مصر وأوضاعها الراهنة ومستقبلها؟

هذه المعالجة هي تشخيص يتناقض وتشخيص آخر قدمه بمعالجته أحد الكتاب وشخصيا إذ أعرض لموقفي لا أرى في اختلافي معه ما يفسد للود قضية بل إنني مازلت وأبقى على يقين من أن هذه الشخصية الوطنية والأممية هي مدرسة تتمسك بالقضايا التحررية للشعوب.. وهاكم رؤيتي مقابل ما طُرح والحكم والفيصل واقعنا ومسيرته وتداخلاتكم وهو ليس سوى حوار يستهدف مصلحة شعب مصر الأدرى بخياراته التي تمضي اليوم بطريق ثابت استراتيجيا نحو آفاق التقدم

بودي القول إن هذه الكلمات أكتبها تفاعلا مع نص كتبه صديق عزيز أجلّه وأحترمه وهو كاتب يمثل مدرسة تعلمنا ونتعلم فيها ونسترشد بنهجها.. إلا أنني وجدت أن النص والمعالجة قد ذهبت بعيدا وخارج إطار ما استهدفته بالصل من الدفاع عن مصر وحقوق شعبها وهي تطلعات نبيلة أثق بتمسك كاتبنا الكبير بها.. ومع أنني أختلف مع صديقي إلا أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بخاصة مع ثقتي في تبنيه قضايا الشعوب.. وربما وقع تحليلي بخطأ إلا أنني أرى بثقة أن ما يجري بمصر يتطلب دعما للدولة وتقدما بها نحو آفاق إيجابية جديدة وليس مهاجمتها على أنها دولة دكتاتورية بوليسية كما يجري تصويرها في خطأ فادح في التشخيص… عليه أرجو تفضلكم بقراءة معالجتي كونها تحاول تصويب قراءة الوضع بمصر على أن ما يجري سببه التركة الثقيلة والتدخلات والضغوط الخارجية والداخلية فيما النهج الجاري يتقدم بمصر بخطى ولو وئيدة إلا أنها استراتيجيا ستشرق بانتصار وظفر للمصريين على أعدائهم…

منذ ثورة 30 يونيو حزيران التي انتفض بها شعب مصر على سلطة الإسلام السياسي وعلى محاولته أخونة الدولة وتجييرها لحركة تمثل قاعدة مهمة للإرهاب الفكري ولعنفه الهمجي ودمويته، تقدمت الأوضاع بكثير من الأمور لكنها لم تكن دائما بلا عقبات ومثالب وهفوات.. ولهذا السبب خاض الشعب نضالا دؤوبا متصلا لكنس بقايا الخلايا النائمة التي وضعتها القوى الأخوانية وجهات إرهابية أخرى موضع التفعيل؛ كما عمل الشعبُ على التفاعل المناسب مع مهام التغيير البنيوي الهيكلي سواء في خطى الاقتصاد أم خطى البناء المؤسسي السياسي.. ونجح في تحقيق انتخابات الرئاسة والبرلمان وتشكيل الحكومات المتعاقبة وتعديلاتها بأسس دستورية مع فاعلية مستقلة إيجابية للقضاء…

لهذا من تسطيح الأمور أن نضخِّم المثالب والعقبات التي نراها بالقول إنّ: “شعب مصر يعيش اليوم في جحيم لا يطاق أيضاً” وتصوير أن مصر انتقلت من  ” نظام دكتاتوري آخر، هو نظام الإخوان المسلمين الأكثر جوراً وإمعاناً بقهر الشعب…” إلى نظام ” حكم أكثر استبداداً وجوراً، وأكثر فساداً وأقل خبزاً للناس، وأشد ممارسة للتمييز بين أبناء وبنات الشعب المصري بسبب الغنى والجاه وضد الفقير والكادح، ولاسيما الدين”  فلقد مارس الشعب المصري خطوات التغيير وإعادة الهيكلة المؤسسية بطريقة انتخابية خضعت لأفضل شروط العمل السياسي التي تتيحها ظروف مصر وسط محيط ملتهب.. أما الكيل بتوصيفات بلا قراءة للواقع فهي قضية خطيرة تدخل بمنطقة التشويه واتخاذ العداء من نهج نظام جاء بانتفاضة بل بثورة شعبية جماهيرية لم تشهدها لا المنطقة ولا العالم في العصر الحديث عندما خرج عشرات الملايين لطرد الأخوانجية وعندما جاءت الانتخابات وتطبيق برنامج التغيير السياسي؛ أما اقتصاديا فنحن نرى كيف تتحسن الأوضاع التي كان الأخوانجية شرعوا بتصفية البنى والركائز الأساس والاحتياطي الاستراتيجي بينما عاد البنك المركزي ليعيد الحيوية للجنيه ومكانته ويكبح جماح التضخم والانهيار بسعره ويعاود الانتعاش على الرغم من الضغوط الاقتصادية من أطراف إقليمية وغير إقليمية وهنا أحيل المتمعن إلى الأرقام والإحصاءات الدقيقة وكيف باتت الأمور تعالج أمورا كالبطالة والفقر والعشوائيات وطبعا لا يمكن لعصا سحرية في ظل حرب الإرهاب والضغوط السياسية والاقتصادية أن تزيل مشكلات بل معضلات عقود بين يوم وليلة…

أما معزوفة “الحياة الديمقراطية والتمتع بحقوق الإنسان” التي يطلقونها كلما توجه بلد شرق أوسطي لمعالجة الخلل الهيكلي في بناه فهي ليست سوى خزعبلات تعتمد على تضخيم مبالغ به لبعض الحوادث الفردية والثغرات التي لا ينكرها عاقل بقصد استخدام المفاقمة ممرا لإدخال عناصر طردها الشعب من سلطة حاولت قوى الإسلام السياسي تملكها والاستفراد بها.. ولا يمكن للشعب بعد أن كنس تلك الأوبئة أن يعيدها لينشر أمراضها بين أبنائه.. ولطالما تحدثت الأخبار المفبركة عن إسلاموي معتقل لأنشطته المريبة وصرخت بحتمية إطلاق سراحه لأنه صحفي او كيت أو كذا! ولكن حتى ذوي الحصانة عندما يرتكبون جرما تنزع منهم الحصانة لمسهم بأمن الناس فما بالنا والشعب المصري يتعرض لجرائم إرهابية بوتيرة غير مسبوقة في ظروف إلقيمية مفتوحة على كل الاحتمالات…!؟

ومن يتحدث بطريقة غير موضوعية وغير منصفة عن اضطهاد للأقباط من السلطة السياسية لثورة 30 يونيو ليس سوى من يريد التصيد في المياه العكرة والإيقاع بين هذه المجموعة من شعب مصر وبين السلطة التي باتت تسن التشريعات الإييجابية الأكثر نضجا وسلامة في إنصاف بناء الكنائس وحمايتها ورعاية الطقوس الدينية ومنع الاعتداء والتصدي لها بمختلف أقسم مصر سواء في الصعيد أم سيناء… وليس أدل على ذلك من خطاب بابا الكنيسة القبطية وأركانها وساسة الأقباط المتنورين المدركين للحقائق..

  وبالعود لمعزوفات الأزمات الاقتصادية مثل القول بأن “البطالة متفاقمة وارتفاع معدلات الأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية” إنما لا يشير إلى الأطراف الضاغطة التي تفتعل الأزمات بوجه الخطط الاستراتيجية البنيوية التي اعتمدها النظام السياسي والحكومة من شق قناة موازية للسويس ما أتاح قدرات مضافة جديدة وواردات حيوية كبيرة ومن التوجه لبناء العاصمة الجديدة وحل مشكلات الإسكان والازدحام والعشوائيات وليقدم بدل التشويه في توصيف الوضع بدائل لتلك الحلول الاستراتيجية الكبرى التي لم تحصل في تاريخ البلاد وليس لها مثيل إلا في الاقتصاديات الثورية المعروفة بالنمور وشبيهاتها..

 يقول أحد الكتاب المعروفين وهو قامة كبيرة في الخطاب الاقتصاسياسي  “بسبب الإرهاب الداخل تواجه السياحة المصرية تراجعاً كبيراً قاد إلى خسائر مالية كبيرة وبطالة إضافية للكثير من العاملين في قطاع السياحة والفندقة” ولكنه حتى وهو يشير إلى ما تتعمده قوى الإرهاب من جريمة لم يقل إن تراجع السياحة يأتي من استهداف قوى الإرهاب المحلي والإقليمي والدولي للاقتصاد المصري أي استهداف المواطن في مصدر رزقه بمختلف مدن مصر وميادينها.. وهو كأنه يتقصد عدم تشخيص جهة إيذاء الشعب ليواصل تحميل النظام السياسي مسؤولية ما يجري بما يصب من حيث علم أو من حيث نسي في خدمة أعداء شعب مصر ممن يريد العودة للتحكم به عبر ضرب الدولة ومؤسساتها وشرذمة الوضع!!!

أما القول بأن :”الكثير من نشطاء الثورة الشباب هم ما زالوا في سجون السيسي لأنهم تجرأوا على انتقاد السيسي وتظاهروا مطالبين بالحرية والحقوق الديمقراطية وبالخبز والكرامة…” وتصوير حالات اعتقال محدودة لأسباب منها معروضة على القضاء المصري المستقل والمعروف بمواقفه الرصينة الحكيمة العادلة ومنها لأخطاء وثغرات البنى المؤسسية التي لا يملك أي طرف عصا سحرية لتغيير ثقافتها فوريا، أما هذا فلا يقع إلا في سياسة التعمية وهي سياسة مضللة بعيدة عن الواقع الذي تتحدث عن قوى ديموقراطية ناشطة في الساحة المصرية..

أقول للكاتب الذي أجلّه وأحترم معالجاته نعم إنّ “قوى الإرهاب تمعن في قتل الناس في مناطق مختلفة من مصر … وتقتل العشرات من البشر” ولكنني لا أتفق  مع تشخيصك الذي يقول إنّ:”النظام العسكري [كما يسميه] عاجز عن الدفاع عن الإنسان المصري”.. إذ لولا وجود الجيش المصري والقوات المؤسسية الشرطية الأمنية لكانت مصر اليوم في خبر كان ولقد كفّ وجود هاتين المؤسستين الوطنيتين الانهيار الذي رسمه لمصر أعداؤها يوم تسلموا السلطة لسنة وباشروا مهامهم التخريبية التدميرية ونماذج دول المنطقة معروفة يوم جرى الإطاحة بمؤسسات الدولة الضامنة للأمن العام…

وأقول له ويقول له المصريون ونظام دولتهم الذي اختاروه: نعم إنّ “مسيحيي مصر يواجهون القتل وحرق الكنائس والتهجير القسري من قراهم وبلداتهم لأنهم مسيحيون” ولكن من يفعل هذا كان استطاع الاستعداد والتدرب لحظة تسلم السلطة كما إن مصادر دعم لوجستية من دول المنطقة وإرهابييها قوية ومفتوحة على الغارب بدعم إقليمي ودولي ومافيات مستشرية، لكن النظام المنتخب والذي اختاره الشعب بثورته وبممارسته الديموقراطية ضمن المتاح ليس عاجزاً بل يجابه الأعداء وخلاياهم النائمة والناشطة بظروف منها وجود أصوات تساهم بدعم العنف بتعرضها للنظام وبمهاجمتها للجيش الوطني المصري وللمؤسسة الأمنية بدل المساهمة بمعاضدتها في معركة هي الأضخم بطرازها وحجمها وبالكيف الذي تحدث به اليوم…

أنا أسأل صديقي الكاتب وحنكته وحكمته، لماذا سؤالك الذي جاء بهذا النص:”ولكن من هم وراء هذه الفتنة العمياء، التي لم تقتصر على العراق وسوريا، بل هي ممتدة إلى مصر وبقية دول الشرق الأوسط؟” ألا تعرف الإجابة يقيناً أنك أول من يدركها ولكنني أتساءل كيف تترك السؤال بهذه الصيغة التي توحي بإشارات عدائية تجاه ما اختار الشعب من طريق للخلاص وبدل دعم خطى التقدم الوئيدة نتيجة ما يعترضها من تعقيدات تقف بوجهها بدراية أو نتيجة استعجال في صياغة نصك ومعالجتك…

أيها التذكير بـ “مصائر الحكام الدكتاتوريين الجائرين في دول العالم” هو محاولة تضليلية وتشويه خطير يستغل وعي بعض الناس ويدفع بهم لهياج سياسي غير مبرر يعزف على وتر “اضطهاد الشعب المصري وتجويعه وحرمانه من الحرية” مثلما يعاود تكرار تضخيم  بل تشويه حقيقة “اعتقال الصحفيين والتحريض ضد حرية الصحافة” غذ الحقيقة تكمن في استغلال القوى السياسية من أتباع الأخونة لمزيد الضغط على النظام الذي اختاره شعب مصر كي ينجو مما أصاب دول المنطقة وشعوبها..

أما موضوع  “المزايدة في الدين الإسلامي مع المتطرفين” فهي نكتة غير مقبولة فأين المزايدة والرئيس يحاول توظيف وجوده في سدة المسؤولية لإيجاد حلول لقضايا يعاني منها الشعب في ظل التبريرات التي يسوقها طرف أو آخر من اطراف الإسلام السياسي المتشددة المتطرفة .. عن اي مزايدة والمهمة المكلف بها نظام دولة مدنية تكمن في تشذيب ما دخل من تشويهات وقراءات مضللة على الدين نفسه؟ ألا يجب علينا أن نقف مع فكرة تشذيب مناهج التعليم والقوانين من تلك المخلفات المرضية؟ أم نستغلها بتلك الطريقة التي تثير العقبات بوجه الدولة ومن ثم بوجه الشعب بمعنى معاداته!!!؟

 أيها الصديق العزيز، أنت تكتب عن واجب “حماية المسيحيين الأقباط بمصر، وهم من أصل أهل البلاد، وأقدم ديناً من أولئك المسلمين العرب الذين حطوا بمصر بعد فتحها الاستعماري، وما زالوا يضطهدون المسيحيين” هلا راجعت هذه الفقرة ومافيها من تناقضات خطيرة؟ إن الأقباط يتعايشون مع كل المصريين سواء بسواء ويتقاسمون اللقمة ويتعاضدون في مكافحة الإرهاب الذي يريد اللعب على وتر تمزيق الشعب وشق الصفوف.. فهل صديقي الكاتب الكبير مع التقسيم الطائفي ومع فكرة اتهام جماعات بأكملها بخطاب لا يعبر إلا عن مواقف تمييز عنصرية طائفية!؟

نعم نحن جميعا نخشى على شعب مصر يا صديقي من الانهيارات ومن استغلال ذلك من قوى مريضة معادية ولكن الأمور تجري بالتنبيه عبر بدائل نضعها لا عبر اتهامات وتسقيط لنظام منبثق من الشعب وثورته واختياره..

وأذكّر بأن موضوع الجزيرتين معروض على القضاء والبرلمان ولم يتم القطع ببيعها كما يحلو تسميتها للتغطية على محاولة الأخوان بيع أكثر من ربع سيناء لجهة معادية! وكقضية يتاجر بها بعض من لا يدري ببواطن الأمور أو يتعمد التغافل عنها.

 وبالمرة ل أجد تفسيرا لذكر أمثلة السعودية وصدام ولا حتى جمعهما ببوتقة واحدة لتكييف الأمور لخطاب لا أقرأ فيه إلا مهاجمة مصر الدولة واختلاق عقبات بوجه خيارات الشعب ومسيرة تقدمه.

وحين تقول:”على  حاكم مصر، الذي يسيء بسياسته ومواقفه المتطرفة للقوات المسلحة العراقية[تقصد المصرية]” أرجو أن توضح كيف يسيء للجيش المصري وهذا الجيش معروف ببنيته السليمة وبطنيته ومشهود له فضلا عن أن بنية الجيش داخلة في هيكل الاقتصاد المصري وفي البنية المجتمعية العميقة للشعب برجاء مرة أخرى أشخص استعجالا يتقصد إطلاق توصيفات متوهمة بقصد مهاجمة تبدو معادية بوضوح للنهج السياسي وللشعب المصري على الرغم من بضع كلمات تتحدث باسم المصريين!

بلى مازال الشعب يواصل طريق حريته واستكمال بناء دولته وتطويرها مؤسسيا وسينجح في مسعاه/”رغم النشاط الدؤوب لشيوخ دين سيئين دأبوا على [محاولة] تجهيل الشعب ومنع التنوير الديني والاجتماعي عنه ومحاربة كل القوى الخيرة والمناضلة في سبيل مصر حرة وديمقراطية ودولة مدنية ديمقراطية عصرية” بلى النصر للشعب المصري بفضل تلاحمه مع جيشه وتلمسه خطى التحديث والتقدم ببنى وهياكل دولته ومؤسساتها خطوة فخطوة والسير بها وسط طريق مزروعة بالألغام ما يجعل الخطى وئيدة..

وإنني لأرجو ألا تكون معايير اشتغالنا وتحليلاتنا سمترية جامدة تجلب ما مفصل بمقاس ومعيار أوروبي لنطبقه كرها على دول مناطق وشعوب أخرى من دون النظر للقوانين التي تشترط وتتحكم بالخطى…

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *