التجديد بين سلامة توظيفه نهجاً موضوعيا وبين خطورة استغلاله بقصد التخريب

هذا تفاعل جرى مع صديق أبدى ملاحظاته بشأن ما يجري في البلاد من جهة والمعالجات المطروحة … وبالمجمل  يركز التفاعل على نقاط بعينها تخص محورين متناقضين يعنى الأول بسلامة مصطلحات بعينها فيما يُعنى الآخر بسوء استخدام تلك المصطلحات وتوظيفها بالنقيض ولكن كيف نحدد الموقف بين الاتجاهين المتناقضين بين الإيجاب والسلب؟ ذلكم ما تحاول المعالجة أن تضع مقترحها بالخصوص في نموذج التجديد بين دفعه وجودنا نحو أفق التقدم وبين فرص حرفه وتجييره لمآرب تخريب وقطع صلة بالتراث ومعاني تجاريبه إيجاباً…
بالمناسبة هذا التداخل ورد في وقت سابق بعيد ولكنه يعاود ليثار مجددا ولهذا أدفع بالمادة للنشر في ضوء جانب من تلك الإثارة الحديثة للقضية
شكرا لتفاعلاتكم

صديقي العزيز السيد عماد التميمي المحترم
شكرا لإحالتك المعالجة أصلا لحوار وقد اطلعت على جلها وهي بالاتجاه العام إيجابية إلا أنني أحذر بعامة من بعض توجهات قد تضير في المعاني السليمة ولهذا اضع ملاحظاتي المقترحة هنا وطبعا ملاحظاتي هذه ليست مخصوصة محددة أو موجهة تجاه المعالجة التي تفضلت بتحويلها لحوار .. وما أبديه يتمثل في الحذر من
الوقوع بمطب الانجراف نحو ((تجديد)) بلا أرضية وكأن كل الجهود السابقة للإنسان ولحركاته التنويرية التقدمية هي مجرد تجاريب لما يسميهم بعضهم ((الحرس القديم)) بما يوصف من جمود وتحجر ودوغمائية لا تطور ولا نمو فيها!
طبعاً هذا ليس سليماً قطعاً ومن ثمّ فالحديث عن التجديد هنا لا يساوي إلا انقطاع عن المعرفي والمنجز الإنساني السليم لحصر الإنسانية في حالات بداية من الصفر بشكل متكرر يفتقد لاستثمار الخبرة والدربة وسلامة الاستفادة على وفق منطق العقل العلمي
وأحذر أيضاً عندما يورد تجديد بمعنى انقطاع عن التجاريب
أحذر عندها من التشدد في مفهوم التجديد والتحول به إلى أفق يوقعه بمصيدة اليسارية الطفولية أو الهلامية حيث ضياع  هوية الشخصية (الإنسانية) أمام بشاعات الرأسمالية التي تستغل مثل تلك القطيعة بين التجربة ومتراكم الخبرة وبين انطلاقة جديدة للإنسان الفرد والجماعة
فالرأسمالية وكل توابعها وإفرازاتها باتت تتحول إلى طابع مافيوي مراوغ مضلل أكثر من أية لحظة في تاريخ البشرية وفي تاريخها المخصوص وراحت تعمق الاندفاعات المتطرفة كما في مثال الاندفاع بعيدا في عمق التموضع في الهويات الفرعية كانه يدغدغ مشاعر أكثر من كونه يحلل ويستنتج ويقرر وهو بهذا لا يخدم لا الوجود الوطني والإنساني من جهة ولا الوجود البشري بتفرعات الهويات بالاستناد إلى خذلان خفي للهوية الفرعية عبر دفعها نحو تطرف يوقعها بتعارضات غير مبررة مع حلفائها الاستراتيجيين مثلا
كما أحذر من
عبثية اللجوء إلى بحث عن إيجابيات في الآخر الإسلاموي الظلامي على سبيل المثال! فكل الإيجابيات في التاريخ الذي خضع للإسلام لا يعود لتيار فكري سياسي جسده الإسلامويون بل يعود إلى انتفاضات شعبية جسدت خطاباتها أجنحة أُلحقت بالإسلامويين قسرا وجورا
إن اشتغالات تنويريي تلك المراحل التاريخية كانت ردا على مظالم السلطة الاستبدادية وطابعها الاستغلالي الفج؛ ومن ثمّ فهي تنتمي للحراك المجتمعي الإنساني بمسيرة التقدم بشمول حراكه وليسمن تحدد وانحصار بحدود التعبير عن الإسلاموي دع عنك عدم وجود ذات التيار (الإسلاموي) تاريخيا بقدر ما موجود طابع الدولة ونظامها بتوصيف بعينه في حينه
وبقصد التذكير أتساءل بقد إثارة الانتباه وجذبه نحو الإجابة الموضوعية الأنضج:
لماذا لا نذكر لجذورٍ تناظر الاشتراكية كما في حركة الصعاليك مثلا ولماذا لا ننظر باستقلالية الزنج في ثورتهم؟؟؟ لماذا يريدنا ظلاميو زمننا وبعض المخطئين في المعالجة النظرية: لماذا يريدوننا أن نقرأ الإسلاموية بالإيجاب وهي ليست سوى التمظهر الفاشي لأسوأ ما في المجتمعات عبر مسيرة البشرية؟
أرجو الملاحظة أن هناك في المغرب من يحتج حتى على (التقدم والاشتراكية) وطابع تحالفاته وتقديماته واتفاق بعض اليساريين مع قوى إسلاموية تدعي الاعتدال والانتماء للمعاصرة!!؟
إضافة جديدة: واليوم عراقيا يطرح بعضهم تحالفا مع إسلامويين بذات النهج المرضي الذي يغض الطرف عن الجواهر
أما موضوع تقسيم الحركة الإسلاموية بين معتدل ومتطرف ففي كل الحركات السياسية أو تطبيقات الفكر لتيار بعينه تتوزع مستويات التطبيق بين جلف وخشن والأقل جلافة وخشونة ولكنه بجميع مستوياته ودرجات تمظهره واشتغالاته يظل أرضية مكينة  للأخشن والأسوأ. ألا ينتظر الحكيم الحصيف كيف يتعامل اي جناح من أجنحة الإسلام السياسي مع الآخر  عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع رؤى تيار التنوير والتقدم ومعالجاته؟
لكن ما أدعو إليه هنا بهذا الخصوص والمطلوب للتعامل، ليس أن نقبع خلف شعار لا مساومة أبداً بل  أن ندير المعركة بتجنب خوضها بكل الجبهات في ذات الوقت؛ على أن ذلك لا يعني قطعاً عقد تحالفات كما حصل ويحصل من بعضهم أو إطلاق خطاب تنزيه يؤدي إلى منطق التخفيف من إجرام طرف من أطراف الإسلاموية بوصفها (دوماً) أرضية فاشية بامتياز
إن من الوهم المنهجي تخيل أن حركة مجتمعية سياسية رجعية ستتغير بفضل تحالفنا معها بالتعكز على محاولة جذب جمهور (الفقراء) كما هو وهم من دفع للتحالف مع الصدريين؛ منذ أن تدرج بخطاه في مخادعة مع المتصدين للأمر وقال بدءا أنه لا تحالف معهم بل تنسيق ميداني ثم مجرد لقاءات استطلاع راي وأخيرا أعلن أو أسفر عن تحالف كان ينكر أنه سيصل إليه!! علينا  ليس فقط قوى اليسار بل كل قوى التنوير والتقدم أن نصل جمهورنا بأنفسنا مباشرة وبفكرنا وببرامجنا وليس عبر التحالف أو التنسيق مع قيادات رجعية تأسر ذلك الجمهور وإلا فإننا استراتيجيا سنخسر الشيء الوحيد الذي نملكه ألا وهو السمعنة ونظافة اليد وسلامة النهج واستقلاله
وعليه فإنَّ
 التجديد في اليسار وفي قوى التقدم كافة لا يعني قطعا التنازل عن (((المنهج))) ولا اقول عن النظرية ومفرداتها  المتجددة دوما أما المنهج فقضية أخرى ولا يجوز تبرير التنازلات والسقطات فيها، بالتعكز على اختلاف بين إسلاموي وآخر في درجة الإجرام بحق البشرية
اليسار سيبقى بمنهجه  (الماركسي) تحديدا أو العلمي الجدلي هو صاحب الرؤية الأنجع بتوظيف ذياك المنهج أما التخلي عن المنهج لسواد عيون ما يسمى مرونة وتجديد عبر تغليفه بتبريرات أياً كانت، فقضية مرضية وخطل فكري لا يشتمل على قراءة موضوعية بالإشارة إلى كل البراهين والتجاريب الإنسانية ومنجزها
لا يجوز أن يُفهم من تحليلي الموجز هذا سوى محاذير أضعها بما لا تلغي تنوع القراءات تحديدا الملتزمة الجدلية والتاريخية
فما قراته في المعالجة إياها التي تفضلت بإرسالها، فيه إذكاء غير سليم وكأننا لم نقرأ التاريخ جدليا بكل مفكريناوبشكل أشمل من مفكري اليسار بكل مفكري حركة التنوير والتقدم
من جهة ثانية لابد من الإشارة بخصوص هذا البلد أو ذاك وتجربته فإنَّ
الخسائر التي نجابهها [في العراق مثلا أو ببلد شرق أوسطي] تظل طبيعية بسبب خط التقدم ((اللولبي)) الذي يعني تراجعات ببعض الأماكن وخسائر وربما بسبب ضرورة تحقق الثورة في الدول الأكثر تطورا أقصد بالثورة \ التغيير من الرأسمالية إلى الاشتراكية سلميا وعلى وفق مستجدات العصر لا باجترار أية تجربة أوتوماتيكيا
حيث اعتقادي هنا بأن الطابع المافيوي للامبريالية هو ما سيقضي عليها؛ إذ الاستغلال وصل أفقه الأقصى ما لا تتحمله الشعوب وحتما سيكون الرد بخيارات تنتقل بالنظم نحو مناهج هي الأنجع في مجمل التاريخ البشري وتجاريبه
وهكذا سيكون المسار بظهور حركات شعبية جماهيرية قوية تنتصر كما جرى ولو مؤقتاً مرحليا في اليونان وأسبانيا وغيرهما من بوادر جدية كامثلة للتوجه نحو التغيير الجوهري لا الترقيعي؛ وبالمناسبة فإنَّ التخيل أنها حالات تغيير لا تنتمي إلى أو ليست من اليسار بالاستناد إلى تسمية تقليدي ومجدد هو وهم يقصد منه المناورة ولكنها مناورة خائبة أمام منجز الشعوب كما تلك الأمثلة التي أشير إليها
أقر هنا بتفاعلي هذا، أن الدراسات الجدية لم تظهر بعد بسبب طابع النشر وإلا فقد كتبـــ (نا) أقصد كثير من المفكرين التنويريين، ولعلي آخرهم، كتبنا في الاستراتيجيات ولكن صحفنا ودورياتنا البحثية غير واسعة الانتشار اليوم… ويجري التعتيم على ما يكتب فضلا عن أن كتاباتنا جميعا مازالت طي التعديل وتحتاج لجمع نظري تطبيقي عبر مؤتمرات بحثية لأن الزمن تغير وما عادت الأمور توجز بكتاب كرأس المال عدا هذا وذاك هناك أمراض طفولية  قد تكون اخترقت بعض المفاصل فحاصرت المفكرين ووضعتهم مواضع لا يحسدون عليها من بينها تسابق بعض ساسة اليوم مع المفكرين في طرح القضايا الفكرية بلا خلفية منهجية وبلا خبرة أو بقصدية تضليلية وتشويهات متعمدة إحداث الإضرار بسليم المعالجات
أرجو أن أكون قد قدمت تصورا مفيدا بباب التفاعل مع ما تفضلت بإرساله والأهم في تقديم تصور مناسب يتجاوب والمجريات الحاصلة منذ أشهر ببعض بلدان المنطقة من تسويق لقوى إسلاموية بتوصيفها معتدلة مرة وإيجابية مرة أخرى وما شابه فيما هي تمرير لقوى وتكريس لوجودها على حساب حركة التغيير استراتيجيا
أكتفي بهذا القدر  وأؤكد بأنه يمكنك نشر هذا التفاعل مع مودتي
و
دمت رائعا
وتحياتي متجددة
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
********************

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *