مائة عام على تأسيس الجيش العراقي!؟

إن الحديث عن بناء الجيش العراقي الجديد، لا يكتمل من دون فضح جريمة اُرتُكِبت بحق وجوده بنيويا عندما تمّ حله سنة 2003 ثم تشكيله بطريقة منتهكة تخريبية بزرع عناصر الدمج الجاهلة بمستويات قيادية! وبتفكيكه بإدماج القوى الميليشياوية التابعة لقيادة ومنهج غير وطني أو بالدقة بتبعية تلك القوى لأجندات إيرانية معادية للشعب العراقي ولدولته الحرة المستقلة. والحديث عن الجيش العراقي الجديد يتطلب تأكيد تشكيله بعقيدة عسكرية وطنية إنسانية الأداء تدافع عن السلام بحفظ السيادتين الداخلية والخارجية بخلافه لا وجود لجيش وطني عراقي ولا وجود للسيادة والبلاد والعباد بوضع مهدد بالاضمحلال والإلغاء كليا

مائة عام على تأسيس الجيش العراقي!؟

يوم انتهت الحرب الكونية الأولى، كانت أحد مؤشراتها ممثلة في سقوط الانكشارية والعثمنة التي أدرك العالم حجم جرائمها بأستار أسلمة العالم وإخضاعه لوصايا العصمللي الظلامي ومنظومته القيمية التي ارتكبت الفظاعات.. سواء بحق شعوب أوروبا أم فرض العتمة بل ظلاماً دامساً على شعوب الشرق ومحاولات طمس أي نهضة للفكر الإنساني..

فكانت انطلاقة البديل مرتبطة بذاك الواقع المعقد الرازح تحت سياط التخلف ما ترك بصمته في انتقال بعض مثالبه وملوّثاته.. لكن مسيرة قرن من الزمن سمحت للجيش العراقي المولود مطلع القرن الماضي أن يشذّب بنيته من كثير من الخطايا والأمراض، لكنه في الوقت الذي أكد أحقية تسلسله في الأداء وسط الجيوش العالمية وبوقت فرض وجوده ليكون السد المنيع بوجه الصراعات المفتوحة إقليمياً فكان عنوان سيادة وطنية عراقية كان بالوقت ذاته جزءاً من النظام السياسي داخلياً في فلسفته منذ العهد الملكي مروراً بمرحلة الانقلابات الراديكالية جمهورياً؛ فكانت جرائم كارثية مأساوية لبعض الزعامات ونظمها وصمات لا يمكن إلا أن نتمعن في دراستها والتوقف عندها بما يخلص الجيش الوطني من أن يوضع بغير المسار الوطني الملتزم منطق الأنسنة واحترام الحقوق في ضوء مهامه الفعلية لا رغبات ونزوات بعض مجرمين كما طغاة الفاشية وما ارتكبوه..

لكن المفيد الموجز هنا؛ أنْ لا سيادة حقة من دون جيش يحمي البلاد ويدافع عنها ضد الأطماع كالتي تجري اليوم بغياب دور الجيش العراقي ومهمته الرئيسة، إذ نجد قوى الشر الظلامية إيرانية وتركية تعبث في الميادين بذرائع لكن بشكل سافر فج وبيِّن جلي!!

وهنا بالتحديد تؤكد التجاريب ومنطقها أنّ بناء الجيش القادر على أداء مهامه ينبغي ألا يتم إلا بأولوية تبنِّي العقيدة العسكرية للجيش القائمة على أعمق التزام بالروح الوطني وجوهره الإنساني. هنا تكون هذه المؤسسة منسجمة بنيوياً مع منطق وجودها في الدفاع عن السيادة بمعنى حماية تراب الوطن بحماية المواطن الإنسان ومنع أي اعتداء بأي شكل وصورة عليه…

في هذا الموضع، تتحدد مهام الجيش الوطني بالدفاع عن الوطن والمواطن ورفض أي توظيف أو استغلال له في التعرض للمواطن بأية ذريعة.. بمعنى الامتناع عن إمكان تحويله لجندرمة أو شرطة قمعية بتلك مهمة حتى عندما تكون ضرورة ووظيفة مشروعة تحترم الحقوق هي خارج مهام الجيش وتنحصر بمهام أو وظيفة مؤسسة الأمن الداخلي الضامن للحقوق والحريات لا المتعارض مع أي وجه فيها..

وهكذا، فإن اليقين يؤكد أن وجود الجيش وبنائه على أساس العقيدة العسكرية الوطنية هي قضية ذات أولوية في بناء الدولة والدفاع عن الشعب في حدودها بسلامة ومنعة وثبات…

إنّ فكرة حل الجيش العراقي في 2003 كانت واحدة من أخط مقدمات زعزعة الدولة العراقية المعاصرة وفتح فرص انتهاك لا سيادة البلاد وسلامة التراب الوطني بل استعباد العراقي وكسر دفاعه الأول ما كرَّس انتهاك حقوقه وحرياته ممن هبّ ودبّ..

إن خلط الأوراق بنسبة الجيش الوطني إلى النظام لا يعني سوى إدامة تكريس عدم امتلاك الجيش ومنع امتلاك السيادة الوطنية وهي قضية تعني وجود الشعب من تفكيكه ووضعه موضع الاستغلال والاستعباد..

إذ في ظل عدم حماية السيادتين الخارجية والداخلية سيكون المعنى المفضوح جهارا نهاراً هو عدم احترام قانون وجود الدولة وبنيتها الحديثة المعروفة ومن ثمّ عدم احترام القوانين وانتهاك الحقوق كافة والحرمان من الحريات بوجود القوة البديلة للجيش الوطني ألا وهي القوة الميليشياوية..

والأخيرة هي قوة بلطجة واستهتار سواء بررت وجودها بحماية (المقدس) الديني أم المذهبي فهذا المقدس المزيف الذي خفي الحقيقة المتستر عليها حتى عندما يصح الحديث عن قدسية (حرية الاعتقاد) وسلامته لا يأتي من وجود قوة فوق القانون بل يُضمن فقط بجعل القانون فوق أية قوة ومن ثمّ فإن القوة الوحيدة الضامنة للقانون هي قوة المؤسسة العسكرية بعقيدة وطنية لا خروج عليها بالمطلق..

بخلاف ذلك فإن الميليشيات هي القوى العنفية المسلحة المنفلتة من سلطة القانون والمحفوظة بانتهاك القانون وهي أيضً تلك التابعة لأجندات غير وطنية سواء دينية أم مذهبية مما ينتمي بفكره السياسي إلى الطائفية ودويلاتها التي انقرضت منذ قرون لأن البشرية تعلمت دروسها الدامية فدحرتها بإشادة الدولة العلمانية ومنع اجترار نظامها تحت أي مسمى وفي أية جغرافيا..

ولا تعايش بين وجود الجيش ذي العقيدة الوطنية وبين تلك الميليشيات سواء أسميناها مجموعات مسلحة أو ميليشيات أو قوى مقاتلة أو أية تسمية أخرى كما في تسميات الجيش الشعبي أم الحشد الشعبي فهي مجرد محاولات ساذجة للتعمية على قانون امتلاك الدولة للجيش الوطني إذا كانت دولة تحترم مواطنيها وتحفظ سيادتيهم الداخلية والخارجية..

إن السذّج من أطفال يتم تجنيدهم بخلاف القوانين الدولية من الذين يجري استغلالهم باستغفالهم وإلقائهم بأتون حروب البلطجة والسطو على المشهد الوطني بذرائع ليست سوى أوهام وأباطيل تضليل يسغل الدين والمذهب، إن أولئك إنما هم أول ضحايا النُظُم التي تقتحم وجودنا الإنساني بإرهابها وجرائمها المنفلتة من العقاب!

من هنا فإن مائة عام من تاريخ تأسيس الجيش العراقي لا يحمل فيها هذا الجيش وزر النُظُم والزعامات التي قامرت وغامرت بمصائر الشعب ومكوناته وارتكبت جرائم باختلاف أبعادها لكنه أي الجيش العراقي هو تلك المؤسسة العسسكرية التي كانت ومازالت عنوان السيادة الوطنية والدفاع عن الدولة العراقية ومصير شعبها ومستقبله..

ومن هنا أيضا فإننا لا يمكن أن نبرر وجود اية قوة مسلحة بجانب الجيش الوطني العراقي إذا تحدثنا عن دولة وسيادة وشعب وسلامة قانون.. ويجب هنا أن نُعنى ببناء الجيش العراقي بعقيدة وطنية صحية صحيحة تبدأ بمنطق العقيدة العسكرية القائمة على سلامة بنيوية هيكلية لهذا الجيش وحظر تام مطلق لكل جماعة ملحة فورا بحل تلك الميليشيات بكل أشكالها وذرائع وجودها..

فمن يحمي الشعب ومكوناته الدينية والمذهبية ليس الميليشيا التي تأخذ أتاوتها قهرا ومسبقا مقابل عبث ما يسمونه حمايتها والكارثة أن الأتاوة، أتاوة البلطجة، إنما تكون هنا ليس بضعة دولارات أو دينارات بل كرامة المواطن وشرفع وعرضه مما لا يمكن الدفاع عنه إلا بالانتحار والموت المجاني برصاص البلطجة والبلطجية أو الهروب من الوطن البيت المحمي!!!

إن وجود الجيش العراقي اليوم لا يكفيه إطلاق شعارات منع انتشار السلاح وتفشي استخدامه فذلك مجرد مسكنّات للتخدير المؤقت الذي يخاطب الاستغفال وعقد توازنات واتفاقات غير مكتوبة مع القوى الميليشياوية بمنحها شرعية الانتساب فرديا بـ(الدمج) لتصل (عناصر الدمج) المنفلتة التي لا تمتلك لا كفاءة مهنية ولا عقيدة وطنية بل التي تأخذ أوامرها من خارج الحدود! وكثرما تجدون تلك العناصر الحاكمة بأمر سيدها الذي يرونه وكيل الله على الأرض تبريرا لاختراقها البنيوي للمؤسسة العسكرية!! ومنح شرعية الوجود والعمل جمعيا بإطلاق لا تسمية الحشد الشعبي حسب بل بإدخاله في الهيكل الكلي لوجود القوات المسلحة بما ينفي عن الجيش ومجمل تلك القوات مبدأ العقيدة العسكرية الوطنية ويفتح الطريق واسعا لشرذمة القوات وجعلها لا ألوية وفرقا تتبع قيادة عامة مهنية محترفة مدربة بل شراذم بلطجية تنطلق مسعورة بحسب أوامر من يطلقها في ضوء مخططاته أو يستغل وجودها لضمان عدم تمكين الشعب من سيادته ووجود من يحميها على وفق القانون..

إنّ إرادة العراق وأهله ترى أن أولى مهامها تكمن في حل أصابع التدخل وأحصنة طروادة الإيرانية التي استباحت البلاد والعباد والاشنغال ببناء الجيش الوطني بحق بعيدا عن ألاعيب و\أو مخططات أعداء الشعب والوطن..

وحتى نبني الجيش الوطني لا يمكن إلا أن نرفض آليات تخريبه سواء بوجود عناصر الدمج الهدامة التخريبية أم بوجود مجموعات وشلل البلطجة الإرهابية من ميليشيات ليس بينها لا لواء عسكري ولا كتيبة ولا فوج ولا فرقة بحسب تسميات الجيوش إنها شراذم تخريب وهدم مركبة من أوهام الإيمان بالدفاع عن مقدس فيما فعلها يبقى متعارضا مع وجود المقدس الوحيد المدافع عن المواطن الإنسان وسيادته داخلية وخارجية..

تحية للجيش العراقي ببنيته وعقيدته التي تمسكت بالفداء من أجل احترام الشعب والوطن.. من أجل سلامة الدولة بل أوضح وأدق من ذلك تحية للجيش العراقي الذي ضحى من أجل السلام الحقيقي الأشمل والأعمق في العراق والمنطقة والعالم..

وعندما نحيي الجيش العراقي فإننا نقصد الجيش الذي لم ينتم لنظام فاشي أو دموي مجرم ولم يقر تخريبه بأحابيل أو أباطيل ما بعد 2003 بأمل وطيد في استعادة وجوده بوصفه القوة الحصرية التي تنهض بمهام الدفاع عن وجودنا في عالم مضطرب لا يخضع لبلطجية مافيوية تستنزف ثرواتنا وخيراتنا كما نرى ذلك اليوم وتنتهكنا ليل نهار ببلطجة تصفوية دموية..

هذا ما نريده من جيشنا مدافعا عن الشعب، عن الأنسنة والوطنية لا يخضع لقيادات الفساد والدموية وإنما لقانون حقوق الشعب وحرياته..

مائة عام آتية من إعادة التأسيس على أساس ينهي اي توظيف للجيش في جريمة أو تخريب أو خنوع ولا قدسية إلا لاستقلالية جيش محترف يحمي الشعب والوطن وحده من دون عناصر التفاهة التي أدمت أهلنا وتحديدا أطفال بلادنا وفتيتهم..

إن الحديث عن جيش ذي عقيدة عسكرية وطنية يبدأ أيضا من إنهاء ظواهر الفساد التي رافقت لعبة تدعي البناء وتتقصد التفكيك والتخريب كما شهدنا في قضايا التسليح وغيره وتلك إشكالية خطيرة أخرى يجب التوقف عندها بمعالجات مستقلة تتفرد في متابعتها وتناولها

كل عام وأبطال الجيش الوطني عقيدة وفكرا عسكريا إنسانيا بخير وبطولة واستقلالية لا تزيفها لا شعارات وهمية للتخدير ولا ادعاءات زائفة ومناورات مرضية

كل عام والشعب أعرف بطريق اختيار بناء جيشه الوطني بلا ميليشيات وقوى تخريب..

ألا فتنبهوا.. ألا فتفكروا وتدبروا قبل أن ينتهي أمر الشعب والوطن واسمهما العراق وجوديا

في الحديث عن جيش وطني يحمي السيادة يجب التحدث عن بنائه بسلامة منطق حقوق الإنسان وحقوق الشعوب واحترامهما والدفاع عنهما.. وينبغي الالتفات إلى قضايا المهنية وتحديد المهام على وفق الدساتير والقوانين الأممية وما ثبتته من أسس سليمة صائبة لا يُسسمح بالخروج عليها خلا ذلك فإن نقاء البناء ومنع أي سلاح خارج الجيش الوطني ركن جوهري لا يمكن اختراقه تحت اية ذريعة
***************************************************************************************************************************************************************************************************************************************

ألواح سومرية معاصرة إذ تنشر مثل هذه الحملة فإنها تتطلع لتداخلات وتفاعلات بكل اتجاهاتها كي تُعلي من مكان ومكانة الحملة القائمة على منع ضخ التخلف ومنطق الخرافة في الذهنية العامة وعلى استعادة منطق التحضر والعقل العلمي في المنجز 

*****************************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي
https://www.somerian-slates.com/2016/10/19/3752/

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *