التغيير بين قوى التنوير وأوهام الإصلاح وقواه وأضاليل التبرير

معالجة في جانب من الإشكالية المقترحة للحوار ووجه من أوجهها بأمل التنضيج من جمع المتحاورين من قوى التنوير والتغيير

كيف يحوِّلُ الظلاميون طرفاً تنويرياً إلى مجرد ظاهرة صوتية بلا صدى ولا فعل تغيير؟ للإجابة عن هذا التساؤل الخطير في معطياته، يجب إدارة حوار شامل بشأن التحالفات القائمة وأحابيل الإيقاع بقوى ما ينبغي لها أن تقع بتلك الفخاخ؛ فتعمق مآسي الشعب وتضخ حياة في ألاعيب تضليله..

إن الدخول بتلك التحالفات السلطوية لا تؤدي أكثر من مهمة شرعنة نظام الطائفية بوساطة شرعنة جناح ينهض بالمهمة في المرحلة الراهنة أي بمرحلة ظهور ذاك التحالف!

لقد أدى ذاك التحالف إلى منح صكوك غفران لجناح طائفي بعينه بلا مقابل، وكانت لعبة التدرج في الخطى نحو تشكيله قد تمّ ترتيبها حتى تمّ جرّ أقدام بعض تنويريين لتلك اللعبة ومنزلقاتها الكارثية؛ أذكّر هنا بأن المراحل بدأت بما أسماه بعضهم (تنسيقا ميدانيا) وكانوا ينفون التحول إلى تحالف ثم تمّ (بدء مفاوضات خلف الأبواب المغلقة) ومن ثم إعلان (تحالف انتخابي) ليتحولوا به لاحقا إلى (تحالف سياسي) يدَّعي امتلاكه (برنامجاً) والآلة الجهنمية وأحابيلها ومخادعاتها مازالت ماضية باللعبة..[طبعا بهذه المناسبة لم يقدم لنا من سوّق للتحالف لماذا قال لجمهوره  أن الأمر مجرد تنسيق فرضته ظروف الشارع ولم يقل كيف تحولت قيادة جناح طائفي ومتى إلى قوى تستحق التحالف تمهيدا للتغيير!!!؟ ولم يفعل حتى الآن ….]

والحقيقة التي لا تقبل الشك، تتمثل في أن جناحا طائفيا من قوى الإسلام السياسي لن يغادر فلسفته الظلامية التي تجتر أسوأ النظم التي لا تنسجم ومنطق العصر وأتعس برامجها التي لا ترقى لمستوى التمهيد لبناء الدولة العلمانية الديموقراطية التي وصلت إليها البشرية ولكنها تعمّق الهوّة بالضد من التقدم نحو بناء تلك الدولة بذات الوقت الذي تتحول بالتشكيلة القائمة إلى صورة مشوهة قد تتمظهر شكليا ببنية دولة ولكن جوهرها ليس سوى العبث الظلامي ومنطقه وقوانينه..

وبمقابل سذاجة الفرحة بما يصورونه منجزاً، اي بمقابل ما يجري ترتيبه لمنح بضع مكاسب محدودة ومن احتمال تقليل مستوى النهب والحد من ارتكاب الجرائم؛ وطبعا القصد بهذا هو امتصاص الغضب الشعبي وتجاوز أشكال النهضة الكفاحية ضد إعادة إنتاج النظام، بمقابل ذلك فإنّه يُفترض بالتنويري ألا يكون معنيا بالتسويق لمنظومة حكم استغلالية، وإن حاولت شراء شرعية وجودها وإدامة نظامها ببضع مكاسب مادية لأن تلك المكاسب المحدودة الترقيعية لن تحل مشكلات الشعب ومعضلاته التي أزمنت في ظلال تلك المنظومة، إذ المكسب المطلبي المادي لا يغير نظام النهب والاستغلال بل يديمه ويمعن في شرعنته..

إنّ موقف التنويري وواجبه تجاه الشعب، ليس سوى السعي نحو التغيير.. وما كان في مفردات اشتغال التنويري التقدمي يوماً ولن يكون ممارسة لعبة الضحك على الذقون بقبول الترقيعات وآليات مخادعاتها.. فمن ينشد التغيير، ليس من بين أساليب اشتغاله سد أفواه الاحتجاج بحصة من غنيمة كما بمغنم مقعد وسط مقاعد دجالي سلطة الطائفية ولا حتى أي حصة من بين غنائم نهب الشعب والوطن.. وكل عاقل حكيم يدرك أن ذلك لا يعيد لا ثروة الشعب المنهوبة ولا حرياته وحقوقه المغتصبة، في ظل آليات النظام وقوانينه.

التنويري الحقيقي هو من يستهدف تغيير النظام الظلامي الاستغلالي وليس المساهمة في تبديل أوجهه وتلميعها! حيث من جوهر نظام الاستغلال الطائفي الكليبتوقراطي أن يلفظ الأوجه التي استهلكها ليأتي بأوجه تديم عبثه وما يرتكب من جرائم..

وعليه فإن التنويري التقدمي لا يقبل بتنصيب وجه من أوجهه في ظلال قوانين نظام رفضه ويرفضه الفكر الديموقراطي المعبر عن رفض الشعب لنظام الطائفية ومنظومة فساده المافيوي؛ أؤكد أن الهدف ليس استبدال وجوه ولكنه تغيير نظام وكل ألاعيب تغيير الوجوه لا تؤدي إلى ذياك التغيير المنشود للنظام..

ما يعني التنويري وتُلزْمُهُ به مبادئه وما يجب أن ينهض به، هو ممارسة الخطى الفعلية لمحو نظام الطائفية الكليبتوقراطي والإتيان بالبديل العلماني الديموقراطي. وتؤكد الحكمة وخبرة تجاريب الإنسانية أنَّ تعليم الإنسان الصيد خير من التصدق عليه بسمكة، وأن تمنحه الحرية وحق بناء بيته خير من أن تتصدق عليه بكوخ متهالك، هو الآخر يتصدقون به عليه من سرقة جهوده وتقييدها بقوانين التجويع والتركيع..

فليتحاور التنويريون لأفضل وسائل الإتيان بالبديل وتلبية مطالب الشعب في التغيير… لماذا هذا الانحراف عن مهام التغيير في وقت قررت مؤتمرات قوى التنوير في سقف قريب سابق أن المطلوب اليوم هو (التغيير لا الإصلاح) لأن التغيير هو غاية الشعب وما يأتي بنظام يستجيب لمطالبه كافة، التغيير هو ما يستجيب لحرياته وحقوقه فيما الإصلاح ليس سوى ترقيع تضليلي في منظومة استعبدت الشعب ونهبته وارتكبت أعتى جرائم التصفية بحقه بلا وازع من ضمير؛ فكيف يستدير بعضهم على خيار تم إقراره جمعيا بخيار تمَّ ويتم فرضه من طرف فرد أو أفراد، بأي أسلوب تم التمرير فالنتيجة واحدة هي فرض تلك الرؤية التي تنحرف بالخيار!؟

إن التغيير المنشود لتحقيق البديل لا يتأتى إلا بأن نوقف الانغماس بمستنقع التحالفات التي تفرغ جهود التنويريين ونضالاتهم وتحيلها إلى مجرد ظاهرة صوتية…

فلنراجع الخطى قبل مزيد انغماس بذاك المستنقع وقبل مزيد انجرار لتلك المنزلقات وولوج في ذاك النفق المظلم!

لنتخذ القرار بتمسك بمبدأ قرره التنويريون التقدميون الأكثر نضجا ووعيا، قرروه معاً وسوياً متجسداً في مبدأ (التغيير) الذي لا يأتي إلا عبر: ((وحدة)) قواهم، قوى الديموقراطية والتقدم والتنوير و ((استقلاليتها)) و ((وضوح)) برامجها وعدم مغادرة أساليب اشتغالها، بابتعاد عن التشوّش والوقوع بمطبات لا تخدم سوى التضليل وقشمريات منظومة العبث الطائفي الكليبتوقراطي..

إن هذا النداء لا يستهدف تخوينا أو اتهاما من اي شكل فحين يُخطئ طرف ينسحب لصالح من اصاب وتلك آلية سديدة حكيمة لانتصار قوى التنوير التخلي عنها يوقعهم بورطة تلو أخرى..

لنتجاوز العاطفي الانفعالي والنفسي في بناء مواقفنا ولنستعد التوازن حيث التمسك بالموضوعية وإلغاء أي حال شخصنة مما يديم التمترس الخاطئ..

إنَّ استعادة قرار ((التغيير)) هو الآخر ينبغي أن يعبر عن الذات التقدمي التنويري وليس التمسك بشخص وما فرضه ربما بآلية هي الأخرى غير سليمة..

لنعد إلى مواقف المرجعية الفلسفية الفكرية السياسية الأسمى بعمق خبراتها وتجاريبها تلك التي جسدتها مواقف المؤتمرات الأخيرة لقوى الديموقراطية والتقدم والتنوير وما أكدته نداءاتها…

لقد توصل التنويريون لتحالف يمثل سلامة القرار والنهج بوحدتهم واستقلاليتهم فلنستعد ذياك التحالف ونعززه ونمضي به إلى تنفيذ مهمة التغيير لبناء الدولة العلمانية الديموقراطية التي يستحقها الشعب وتجسد طريق الاستجابة لحقوقه ولحرياته..

بخلافه لات ساعة مندم.

فهلا تنبهنا، وكانت صرختنا: كفى عبثاً، هي الطريق إلى التغيير المنشود وليس عبث جمع المتناقضات وما قد يمرر من نكبات؟؟؟

إلى التنويريين التقدميين

ماذا تكشفه لكم التجربة التي يخوضها بعضهم ويقود إليها؟ أتخدم شرعنة النظام الطائفي الكليبتوقراطي أم تتقدم بأي خطوة نحو التغيير؟

ألا يتلمس الجميع الفرق بين كسب مغنم ومشاركة اللصوص بفتات ما يرمون للتستر والتضليل وبين تعليم المنهوبين المظلومين وسائل فضح اللصوصية ووقفها وبناء نظام بديل؟

هل يستهدف التنويري تغيير النظام أم ترقيعه وتلميعه بما يعيد إنتاج قوانين الاستغلال والابتزاز والبلطجة؟

اختاروا بعد الإجابة موقفا من لعبة التحالفات وأضاليل التبرير لها وما تنتجه.. اختاروا تحالفا يوحد قوى التنوير ويحفظ استقلاليته أم تحالف يفرز محاصصة قد تكسب لقمة لكنها لا تسد جوعا، لا تعالج أساس ظهور الفقر والجوع والمرض وهي لا تعالج جرحا كما يتوهم بعضهم ولا تتقدم خطوة نحو بديل 

فماذا تختار أيها التنويري من بين الاتجاهين؟

أتجامل طرفاً على حساب مبادئك ومستهدفاتك أم تنتصر له بتصويب مساره ومنع توريط الناس بولوجه النفق المظلم؟

 في ظل الضغط النفسي المتولد اليوم عن طابع ما وصلت إليه المرحلة فإنني بقصد التهدئة واستعادة التمسك بالموضوعية والعقلانية أؤكد ألا وجود للشخصنة ولاستهداف طرف أو آخر باتهام أو تخوين ولكنني أضع نداء لاستعادة آليات اشتغال التنوريين بسلامة  فلنتجاوز المواقف المسبقة ونمعن التفكر والتدبر ونتخذ قراراتنا بتصويت شامل لخياراتنا في ضوء نجاعة الرؤية وسلامتها ونضجها وإلا فإن كل تمترس ناجم عن تخيل لوهم الحفاظ على حزب أو حركة أو تيار أو شخصية هو وهم يدخلنا أبعد في النفق الذي أرادوه لنا فخا يقضي على قوى التنوير وفرصة تنظيمها الأفضل

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *