عفرين بين استدعاء جرائم الإبادة وتهديد الأمن الإقليمي والدولي

مقتبس من المعالجة

“الجرائم المرتكبة  في عفرين مؤشر خطير على تداعيات الحرب الجارية في المنطقة بما يهدد الأمن والسلم الدوليين ويقتضى سرعة لجم العدوان”.

عفرين ليست معركةً عابرةً، وسط تعقيداتِ القضية السورية والكوردستانية.. ولكنها اليوم، مؤشرٌ خطير على تهيئة أردوغان لأدوارٍ أمعنت بل توغلت بعيداً، في مزيد جرائم بحق شعوب المنطقة وفي مزيد مفاقمة الأوضاع؛ بما هدَّدَ ويواصل تهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي. ومثل ذلك الوضع التراجيدي المأزوم اقتضى ويقتضي سرعة لجم العدوان.

وإذا كانت تلكم هي صورة الوضع الراهن بما احتضنه من مواجع وفواجع، فإن القضية تتطلب كشفاً وفضحاً للوقائع التي تجتر أحلك ما وقع من كوارث وأسوأها إفرازاً للمآسي التي طعنت الإنسانية بمقتل.. إنّ عفرين اليوم بين يدي مجموعات مسلحة دخيلة تتستر بمسمى ثورة وقواها وهي الأبعد عن الشعب بكل أطيافه ومواقفه من أجل البديل الذي ينشده..

مئات آلاف الضحايا وقعت بالأمس بمجازر الإبادة الجماعية واليوم لا يختلف كثيراً بحوافر من يجتر عنتريات الانكشارية وفظائعها الدموية، ولا يختلف عن مرتكبي مجازر الأنفال وحلبجة ولا عن كوارث ما أسموه استعادة كركوك بحوافر مجموعات لا تختلف كثيراً بنهجها… اليوم آلاف الضحايا خرّوا صرعى الهمجية وآلتها الوحشية الأبشع بيومنا…

إن بلطجة القوات التركية لم تكن لتستطيع عبور متر واحد لولا تخاذل قوات النظام من جهة وتخلي القوى الإقليمية والدولية عن سكان عفرين ومدن الإقليم الأخرى.. كيف لقوة أن يُسمح لها بانتهاك سيادة دولة وهي مازالت الداعم اللوجستي الرئيس، بكل الصور المباشرة وغير المباشرة التي اصطنعت إرهابيي العصر الدواعش المستقدمين من مجاهل الأرض وظلماتها…؟

إننا لا نتحدث عن اتفاق أو اختلاف حزبوي سياسي أو حتى ما تضمره بعض الأفكار والاعتقادات المرضية؛ إنما نتحدث عن موقف من حقوق الشعوب في الانعتاق من همجية جحافل الموت الإجرامية وواجب تطمين السلم الأهلي وفرض القوانين الدولية ولوائح حقوق الإنسان بتلكم المنطقة المتطلعة لنصرتها في حربها على الإرهاب، ما لا يقبل الاختلاف إلا من قوى الشر والإجرام…

وإذا كان بعض من مشوشي الرؤى والقيم يساندون انتهاكات قطعان التوحش والهمجية لأية ذريعة يتخفون وراءها، فإننا نتساءل هنا عن أي مبرر مما يتسترون خلفه، يمكن أن يدعو لقبول انتهاك السيادة لدولة يُفترض أنها ذات سيادة، على وفق القوانين الدولية والمواثيق الأممية المرعية؟

ولربما كان سليماً، عند بعضهم، قبول ما جرى ويجري من حرب على ادعء أو آخر. إلا أن تلك الحرب ما عاد بالإمكان تمرير ما يُرتكب في إطارها بما شملته في وحشيتها من إنسان ومن كل كائن حي فضلا عن جرائم النهب والسلب اللصوصية وفضلا عن جرائم الاغتصاب والتقتيل الجماعي بفظاظة وصفتها القوانين الدولية بكونها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفي بعض ما وصلت إليه هي جرائم إبادة!! فما مواقفكم يامن تقفون على أعتاب أرصفة الصمت؟

إنّ اقتحام عفرين مؤشر على استهتار العسكرتارية التركية الأردوغانية وخرقها لكل القيم التي رعتها القوانين واللوائح الإنسانية وانتهاكها السافر لقيم الجوار وللمصالح المشتركة لشعوب المنطقة.

إننا بمجابهة اليوم مع جرائم حصار بشع لمئات آلاف المدنيين، توبع بقصف همجي أعمى ثم باقتحام المدينة حيث جرى تشريد العوائل وفقدان أبنائها وتكسير بنى تلك العوائل المهجرة قسراً وهي بحال النفي الاضطراري بمطرقة الحرب وسندان الحصار لا تجد بصيص أمل في استقرار الأوضاع وأي احتمال لعودة آمنة إلى بيوتهم فهذه جرى تهديمها وتخريب البنى الأساس ونهب محتويات البيوت والأسواق والمؤسسات.. فيما تجاوز القتلى والجرحى بخاصة بين المدنيين الأبرياء الآلاف.. نسزة وأطفالا وشيوخا…

لقد سجلت الكاميرات وشهود العيان بشاعات الذبح الهمجي وتمزيق الأشلاء والتنكيل والتمثيل بها، ولم نجد من يتحدث عن الترويع والترهيب الذي مارسته قوات أردوغان المتشدق علناً وأمام أنظار العالم ومسامعه بأنه سيفعل كذا وكيت وينفذه بلا من يحذره من مغبة تلك الجرائم!!!

الكارثة أن النظامين في سوريا والعراق باتا يشاركان بخنوع واستغلال للظرف في الجرائم التي تركزت بوحشيتها على معاقبة الكورد ومجمل شعب كوردستان بأطيافه ومكوناته.. وفي وقت تركت قوات نظام الأسد أردوغان يسرح ويمرح في عفرين وتصمت عن تهديداته بشأن منبج وغيرها فإن السلطات البغدادية المتبجحة باستعادة مصطلح حكومة (المركز) متغافلة عما أراده الدستور بمسمى الحكومة الاتحادية تلبية لخيار الشعب، نقول: إن السلطات ((المركزية)) تغض الطرف عن انتهاك السيادة بعمق كبير تجاوز ما جرى بمحيط عفرين سامحة لأردوغان بالتهديد بالوصول إلى سنجار وعمق الأرض العراقية..

إن هذا الاندفاع الأرعن لا يحسب لما سيجري ويتبع تلك الحملة أولا في خرق السيادة لبلدان المنطقة وللوصول إلى حدود دول إقليمية لن تمرر الموقف بلا رد يتناسب وطابع صراعات تقاسم النفوذ وغبعاد المعارك عن حدودها ما يهدد بفجاجة وفي العلن بحروب إقليمية ستكون مطحنة لشعوب الشرق الأوسط في هول ما ستستخدم من أسلحة  في ضوء الترسانة الموجودة عند دول خليجية وعند إيران وإسرائيل..

إن تعريض منطق الشرق الأوسط لهزات جيوسياسية كبرى كما يجري يشي بتقسيم بعض دولها إلى مناطق احتلال مصطرعة وكانتونات تخضع أما لقوى ميليشياوية وحشية أو لجندرمة وجيش انكشاري النزعة كما يعبر السيد أردوغان عن أحلامه في استعادة سلطان العصمللية بمقابل نزعات التوسع الإيرانية الصفوية…

وستجر مثل تلك الصراعات الإقليمية إلى تحريك القوى الدولية ليس لكونها حليفة لأطراف متناقضة مصطرعة بل لأنها وضعت قواعد عسكرية وأشكال وجود مباشر كما في الوجودين العسكريين الروسي والأمريكي فضلا عن وجودهما أو مصالحهما الاقتصادية وشركاتهما الكبرى…

إن ترك أردوغان يعيث فساداً بل حرباً عبثية خطيرة لن ينتهي بلا عواقب خطيرة أسفرت اليوم عن أهوالها وأشاحت بالأستار عما كان يختفي وراء الأكمة مما يمكن أن تتذرع بالصمت عنه أية جهة ذات سلطة وقرار… ولهذا وجب اليوم استصدار قرار من مجلس الأمن ويكون ملزما بالانسحاب الفوري لقوات أردوغان ومنعه من دعم قوى الإرهاب وإعادة تشكيل منظمات إرهابية جديدة أخطر من سابقاتها!!!

إن القضية لن تبقى حبيسة عفرين لوحدها بل ستمتد بمحرقة مأساوية باتجاهات جديدة أعمق وأبعد! ولن يفي لوقف الحرائق لا مناشدات ولا نصائح ومواعظ شبعت منها الشعوب حد القيء.. ولابد هنا من موقف حازم وحاسم مع تلك القوات..

وبالخلاصة فإن شعب كوردستان وتحديدا بعفرين يتعرض اليوم لحرب إبادة تماثل ما سبقتها من جرائم مرت بصمت مفضوح محليا ودوليا وإن تلك الجرائم تتطلب لجنة تحقيق عاجل يرصد ما اُرتُكِب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومن جريمة إبادة جماعية يهدد علنا من تسبب بها بالاندفاع فيها باتجاه مدن جديدة ومئات آلاف أخرى من أبناء المنطقة..

وعلى صعيد آخر فإن انتهاك سيادة دولتين (العراق وسوريا) هما في ظروف مركبة معقدة ولا تجد حكومتيهما غضاضة من ترك الاستباحة والانتهاك تقع على شعبيهما كي لا تضحي بكراسي السلطة الظلامية المعادية لحقوق الإنسان ولحق تقرير المصير ما يستدعي حماية ملايين الأنفس من أبناء الشعبين ومكوناتهما القومية والدينية من شرور صراعات هي فوق طاقاتهما وخارج إرادتهما وخياراتهما…

لقد اختارت شعوب المنطقة أن تمارس حق تقرير المصير باختيار نظام ديموقراطي حقيقي وليس تمثيلية تغطي دجل نظام الطائفية المفسد كما في العراق ونظام الديموقراطية والتنوير بشوريا لكنهما يتعرضان لأشد مقاصل الموت همجية منذ انطلاق ثورات تلك الشعوب..

إن البديل اليوم، يكمن في موقف مسؤول من الدولتين العظميين تجاه طابع الصراع وما يجره من مآس وهذا لن يكون من دون حملات أممية شعبية وأخرى رسمية بالمستويات الدبلوماسية تخوضها النخب المثقفة باتصالات واسعة توضح مخاطر استسهال المجريات وتركها سبهللة تقود المنطقة والعالم لكوارث حرب كونية تنجر الأقدام إليها بلا وعي أو بتساهل غير مبرر مع المجريات…

إن إعادة صنع السلام يقتضي الموقف الحاسم نوعيا وبشكل فوري عاجل وبخلافه فإن التهديد لأمن الشعوب وللسلام في المنطقة والعالم سيتحول من تهديد إلى واقع يهز الوجود الإنساني بحرب كونية لا مجال بعدها لإصلاح ما قد انتهى وولى ففي حينها يكون الفناء هو سيد الموقف..

فهل سنمضي بمشهد الصمت والسلبية تجاه تهديدات انكشاري مجرم ورعونة ما يرتكب من دون أن يدرك النتائج؟

ثقتي أن الأمور ستتحول بفضل صرخات الضحايا وهم يودعون الحياة تحت جنازير دبابات الوحشية الأردوغانية.. ستتحول بفضل حملات شاملة تقتص للآلام والفواجع من مرتكبيها وتعيد التوازن والحياة وربيعها محققة السلام بديلا وخيارا ثابتا ونهائيا لشعوب المنطقة والعالم..

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *