العلاقات العربية الكوردية في العراق الفديرالي بين عمقها ومحاولات التسطيح والإساءة

بين الفينة والأخرى تطفو على السطح أصوات نشاز تتحدث بطريقة مسيئة للعلاقات العربية الكوردية. إنها تستند في عبثها ومهاجمتها تلك العلاقات الاستراتيجية التاريخية إلى محاولات تسطيح وتفريغ من المضامين الحقيقية لتلك العلاقات. وعلى الرغم من أحاديث وادعاءات عن حرص على تجنيب الشعبين العربي الكوردي في العراق أية إساءة إلا أنها بتلك المزاعم  والادعاءات، تحاول ذر الرماد في العيون لتمرير ما تبتغيه من مآرب؛ بحجة أنها على سبيل المثال تنتقد شخصية أو امرئا أو آخر وربما حركة سياسية أو فصيلا فيما هي تستهدف طهن شعب وتطلعاته ومواصلة النظرة الشوفينية المريضة وجرائم زرع الشقاق والاستغلال بأشكاله..

وكثرما نلاحظ تلك الأصوات النشاز، تتناول بالهبش علماً في وسط طرف، عادة ما يكون ذاك الطرف هو الطرف الكوردي! وتجعل منه كبش الفداء وقربان مآربها وغاياتها بخاصة التي تُبرز فيها نزعات التمييز العنصري والنظرة الفوقية الشوفينية وطابع الاستعلاء وما يفرضه عندها من أوهام مرضية طالما استندت إليها قوى فاشية الوجود والاشتغال، مثلما كان الطاغية المهزوم…

لاحظوا معي بعض طروحات من قبيل إبراز صورة مشوهة التفسير والقراءة والتعليق على سبيل المثال، هذا ما تجلبه القوة والعين الحمرا، وهم طبعا يوحون للعبادي استغلال موقف قوة في (الحوار) مع الجانب الكوردي؛ من أجل استعادة عنجهية المركزية وجرائمها الفاشية.

العرب والكورد شعبان، مثلما كل شعوب الأرض وهما جزء من أمتين، تمزقتا على خلفية صراعات دولية في الحرب الكونية الأولى. ومثلما كل الشعوب الأساس في علاقاتها هو الإخاء الإنساني وتبادل المصالح المشتركة عبر دولهم وحكومات تلك الدول بما يفرض التعايش السلمي بين الجميع وقوانين المساواة والعدل في حقوق الشعوب كافة…

 ولعل أول حقوق الشعوب، هو حق تقرير المصير والتحرر والانعتاق من التبعية ومن أية جريمة تُرتكب بحق شعب عندما تُفرض عليه سلطة من ممثلي سلطة في دولة تشوه العلاقات بين شعوبها على خلفية طابع القوى الغاشمة المتحكمة بالأمور…

وهكذا كانت العلاقات بينى شعوب سومر علاقات بناء وتقدم واحترام للتعددية والتنوع ما اشاد الحضارة وتراثها في مهد التراث الإنساني هنا في وادي الرافدين.. واستسمرت علاقات الإخاء والتلاحم والتضامن بين شعوب المنطقة لآلاف السنوات والأعوام.. لم يخدشها سوى لحظات محدودة كان نجم قوى الفاشية يتحكم بالسلطة فيفضي إلى اختلاق صراعات وارتكاب جرائم إبادة هي الأبشع…

ومنذ مطلع القرن العشرين، يوم انطلقت مسيرة الدولة الحديثة في العراق كانت الإشارة واضحة دستوريا إلى أن البلاد تتكون من شعبين متآخيين، استدعاء لتاريخ التآخي بينهما. ولكن السلطات في بغداد كانت بين الفينة والأخرى ترتكب المجازر بحجة أو أخرى ما اضطر قادة حركة التحرر القومي الكوردية إلى الدفاع عن مصالح الشعب الكوردي بثورات تحررية معروفة، حظيت بالتأكيد بتضامن ومناصرة من الحركات التقدمية العربية…

اليوم، نشاهد في عراق ما بعد 2003 ظروفا نوعية مختلفة. فلقد تم تشريع دستور لعراق فديرالي يلتزم بالاعتراف الشامل بحق تقرير المصير للشعب الكوردي ويتجه به إلى أبعد خياراته وفرص ما يتضمنه في القوانين المكفولة أمميا دوليا.. ولقد اختار مجددا شعب كوردستان الاتحاد الاختياري، بصيغة فديرالية أثبتت التجربة أنها لم تكن الصيغة المثالية ولم تمنع ظهور الأصوات النشاز التي تتحدث عن المركزية مرة وعن مصادرة الحقوق بل وعن معاقبة الشعب الكوردي وهو ما جرى ويجري منذ قرارات المالكي بمحاصرة كوردستان اقتصاديا عسكريا!

ولهذا السبب شهدنا قطع الرواتب وأرزاق الفقراء وبسطاء المواطنين مثلما شهدنا توجيه تشكيلات عسكرية ضد المناطق المتاخمة لكوردستان مرة لتفريغها من الكورد ومعاقبتهم على وجودهم هناك وعلى خياراتهم ومرات للتهديد والابتزاز.. نذكر هنا بقوات دجلة وبالميليشيات التي اخترقت الأوضاع الأمنية شبه المستقرة بمقاتل لها أول وليس لها آخر…

ودائما من بوابة الحديث التبريري نجد من يتحدث عن أن الحصار الاقتصادي وبالذات فقرة قطع أرزاق الموطفين يتحملها ليس طرف واحد بل يتحملها طرفا السلطة في بغداد واربيل! ولكن كيف يمكن ربط قضية مثل أرزاق الناس بالخلاف السياسي بين طرفين!؟ إلا إذا كانت الأمور مشوشة لدى المحللين أو أنها للتغطية على الحقيقة القائلة بأن ضغط حكومة بغداد مبرر لديهم وهذا الضغط يأتي بتلك الإجراءات اللاإنسانية اللامشروعة قانونيا…

إنّ أي صراع سياسي بين إدارتين، لا يبرر يوما مطلقا أن تكون ضحاياه لقمة خبز الفقراء. وعليه فإن الوقوع بخطيئة التبرير وتحميل الطرفين هي قضية تضليلية بالنتيجة ودعم صريح لعبث الحكومة في بغداد التي تمارس سياستها بصيغة الحكومة المركزية لا بصيغة الحكومة الاتحادية وهو الأمر الذي دفع ويدفع إلى خيار التوجه نحو صيغة كونفيديرالية تجنب الأبرياء من ضغوط من قبيل قطع المرتبات الجارية منذ زمن طويل على خلفية سنها القائد الضرورة الذي يجري طبخ وجوده على نار غير هادئة…

إن زيارة السيد البارزاني ولقاء السيد العبادي ومحاورها التي تم بحثها والاتفاق عليها بظروف مهروفة الخلفية محليا وطنيا ودوليا، تظل قوة دفع إيجابية وإن بقيت محدودة بما نجم عن إرادة الحل وقرار التوجه إليه وعن طريق التدخلات الإقليمية الدولية…

عليه فإن العزف على أنشودة خلافات حزبية بمستوى كوردستاني هو جزء من صيحات جوقة التطبيل لمزيد استغلال شعب كوردستان وبسطائه وفقرائه.. بينما ترك موضوعة كوردستان لأهلها هي قضية الأنجع في التوجه لمن يتحدث بالإشارة إلى القضايا الفديرالية وإلى التقدم نو إحقاق الحقوق بمبدأ المساواة في دولة جديدة تتجه نحو خيار الديموقراطية والفديرالية..

لنقل بوعي واضح كفى تعكظا على تقديم موضوع الخلافات السياسية ووضعها في الواجهة وكأنها عروة مكة وعكا في اللحظات المفصلية وعندما تجري مبادرات التحريك باتجاه الحل.. لابد هنا من تحمل المسؤولية بوضوح وبغداد ماعدت طرفا كما يجري التحكم بها حاليا بل هي أما أن تكون هاصمة فديرالية مشتركة الإدارة أو لنوقف اللعبة أحادية السلطة والتوجيه والتحكم.

علينا أن ندرك معنى فديرالي بل اليوم علينا أن نكون مستعدين جميعا للتوجه إلى دولة كونفيدرالية  كيما ننتهي من ظاهرة تكرر ضعود نجم أصوات النشاز العنصرية الشوفينية بين الفينة والأخرى والضحية باستمرار هو الشعب الكوردي!

لاحظوا ما يجري على الأرض، لا توجد حتى ما ظل الشوفينيون يسمونه (الأقليات) وكانوا مستباحين في خدمات التهميش المجتمعي والرسمي فيما اليوم مستباحين باسواق نخاسة للبيع والشراء فيهم ولا موقف حقيقي فاعل تجاههم ممن يدعون تمثيل الأغلبية! هل بهذا التصرف والسلوك السياسي يمكننا العيش المشارك بإخاء وسلام!!!؟

كفى قشمريات التحدث بالسماحة الدينية وبالنموذج الطائفي التاريخي لهذه الجناح أو ذاك من قوى افسلام السياسي التي اغتصبت السلطة بذريعة أنها منتخبة ومعروف أية انتخابات جرت وبأية آليات!

كفى قشمريات وادعاءات بأن القضية تعود لإرادة سلطة كوردستان وكأنها هي من يقطع رواتب الموظفين وهي من يجيش الميليشيات وهي من يمارس التمييز العنصري الطائفي وهي من يدير قرارات حكومة بغداد اللافديرالية…

كفى اتهامات ولنعد إلى جوهر القضية .. إن الشعبين العربي والكوردي يلزم أن يتعايشا في وجود عراقي جديد كونفيديرالي وألا يعيقه التركيز على أولويات اللحظة والصراع مع قوى الإرهاب وإنهاء وجودهم وتهديداتهم..

كفى عبثا وضحكا على الذقون وليكن الجوهر محسوما أما التفاصيل الخاضعة لقضايا الخلاف والاختلاف والتنوع فقضايا تعود لخيارات الشعبين والقوانين الدستورية وما يحترم القانون الإنساني الدولي وتفاصيل القرارات الأممية…

إن الحالات السياسية لا تتحدد لأن طرفا مختلفا وصف شخصية بالدكتاتورية فبات النظام دكتاتوريا على مزاج من يستسهل الوصف سواء عن دراية وحرف الأمور أم عن جهل وإيغال في افتعال الصراعات بسبب خلفية فكرية كالشوفينية القومية…

إن الوضع في كوردستان بكل تعقيداته ومثالبه يبقى أفضل بكثير مما تتحكم به الحكومة في بغداد.. فنسب الفقر ونسب البطالة وطابع البنى المدنية لمؤسسات الدولة والابتعاد عن قشمرات الطائفية وصراعاتها والضبط الأمني وعلاقة الناس بالدولة وحرصهم على تأمينها كل ذلك هو مما يجب أن نقرأه عندما نريد تشخيص وضع أو آخر…

ولنعد إلى الواقع كما يجري بتفاصيله وإنني لا أنزه الأمور ولا أراها مثالية معصومة من خطأ أو خطيئة إلا أن المعارضة البناءة بنقدها، لا الهدامة بفعلها وتلك التي لا ترى في النقد إلا استكمالا بنيويا هي قضية صحية ولا تحتاج لاستعجال أو وقوع تحت ضغوط متحاملين أفراد يشخصنون الأمور..

وعليه ستبقى البنى المؤسسية القائمة سدا منيعا وسليما يوحد الكوردستانيين من أجل درء مخاطر التهديد الإرهابي والانتباه لبعض الأصوات النشاز وآثارها السلبية والتخلص من أحصنة طروادة ومن عبث العابثين.. وكل شيء سيأتي بتوقيته وشعب كوردستان لا يرى ما يراه بعض طبالي المآرب الحزبية الضيقة أو الشخصية الفاسدة..

 ولتنتصر إرادة الحرية والتقدم والسلام…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *