلوبه..!!!

لنعد ونؤكد أن صاحب المنشور كما وردتني صورة طبق الأصل منه هو معاون عميد بجامعة رسمية! وهو بالضرورة صاحب شهادة! ومن نخبة البلد كما يُفترض! ومن ثم عليه التزامات يُفترض أنه يعيها من جوانب قانونية وعرفية قيمية فضلا عن الموقف (اعتباريا أدبيا) الذي يتدنى باتجاه أقل ما يقال عنه إنه إساءة خطيرة لشريحة عراقية تقدر بالملايين. وقد تعرضت تلك الملايين لاضطهاد النظام السابق وحُرِمت من الوطن وهُجِّرت منه قسرا وكرها.. وأنها تتعرض لأحوال ليست هينة وفي وقت كل بلدان العالم تسهل زيارة تلك الملايين إلى موطنها وعلى حساب الدولة فضلا عن دعوتها للعودة فإن السيد معاون العميد يرد بهذه اللغة التي لا تليق بامرئ غير متعلم فما بالنا وهو يحتل منصبا جامعيا مرموقا!

على السيد المعني أن ينفي وجود هذا المنشور وأنه لم ينشره وأن يتذكر أن التقنية الحديثة تستطيع الوصول إلى المنشورات الممحية. ولهذا إن صح النشر فعليه ليس سحب المنشور بل الاعتذار الرسمي من آلاف الكفاءات وملايين العراقيين في المهجر.. ممن اضطرته مظالم القهر لعذابات المنافي وهو يكافح لعيشه ويمد يده للوطن دعما ومؤازرة…

وإلا فإنني إذ أتساءل مع رجال القانون والقضاة والمحامين والحقوقيين ومع معشر الأكاديميين والعلماء أقول: كيف يُقبل هذا الأسلوب وكل تلك الإهانات الموجهة لملايين من العراقيين ولآلاف من أبنائهم ممن يصبون جهودهم في محاولة إعادة البناء؟؟؟

إنني أطالب بحملة للرد على تلك اللغة وإدانتها والضغط بالمطالبة باعتذار رسمي من المعني أو عليه توكيد نفي المعلومة يقينا، وسيكون التحقق من موضوع نشرها من عدمه ليس عصيا تقنيا.

وسيكون من قشمريات الأمور أن نتركها تجري سبهللة بلا حسيب ولا رقيب.. إننا ينبغي أن نطارد كل جرثومة لمثل هذه الأمراض وأوبئتها الاجتماعية كيما نرتقي باتجاه الحفاظ على مصدر قوتنا.. فسلاحنا ليس الرصاصة ولا السكاكين والهراوات بل هو ثقافتنا وقيمها السامية التي نؤسن بها وجودنا ونحتفظ بتمدنه لنعالج أوبئة الانحدار وأمراضه

فهلا تفهمنا نقدنا هذا بما يعيدنا جميعا إلى تبني حوارات بمستوى قيم السمو الإنساني؟ بانتظار تفاعلاتكم نتطلع لحسم موضوعي إيجابي مشرف والعراقيون جديرون به

...

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *