ما المطلوب منا في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؟

في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لنعزز أشكال التحالف والتضامن بين شعوب المنطقة وقوى التحرر والسلام فيها

يُعد هذا اليوم التضامني الأممي مع الشعب الفلسطيني واحداً من أبرز محطات النضال من أجل حرية شعب مكافح قارع طويلا أعتى أشكال الاستعمار والاحتلال وهمجيته.. وبهذه المناسبة فإن مطلب التضامن يدعونا اليوم لتعزيز نهج التحالف بين قوى التحرر والسلام في جميع شعوب المنطقة ودولها وأخذ الدروس والعبر من آلام التشظيات والتناحرات غير المبررة سوى بخدمة قوى انتهازية مرضية معادية لمصالح الشعوب. فما المطلوب منا اليوم بهذه المناسبة الأممية؟

توجه العالم بمراحل مختلفة للإعراب عن أشكال وحملات تضامنية مختلفة مع شعوب العالم بمسيرتها التحررية. وفي تلك الحملات لم يميز المجتمع بين شعب وآخر على أية خلفية مثلما يفعل بعض المشوشين اليوم. فهو لا يقوم بوصم شعب برمته بتهمة لأن قسماً منه يمارس نشاطاً أو موقفاً خاطئاً.. فمثل ذلك مرفوض في القوانين الإنسانية الدولية؛ ويمثل جريمة تمييز عنصري. أسوق هذه المقدمة لتذكير بعضهم أن مواقفهم تجاه شعب فلسطين وقطاعات منه لا تنتمي لسلامة منطق بخاصة تلك التي تصمه  بمختلف التهم وتكيل له الشتائم بطريقة لا تمثل موقفا موضوعيا مقبولا لا قيميا ولا قانونيا.. فشعب فلسطين مثله مثل كل شعوب الأرض يحمل همومه وتطلعاته بروح إنساني مكين، وهو يحاول الانعتاق من أعتى شكل استعماري استغلالي بعصرنا..

ولعل من بين أبرز حملات التضامن الإنساني هو اختيار اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. تلك المناسبة التي أُريد لها أن تكون أداة لاستمرار الدعم حتى ينعتق تماما ويتحرر ويبني دولته المستقلة بوصفها أولى حقوقه التي تلبي آلية حق تقرير المصير، من دون خضوع لألاعيب خبيثة للمحتل العنصري وجرائمه المفضوحة..

لقد بدأت الجريمة في عصرنا الحديث منذ وعد بلفور ودفع جموع المستوطنين ودعم التشكيلات العنفية؛ التي تتوجت في عام 1948 بطرد 957,000 من الفلسطينيين من بيوتهم حيث مدنهم وقراهم وقعت يومها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقد كان ذلك العدد يمثل نسبة 66% من الفلسطينيين آنذاك… التالي كان احتلال العام 1967 ثم استمرار سياسات الحكومات الإسرائيلية بممارسة سياسة عنصرية استيطانية، شخصتها الأمم المتحدة يوم عدّت الحركة الصهيونية حركة عنصرية وقبلها ومعها إصدار قرارات 242 و338 التي أوجبت انسحاب دولة الاحتلال إلى حدود الرابع من حزيران…

إنّ شعب فلسطين اليوم يعاني من حرب مستمرة ليس بسبب الاستيطان وقضم الأرض حسب بل من اشكال التمييز وإرهاب الدولة حيث يقبع آلاف من الفلسطينيين أسرى بلا أي أساس قانوني وبينهم قادة ورجال دولة فلسطينيين…

لقد رفضت شعوب ودول العالم تلك السياسة العدوانية القمعية، ويمارس على سبيل المثال الاتحاد الأوروبي سياسة رفض قبول البضائع الآتية من المستوطنات كونها سرقة ونهب في ظل الاحتلال.. كما أن دول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية وتقيم معها علاقات بمستويات دبلوماسية مختلفة.. فضلا عن أشكال تضامنية شعبية أممية واسعة..

إن مثل هذا يؤشر أن قضية هذا الشعب المبتلى بسياسة الاحتلال وإرهاب الدولة مازالت جوهرة القضايا التي تجابه الأمم المتحدة مثلما تجابه شعوب المنطقة التي ينبغي ألا تنسى مفاهيم الأمن القومي والوطني بوصفهما متلازمتين جوهريا وتستندان إلى حقائق جيوسياسية عميقة..

إن حل ما بات يسمى مشكلة الشرق الأوسط تتجسد في لجم العدوانية الإسرائيلية ومنح الشعب الفلسطيني حريته وحقه في الاستقلال التام واتخاذ طريق السلام في العلاقات لا طريق فرض منطق القوة والعنف والقهر.. ومن أجل إعادة التوازن ينبغي نزع التسلح النووي وحظره بشكل شامل في المنطقة وإيجاد آليات فض المنازعات سلميا عبر دعم حركات السلام وقوى البناء والتنوير بديلا عن التساهل والتغافل عن وباء قوى العنف ومن يدعمها بتسويق الأسلحة إليها أو بمنحها منافذ التسلل للبنى المجتمعية عبر مختلف الوسائل…

إن لجم كل قوى العنف وتشكيلاتها ونزع أسلحتها مع دعم حملات ثقافة تنويرية للتعايش السلمي بين مختلف شعوب المنطقة هي قضية جوهرية لنزع مبررات قوى الاحتلال من جهة وقوى أخرى من إدامة لعبة الصراعات التصفوية الهمجية التي تفرض كرها وقسراً منطقها على المنطقة وبلدانها وشعوبها..

ولعل من بين ذلك العودة بالأوضاع إلى لحظة انطلاقة ثورات ربيع المنطقة التي تطلعت لبناء دولها المدنية الديموقراطية وإطلاق حركة البناء والتقدم والسلام. وهذا سيتأتى من دعم قوى الشعب وحركاته التحررية وأولها حركة التحرر الفسلطيني ممثلة بقيادتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية المنتخبة ومساعدتها على بناء فرص التنمية وإشادة ما يخدم الشعب بعد أزمنة القهر والاستعباد..

لنواصل حملات التضامن ولنعزز صيغ التحالف بين قوى التحرر وقيادات ثورات الشعوب.. ولعل جوهرتنا في تلك التحالفات هي  حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني.. فتحرر شعب فلسطين سيكسر حلقات تسلسلت طويلا في إشعال نيران الحروب وفرض الدكتاتوريات وجانب واسع من التسبب في صراعات وأشكال التشظي والتشرذم…

إن القناعة الوطيدة تتجسد في أن انتصارنا على أسباب القهر والاستغلال وبعبع التهديد النووي ومنطق القوة وعنفه الهمجي، هو انتصار لكل شعوب المنطقة واقترابها من إشادة نظم التقدم والتنمية بأرضية التعايش السلمي بين الجميع بلا استثناء..

كما يتطلب التوجه بين قيادات الجاليات العربية وممثلي شعوب المنطقة وقمياتها في أوروبا لتنظيم أعمق الحوارات البناءة  مع المجتمعات السياسية باختلاف توجهاتها هناك لقراءة منصفة موضوعية للقضية الفلسطينية التي طال أمدها بكل ما يحمله ذلك من آلام وجراحات فاغرة .. على أن تحسن تلك الحوارات صياغة الاستراتيجيات وتبني خطاب السلام بديلا للعنف وقيمه وأن تؤكد معنى الاستقرار في المنطقة وما يخدمه في الوضع الدولي لمرحلة جديدة عالميا من توظيف حركة السلام والتعايش بعيدا عن لغة العنف والإكراه ويقينا أن جميع الشعوب والدول تجد مصالحها في استتباب السلام وحل القضية حلا عادلا لكن الحوار سيسرع من فرص الحسم وإنهاء المعضلات المستعصية عبر مؤتمر دولي شامل يضع الجميع بمجابهة مسؤولياته…

لينتصر نضال شعب فلسطين من أجل دولته المستقلة، وليتعزز التضامن الأممي عبر نواة أقوى تلاحم بين حركات التحرر في المنطقة وأنصار السلام بجميع بلدانها…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *