احتفالنا اليوم تحت شعار: “الهجرة قدر من الكرامة الإنسانية للمهاجرين”

بمناسبة اليوم العالمي للمهاجر، أكتب هذه الأسطر باسمي وباسم المرصد السومري لحقوق الإنسان عسانا نحيلها إلى رسالة محبة وتسامح وسلام تعالج ما تكرس من احترابات وصراعات وتطلق للتآخي والعمل المشترك دفاعا عن حقوق الآخر وأولهم اليوم بهذه المناسبة المهجرين قسرا واللاجئين والنازحين.. وبالتأكيد هذه الرسالة تتطلع لمواقفكم وتفاعلاتكم الكريمة المهمة في تكريس البديل الإنساني

اليوم الدولي للهجرة أو اليوم العالمي للمهاجرين دفعت باتجاهه المنظمات الآسيوية المعنية منذ حملاتها في العام 1977 ثم جرى اتخاذ القرار ذي الرقم 45/158 الخاص بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بتاريخ 18 ديسمبر كانون أول 1990؛ ليتمّ اعتماد هذا التاريخ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000 بالقرار ذي الرقم 93/55 بوصفه يوما أمميا مخصوصاً يبحث في أنسنة قضية المهاجرين بدل تحويل الاتجار بالبشر إلى دراسة ثمنهم اقتصاديا في التنمية المبتغاة بمعنى جعل استراتيجيات التنمية في خدمة الإنسانية بأنسنة قضية المهاجرين وإنصافهم وتلبية حقوقهم.

وهذا العام 2016، يتم إحياء اليوم العالمي تحت شعار:”الهجرة: قدْرٌ من الكرامةِ الإنسانية للمهاجرين”. لقد تميز ظرف هذا العام بكثير من تفاقم الأحوال السلبية السيئة المتسببة بالهجرة القسرية لا الاختيارية؛ فنزح مئات آلاف الناس من ديارهم  تحت ضغوط الصراعات المسلحة وما أوقعته من ضريبة ثقيلة بحق الإنسانية حيث الخسائر المهولة من أرواح البشر زادتها قسوة تلك الخسائر الكارثية في أثناء رحلة التنقل بحثاً عن مواني أمان تحديداً عبر بحر أعاصير الكارثة البحرالأبيض المتوسط بما ابتلعه من عدة ألاف من المتطلعين إلى ميناء إنقاذ فكان قاع البحر تابوتاً ماساويا لأكثر من 7 آلاف منهم حسب الإحصاءات الرسمية المعلومة التي لا تتضمن من ابتلعه البحر ولم يتم اكتشاف وقائعه الحزينة!

أما مَن وصل البرّ بعد تلك المغامرة التي قامرت بالحياة وأخذت ضرائبها من أرواح الأحبة؛ فقد واجهته ظاهرتان: ضعف إمكانات المناصرين لاستضافته وإنقاذه ومواجهتها عقبات جمة وتصاعد غير مسبوق لـ(حركات يمينية شعبوية) بكل ما حملته من روح (عنصري) معادٍ للمهاجرين واللاجئين مطالب باسبعادهم وطردهم مع تحميلهم وِزر الخلل والعلل التي عانى وتعاني منها مجتمعات الضيافة من دول الشمال الغنية.

إنّ معاناة الإنسان في بلاده سواء لضغوط اقتصادية أم سياسية أو أمنية هي ما تدفعه لمغادرتها وهي تمثل النسبة العظمى من دوافع ترك البلاد اختياراً أم اضطراراً وقسراً. وبهذا فإنّ قضايا من قبيل:

  1. ظاهرة الفقر والفقر المدقع.
  2. الحروب الأهلية والصراعات العنفية المسلحة على خلفية نزاعات طائفية أو قبلية مفتعلة.
  3. البطالة والخلل الهيكلي البنيوي في الاقتصادات المحلية.
  4. هزال خدمات الرعاية بدءاً بالصحة العامة ومروراً بالتعليم وليس انتهاء بشؤون الخدمات العامة من سكن وطرقات واتصالات وبيئة وغيرها..
  5. أما في دول الضيافة أو المقصد فيجابه المهاجرون وطالبو اللجوء ظواهر: التعصب والعنصرية وأشكال التمييز وما يثير خطاب الكراهية تجاه الأجانب الأمر الذي يضع المهاجر وطالب اللجوء قربانا واضحية مجدداً على الرغم من أنه تطلع أن يجد بيئة تحتضن وجوده الإنساني.

إنّ هذه الحقائق المرّة تتطلب التزاماً شاملا بالإعلان العالمي الذي تم توقيعه في سبتمبر الماضي من عدد مهم من دول العالم في خيمة المنظمة الدولية الأمم المتحدة. كما تتطلب تطبيق الاستراتيجية التنموية في الدول المعنية التي تمثل مصدر الهجرة والنزوح بالتعامل مع المهاجر بوصفه إنساناً لا آلة عمل وإنتاج للتنمية الاقتصادية البحتة.. ولعل ذلك يتطلب الآتي:

  1. معالجة ظاهرة الفقر بشكل جوهري شامل.
  2. معالجة ظاهرة البطالة بأشكالها.
  3. معالجة ظروف الخلل في الأمن الغذائي والصحة العامة.
  4. معالجة آثار الكوارث البيئية من التصحر والفيضانات والتلوث البيئي بمختلف أسبابه وعوامله وكذلك البراكين والزلازل وغيرها من مسببات تدهورها..
  5. معالجة قضايا الانتهاكات والخروقات في الشؤون والحقوق الاقتصا-اجتماعية و\أو المدنية كذلك السياسية والثقافية العامة مثلما حقوق المجموعات القومية والدينية واحترام هوياتها وخطابها ومنجزها وحرية تعبيرها ثقافيا روحيا..
  6. تلبية متطلبات العدالة الاجتماعية ومبدأ المساواة..
  7. توفير التعليم بوصفه حقا للجميع..
  8. معالجة كارثية سطوة الميليشيات وتفاقم وجودها وخطرها وما تثيره من صراعات وحروب..
  9. إيجاد الحلول الهيكلية بخاصة بمجال الإدارة ورسم الاستراتيجيات المناسبة فيها.
  10. إيجاد الحلول المشتركة أمميا وبتعاون دولي مكين بشأن موضوع انتقال المهاجرين والنازحين وتجنيبهم مخاطر التنقل وطرقات التهمت الآلاف منهم. وإخضاع الموضوع لحلول قانونية توفر الهجرة الآمنة.. ويتطلب الأمر إنهاء قرارات تجريم الهجرة غير النظامية مع إيجاد الحلول القانونية المناسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء كافة وقرع نواقيس الإنذار لحجم يقارب الربع مليار مهاجر بأرجاء العالم يعيشون خارج بيوتهم أوطانهم!
  11. مكافحة ظواهر المواقف العنصرية الشعبوية ومقاضاة مثيري خطاب الكراهية وعدوانيتهم واعتداءاتهم ومحاسبتهم قانونيا على ما يرتكبون..

 إن المجتمع الإنساني مطالب بالتعامل مع الهجرة بوصفها ظاهرة إنسانية ذات صلة بتطلعات الإنسان وخياراته في العيش حتى منها تلك التي لا تنجم عن ضغوط سلبية، على وفق ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن حق اختيار الجنسية والهوية ومكان العيش. ومثل يتطلب مزيدا من الجهد المتكاتف بين منومة حركة حقوق الإنسان لجذب اهتمام الضمير الإنساني بمختلف أرجاء عالمنا المعاصر ومؤسساته الشعبية الأممية والرسمية الحكومية الدولية  تجاه حقوق المهاجر وإنصافه واحترام خياراته وأنسنة وجوده والتحول بالهجرة غلى قوة في إطار التنمية لا سالبة لطاقات المهاجر معطلة أو مشوِّهة ما ينتج خللا في البلدان الأم والبلدان المقصد. ولتلبية ذلك لابد من احترام حقوق الإنسان بل قدسيتها وسموها والالتزام بمعايير العمل المقرَّة دولياً؛ كذلك يجب تفعيل الجهود المناسبة من أجل مكافحة الاتجار بالبشر والاستغلال المافيوي لحال تجريم الهجرة غير المنظمة وظروف اتساعها وتفاقم أوضاعها وآليات وقوعها..

وتحصيصا في هذه المعالجة أشير إلى ما تجسده الإحصاءات من كون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر إرسالا لوجبات المهاجرين والأكثر تعرضا لمخاطر الطريق والاستقبال والاعتداءات من طرف يتزايد ما يرتكبه بفعل خطاب الكراهية الشعبوي المتفاقم.  ولابد بهذه المناسبة من تفعيل أدوار منظمات حقوق الإنسان بخاصة في المهجر الأوروبي الذي يستقبل مزيدا من دفق طالبي اللجوء والمهجرين قسرا من تلك البلدان على خلفية الصراعات المسلحة…

دعوني هنا أعيد ذكر الأرقام المنشورة على موقع الأمم المتحدة ومنظماته المعنية بالنزوح والهجرات بأشكالها…

فمنذ حزيران 2016 سجلت الإحصاءات 259.962 نازح في المنطقة الغربية من العراق قدمت لهم المساعدات الأممية 71.802 استشارة طبية و2.191 استشارة نفسية و 19.551 من التجهيزات غير الغذائية وساهمت بنقل حوالي 15ألف نازح

ومنذ التهاب جبهة الموصل بمهمة استعادتها من الإرهاب كان هناك 83ألف نازح  لم يعد في ظروف استمرار المعارك إلا 8400 شخص.. كانت نسبة 83% منهم هؤلاء في المخيمات و13% يعيشون مع الأقارب  ونسبة أخرى تحيا بترتيبات حرجة للمأوى من قبيل المباني غير المكتملة أو المدمرة ومباني دينية أو حكومية.. إن 91% من هؤلاء هم من قضاء الموصل فيما 3% من تلكيف و2% من تلعفر و1% من مخمور ونسب أخرى من مختلف المناطق المحيطة..

لا ننسى أن الظرف القائم تكتنفه لا مهمة استعادة المناطق من فوضى الإرهاب وميليشياته الإجرامية بل كذلك من نوايا مبيتة باتت تسفر عن حقيقتها ومن يرتكبها وليس مجرد شعور عند بعض سكان المنطقة على خلفية الاحتقان الطائفي الذي يمثله تشكيل وحدات مسلحة لا تخضع لسلطة الجيش الوطني والهوية الوطنية وتتحكم بها عناصر طائفية المنهج  لا تتردد عن إطلاق شعارات التمترس الطائفي وخنادق احترابه..

إن مثل هذه الظروف تفرض بأشكال مباشرة أو غير مباشرة جرائم التغيير الديموغرافي والدفع قسرا للهجرات والنزوح بين المدن على خلفية التطهير والعزل الطائفي في القصبات والمدن!

فضلا عن هذا وذاك فإن الإهمال للبنى التحتية بسبب نظام الفساد (الكليبتوقراطي) والفشل في استراتيجيات التنمية والعمل واشكال الخلل البنيوي كل ذلك يطحن آمال الناس ويجعلهم في رعب من المجهول الذي لا يعرفون ما يخبئه لهم..

وبدل نشر ما يعيد الطمأنينة يجري تغذية خطابات سياسية إعلامية مرضية خطيرة لن تكفيها بضع تصريحات تضليلية مخادعة عن وحدة وطنية تزعم جميع أطراف الصراع السياسي أنها تمثلها وتتمسك بها.

إن حل قضايا العراقيين تكمن في تبني خطاب دولة مدنية وإعلاء صوت القانون واشتغال المؤسسة الوطنية فيها  بآليات ديموقراطية اتحادية تحترم الهويات المكونة بمبدأ المواطنة والعدل والمساواة.

وتكمن في استراتيجية لإنهاء اشكال التهديد للوجود الإنساسني وأول ذلك إنهاء مصادر العنف والتمزق والشرذمة والتشظي ممثلة بالميليشيات التي يجري غسقاط القدسية عليها ولا تخدم بحقيقتها وبالمحصلة سوى مآرب زعامات الفساد المافيوية..

ومن أجل إعادة ملايين النازحين وإنهاء المخيمات التي لا تحمي وجودا إنسانيا مستقرا سوى للحظة طارئة يجب وضع خارطة طريق تفكك أولا تمترس الطائفي الكليبتوقراطي وبلطجته وسطوته على مؤسسات الدولة والتوجه لبناء دولة مدنية ديموقراطية اتحادية تلبي العدالة الاجتماعية وتطلق التنمية الحقيقية وإلا فإن موجات أخرى من النازحين والمهجرين قسرا ستكون سببا في دوامة تراجيدية جديدة في المنطقة لن تقف بحدود جغرافيا البلاد المتضعضعة المتهاوية تحت ضربات حيتان بل ديناصروات إرهاب وجودنا وتجييره لمافياتها التي ابتلعت كل حي على وجه الوطن وحولت المتبقي لأطلال متصحرة كالحة لن تكون سوى الوسط الأنسب والمنبع لإرهاب أشرس محليا عالميا..

تلكم هي القضية فهل من يتعظ ويعمل على حل جوهري حاسم وحازم ونهائي…!؟

شخصياً ومعي وقبلي كل قوى الحركة الحقوقية المعاصرة نتمسك بالدعوة لمزيد من خطاب التسامح وثقافة قبول الآخر والتعايش السلمي بين الجميع واحترام هويات البشر (في عراقنا ما أروعها من هويات قومية ودينية ومذهبية) ولابد من مزيد من العمل المشترك معاً وسوياً لتلبية حقوق الجميع وأن نحب للآخر ما نحب لأنفسنا وأن يعود الجميع إلى دياره وإلى بنيتنا التي عشناها آلاف الأعوام والسنوات..

إن إدانة خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز لا يعني معاداة طرف مجتمعي محليا أو أمميا بل يعني الاقتراب من ذاك الآخر وتبادل الرأي معه لوضع خارطة طريق للمحبة وللتعايش ولترك نزعات الثأر والانتقام التي لا تقوم على منطق إنساني سليم.. إن تلك الإدانة لا تعني إدانة منتسب لميليشيا ومقاتلته ولكنها تعني إدانة الفكرة التي تؤدي بنا إلى الجريمة والمقاتل وتعني في الوقت نفسه العمل مع الآخر لتخليصه من فروض الكراهية، تلك الفروض التراجيدية العدائية لا للآخر حسب بل حتى لوجوده لأنها تضحي به قربانا لمن وضعه خلف متاريس الاحتراب الطائفي ومن ثم لخدمة حوت فساد أو آخر.. كلنا في هذه الأرض أخوة في الإنسانية وكلنا في هذه الأوطان أخوة نتساوى في تطلعاتنا بحياة حرة كريمة

فلماذا يقبل أحدنا التمترس في خنادق الاحتراب الطائفي لماذا يقبل أحدنا الخضوع لخطاب الاحتراب بدل التمسك بخطاب المحبة، المودة، الإخاء، التسامح والعيش مع الآخر بجيرة إنسانية بهية سامية؟؟؟

لنكن مع أهلنا بل مع أنفسنا كي لا نكون يوما في قطار المهاجرين بل المجرين قسرا والنازحين فرضا وكرها وكي لا ندفع بمزيد من أهلنا بهذا الاتجاه الخطير في آلامه وفواجعه ومواجعه

وكلنا يستحق الحياة الحرة الكريمة ومعا وسويا سنحياها ونعيشها ونبنيها، ومن مهامنا في الإطار الأشمل أن نتنبه على ماساة أخوتنا في الوطن والإنسانية ممن نزحوا وتهجروا قسرا

لا تتركوهم في المخيمات والشوارع والثكنات فهم نحن في لحظة غير بعيدة إذا ما قبلنا بالحال وبمزيد من التخندفات التي يجب أن ننهيها فهلا اتخذنا القرار اليوم قبل الغد؟؟؟؟؟؟

تحايا لكم يامشاعل الحرية وحقوق الإنسان والسلام والتقدم الاجتماعي، تحايا لكم يا قوى التنوير، تحايا لكل إنسان ومشاعر الصادقة وعمله على تلبية الحقوق وتطمين مسيرة السلم الأهلي ومنع استغلال الظروف للتهجير.. تحايا لكل مهاجرة ونازحة ومهاجر ونازح وانحناءة لإنسانيتهم وهذي صرختنا معهم نبدأها من العراق شرقا بكل مناطقه الملتهبة حرورا بسوريا الغالية العزيزة وشامنا واليمن والسودان وليبيا وحتى مغربنا الكريم المهيب محبة وأنسنة  وإلى كل بلداننا لتعود منبع خير لأهلها بجهود أهلها بدل أن تكون منبع تهجير وقسوة على بعض الأبناء ما يفرض على كل الأبناء واجب استعادة التلاحم بطريق البناء لا الهدم ولا الهروب الاضطراري..

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *