في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري 30 أغسطس آب 2020

ما حدث ويحدث في العراق مترابط الحلقات بكل جرائمه وهي مما وقع ويُرتكب بإطار جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وهي جميعاً مما يخضع لمسؤولية المحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي وولايتها.. هذا يدفع بالقول: إنَّ أيّ حل جدي حقيقي يجب أن يوظف تلك الولاية الدولية لمطاردة الجناة ومنعهم من الإفلات من العقاب فضلا عن توافر قدرات الضبط والربط القانوني الأمني لتمكين الحكومة الانتقالية من اتخاذ قرارات جريئة واستراتيجية نوعية يمكنها كبح جماح  تفشي الوجود الميليشياوي وبلطجته وإيغاله في منطقة التغوّل حيث التغييب والإخفاء القسري وبلا ضابط أو قانون..  نقترح عليكن وعليكم قراءة معالجتنا في اليوم الدولي لجريمة الاختفاء القسري في العراق

في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري 30 أغسطس آب 2020

الحركة الحقوقية تقف بقوة ضد استمرار جريمة الاختفاء القسري وتضع علامات طريق لمنع إفلات المجرمين من العقاب

الاختفاء القسري هو قيام سلطة أو أية جهة تحت بأمرتها أو في ظل مسؤوليتها باحتجاز أي إنسان أو اختطافه، ومن ثمَّ حرمانه من حريته، ولا تعترف جهة الاختطاف أو الاحتجاز بوجود المختفي أو المختطف عندها، إنما تنكر معرفتها بمصيره ومكان وجوده.

لقد اتسعت الجريمة وباتت ظاهرة بخاصة في البلدان ذات النُظُم الأمنية المنفلتة التي تنتشر بها رؤوس السلطة ميدانياً، وفي ضوء هذا المشهد الخطير أصدرت الجمعة العامة للأمم المتحدة القرار ذي الرقم (209/65)، بتاريخ 21 يناير كانون الثاني 2010، باتخاذ يوم [30 أغسطس آب] يوماً دولياً لضحايا “الاختفاء القسري”…

ونحن نملك اليوم اتفاقية دولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي ورد في مادتها الأولى ما نصه: “لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري”، وجاء في مادتها الثانية ما نصه: “لا يجوز التذرع بأيّ ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”. ولقد جرَّمت المادة السابعة من الاتفاقية: “كلّ من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”. أما في إطار المحاكمات كما في نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية فقد نصت المادة  السابعة منه على أنَّ: الاختفاء القسري هو جريمة ضد الإنسانية، لذلك يُعد “الاختفاء القسري” من ضمن الولاية القانونية للمحكم؛ وهي تتعامل مع على أنها: حال إلقاء القبض على أيّ شخص\أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل، أو بسكوتها عليه، ورفضها الإقرار بارتكابها جريمة حرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم، أو إعطاء معلومات عن مصائرهم أو عن أماكن وجودهم، بغاية حرمانهم من حماية القانون لأطول مدة زمنية وربما ارتكاب جرائم أخرى في ظلال الإخفاء…

إن كون المختفي قسرياً خارج حماية القانون وكونه من دون مذكرة اعتقال ويتم إنكار وجوده، يؤدي ذلك إلى أن يكون أكثر عرضة للتعذيب والتصفية فضلا عن أشكال الابتزاز والقهر التي يتعرض لها..

إنَّ الحملات الوطنية والأممية الدولية متعددة ومتتابعة ولكنها لم تحظَ بتفاعل مناسب من السلطات ومن تغطي عليهم بادعاء كونهم من بنية الدولة و\أو منمن يلتزم قوانينها! وهي طوال 17 سنة عجافا تضخكت بالجريمة بأشكالها كانت غضت الطرف عنها ما أفلت من العقاب ومن أي شكل للضبط والربط بمستوى دولة تحترم مواطنيها والعقد الاجتماعي ولوائح حقوق الإنسان!! فما معنى تلك الحملات، في ظل هذا التسيب والانفلات،  في عراق اليوم!!؟

إننا هنا بالخصوص، نجد تناولاً وتشخيصاً قانونيا لاصطلاحات توصيف أنواع الاحتجاز بين التغييب القسري والاعتقال التعسفي والسياسي وأشكال الاختطاف والاعتقال والتغييب والإخفاء المختلفة، سواء منها ما تمّ ويتم بصور جمعية أم فردية مثلما حصل من فصل النساء عن الرجال بحاجز استقبل النازحين عن الصقلاوية واختفوا من يومها معاً بلا أثر وبلا اعتراف من سلطات الاحتجاز والإخفاء! نشير هنا أيضاً للحجز والإخفاء بأبعاده المعنوية والمادية.. وصيغه العشوائية المتفرقة القائمة على ردات فعل والممنهجة في التعاطي مع سكنة منطقة أو أخرى، تشير (الأمنستي) إلى أن (كل) حالات التغييب التي رصدتها بين 2014 و2017 كانت لأتباع مذهب السنة وقد حدثت لأطفال بعمر التسع سنوات حتى الكهول بعمر السبعين بمسؤولية لأطراف مختلفة متعددة…

تجدر الإشارة إلى أنّ الاختراق البنيوي لأجهزة الدولة وصل حداً أن التغييرات (ببعض) مسؤولين لم يمنع من استمرار الاعتداء على المواطنات والمواطنين وتغييب ناشطات ونشطاء لمجرد أنهم أتباع مذهب ديني بعينه تشارك هنا بتوسيع الجريمة حالة تسترت على أدوار المجموعات المسلحة سواء بتسمية حشد شعبي أم خارجه فجميع تلك الميليشيات تمارس أدوارها إن لم يكن بغض الطرف من السلطات الرسمية و\أو ادعاء أنها تابعة اسميا شكليا للقائد العام وبنية الدولة فبعدم قدرتها على المتابعة؛ حداً جعل السجون السرية تنتشر ومعها بيوت اختطاف وتغييب بلا حصر رسمي ولم تتمكن المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية من الوصول إليها أو لمن فيها..

إن إطلاق وعود البحث والتقصي ولجان التحقيق حتى عندما تتشكل فعليا لا تستطيع أداء واجبات الكشف عن الحقيقة ولطالما توقفت على أعتاب التصريحات المنسية بمرور الوقت لنجابه جرائم أخرى وصلت حتى الآن عشرات آلاف مؤلفة من المختفين قسرياً أو المغيبين ممن وجدت أطارف مجتمعية آثار بعضهم بقايا جثث مشوهة ومقطَّعة الأوصال كما حدث بمحافظة بابل حيث إشارات لجرف الصخر التي لم يستطع مسؤولون كبار من الدخول إليها إذ تمثل منطقة محظورة على العراقيين كافة وبكل مستويات مسؤوليتهم فهي تابعة لميليشيات تأتمر بأوامر إيرانية ولربما هناك ما هو أبعد من سجون سرية وارتكاب جرائم التغييب والتعذيب والتصفية حيث احتمالات تخص أسلحة من نمط خاص ومصانعها…!

إننا لا نكتفي هنا، بإدانة الجريمة وتشخيص كونها من جرائم ضد الإنسانية، ما لا يسمح بالاكتفاء بالإعراب عن القلق، ولكنَّنا نعلن بعالي الصوت، مطالب القوى الشعبية، لإنهاء ظاهرة مكرورة للتغافل عن ظاهرة الاختفاء القسري، بضمن ذلك، جرائم الاعتقال الكيفي و الاحتجاز بصورة تخترق الإجراءات القانونية حيث ترتكب جريمة الاختطاف والتغييب أو تفضي إلى توفير أجواء الاختطاف من عناصر مختلفة بتكرار الحكومة أن الحشد وميليشياته هي أطراف قانونية تخضع لسلطة الدولة بينما هي ترتكب بوضح النهار جرائمها بمختلف المحافظات ومنها المحافظات التي تشهد الإخفاء القسري والتغييب بصورة جماعية!

لقد أفسح ذلك دائما المجال واسعاً، لعتاة المجرمين لارتكاب مختلف الفظاعات من اغتصاب وتعذيب واغتيال وتمثيل بالجثث كما ظهر في حالات عديدة جرى ويجري التعامل معها بإهمال مفضوح بقصد التعمية وتمرير الجريمة بلا ((عقاب)) وبلا ((حل و\أو نهاية)) ومن ثمَّ بلا تحقيق لأي شكل من اشكال العدالة..

لقد جرى ابتزاز أهالي ضحايا الاختفاء القسري وتهديدهم باستمرار حتى هذه الساعة بل جرى استغلالهم وإيقاع اشد الأذى عليهم حد ارتكاب الاغتصاب باشكاله والتعذيب بتعدد فظاعاته بلا حسيب ولا رقيب والضحايا مأسورين لمنظومة قيمية من جهة ولسطوة ميليشياوية من عناة الجريمة وما يسمونه قوانين قهرية مثلما سيف(4إرهاب)! ومتطبيقاته المزاجية الكيفية على وفق مآرب نفهية لأطراف بعيها.. ولنتمعن في حال الانقسام المجتمعي في ضوء هذا النظام ومخرجاته الإجرامية التي ثار عليها الشعب

إنَّ الكارثة المستمرة اليوم، هو عدم الاكتفاء بالتوقف عند التصريحات وتشكيل لجان التمويه، و\أو عند إهمال ظاهرة “الاختفاء القسري” وإنما تسجل لنا التقارير أيضاً، توسّع ظاهرة ابتزاز (الشهود) على حالات الاختفاء سواء من العامة أم من (أقارب) المختفيات والمختفين وكذلك نرصد ارتكاب مختلف أشكال الضغط والمضايقة وسوء المعاملة لدرجة إرهابهم وإثارة الرعب والهلع لديهم وترويع الأهالي بمزيد تنكيل إن هم رفعوا صوت احتجاج، يُرتكب ذلك الإجرام، بالمخالفة الفجة الصريحة المفوضحة مع “الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري” ومع أي دور للقوانين التي يُفترض أن تحمي  الشهود وكل محيط الضحايا ومنه المجتمع بوجوده الأشمل

إن المجتمع العراقي أمام مشهد كبير وخطير؛ حيث تتفاقم بلطجة الميليشيات مستغِلةً ارتكاب جريمة “الإخفاء القسري” بصورة (استراتيجية) لتكريس سطوتها وسلطتها وفرض إرادتها على المجتمع والدولة.. بدءاً بإخراس أصوات الرأي العام التي تقف ضدها بصورة (تصفوية)، إذ تدرك تلك القوى العنفية المسلحة معنى إثارة الهلع والترويع ليس على الدائرة الضيقة المباشرة للضحية المختفي قسرياً وإنما على مجمل المجتمع ودوائر الدولة ومؤسساتها في حركة ابتزاز وضغط سياسي على الضحايا والخصوم جميعاً.  كما أنها لا تقصد الانتقام الثأري العابر بل تذهب بعيداً من وراء تلك الجريمة لتدخل بأطر فرض (تغيير ديموغرافي) كما حدث في ديالى ومحافظات غربية وشمالية كالأنبار وصلاح الدين ونينوى…

لقد تمّ تطبيق الإجراءات القانونية والبحث عن مخارج تنقذ المجرمين المنفذين منهم والمخططين ومن وراءهم بإطلاق سراح أو وقف تنفيذ أو إعفاءات بطريقة العفوين الخاص والعام بينما كان الضحايا يوضعون تحت طائلة العقوبات لمجرد الشبهة والاتهام الكيدي وفي مثل هذه المعادلة المختلة شهدنا إطلاق سراح مجرمين اعترفوا بجرائمهم على الرغم من وجود الأدلة والشهود ولكن الأمور تُحكم بمعايير ومقاييس أسوأ من مزدوجة وبلا رحمة لمجتمع صادرته بلطجة زعماء حرب من وكلاء نظام الملالي وهم لا يخفون الجريمة الفاضحة بل يعدونها سياقاً مبرراً وموقفاً سديدا مسوّغا بالتدين وقدسيته وبتفاصيل سلطة ثأرية انتقامية….

وهكذا وفي إطار استراتيجية خارجية إيرانية تحديداً وبأيدي وكلائها متنوعي التمظهر ومتاريسه، فإنّ عراق ما بعد 2003 وما اُرتُكِب فيه من جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، يستمر الضغط على الناشطات والناشطين الحقوقيين، وعلى الشهود والمواطنات والمواطنين، وابتزاز المحامين وحتى تجيير القوانين وشرعنة قوى بخيمة الدولة المعلنة جهاراً  وكذلك استخدام الآليات المعنية بمهام مكافحة الإرهاب وتحويلها لأدوات تنتهك الحقوق والحريات كافة، فضلا عن تحقيق ظاهرة (إفلات المجرمين ومن وراءهم من العقاب) في ظل تعقيدات إدارة السلطة المحلية في البلاد وتعامل المجتمع الدولي معها…

إننا مع مجمل الحركة الحقوقية العراقية نعرب عن شديد القلق للتعاطي المتراخي للدولة وبالذات للحكومة الانتقالية وعن غض الطرف عن مشاركة ما يُسمى أحزاب ومنظمات وأجنحتها المسلحة، في صياغة القرار واستراتيجية السلطة حيث تُزوى القضية في مناطق معتمة من الإهمال والإغفال على الرغم من أنها طالت وتطاول عشرات آلاف الحالات وتمسّ حيوات ملايين العراقيات والعراقيين ممن يسعى للخلاص من سطوة التمييز الطائفي وما يتبعه من صراعات وما تختلقه من أجواء ثأرية انتقامية تفعّلها ظاهرة التقارير الكيدية والإيقاع بالآخر بتلك الخلفية الطائفية المقيتة..

إنّ مسؤولية حركتنا الحقوقية العراقية تفرض ما هو أبعد من استنكار حال التغافل والإهمال الساعي للطمطمة على الظاهرة،  وأعمق من إدانة الموقف السلبي أو الجزئي المحدود بقصوره؛ وأرى أن المسؤولية تكمن في موقف حازم حاسم يوقف الظاهرة بإطلاق سراح  فوري للأحياء بلا تلكؤ أو تردد أو تمييز مع الكشف عن كل الملابسات التي دعت لاختفائهم طوال السنوات المنصرمة وتعويضهم وعوائل مَن تمت تصفيتهم وتأمين وجودهم وحقوقهم وحرياتهم وتلبية مقتضيات العدالة وإنصافهم مع قرار بـ(معاقبة فعلية) وعلى وفق القوانين لكل من ارتكب أو ساعد أو صمت و\ مرَّر ارتكاب تلك الجريمة..

إن الكشف اليوم عن القوى التي ارتكبت الجريمة ووقفها عما ارتكبت ومحاسبتها سواء كانت مشرعنة أم غير مشرعنة سيكون مدخلا وطريقا للسلم المجتمعي ولتحقيق العدل وحماية الحقوق والحريات وإطلاق مسيرة بناء الدولة القوية العادلة، دولة الحقوق والحريات التي تُعنى بالإنسان عبر تحقيق التنمية والتقدم في ظل السلام والأمن والأمان ومنع الإفلات من العقاب بل منع وجود البنى التي كانت ومازالت وستبقى إن لم يجرِ حلها نهائيا وإنهاء مخادعة الناس بقدسيتها وزيف ذرائع وجودها بضمن ذلك منع دمجها بمؤسسات الدولة بأي شكل كان.

إن جرائم التغيير الديموغرافي لا تطال السني والمسيحي والإيزيدي والمندائي وغيرهم من مكونات المجتمع بل هي تنشغل اليوم بما تسميه أقليات وتبتزهم تصفوياً ليأتي الدور في الغد بمنطقة إعلان سافر للفاشية وسطوتها وتستهدف من بقي من المجتمع العراقي وعمقه الوطني والقومي حيث سياسة تعتمد النفس الطويل لإلحاق البلاد بدولة فارس وأطماع الفاشية الدينية للملالي وتلك واحدة من مستهدفات جرائم الإخفاء القسري بمداها الأبعد.. فهلا تنبهنا!؟ فالقضية ليست مقصورة على عشرات آلاف بل على ملايين البنية العراقية وما ينتظرها

فلنقف معا وسويا ضد الإخفاء والتغييب القسريين ولنبحث معاقبة مرتكبيه جميعا ونؤسس وسائل الخلاص الكلي الشامل منه بوصفه من جرائم ضد الإنسانية وبوصفه مما يخضع للمحكمة الجنائية الدولية ومسؤوليتها وليس من حدود المسؤولية المحلية القابلة للابتزاز والتجيير وتمرير الجريمة..

إننا أمام خيار وحيد يكمن باستدعاء سلطة القانون الدولي في مطاردة الجناة ووقف تشكيلاتهم استراتيجيا.. فهل نحن فاعلون؟؟؟

 

 

 

******************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *