ربيع الشعوب المنهوب وثورتها المسروقة وفرص البديل النوعي!؟

بمناسبة تباكي قوى إقليمية ودولية على ربيع الشعب السوري وادعاءات طرفي الصراع المسلح الميليشيات الإرهابية بضفة والنظام الدكتاتوري الاستبدادي في الضفة الأخرى لميدان المعارك الطاحنة .. بينما في حقيقة الأمر؛ كل القوى المسلحة وحروبها ليست إلا واجهة لقوى الاستغلال والاستعباد بمقابل بديل واحد سليم يمثل تطلعات الشعب هو البديل الذي يقوم على نزع أسلحة التخريب والتدمير والتقتيل والبحث بأجواء السلام والحوار السلمي الذي يؤدي إلى فرض منطق السلم الأهلي والتعايش على أساس احترام الآخر والقدسية الوحيدة هنا هي قدسية وجود الشعب بتنوعات هوياته القومية، الدينية، المذهبية، الفكرية السياسية وتنوعات الثقافات والقيم الروحية ولكنها القائمة على احترام أنسنة وجودنا.. بهذه المناسبة أؤكد مجددا ما قلته قبل سنوات من أن ثورات الربيع في الغالب تم اغتيالها يوم فتحوا أبواب جهنم بأدوات الهمجية وعنفها الوحشي ..  ولادين ولا قدسية لأي من أطراف النزاع المسلح

وهكذا فإنّه

بين إيمان شعوب المنطقة بأنها صودرت حتى طفح الكيل؛ فثارت ضد حال استلابها وقمعها لتصل ربيع وجودها وبين المؤمنين بنظرية المؤامرة وإدارة العالم كما تُدار الماريونيتات؛ بينهما لابد من حقيقة يمكن أنْ نتبينها بقراءة موضوعية معمقة للمجريات… أقصد التناقض بين ضفة  عسكرة الصراع وبين تمدين وسلمية التطلع لفرض إرادة الشعب وتطلعاته

إنّ فكرة الربيع تعني محاولة إنهاء شتاء الوجود الإنساني وكآبته حيث تنعكس آليات الحكم الدكتاتورية في تعطيل الحياة الإنسانية بمصادرة أية فرصة للتفكير والفعل على وفق ما يعنيه اشتغال العقل العلمي، بما يمثل سباتا كما النباتات في خريفها وشتائها وكما هي يمورقة مزهرة مثمرة في ربيعها…

لقد وصلت الأمور بالشعوب إلى درجة التجمد والتكلس فالصدأ، وتحول الضرب من منطقة تحت الحزام إلى الطابع التصفوي الدموي الأبشع لنظم إذلال واستعباد استثنائية في إفراط عنفها الهمجي المجتر من مجاهل الزمن الغابر لقوانين الغاب. وتفشت أوبئة وأمراض مزمنة استفحلت بنتائجها. وبهذا كان من الطبيعي لأية شرارة أن تندلع منها حرائق رد فعل شامل، فجاءت انتفاضات شعوب المنطقة..

أرادت قوى التنوير ونخبة العقل العلمي، أن تدفع باتجاه تحقيق ربيع تلك الشعوب فيما اندفعت القوى المحلية والإقليمية والدولية ذات المصالح والغايات الاستغلالية لتتحكم بالوضع لصالحها.. ومن أجل الإبقاء على أسر الشعوب في قفص التخلف والاستغلال لم تألُ جهداً عن ادعاء دعم (الثورة) و (ربيعها) وبدلا من أن يكون الدعم ضخاً لنسغ الحياة لتورق ربيعاً دعموا أسوأ ما في مجتمعاتنا من عناصر التخلف وما أنجبته ثقافته من العنف والوحشية بالتحالف مع دجالين ادعوا القدسية وتمثيل الله والدين على الأرض؛ من دون إغفال لعبة التشطير والخندقة أو التمترس على ضفتين مصطرعتين بين ادعاء التشيع أو التسنن لإدامة اشتغال الآلة الجهنمية ومطحنتها ومن ثم الإبقاء على قوى الاستغلال سواء انتصرت ماكنة الدولة وإرهابها ومركزيته أم ماكنة الميليشيات وإرهابها وشرذمته…

هنا بالتحديد، كانت المهمة (الجهنمية) متجسدة في سحب البساط من اتساع الحراك الشعبي الجماهيري بـ(عسكرة الثورة) وتسليحها ودفعها إلى العنف، وهو ما يقف بوجه الفعل الشعبي السلمي ويحاصره ويبعده عن الحسم حيث ينقل المعركة من ميدان نظام \ شعب إلى ميدان الصراع بسوح المعارك التي تميل كفتها للنظم فيما تؤدي تلك المطحنة الهمجية دورها بأفظع تصفية دموية للعقل العلمي من جهة وأكثرها همجية في إرعاب الجمهور وإرهابه ومن ثم السطو عليه بالعنف المسلح..

ما جرى، منذ لحظة تسليح الثورة (السورية على سبيل المثال) هو ضخ الهمجية وعنفها المفرط فسطت على الثورة وادعت تمثيل الشعب والشعب من كل ألاعيب العنف والتسلح ووحشيتهما براء.

هكذا قتلوا أو اغتالوا الثورة الشعبية السلمية ونهبوا انتفاضتها أو ربيعها قبل أن تورق وتؤسس لوجودها؛ فبقي النظام وطغيانه وهذه المرة معه ميليشيات رديفة هي الأسوأ بما اجترّته من مغاور الظلمة وفكرها ومن غابر الزمن ووحشية آليات الاشتغال التي انقرضت في التاريخ البشري الحديث والمعاصر ولكنها تُستعاد اليوم للبلطجة والسطو على الشعوب الثائرة ومنعها من الانعتاق..

إذن، الفكرة من ذراعي ماكنة العنف الممثلة بدكتاتورية الدولة وعنف استبدادها وميليشيات القوى المافيوية وإرهابها، تكمن في أداء واجب التحكم بالشعوب وتعطيل قدرات الفعل وعزل حركاتها التحررية التنويرية، السلمية بطابع نضالها وهوية اشتغالها.

لهذا السبب نجد آليات اشتغال الدولة توغل في تعطيل مؤسستي التعليم والثقافة وتشويه برامج ما يتبقى منها. وفي ظلال العنف تتوايد نسب الأمية والتسرب من المدارس فوق ما هي عليه من تخريب ممنهج عبر مشاغلة الطلبة بدروس أدخل بما يُسمى زورا وبهتانا مدارس دينية وما هي إلا مباني لغسيل الأدمغة باسم المقدس المدّعى وهو بجوهره ليس سوى نتانة ما أفرزته أزمنة الجهل والتخلف وقوانين الغاب ووحشيتها..

وكلما امتد زمن الصراع المسلح، دفع بالعقل العلمي لهجرة قسرية إلى حيث الاستفادة من قسم منه في معامل البحوث ببلدان التقدم التكنولوجي وتعطيل القسم الأعظم هناك بغطاء الرعاية (الإنسانية) التي توقع بين تلك النخب المتنورة وبين الشعوب المضيفة بخلفية ما يبدو أنهم يحيون على حساب دافعي الضرائب وطبعا هنا يجري تجيير القضية لمصلحة اليمين العنصري والليبرالية الجديدة المحافظة… والأبرز مما يُحدثُهُ الصراع المسلح وعنفه هو شل الحياة العامة وتعطيل كل ما يفعّل طاقات العمل وسط شعوب المنطقة..

إنَّ السلبية والاحباط والانكسار واليأس هي سمات الوضع العام في ظل المعركة بين أعداء الشعوب من النظم الاستبدادية وميليشيات الخراب الزاعمة تمثيل الثورة.. يجري ذلك على خلفية تشويه ثورة الشعب وسرقتها ونهب عناصرها وأسرها بقبضة زعماء الحروب الطائفية بالتحالف مع زعماء مافيات الفساد، يجري إيقاع مزيد الخسائر والضحايا في الوسط الشعبي..

لاحظوا أن القتل والتصفيات الجسدية هي وجه من أوجه الجريمة المرتكبة من طرفي النظام والميليشيات كليهما ولكن بيع أعضاء الجسد والاتجار بالبشر ومنه الاستعباد الجنسي (للجميع: النساء والأطفال وما يسمونهم الولدان من الذكور) مهيأ له بجرائم الاختطاف والاغتصاب التي باتت ظاهرة متفاقمة مقننة بافتتاح أسواق النخاسة المجترة من مجاهل الزمن الأغبر في التاريخ البشري ومن آليات نظم الاستغلال.

خلاصة القول: إن الشعوب انطلقت بالأمس القريب في (رد فعل) على وصول همجية النظم ووحشيتها حدا لا يطاق ولكونه رد فعل، أخفق في إنجاز مهمة الفعل الثوري، فعل التغيير والانتقال من أنظمة الدكتاتورية إلى أنظمة الديموقراطية.. فالديموقراطية تتطلب وعيا عميقا وتمسكا بسلمية الأداء ومن ثمّ وضوحا في الرؤية يدفع أوسع جمهور للفعل عبر الانتساب إلى قوى التنوير الساعية لبناء الدولة المدنية الديموقراطية والالتفاف حول برامجها؛ بينما الذي جرى هو وقوع جمهور واسع بالتعمية والتجهيل ومن ثم المخادعة والأسر خلف خطاب التضليل الماضوي الذي يجتر من غابر الزمن وحشية الآليات والقوانين..لاحظوا نتيجة الانتخاب في التجربة العراقية التي أتت بقوى الطائفية التي شاغلت الناس بتشكيل ميليشيات وخنادق حروبها على حساب تشكيل أو بناء مؤسسات دولة مدنية وتحديات مسيرة التنمية والبناء

فإنْ لم نحسم أمرنا (نحن أبناء هي الشعوب المصادرة) ونقف بوجه العنف ونتمسك بالسلمية وبروح الإخاء الإنساني بهوياته الوطنية التي نجابه بها تخندقات الاحتراب الطائفي فإننا سنخدم مجددا قوى الإرهاب سواء كان إرهاب الدولة المنظم أم إرهاب الميليشيات المنفلت من عقاله…

إن انكسار الثورة السورية وهزائمها في اليمن وليبيا وغيرهما وإخفاق ربيعها إنما جاء كما برهنت الأحداث الكارثية بسبب العسكرة والتجييش والمحاصرة بميادين الحروب ، حيث سطا على ميادين العمل فعطلها وشل عجلة الاقتصاد ومن ثم شلّ كل آلية لوجودنا في دولة مدنية ديموقراطية معاصرة تنتمي لعصرنا وإذا كان الخراب في الإنسان شاملا فإنه سيكون بكل شيء في وجود شعوبنا ومن ذلك إنهاء وجود دولنا ليس بشرذمتها وتشظي شعوبها وتمزقها بين كانتونات طائفية ومحميات من الغيتوات الخاضعة لسلطة الميليشيات وأغطيتها السياسية تلك الزاعمة تمثيل فئة دينية أو طائفة أو بعض طائفة وجناح منها، ذلكم هو المشهد الآتي إن لم نعِ ما يجري حولنا..

الثمن باهض ذلك الذي تدفعه الشعوب التي تمردت على أنظمتها التي خدمت بشكل مباشر و\أو غير مباشر قوى إقليمية ودولية ذات مطامع فينا، لكنه يمكن أن يكون قربان الحرية إذا وعت الشعوب الحقيقة وانسحبت من عضوية ما يسمى أحزاب الإسلام السياسي الطائفية واتجهت لتبني مشروع انعتاقها وبناء دولتها المدنية..

النموذج السوري، قارئتي وقارئي الكريمين الفاضلين نموذج للمجريات.

انكسرت الثورة وسرق ربيعها وأُشيع الاحباط واليأس

ولكن

يمكننا إنقاذ وجودنا بتوحيد طاقاتنا وبالتمسك بالفعل ومغادرة ردود الفعل.. وهذا لن يأتي إلا بالوعي وإدراك الحقائق وبالتمسك بمشروع بديل نوعي لكل أزمنة الاستغلال والاستعباد..

فهلا راجعنا ما حدث ويحدث لنا واتخذنا القرار الأنجع!؟

إن مباشرة البحث عن الحل البديل والسعي لتلبية شروطه تتضمن ردها الحاسم على مشروع الحل العسكري الذي كرّس ويكرس نزعات ومستهدفات طرفي الصراع المسلح سواء كانت الميليشيات أم النظام فكلاهما ليسا من يمثل تطلعات الشعب. إذ تطلعات الشعب ومعنى الربيع يتجسد فقط بدولة مدنية تضمن الحقوق والحريات وتكفل السلم الأهلي والتنمية وبرامجها بخلاف انتصار أحد طرفي التسلح فهو يعني استمرار السبب الجوهري لكل تلك المعارك وحروبها الدموية..

وبودي هنا استكمالا للمعالجة أن أؤكد مرة أخرى على دور رئيس للعامل الدولي عندما نستطيع استقطاب تضامن أممي يفرض على اللاعبين الكبار أن يضعوا للحرب أوزارها ويفرضوا منطق الهدنة فترتيبات نزع فتيل الاشتعال المسلح والدخول بحوار تسليم السلطة لمؤسسات دولة تكفل للشعب النهوض بتقرير مصيره واختيار ما يريد بمسيرة البناء والتنمية..

إن على روسيا إدراك أن الدولة المدنية العلمانية ومحاربة الإرهاب لا يمر عبر دعم النظام وعلى أمريكا والدول الحليفة أن تدرك أن الحل المنتظر لا يمر عبر دعم الميليشيات الإرهابية حتى منها تلك التي تتوهم اعتدالها وعليه فإن مصالح الدولتين العظميين، عندما تريدان السلام ومنطق القواسم والمشتركات التي تؤمِّن التنمية والتقدم، لن تكون إلا بنزع دعمهما لطرفي الصراع المسلح: السلطة القمعية والميليشيات.. وأن يكون الدعم منصبا في تمكين الشعب وقوى الديموقراطية العلمانية  لبناء دولة السلام والتقدم والديموقراطية

بخلافه فإن شرذمة الوضع سيرتد باتجاه تهديد السلم والأمن الدوليين وليس المنطقة ودولها لوحدها.. وتلكم بعض محاور في قراءة المشهد سوريا وشرق أوسطيا

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *