ناحية آلوس بين رحلتين تنويريتين.. رسالة للتمدين واختيار طريق التنمية

أكتب هذه الرسالة انطلاقا من معرفتي بالمنطقة، ومن مطلب نشر ثقافة وطنية مدنية متنورة عُرِفت بها المنطقة بدل أن تقع فريسة التدين المؤوّل وفراغه أو العشائرية وضيق أفقها.. ثقتي بأن المنطقة تمتلك جذورا حضارية عميقة مهملة محيّدة وتراثا معاصرا من منطق العقل العلمي وتنويره يحاول بعضهم بناء سدود بينه وبين الحاضر.. ومن هنا فإننا يمكن أن نستعيد اتصال بقيم التمدن العريقة والتنوير والتفتح ونكنس ظلاميات وتقاليد هي من قشمريات التأويلات وتسطيح التدين وفرضه للمشاغلة.. وعسى رسالتي تصل بتثوير قدرات العمل والبناء؛ قدرات التنمية والتقدم الاجتماعي وتصنع فرص التصدي للخراب والتخلف وتعالج ما وقع من ضيم وظلم وما تراكم.. تلكم رسالتي عسى أجد الإجابة والتفاعل بالعمل هناك مثلا بإطلاق مشروعات بناء مدارس ومستشفى ومستوصفات وحقولا وموائل سياحة بتنوعاتها بديلا عن مشاغلة افتراضية متوهمة

كتب التاريخ العتيق ومنه ما ورد في الأسطورة أن آلوس هو شخصية استثنائية حكم في تلك المنطقة ليجمع بين السبع المختصمين ويوحدهم لفعل التنمية والتقدم ومن ثمّ لبناء حضارة تقوم على (تمدين) أسس له قبل آلاف السنوات بوصفه جزءاً من البنى السومرية التي تعاملت معها الإنسانية على أنها مهد التراث الإنساني..

وفي مرحلة ولادة الدولة العراقية الحديثة تابعت (آلوس) الناحية وأهلها سجل المنطقة مذ كانت تكويناً إداريا معروفاً قارع ظلاميات (العصمللي) وخزعبلاته ورفضت تفريغ الفكر وتسطيحه، فقدمت منجزاً تنويرياً جديداً معاصراً، عبر منجز العلماء والأداء الذي مارسوه بعيداً عن التحجر وعن إلحاق المدني الحياتي بالديني (الطقسي) المؤوَّل الذي لا يأتي منه سوى تمرير فكر ظلامي أو آخر..

وهكذا بقي التنوير قائماً على الفصل بين الديني والمدني الحياتي حيث القيم السامية النبيلة وحيث منطق العقل العلمي وأنواره. بمعنى أن حديث رجل الدين وخطابه غير حديث رجل الدولة وخطابه وهما يستقلان عن بعضهما بعضا بما يتيح لكل منهما أن يمارس وجوده بسلامة وصحيح الأداء. فالديني يبقى بحدود منطقه وآليات اشتغاله والمدني يكون بانفتاحات تفاصيل اليوم العادي للإنسان.

وإلا فإنَّ حاجات الناس من إنشاء السدود والجسور وفتح الطرقات وتطوير الاتصالات بل تنمية البنى الاقتصادية المحلية من زراعة وصناعة وسياحة وتجارة وإدارة مؤسسات حكومية وخاصة، لا علاقة مباشرة لها مع الخطاب الديني ومن ثمّ من (قشمريات) المنطقالأمر الذي يحاول أن يخادع الناس ويضحك على الذقون.. وأن يتحكم معمم مجلبب بقضايا هندسية أو طبية أو أي تخصص بنيوي لتفاصيل الخطى الحياتية أمر مفضوح فلا يخيفنّ أحدٌ التصدي لأولئك الذيين ما فتئوا يشاغلون الناس بترديد لفظي لذكر الله بينما ذكره المقدس لا يأتي إلا بمعالجة جرح  أو تلبية حاجة إنسان فقير أو غفير..

من هنا ثقتي وطيدة، ألخصها بنداء إلى أبناء تلك (الناحية) ليستعيدوا منطق التنوير والروح المدني في بناء ناحيتهم بوصفها إدارة مدنية تُعنى بتلبية تطلعات أبناء المنطقة وافتتاح مشروعات التنمية بحرص على تقديم خطط التنمية بجاهزية معرفية علمية متخصصة من عقول أبنائها وبمساعدة الإدارة المدنية لبنى الحكومة والدولة.

ولن يُفلح هذا يوم يقرّ أبناء آلوس، امرئاً على خطابه الذي يفتتح به مدرسة (مدنية) الوجود أو حقلاً زراعيا أو مشروعاً صناعيا أو سياحيا بالبسملة والحوقلة وإسقاط الطقسيات (الدينية) المزعومة لينتهي الأمر بحدود ذلك الأداء اللفظي الفارغ!   ذلك أن آلوس التاريخية والمعاصرة ما كانت ولم يذكرها تاريخ إلا برؤى التنوير والتمدين

المطلوب أن نفتتح تلك المشروعات البنيوية التي تخدم الناس، بخطوات إجرائية تكشف سلامة البناء وتقديم الخدمات المناسبة التي تزيح الصعوبات من أمام أبناء المنطقة سواء معاناة بعد المسافات وسوء الطرقات بين قرى وقصبات الناحية والبعد بين المدارس ومراكز الخدمة الصحية وعدم توافر مستشفى أو مدرسة عليا بمستوى التدريس المتقدم ومعاهد تخريج تتناسب وطابع الناحية الزراعي وما يفرضه من إمكانات لصناعات بعينها سواء بما يخص المنتج الزراعي أم بما يخص سياحة جغرافية جمالية أو دينية على سبيل المثال لا لاالحصر..

لا يشاغلنكم رجلا بذكر طقسيات دينية هي مجرد شكليات في الدين؛ فحتى الدين ينبغي أن يكون العمل وليس الانشغال والانقطاع إلى التعبد فـ”عامل يعمل خير من ألف عابد” و”قل اعملوا فسيرى الله… أيكم أحسن عملا” و “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ولا جبرية في وجود الناس بل حرية تفرض واجب العمل؛ إذ ” اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا….” وكل هذه الأحاديث والأيات هي ما يجب استحضاره وليس الاكتفاء بلفظيات مفرغة من معانيها تشاغل ولا تعزز ولا تشجع على جهد بنيوي مثلما ترون مما يشيع اليوم في البلاد حيث أحزاب الإسلام السياسي بجناحيها ليست سوى قشمرة وضحك على الذقون.

إن التعبير عن الفرحة والمسرة باستعادة التسمية الإدارية لآلوس بوصفها (ناحية) لا يجب أن يبقى حبيس الشكر اللفظي لله ومشاغلة أحد بالبسملة والحوقلة، بل يوجب الفرض  والفهم الصحيح دينا أن يستقل الأمر عن الخطاب الديني بالتركيز على خطابات مدنية منتظرة التفعيل عاجلا..

بمعنى أن يتم الحديث عما يريده أبناء المنطقة من (إدارة الناحية) ومن يضعونه على رأسها: أرجل البسملة والحوقلة أم المتخصص؟ وهل يضعون متخصصا يمرر الأمور بالبسملة والحوقلة والطقسيات الدينية وادعاء التدين والأخلاق أم متخصصا يبدأ الحوار بشأن خطط عملية للبناء والتنمية؟

أيها السادة لا تكونوا كما شاع ببعض نواحي الوطن من قشمريات (تدين مزعوم) واشرعوا بجهود البناء والتنمية وخطط استراتيجية وأخرى متوسطة ومباشرة بحسب الأولويات والحاجات وضرورتها للناس في تلك الناحية..

كونوا عقلا متنوراً للبناء والتقدم وإلا فإنكم حتى لو شاغلتم كل أهل الناحية بصلوات وانقطاع إليها لفظيا في تعبد وإقامة للشعائر  فإن ذلكم لن يبني لكم مشروعا أو يلبي لكم حاجة وما أنزل الله بمثل هذا الهراء من سلطان ولن يكون هو الدين الحق كما أكد ذلك علماء تلك المدينة التي عُرِفت بمنجزهم.. لا تعتدوا على الدين بخلطه أو فرضه على المدني الحياتي ولا تلغوا حيوات الناس ومطالب عيشهم بصرفهم عن مسيرة البناء والعمل…

رسالتي إليكم، أبناء آلوس

أن كونوا أصحاب عقل بناء وتقدم وغلِّبوا الروح المدني الوطني وإلا فإنكم ستأسروا أنفسكم لدين زائف.. لن يزيح دمعة ثكلى أو ألم فقير ولن يعالج جرح مريض أو يبني بيت فلاح أو يستنبت مزوعته مثلما لن يكون دينا بحق..

بالعمل فقط وبالتعاون وليس بـ(العشائريات والفصليات) وقشمرياتهما.. منذ كانت آلوس القديمة والمعاصرة لم يكن فيها ذاك (النزوع العشائري الضيق) أو (الديني المفرَّغ) من طابعه وحدوده السليمة الصحيحة المؤوَّل بمستهدفات ومآرب ظلامية..

رسالتي إليكم وربما تنبيهي وتحذيري،

إنْ لم تستطيعوا استثمار عودة سمة (الناحية) في الإدارة الحكومية للمنطقة وتبنوا وتشيدوا في ظرف عام أو عامين فإنكم ((تؤسسون لمزيد آلام ومواجع)) فلا تكونوا كذلك..

فلا اطلاق اللحى وحلاقة الشوارب ولا ارتداء الجلابيب ولبس طاقيات التخفي سيبني لكم.. ولكن عملكم هو ما يبني ويثمر إنتاجاً؛ فالتقوا واجتمعوا وتدارسوا واحتكموا للتخصص المعرفي العلمي وللعقل، عندها ستنبني آلوس و (تخدمووون) أنفسَكم..

دمتم بعز وخير وبعقل حكيم (متنور) و بـ (سياسة مدنية) تدير أمركم موفقا ناجحا.. ولتكونوا أسوة حسنة لغيركم، فنجاحكم إضافة لأنفسكم وهو لغيركم تقديم النموذج التنموي المشرف الذي يليق بالعراقيين جميعا بلا أنساب ولا أحساب… ولكم بأنسنة الوجود وتمكين الوطني على حساب كل التشظيات المرضية الأخرى أسوة تنثرون رياحينها في وطن لا تكون بغيره لا مدينة ولا قرية..

فهل وصلت الرسالة؟ هل ستعاود رحلتا آلوس التنويريتان شموخ قامة التمدين ومسيرة البناء ووعي ما يدور حولكم؟؟

إذن، إنْ وصلت وهي كذلك بثقة، فبالسؤدد دوما

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *