الذاتي وخلط الأوراق عن جهل بالموضوعي

اختلال التوازن بين الموضوعي والذاتي في قراءة خطابات الآخر

 

هناك قوانين لقراءة الواقع لا تخضع بالضرورة بشكل أحادي ناقص للذاتي بل تتراكب وتتحد الجوانب الذاتية والموضوعية في التأسيس لحكم أو قرار أو موقف. ومن علاقاتنا الشخصية الفردية بالآخر وحتى أعقد قضايا العلاقات بين الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية والدول والشعوب وفي إطارها البنيوي بين الطبقات والمكونات، جميعها لا تغفل العامل الموضوعي في تشخيص اتجاه علاقاتنا وفي اتخاذ أو تقرير أحكامنا.. ويمكن لما أتحدث عنه أن يفيد في مراجعة قراراتنا ومواقفنا من الآخر شخصيا أم جمعيا، في ضوء احترام العامل الموضوعي ووعينا به وإدراكه بنضج وتجنب إغفالنا له وإزالة جهلنا به، كي لا نقع أسرى الذاتوية التي تخلق انعزالية وانفصاما ومعاداة مع الآخر. راجيا أن أسلط الضوء بمعالجتي هذه على جانب من جوانب الفكرة، حيث ممارساتنا ومواقفنا وتفاعلاتنا المتحددة بكثير من الأحيان بمرجعية ذاتوية منفصمة ضيقة

أجد نسبة لا يستهان بها ممن يركز على نشر هذا التصربح أو ذاك من مسؤول: سفير أو وزير أو أمير، مستعينا به على توكيد ما يظنه سيتحول إلى واقع كما يتوهمه وهو ليس سوى وهم مريض….

فلان يكره هذا البلد أو ذاك وليس نظامه وهو إنما يكره شعباً فيتسقط ما يتاح له من أخبار وتصريحات، ليجعل منها البرهان على أحقيته بما يفكر ويجهر به

إنه يأخذ تصريح مرجع أو شخصية ويرى فيه مسلَّمة مطلقة يستند عليها في مماحكاته

ولكن ألا يحتمل أن يكون كلام ذاك المعني جزءاً من (تكتيكات) سياسية يستخدمها في صراعه وضغطه للحصول على مآرب أو غايات أو حتى بحق بما يدخل بأهداف بعينها؟ لماذا نحتكم لموقف أو رؤية لتلك الشخصية لمجرد اتفاقها مع ما يؤكد أوهامنا أو أحلام يقظتنا؟

لماذا نكيِّف الأمور على وفق أهوائنا  بعد شخصنتها ونحتفل انتصارا لها أي لأهوائنا؟

ألا ندرك أن ذلك لم ولن يجري في حقيقته إلا هناك بمنطقة الوهم التي ألقينا أنفسنا بأسرها؟

إن التسكع على أعتاب شخوص خاوية إلا من قشمريات العبث المافيوي الفاسد لهو توكيد على مفارقتنا الموضوعي الصحي السليم في وقت نريد للآخربن أن يلتحقوا بنا ونحن في هذا الغيّ أي أن يلتحقوا في متاهات الأوهام المرضية على أنها أحكام موضوعية كما نتوهم ونفترض…

أيتها العراقية، أيها العراقي

لا تنظر إلى أقوال شخص من شرق بلادك أو غربها على أنها آيات ومطلقات لأنها تصب في حلم يقظة زائل بل انظر إلى ما خلف ذلك، إلى طابع نظام هذا البلد أو ذاك وما يتحكم به من قوانين و\أو أهداف واقرأ في ضوء الموضوعي وقوانينه.. لتحتفل بصواب رؤيتك وبسلامة مرجعية منطقك وبصحة تمسكك بهوية إنسانية وعقلية واقعية موضوعية لا تلهث مطارِدةً أهواءً وصراعاتٍ تخفي معالم طريق العيش الإنساني وسلامة المسار والخيار

ولأجل التوضيح بشيء وعلامة، لاحظ من يناصب العداء للشعوب العربية، والذريعة عنده أن الإرهاب (سني) المذهب وأنّ الشعوب العربية (سنية) المذهب وعليه حسب الفهم السطحي الساذج فإن الإرهاب ينتمي إلى الشعوب العربية وأن الشخص المناهض للإرهاب عليه أن يرى في تلك الشعوب عدوة له!!!

هنا يضيف ذاك المرء إلى سذاجته استغفالا عندما يبرهن على ما تهيأ له بتصريح أو بيان أو ممارسة من طرف بعينه ينتمي لتلك الشعوب.. مثلا تصريح لقوى متطرفة شعبوية أو شخصية عنصرية متشددة أو شخصية تصرح  بأمر في نظاق صراعات داخل أسرة حاكمة أو نظام بعينه أو ما شابه من خطابات، فتنطلق عند المرء الذي نتحدث عنه التعميمات ومحاولة إلحاق الكل بالجزء وتشويه الشعب بعناصر مرضية فيه ويحكم ويقرر ويدلل ويبرهن وكل ذلك بمزايدة رخيصة تطيح بعلاقات الشعوب وبمبادئ التعايش بينها وبمجمل العلاقات وقوانينها الموضوعية لا المشخصنة…

ولكن من يناصب شعبا العداء لأن إرهابيا أو عنصريا ظهر من بين جوانحه ينسى أن شعبه فيه من الإرهابيين ما في بقية الشعوب.. وينسى أن موقفا من شعب يعني تمييزا عنصريا ويعني قصورا فكريا وتخلفا عن إدراك القضايا بسلامة وصواب؛ إذ الإرهاب لا دين له ولا مذهب وهو مرض يخص ولا يعم. إنه انحراف فئة أو شخص أصابه التشدد وباء وهو في ضوء ذلك لايمثل شعبه أو بلده… وعليه فإن من يعادي شعبا وما بالنا عندما نعادي شعوبا، إنما يقع بمطب الاستغفال و\أو التضليل ومواقف التمييز العنصري المدانة… فلماذا نطبل ونزمّر لأننا وجدنا ما نسميه وشهد شاهد من أهلهم وما نسميه البرهان وهو ليس سوى تسقّط تصريح من بين تصريحات تدفع إليها حالات اصطراع شخصي لا علاقة لها  لا بشعب ودولة ولا بالموضوعي فكرا يحلل ويعالج القضايا بشمولية وعمق…

التعكز على تصريح سفير أو وزير أو مسؤول هو ضلال بيِّن. فالشعوب والبلدان والدول لا تؤخذ بعواقب شخص وإلا لكان شعبنا ملوما بجرائم طاغيته.. أو ملوما بعدوانية إرهابييه وفئاته الضالة وفاسديه، وكل ما يصرحون به ويمارسونه ويرتكبونه.. لكن علينا التمحيص في قراءة الظواهر وفي إدارك ما دفع إلى ذاك التصريح من شخصية وما وراءه من أسباب ودواع…

علينا أن نتخذ من القوانين ومنطق العقل آلية للنظر في القضايا كافة.. فيما ثابتنا الدائم وحدة مسيرة الشعوب وتضامنها جميعا للتصدي لما يخترقها من مثالب ونواقص وأمراض وأوبئة مثلما وباء الإرهاب القائم على التشدد والتطرف والعنصرية لفئات ضالة، لا تمثل الشعوب.. ومثلما أحكامنا ومواقفنا التي ينتبناها في مد الجسور بين مكونات شعبنا وأطيافه على اساس السليم إنسانيا وطنيا وليس في ضوء تصريحات الساسة  حتى منها تلك التي نعتقد بأنها تخدم تأويلاتنا التي تزيد الشقاق والاصطراع فيما ينبغي لنا أن نبحث عما يزيل الشقاق ويؤكد الاتحاد والتآخي بالبحث عن قراءة مناسبة للتصريحات مهما كانت تبدو قاسية وليست على المرام…

علينا أن نجد كل الوسائل التي تجمعنا والآخرين جميعا من مكونات شعبنا وأطيافه وتياراته إلى شعوب المنطقة والعالم.. وبهذا فإنّ الشعب العراقي يبحث عن أوطد العلاقات وأكثرها متانة وسلامة مع جميع شعوب المنطقة ودولها لكنه يمتلك الحق في دفع حكومته وتكليفها بواجب التصدي لأي شكل لانتهاك سيادة البلاد وتهديد الشعب من حكومات أو عناصر في حكومات دول الجوار والمنطقة والعالم.. وطبعا على وفق القوانين المرعية..

لنا الحق بالدفاع عن شعبنا ضد الاعتداءات المتكررة على القرى والمدن الحدودية من دول شرق البلاد وشمالها وإذا وجد من أي طرف آخر. لنا الحق في الدفاع عن تثبيت الدعائم الحدودية التي يجري العبث بها مثلما فعلت قوات  من حكومة إيران قبل مدة وأيضا عندما غيرت مجاري روافد المياه عن بلادنا وحصة المياه من نهري دجلة والفرات من طرف تركيا.. ولنا حق في المتابعة مع كل البلدان التي يدان منها عناصر إرهابية، كيما يكون التنسيق لإزالة أي تجاوز أو عدوان بالطرق السلمية المتاحة وما يكفله القانون الدولي من وسائل دفاع…

لنا الحق في الحرص على وحدة شعبنا وعلى احترام التعددية فيه وغنى التنوع وتعزيز مبدأ المساواة والعدالة بين كل مكونات الشعب بخلفية دولة المواطنة ومبدأ المواطنة وسلامة احترام الهويات الفرعية من دون التعارض مع الاتحاد الاختياري بين الجميع… ومن ثم وفي ضوء ذلك ألا نقع باندفاعات تسقط التصريحات بل أن نبحث لها عن مخرج يفيد في إزالة التشنجات والتوترات لا يعمقها…

لكن ليس من الحق ولا من القانوني أو المنطقي خلق العداء بيننا نحن أبناء الوطن الواحد ولا بيننا وبين شعوب المنطقة كافة من شعوب إيران حتى الشعوب المغاربية وشمال أفريقيا ومحيطنا وبيئتنا الإقليمية في الخليج العربي…

لا يصح تسقط التصريحات وما قد يطفو من شخصية أو أخرى حزبية أو في قيادة إقليم أو محافظة فحساباتنا يلزمها دقة وموضوعية.. وكثير من التصريحات والبيانات ليست سوى تكتيك عابر للتضاغط السياسي بينما منتهى القول الفصل يكمن في الاستراتيجيات التي يلزم تطوير وسائل تطبيقها وتطبيعها…

لا يكونن تعجل تفسير لخطاب أو تصريح وتفسيره سطحياً، سببا في اختلاق الشقاق والصراع في داخل البلد وبين المكونات والانتماءات القومية والدينية ولكن ليكن الصحيح أن نحتفظ بمتانة وجودنا وطنيا إيجابي البناء فديراليا وربما في المستقبل غير البعيد كونفيديراليا، فذلكم هو ما سيبرهن لجميع الأطراف سلامة تطبيع العلائق ووضعها بمسار التآخي على خلفية التسامح ووحدة المصير سواء كان الفرقاء بدولة واحدة فديرالية أم كونفيديرالية أم بدول عدة…

هل بقي ما يشار إليه والحليم تكفيه الإشارة؟ فما بالنا وقد تم توضيح الفكرة بعدة أمثلة داخلية وخارجية…؟

أرجو أن تكون الرسالة وصلت حيث بعض الناس يفكرون دائما في الشخصنة والفردنة والقراءة من منطلق فردي شخصي  حيث التسقط والتصيد بلا عائدية للموضوعي وما يفرضه من قوانين للتفكير والتحليل… ولعلنا نعيد الحسابات كي لا نؤسر بمصيدة تمزقنا وتشتتنا وتدفع بنا للتناحر ونحن أخوة على أقل تقدير في الإنسانية.. لنترك التحامل ولنترك البغضاء ولنتجنب الضغائن ولنفارق قراءة كلام الآخر من منظور المواقف العدائية المسبقة وإلا فإن الآخرين يملكون نفس القدرة على قراءة خطاباتنا ومن ثم نشارك في التخندق العدائي بدل أن نكون أصحاب حكمة ونتشارك في وسائل التكامل واتخاذ طريق التعاون من أجل البناء والتنمية والتقدم..

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *