نداء لتفعيل الجهود في ضوء قرار مجلس الأمن الخاص بالمفقودين في النزاعات المسلحة

 في ضوء قرار مجلس الأمن، ومبادرات حقوقية متعددة تُطلق هذه المعالجة بوصفها مفردة تنتج نداءً  لتفعيل الجهود بشأن المفقودين والمختفين قسرياً  في النزاعات المسلحة؛ حيث مجابهة ظواهر الإخفاء القسري والسجون السرية وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب ووسائل الابتزاز لمقاصد ودواعٍ مبيتة في إطار التخندقات الطائفية والصراعات السياسية الناشبة منذ 2003 في العراق. يحمل هذا النداء مضمون تقوية الحركة الحقوقية وضمان سلامتها تحقيقا للعدالة ولسيادة القانون وإنهاء الأوضاع الشاذة التي باتت عنوانا لتكريس كل ما يتعارض وسلطة الدولة والقانون ومن ذلك شرعنة وجود الميليشيات واحتماء رجالات الحكومة إدخالها [رسميا] في بنية القوات المسلحة بخلاف الواجب المفترض أن يكون حصريا بإطار أو هدف حلها ومنع انتشار السلاح وإنهاء مظاهر الخروج على القوانين الدستورية..

مقتبس: “تستشري في أجهزة الدولة وقراراتها حالة من الفوضى التي تغطي على سطوة القوى الميليشياوية وتحكّمها بالقرار العراقي ما يعني استمرار ظواهر خطيرة مثل السجون السرية والإخفاء القسري وجموع المعتقلين خارج سلطة القانون! فهل من حملة لإنهاء كل ذلك ولحسم ما وراءه من تبعات!؟“.

أصدر مجلس الأمن قراراً مهماً بتاريخ 11 يونيو حزيران 2019  وحمل الرقم S/RES/2474 متضمناً معالجة قضية المفقودين والمختفين قسرياً؛ تحديداً في النزاعات المسلحة. وقد صدر القرار بالإجماع تعبيراً عن اتحاد الموقف الأممي بهذه القضية الإنسانية بامتياز وتضمن من أجل ذلك جملة توصيات مباشرة حول القضية؛ مشدِّداً على مسؤولية دول العالم والمنظمات الأممية في إيجاد الحلول الحاسمة بشأنها بلا تأخير.

إنَّ هذا القرار يمنح الجهود المحلية والدولية دعماً ويعزز مهمة حشد أفضل تلك الجهود استجابة لآلام الضحايا وتفعيلاً لآليات المعالجة والحزم في مواجهة سياسات الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي بخاصة في ظل النزاعات.

لقد مضى في العراق زمن طويل على المتغيرات الراديكالية عقب 2003 التي استبشر بها العراقيون خيراً، ووضعوا آمالا عريضة في الاستجابة لتطلعاتهم وخياراتهم في الاستقرار والسلم الأهلي ومعالجة موضوع ضحايا النُظم السياسية والصراعات والحروب بطريقة موضوعية إنسانية سليمة.. ولكن بخلاف تلك الآمال، وجد العراقيون أنفسهم أمام ظاهرة الصراعات المسلحة بمختلف الأسباب والذرائع مع بروز ظواهر السجون السرية والإخفاء القسري والتغييب والتستر على ظاهرة المفقودين و\أو إهمال معالجتها جدياً..!

الحركة الحقوقية مطالبة بموقف واضح وشجاع تجاه الحقائق المتستر عليها خلف أغطية الادعاءات بالكشف اولا عنها وبوضع المعالجات القانونية المستندة إلى دعم شعبي بوجود رأي عام يجسد وعيا جمعيا بصيرا خبيرا يمكنه المساعدة في انتشال الضحايا وإنقاذهم. قضايا المفقودين وصلت أسماع العالم وضمائر الإنسانية ومازالت محليا بحاجة لمراجعة جدية مسؤولة فهل ستنطلق الحملة الشعبية للضغط على الرسمي وتغيير الموازين!؟

وبقيت هذه الظواهر باتساعها واستفحال طابعها سواء بالاغتيالات والتقتيل أم بأشكال التعذيب والابتزاز وإخفاء المواطنات والمواطنين قسرياً  بعيداً عن سلطة القانون والمبادئ الدستورية ومن دون أي عقاب أو متابعة جدية مسؤولة وهي خارج الأولويات وجداول العمل الرسمي إلى جانب ضعف قدرات المنظمات الحقوقية في الضغط والتأثير بقصد الحل النهائي الأنجع..!

وعلى مدار السنوات والأعوام، منذ 2003، كانت دعوات ونداءات ما يسمى (المصالحة الوطنية) تُظهِر توجهاً لإيجاد حل (سياسي) وتطبيق (العدالة الانتقالية) وتمكين القوى المجتمعية من رسم معالم طريق مناسبة بهذا الشأن، إلا أنها بجميع الظروف كانت مجرد تنفيس تُبرزه القوى المتحكمة بالسلطة والأحزاب والزعامات النافذة في ظروف الاحتقان الجماهيري!

وعليه، فإنَّ الرؤية المتمعنة في هذا القرار تجده فرصة جدية، كي تتابع الأمم المتحدة عبر مفوضها في البلاد، خطوات ((الكشف عن مصير المفقودين والمغيّبين)) قسرياً.. وتحقيق إطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين مع توجهٍ لمحاسبة فعلية للمسؤولين عن إيجاد سجون سرية خارجة على سلطة القانون ولكل مَن مارس ويمارس التعذيب ومن ارتكب كذلك جرائم الإخفاء القسري والتغييب بالتعارض والمبادئ الدستورية وخيارات الشعب لنظام ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان كافة..

ونحن هنا نتوجه بالنداء، في ضوء سلطة القرار الدولي الجديد، من أجل متابعة مباشرة وجدية قادرة على إحداث الأثر والاستجابة لعشرات آلاف عوائل الضحايا في عراق تنخره الصراعات الطائفية وتتحكم بمجمل الأوضاع ميليشيات جرى شرعنة عمل بعضها بظلال المؤسسة الرسمية على الرغم من أنها لا تخفي حتى يومنا هذا؛ ممارستها ما ترتكب بإرادة لا تتردد عن إعلان كون تلك الإرادة ومجمل عملها يظل بشكل منفصل عن الدولة وسلطة القانون!

إنَّنا ندرك طابع الضغوط التي تتعرض لها السلطات السرمية فضلا عن كونها  مخترقة بنيوياً هيكلياً حيث تتفاقم حالات الضغط والابتزاز والتأثير على صنع القرار ومن ثم تغييب الحقائق او تشويهها أو منع صدور ما يعالجها من حلول. لكن وجود العنصر الأممي هنا قد يساعد إذا ما تمَّ استثماره بوجود ضغط شعبي منظم في حملات حقوقية وطنية ترتقي لمستوى آلام المواطن المبتلى بنظام الطائفية المافيوي وأوبئة الانفلات الأمني وتفرق مصادر التأثير في القرار.. فهل سيجري ذلك وطنيا: شعبياً رسمياً؟؟؟

إنَّ الاستجابة لبنود القرار الدولي بكشف مصير آلاف المغيبين والمعتقلين قسريا والمختفين في السجون السرية وغيرها والمفقودين لن يتحقق ما لم يجرِ ضمان تشكيل آلية تحقيق ومحاسبة مستقلة وشفافة بوجود مراقبين أمميين؛ وبالتأكيد بضمانة وإشراف دوليين تضمنان الكشف عن مصير المفقودين وظروف المحاكمة والمحاسبة العادلة والشفافة للجناة.

إن مصير عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين مازال مجهولا منذ تعرضهم للاعتقال التعسفي وإخفائهم القسري من طرف عناصر بعضها كان يرتدي اللباس الرسمي أو يمثل العناصر الميليشياوية النافذة… ومازالت الحكومة العراقية تتنصل من مسؤولياتها وتنفي وجود سجون سرية و\أو حالات تعذيب وانتزاع اعترافات وتنفي أيضا وجود مختفين قسريا على الرغم من المؤشرات اليقينية بخصوصها؛ ما يفرض وجود الرصد الأممي والرقيب الحقوقي الدولي في إطار الآلية المشار إليها..

إنّ حجم الضحايا وطابع الظاهرة المتضخم بطريقة جنونية طاولت بنات وأبناء المجتمع العراقي وبالخصوص منهم أتباع الديانات الموصوفة تهميشا بـ((الأقليات)) يدفعنا نحن قوى المجتمع المدني والحركة الحقوقية للمطالبة بدور فعال للأمم المتحدة ولمجلس الأمن في ضوء القرار السديد الأخير؛ ولعل مطلبنا هذا يؤكد فيما يؤكده: ضرورة إلزام جميع الأطراف النافذة سلطتها ومن يقف وراءها من خلف الحدود بالتعاون التام، غير المشروط من أجل الكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين كافة وحسم المعالجة واستكمالها بمحاسبة المتسببين بالجريمة.

و نحن نطالب أيضا بإنهاء كل الانعكاسات التي نجمت عن الحروب الميليشياوية العنفية المسلحة سواء بإلغاء تبعات التغيير الديموغرافي أم بإعادة المهجرين والنازحين قسريا بعد تلبية شرط ملزم يتجسد في إعادة إعمار المدن وتأهيلها للاستخدام الإنساني المناسب، لتوفير الحاجات والمطالب الحياتية والكشف التام الكامل عن مصائر المفقودين والمغيبين والمعتقلين أو إطلاق سراح الموجود منهم بتوفير محاكمات عادلة ومحاسبة المذنبين..

إن مطالب الكشف النهائي عن كل المفقودين سواء من العراقيين أم غيرهم وتقديم المطالعات القانونية بشان ظروف الاعتقال وسير إجراءات التحقيق وما اُرتُكب من مخالفات وظروف التغييب والتعذيب وإطلاق سراح من لم تثبت إدانته فورا ومن غير شروط وتعويضه مع إيقاع العقوبات الجزائية التي تحقق القانون وتنفذ إرادنه وسلطته تظل مطالب عاجلة تتطلب متابعة مستمرة عبر الآليات التي طالبنا بها استجابة للقرار الأممي.

ولعله من الملزم أيضا بالخصوص، مواصلة البحث عن مجمل المقابر الجماعية لمختلف أطراف النزاع التي مثلت السلطة أو أية أطراف أخرى مثل إرهابيي الدواعش الذين ارتكبوا الفظاعات في المدن التي استباحوها وأوقعوا جرائم إبادة جماعية فضلا عن جرائم ضد الإنسانية ، لعله يتطلب رصد الأدلة وتوثيقها ودعم المنظمات الحقوقية الفاعلة على الأرض فيما ثبتته منها؛ وضمنا لا يُستثنى من ذلك أي طرف بالإشارة إلى الميليشيات التي تمت شرعنتها باية صيغة؛ الأمر الذي يعني شكلا من اشكال تبييض صفحات تلك القوى وما ارتكبته عناصرها من الجرائم المشار إليها…

إن مطلبنا يؤكد على رفض ادعاءات السلطات الرسمية وعلى ضرورة الدخول الحر لجميع المعتقلات والسجون والوصول بشفافية إلى جميع الملفات والبحث عن المخفي مما لم يخضع للتوثيق وكان خارج إطار المنظومة الرسمية وسلطة القانون.. وهذا كما نؤكد مجددا يتطلب آلية تشترك بها جهات الرصد الحقوقي الدولية المعنية.

ولعل من أبرز الخطوات بهذا الاتجاه ما يقع بإطار التسهيلات القانونية للحركة الحقوقية ومنظماتها وحمايتها كليا من الاعتداءات وأشكال الابتزاز والتهديد القائمة اليوم وضمان وصولها للحقائق بعيدا عن التعقيدات والمخاتلة في انتقائية تتعمد إضاعة الحقائق والتعمية والتضليل بوساطة مسميات تدير دكاكين الاتجار بالحقوق والحريات على حساب الضمير ومصير عشرات آلاف المغيبين والمعتقلين…

ومن أجل تلك القضية الإنسانية الخطيرة؛ فإنني أرى ضرورة أن تتوجه الحركة الحقوقية العراقية برسالة بهذا المضمون  ومحددات النداء فيها إلى كل من: المنظمة الأممية بشخص أمينها العام. ومجلس الأمن بكل أعضائه من ممثلي الدول الـ(15) وبالخصوص الدائمة العضوية، مفوضية الاتحاد الأوروبي، مكتب الأمم المتحدة في العراق، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مكتب المقرر الخاص حول القتل خارج إطار القانون وجرائم الإعدامات الجماعية، مكتب مجموعة العمل في قضايا الاعتقال التعسفي، مكتب مجموعة العمل في قضايا الاخفاء القسري وأية أطراف معنية بالموضوع..

إنّ استمرار أزمة تلك الأعداد المهولة من الضحايا ستظل عامل انفلات لصالح تكريس الصراعات الطائفية واشكال التمييز والقهر كما ستظل عقدة تقسيمية تناحرية تُضعِف الروح الوطني لصالح التخندقات المصطرعة فضلا عن كونها أداة من أدوات استشراس القوى الميليشياوية المسلحة على حساب سلطة الدولة ومبادئ العدالة والقيم الدستورية العليا…

إن إلقاء التبعة على مسؤولين في الدولة أم خارجها لا يحرك الخطى نحو حل موضوعي حازم وحاسم بل يكرس الأوضاع السلبية المريضة الخطيرة.. ولكن تحمل المجتمع لمسؤولياتها يعني حركة حقوقية قوية مؤثرة وقادرة على الفعل والتغيير وحركة سياسية صحية لا تنتمي لقوى الكربتوقراط المفسدة التي مرغت الوجوه بوحل النظام المافيوي وابتزاز المجتمع المدني بعد تشويهه واسره بقيود الإذلال!

ينبغي للمجتمع أن يدرك مسؤوليته تجاه وجوده الجمعي وهو ما يستند للارتقاء بوعي الإنسان وإدراكه مسؤولياته الكاملة في فرض إرادة الدولة والعقد الاجتماعي ممثلا بالدستور وبالقيم السامية المحددة بقوانين البلاد وهيآت سلطاتها الشرعية غير المشوهة بتركيبة أو أخرى من قبيل خطيئة ضم قوى خارجة على القانون لقوة حماية القانون مثل ضم الميليشيات (باختلاف وجودها جميعا) إلى الجيش أو الشرطة وهو ما يعني ضم عناصر لا تخضع للقانون لأجهزة الدولة بما يؤدي لتخريبها وإعاقة تطوير الأوضاع وتنمية بناء الدولة الحديثة بل أكثر من ذلك يعني إضعاف الدولة وإلحاقها بمن تخضع له العناصر التابعة لأجندات أجنبية بخلاف ما تنص عليه محددات بناء الدول الوطنية في عالمنا المعاصر!

لنبدأ حملتنا واتصالاتنا المخصوصة ولنتنبه على كل المجريات المحيطة بموضوع تشكيل أجهزة الجيش والشرطة وأسلوب عملها واحتكامه للقانون واحترامه للوائح حقوق الإنسان مع العمل الفوري باتجاه موضوع معالجتنا المعني بالمختفين والمغيبين قسريا وكل ما يلحق به من تداخلات وأوضاع ومقتضيات…

ملاحظة مهمة في ضوء ولوج المعالجة هنا:  فكرة تحقيق العدالة وتلبية مُراد القوانين واللوائح الحقوقية لا تتعطل بسبب وهم أن العدالة تتعامل مع مجرم يستحق العقاب لكنها بصورة أخرى تعبير عن هواجس تجنب ظلم بريء والابتعاد قدر المستطاع عن الوشايات وألاعيب المخبر السري وتلفيقات مبيتة والميول الطائفية والانحياز السياسي المسبق والاستغلال والابتزاز وكذلك الفكرة تقوم على أساس أن العدالة ودولة القانون ومؤسساته السليمة لا ترتكب جرائم الثأر والانتقام عند غيقاع العقوبة بحق مجرم تثبت إدانته ولكنها توقع العقوبة المناسبة تجنيبا للمجتمع لآثار الجريمة ومنعا للمجرم من تكرار ما ارتكب وتحصينا له من نفسه وأمراضه ومن ثم معالجة وغصلاحا لتلك الأمراض… من هنا وجب الالتزام بالشفافية والعلنية والخضوع لآليات إجرائية في مسار تحقيق العدالة وبخلافه تكون الأمور منحرفة انحرافا خطيرا كما بالسجون السرية والتعذيب والابتزاز وغيرها.. هنا نتناول معالجة تخص قضايا الإخفاء القسري والمفقودين وما ينبغي تجاه تلك المعضلة من إجراءات جدية مسؤولة منتظرة .. فهل سنكون بإطار الحملة الحقوقية الوطنية من أجل ذلك؟؟؟ شكرا لتفاعلاتكن وتفاعلاتكم الموضوعية….

 

 

 

 

**********************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *