لماذا أظهر في قنوات فضائية وصحف مختلفة في توجهاتها الفكرية السياسية؟

مجدداً وردني تساؤل استنكاري لظهوري في قناة بعينها على أساس أنها قناة معادية.. مثلما ورد سابقا بشأن قنوات متعارضة عديدة أخرى، ويبدو أن معالجاتي لم تصل أسماع من تساءل.. ومرة أخرى أجد من حق أصحاب هذه الأسئلة أن أجيبهم ليس تبريراً لما أفعل وأمارس، ولكن كيما نعزز منطق التنوع واحترام الآخر وسلامة التعددية في وجودنا الإنساني ووسائل الوصول إلى مختلف القطاعات والفئات والجمهور بتنوعاته سواء المؤمن بفكرة أم المضلل المأسور وراء انحراف أو تشوّه.. أضع معالجتي هذه عساها تفيد في تعزيز التوجه الأنجع للظهور بمختلف القنوات الإعلامية

تردني بين الفينة والأخرى تساؤلات استنكارية بمضامينها لظهوري في هذه القناة الفضائية أو تلك أو في هذه الصحيفة أو تلك بإشارة تعريضية إلى أن تلك القناة طائفية أو تلك الصحيفة معادية مع تضمين بالإيحاء أو حتى بالتصريح يدين ظهوري ويطالبني بمقاطعة تلك القنوات والصحف.

من حق كثير من أصحاب تلك التساؤلات أن يشخصوا سياسة القناة و\أو مآرب الصحيفة المعينة؛ وربما نتفق أو لا نختلف في التشخيص؛ لكم من المهم هنا أن نتحدث عن آلية التعامل مع تلك الجهات الإعلامية والصحفية.. هل من الصائب مقاطعتها (دائماً) و (بالمطلق) أم نشارك في الموضوعات التي لا يمكنها أن تجيّر ظهورنا فيها لمآرب مرضية بالتحسب لخطابنا وأدواته وتوجهه؟

إن فلسفة الطائفية وأعداء الإنسان والسلام تقوم على تمزيق الشعوب ووضعها في حالات احتراب ومعارك طاحنة وإخضاعها لخطاب عنفي همجي بوساطة الأضاليل التي تبثها سموماً ومخدرات وأوبئة.. وهي تعرض القضايا المثارة بزوايا نظر مشوهة وبتحليلات وأدوات تنفذ من خلالها إلى مآرب مرضية تصيب أفكار الناس وآليات عيشهم وعلاقاتهم! وبالمناسبة تمتلك تلك القنوات والصحف انتشاراً كبيرا بسبب عددها وحجم إنتاجها وضخها لتلك الخطابات المرضية، وهو حجم لا يقارن بقدرات قوى التنوير ورسل السلام والتسامح…

فهل سيكون لمقاطعتنا نحن قوى التنوير لتلك الأدوات سلامة موقف؟ المقاطعة تعني أن تلك الجهات ستصنع شهوصها قادة وعناصر تأثير على الرغم من زيفها ودجلها وسطحيتها وهي ستحجب فرص وصول قوى التقدم الاجتماعي وتنحيهم بعيدا عن الجمهور الذي تأسره كل قناة وصحيفة ومن يقف وراءها.. كما أنها ستبقي على استعباد الجمهور وتدجينه بطريقة جهنمية مستلبة إرادته وقدراته على التفكير وإعادة طرح الأسئلة وتفعيل الأدوار بتعطيل العقل وفرض منطق السلبية المرضي بمحتلف تمظهراته وأشكاله.. فهل نقبل في ظل عدم وجود أدوات وصول إلى ذاك الجمهور أن نقاطع تلك القنوات؟

حسناً، هل نتفق تماما مع فلسفة مالكي مواقع التواصل الاجتماعي وهل نتطابق معهم في رؤاهم وقيمهم؟ هل نتفق تماما مع منافذ إعلامية مشوهة ولكنها رسمية أو شبه رسمية؟ ومع ذلك يظهر بها بعض المعترضين على الظهور في قنوات أخرى. لاحظوا التمييز والتصنيف بدرجات تحكم منطق الظهور والمقاطعة، ولكن أليس من الأجدر والأجدى أن يكون القانون موحدا والمعيار واحدا في آليات اشتغالنا؟

شخصياً، كنتُ د\ائماً أدعو أصدقائي الناشطين أن يظهروا بمختلف القنوات ليوصلوا اصوات قوى التحرر والتقدم الاجتماعي إلى كل قطاعات جمهورنا المقسم عنوة وزيفا، طبعا بالتضليل المصطنع. وكنتُ ومازلتُ وأبقى أتحدث في مختلف القنوات.. وأقصد طبعا غير التي تعبر عن التنوير، تلك التي تنتمي لقوى وحركات تيار الطائفية، بجناحي الإسلام السياسي الطائفيين المدعي سنيّته والمدعي شيعيته، بتعدد الأحزاب والقوى التي تتحكم بتلك القنوات الإعلامية والصحفية..

ومقصدي وهدفي من هذه المشاركة المفتوحة على مختلف القنوات باتجاهاتها الفكرية السياسية المجتمعية، يتجسد في الوصول إلى ((جمهور)) تلك القنوات.. فذلك ((الجمهور)) يعنيني مباشرة، إنه هدفي الأساس، لأنه جمهور في الغالب مأسورٌ، مضللٌ بخطاب تلك القنوات التي يقع حبيس خطابها..

ونحن في الحراك المدني وفي قوى التنوير نجابه الآتي:

أولا نجابه ماكنة مهولة للإعلام المضلل، فنحن لا نملك حجم القنوات عدداً مثلما قوى الفساد المافيوية المنتمية للإسلام السياسي الطائفي..

وثانياً: لابد لنا من ركوب التحدي ومواجهة الخطابات التضليلية مباشرة في ميادينها، كي يكون الوصول إلى الجمهور ذاته الذي يقع تحت عنف التضليل وضغوطه وألاعيبه..

وثالثاً:  نحن نتحدث بخطاباتنا عن الانفتاح والتسامح ورسائل التعايش السلمي؛ فلماذا نمارس القطيعة مع المختلف!؟ ولماذا نعزل أنفسنا عن ذاك ((الجمهور)) تحديداً؟ ولماذا نتركه ((أي جمهورنا)) أسير تضليل طرف أحادي؟ وحتى إن أصاب طرف (ما) فإنَّ تفاعل الأطراف المتعددة وتنوعها هو الصحي الصحيح على وفق رؤانا ومعالجاتنا، طبعا حتى منها المتناقضة فهي تذكرنا بأسئلة يجب أن نجيب عنها وعليها عبر الحوار وليس عبر القطيعة التي تمهد للاحتراب ولأشكال الصراع السلبي المقيتة حدّ ممارسة أو ارتكاب العنف..

وعليه فإنَّ مَن يريد التساؤل بشأن ظهوري مثلا في قنوات مختلفة ينبغي أن يتابع تساؤله بالحوار، ليطلع على خطابي ورسائله بمختلف تلك القنوات.. وأؤكد أنني أرحب بالحوار في مضامين خطابي فلست معصوما بل أؤمن بقوة بأن الحوار يؤدي إلى الأنضج والأنجع..

وهكذا فإن الحوار الذي أدعو إليه هو ما سيوصل إلى المقصود من وجودي في قنوات مختلفة متنوعة وربما متعارضة متناقضة، لن أستثني قناة أيا كان اتجاهها من ولوجها والتحدث عبرها عن حقوق الناس وعن منطق التعايش السلمي بالإخاء الإنساني وقيم التسامح والاعتراف بالآخر…

ويبقى ((الجمهور)) هو الهدف والمقصد ويبقى ((التنوير)) وطرح حملاته وخطاباته مع رسائل التعايش والتسامح هو ما ينبغي لنا تعزيز وجوده وظهوره بمختلف القنوات؛ ليكون بديلا لخطابات العنف وتقطيع أوصال الشعوب والمجتمعات الإنسانية.. فهل وصلت رسالتي؟

أجدد شكري لقارئتي وقارئي ولكل صاحب سؤال عن فكرة الظهور في قنوات مختلفة الاتجاهات مع رؤى التنويريين ومع تطلعات الشعوب وقوى التحرر والتقدم الاجتماعي فيه.. كما أشكر واثمن عاليا تلك الأسئلة كونها فرصة  مستحقة لتوضيح ما قد تجري محاولة تجييره وإشاعة اللبس والتضليل بشأنه؟ إن ذياك السؤال يبقى عاملا دافعاً مساعداً باتجاه مزيد حوار في آليات اشتغالنا الأنجع.

 وها أنا ذا أجدد ندائي واشتغالي، لينفتح المدنيون التنويريون على كل القنوات بلا استثناء وليصلوا إلى كل جمهور الشعب باختلاف أطيافه، في ظروف استطاعت تلك القوى التغلغل وسط جمهورنا والتفشي كالوباء بينه، وأسْره ولفه حول خطابها…

وعليه فإن ظهورنا ذاك بمختلف القنوات، هو واجب وممر إلى تحقيق الرؤى التي نحملها لكل الشعب وليس لقطاع أو آخر كما يفعل الطائفيون بأضاليلهم.. وهم ضد كل الشعب بمن فيهم من يتحدثون زورا باسمهم…

وأؤكد حق كل امرئ في الاعتراض على خطاب هذه القناة أو تلك وهي في كثير من الأحيان من القنوات المرضية بخطابها..  وأشير بالاسم إلى قنوات أحزاب الطائفية كافة. ولكن أرجو أن نتذكر ضرورة التحصن في فهم ألاعيب تلك القنوات وامتلاك الخبرات التي تتصدى لمحاولات التجيير، الأمر الذي تمتلكه شخصيات مهمة وواعية في حركة التنوير..

وعلينا هنا، أن نحمل معا وسويا خطابنا في التنوير إلى مختلف الجهات وعبرها، لنصل به إلى الآخر وإلى أوسع جمهور وابعده.. وبهذا نستطيع أن نسحب البساط من تحت أية جهة تريد بث الفرقة والتمزق عبر التضليل والدجل الذي تمارسه.. وهنا بالتحديد، أترك موضوع تشخيص الجهات والقنوات وطابعها، للجمهور الذي نصل إليه وهو من يحكم يوم يطلع على خطاب التنوير مقابل خطاب التضليل ليكتشف الحقيقة بنغسه ولدي شخصيا الثقة التامة بالشعب ووعيه وتوظيفه منطق العقل والحكمة في الحكم السديد الصائب.

إنّ قوى التنوير لا تخشى المواجهة بالحوار وهي تظهر بميادين التفاعل على اسس تمكين خطاب التطبيع والأنسنة والسلام وهي ليست مرتعبة من المواجهة مهما بلغ عنفها لكنها لا ترى في العنف إلا مزيد خراب وتضحيات جسام وفظاعات تضع الناس في محارق قوى الهمجية.. لهذا نذهب إلى كل الوسائل السلمية التي نصل بها إلى الجمهور لاستعادته من أسر ومن تضليل قوى العنف والتمزيق.. فهلا تنبهنا؟

وبعامة علينا أن نتذكر دائما أننا لسنا معصومين في رؤانا ومعالجاتنا وأن الحوار والحوار وحده هو الكفيل بالوصول إلى الرؤية الأنجع، فلنمارسه وسيلة رئيسة ونهائية حاسمة عبر قبولنا بالآخر وتعرفنا إليه وتمكيننا لرؤى التنوع أن تكون مسارا سليما موفقا لاحترام تعددية وجودنا ولتعايشنا من دون وهم احتكار الصواب…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *