حلقات رؤية سياسية للمناقشة يكتبها الدكتور كاظم حبيب بعنوان: التحديات العاصفة التي تواجه العراق وسبل تفكيكها ومعالجتها

حلقات رؤية سياسية للمناقشة يكتبها القائد اليساري الديموقراطي العراقي الدكتور كاظم حبيب بعنوان: التحديات العاصفة التي تواجه العراق وسبل تفكيكها ومعالجتها وتضعها ألواح سومرية معاصرة كاملة موحدة هنا بغرض الحوار والمناقشة فأهلا وسهلا بتفاعلاتكن وتفاعلاتكم 

الدكتور كاظم حبيب

رؤية سياسية للمناقشة

التحديات العاصفة التي تواجه العراق وسبل تفكيكها ومعالجتها

الحلقة الأولى: توصيف المشكلات التي تواجه الدولة والمجتمع كتحديات مستمرة

نحن أمام لوحة رمادية مليئة بمشكلات متفاقمة تجتاح الساحة العراقية وتزداد يوماً بعد آخر تعقيداَ وتشابكاً وصعوبة وتحدياً للدولة والمجتمع. والمشكلات المتراكمة ليست بصناعة عراقية بحتة حسب، بل هي إقليمية ودولية أيضاً. وبالتالي، فأن معالجتها تتطلب تظافر جهود كبيرة محلية وإقليمية ودولية في آن. فما هي التحديات الداخلية أولاً؟ وما علاقتها بالتحديات الخارجية التي تواجه البلاد حالياً ثانياً؟ وما هي السبل الناجعة للفكاك منها ومعالجتها لصالح العراق والأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط ثالثاً؟ ستوزع محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة في ثلاث حلقات لتسهيل قراءتها وربما مناقشتها.

الحلقة الأولى: التحديات التي تواجه العراق داخلياً

يمكن بلورة سلة متكاملة من المشكلات المتراكمة التي يعاني منها شعب العراق والتي تعتبر تحدياً مباشراً للدولة والمجتمع. إنها مشكلات تتشابك فيها الجوانب السياسية بالاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنها الدينية والمذهبية، والعسكرية والأمنية والبيئية من جهة، والداخلية والإقليمية والدولية من جهة أخرى، لتصبح مجمعاً شديد التعقيد والتشابك.

 اللوحة السياسية الداخلية والمؤثرات الإقليمية والدولية:

** استمرار وجود نظام سياسي قائم على التمييز الديني والمذهبي والقومي والمحاصصة الطائفية السياسية ويعتمد نشر الكراهية والاحقاد في المجتمع؛ ** يجد هذا النظام الدعم من مجلس نيابي قائم على أسس المحاصصة الطائفية والهويات الفرعية ونبذ الهوية الوطنية العراقية المشتركة والمتساوية؛ ** تفاقم سقوط هيبة الدولة وهشاشتها وهامشيتها وثقة الشعب بها وبالسلطات الثلاث والمؤسسات والهيئات المستقلة؛ ** وجود أحزاب سياسية حاكمة تقوم على قاعدة الهويات الفرعية والتمييز الديني والطائفي السياسي وتستهدف تعميق الانقسام والصراع والكراهية في المجتمع للبقاء في السلطة وتمتع قياداتها بخيرات البلاد وموارها؛ ** وجود دولة عميقة مهيمنة على الدولة الرسمية المهمشة وناشطة بقياد فريق عمل هو (البيت الشيعي) وميليشيات طائفية مسلحة ولائية، ومكاتب اقتصادية تابعة لها، وفرق تهديد وابتزاز واغتيالات واختطاف وتغييب؛ إضافة إلى وجود سلاح منفلت واسع النطاق؛ ميليشيات إرهابية أخرى تابعة لتنظيم الدولة (داعش) والقاعدة؛ ** وجود فعلي وتدخل مباشر للقيادة الإيرانية في الشؤون العراقية وعبر الدولة العميقة وجمهرة واسعة جداً من المسؤولين وقيادات وكوادر الأحزاب الحاكمة؛ ** وجود وتدخل عسكري فعلي وفظ للدولة التركية في شمال العراق وإقليم كردستان العراق؛ تفاقم الصراع الإيراني – الأمريكي، بروز جديد للصراع الإيراني- التركي، والصراع الإيراني-السعودي والخليجي، على الأرض العراقية وتجلياته في الواقع المعاش يومياً؛ ** تعقد العلاقة بين الحكومة الاتحادية ومجلس النواب الاتحادي من جهة، ورئاسة وحكومة الإقليم والمجلس النيابي من جهة أخرى، وانعدام فعلي للثقة بينهما؛ ** رغم خفوت الصراع حول المناطق المتنازع عليها، إلا إنه يشكل أحد أبرز المشكلات المستعرة، لاسيما في كركوك قبل الانتخابات العامة المبكرة. ** وأخيراً وليس آخر نهج مصادرة الحريات العامة وحقوق الإنسان على ايد أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والحشد الشعبي وميليشياتها المسلحة.         

التحديات الاقتصادية:

** الضعف الشديد للاقتصاد العراقي وتشوه بنيته وطابعه الريعي وتخلف قدراته الإنتاجية وتوقف فعلي لعملية التنمية، لاسيما الإنتاجية، وتدهور شديد في الخدمات العمة، لاسيما الكهرباء والماء والاتصالات، وارتفاع الأسعار وتدهور قيمة وسعر صرف الدينار العراقي؛ ** اتساع قاعدة البطالة والبطالة المقنعة واستنزاف جزء مهم من موارد الدولة، الفقر المتفاقم واتساع قاعدته ليشمل فعلياً أكثر من نصف المجتمع بغض النظر عن العوامل الفاعلة العديدة؛ ** الفساد العام والشامل الذي يسود في الدولة بسلطاتها الثلاث وهيئاتها المستقلة والأحزاب الحاكمة والمجتمع؛ ** التخريب المستمر للاقتصاد العراقي ومنعه من التنمية الإنتاجية وإجباره على زيادة الاستيراد، لاسيما من إيران وتركيا، وإغراق الأسواق بسلعهم ومنافسة المنتوج المحلي؛ ** تقلب أسعار النفط الخام وتأثيرها المباشر على الدخل القومي وحياة ومعيشة المجتمع، لاسيما الفقراء والكادحين؛ ** دور “وصفة” وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في السياسة الاقتصادية-الاجتماعية للعراق ودعمها لوجهة السياسات النيوليبرالية التي تتجلى في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية للحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق والبعيدة عن مصالح الشعب والاقتصاد الوطني؛ ** تفاقم المشكلات الاقتصادية والمالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، لاسيما في النفط وحصة الإقليم من الميزانية السنوية والجمارك في المناطق الحدودية. ** غياب الرقابة والاشراف النزيهين على صادرات النفط الخام العراقي وعلى عموم واردات العراق التجارية الحكومية منها والخاصة واستشراء الفساد فيها. ** الرواتب العالية للبرجوازية البيروقراطية الكبيرة الحاكمة ومخصصاتها وامتيازاتها التي لا تنسجم بالمطلق مع واقع العراق الاقتصادي والاجتماعي، إنه نهب مقنون، رسمته إدارة الاحتلال الأمريكي وواصلته النخب الحاكمة الفاسدة وزادت عليه؛ ** النهب المنظم لموارد البلاد المالية من جانب الأحزاب الحاكمة والدولة العميقة وقوى الجريمة المنظمة المحلية والإقليمية والدولية. ** ارتفاع عدد أيام العطل الرسمية الدينية والطائفية، ولادات ووفيات وأئمة وأولياء جدد ما أنزل الله بها من سلطان في السنة عن أيام العمل السنوية، إضافة إلى ضعف إنتاجية الفرد العراقي عموماً، مما يزيد من مصاعب الفرد والمجتمع.

3) التحديات الاجتماعية

** استمرار وجود نسبة علية من الأمية بين الكبار، لاسيما النساء، وتخلف الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تنامي الاستعداد لممارسة العنف والقسوة من جانب الدولة والميليشيات القائمة وفي التعامل اليومي وفي العائلة والمدرسة والشارع** استمرار فعل فكر العلاقات شبه الإقطاعية والعشائرية في حياة الفرد والمجتمع في الريف وفي المدين، لاسيما المناطق العشوائية والفقيرة المتنامية؛ ** استمرار دور وتأثير المؤسسة الدينية السنية والحوزة الدينية الشيعية السلبي على فكر وممارسات الإنسان المتدين أو المؤمن؛ تدهور مستوى التربية والتعليم في مختلف مراحل التعليم في العراق وتأثيره السلبي على الشبيبة؛ الموقف المناهض للفنون الجميلة كالرسم والنحت والموسيقى والرقص والغناء والمسرح والسينما..، وقلة النوادي ومجالات الترفيه عن الشباب؛ ** تنامي حياة الحزب والبكاء واللطم في البيئة الشيعية وتفاقم تدهور الوضع النفسي والعصبي في عموم المجتمع العراقي؛ ** تدهور موقع ودور المرأة في الدولة والمجتمع وتفاقم العنف الأسري والمجتمعي ضد المرأة والنظرة الدونية إزاءها؛ ** تفاقم العهر النسوي والذكوري لأسباب مختلفة بما فيها العوز المادي والتفكك المجتمعي وتراجع القيم والمعايير الأخلاقية في الدولة والمجتمع؛ ** البطالة والفقر المدقعين وغياب الضمانات الاجتماعية والصحية، وتفاقم فجوة الدخل السنوي للفرد والعائلات ومستوى الحياة والمعيشة بين فئات المجتمع التي تشير إلى غياب جائر ومدمر للعدالة في المجتمع؛ ** أوضاع العائلات النازحة والمشردة المزرية، وضحايا القتل والاغتصاب والاغتيال والاختطاف والابتزاز؛ ** تزايد عدد الأرامل والمطلقات وارتفاع عدد الأطفال المشردين والمحرومين من الرعاية الاجتماعية والصحية والتربية المدرسة، تفاقم خطير في انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها بين شبيبة العراق، لاسيما أنواع الحبوب الأكثر خطورة، وتنامي عدد المنتحرات والمنتحرين أو المغدور بهم تحت ستار “غسل العار”؛ ** الدور المتنامي لقوى الجريمة المنظمة المتشابك مع أجهزة في الدولة والدولة العميقة.

3) التحديات العسكرية

** ضعف أو تخلخل العقيدة الوطنية العراقية في مختلف صنوف القوات المسلحة وأجهزة الأمن بسبب النهج الطائفي للسلطة التنفيذية ولأسباب ترتبط بطبيعة النظام السياسي وسياساته الجارية؛ ضعف القوات المسلحة العراقية فكرياً وتقنياً وقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية الكبيرة التي تواجه العراق؛ ** وجود جيش موازي هو “الحشد الشيعي” بتكوينه الميليشياوي الولائي الفعلي وقيادته الولائية ونشاط الميليشيات الطائفية المسلحة المناهض والمتحدي لبعض قرارات الحكومة العراقية ومصالح الشعب والاستقلال والسيادة الوطنية؛ امتلاك الميليشيات الطائفية المسلحة الحشدية الولائية وغير الولائية أسلحة صغيرة ومتوسطة متقدمة وصواريخ ومنصات إطلاق وعربات مصفحة .. وغيرها، تصلها من القوات المسلحة العراقية ومن إيران في آن واحد؛ ** وجود كم هائل من السلاح المنفلت بيد العشائر العراقية والأفراد وقوى الجريمة المنظمة؛ ** ويبرز هنا بشكل خاص الصراع الإيراني الأمريكي من خلال نشاط الميليشيات المسلحة وأطلاق الصواريخ ضد المواقع الأمريكية والقيام بعمليات عسكرية بما فيها تفجيرات وألغام ضد قوات التحالف الدولي في العراق؛ ** المشكلات المرتبطة بالوجود العسكري الأمريكي والتحالف الدولي في العراق؛ ** الوجود العسكري التركي في شمال العراق وإقليم كردستان العراق. ** استمرار وجود عنصرية وتمييز متنوع مكشوف ومستتر في تصرفات القوى القومية وقوى الإسلام السياسي شيعية أم سنية وأن اختلفت زاوية الرؤية والتمييز.

4) العلاقات العراقية الإقليمية والدولية

** تتنازع القوى السياسية الحاكمة بشأن علاقة العراق مع كل من إيران والسعودية وتركيا ودول الخليج أولاً، ومع كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين ثانياً، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية؛ ** كثافة النشاط الإيراني في العراق وسعي القيادة الإيرانية في ربط العراق بمشاريعها السياسية والعسكرية والأمنية بها في منطقة الشرق الأوسط وتوريط العراق بالحرب الجارية في سوريا منذ سنوات من خلال زج الميليشيات العراقية في تلك الحرب وتمويل النظام السوري وكتائب حزب الله اللبناني الإيرانية بالمال وبالسلاح عبر العراق؛ ** محاولة إيران منع العراق من إقامة علاقات إقليمية سوية مع الدول العربية، في مسعى منها لجعل العراق جزءاً منها ومن استراتيجيتها الإقليمية والدولية؛ وهذا الأمر ينطبق على محاولات الولايات المتحدة في استخدام الأرض العراقية جزءاً من صراعها ضد إيران.     

هذا التوصيف المكثف للمشكلات التي تواجه الدولة والمجتمع يفترض إبراز موقف الدولة بسلطاتها الثلاث من كل تلك المشكلات، لاسيما الأساسية منها التي أثقلت حتى الآن ومازالت كاهل المجتمع وصادرت حقوق الإنسان، لاسيما حقه في الحياة والكرامة والعيش الأمين، وقوضت حتى الآن الاستقلال والسيادة الوطنية.

الحلقة الثانية: توصيف موقف الدولة بسلطاتها الثلاث من هذه المشكلات

الحلقة الثالثة: سبل وآليات المعالجة الجذرية لهذه المشكلات والتحديات

****************************************************************************

رؤية سياسية للمناقشة

الحلقة الثانية

توصيف وتحليل موقف الدولة بسلطاتها الثلاث من مشكلات المجتمع العراقي

الدكتور كاظم حبيب

لعب النظام البعثي بسياساته وأساليبه الفاشية دوراً كبيرا في نسف أسس وقيم النظام المدني على المستوى الداخلي، وإثارته لنزاعات دموية عبر سياساته التوسعية العدوانية وحروبه المتلاحقة على المستوى الإقليمي، ومواقفه الانتهازية المخاتلة والفاسدة على المستوى الدولي. وكانت عواقب ذلك تدميرية للاقتصاد الوطني ومعيشة الشعب وما أنجز خلال ثمانية عقود من عمر الدولة العراقية، ولوحدة الدولة والنسيج الوطني للمجتمع العراقي المتعدد القوميات والديانات والمذاهب الدينية والفلسفية والاتجاهات الفكرية والسياسية. وقد عانت جميع قوى المعارضة، وبمستويات متباينة، من عنف ودموية هذا النظام وأساليبه الفاشية. وكان من شأن ذلك أن يمنح قوى المعارضة مناعة حين تكون في السلطة ضد التسلط وممارسة الإرهاب الفكري وقمع الصوت والرأي الآخر. ولكن ما حصل كان عكس المنطق السليم تماماً، إذ مارست القوى الحاكمة سلوكاً مناهضاً للعقل والعقلانية والحياة المدنية الديمقراطية.

حين جرى التهريج الأمريكي-البريطاني بدعوى الخلاص من النظام البعثي الأوتوقراطي الفاشي ومن هتلر الصغير “صدام حسين” أولاً، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية على نمط “الحرية والديمقراطية الأمريكية!” ثانياً، صَدَّقت غالبية قوى المعارضة وغالبية الشعب هذه الفرية، لأنها كانت تعاني الأمرين من جبروت النظام وقمعه وحروبه وتجويعه للشعب، ونست أو تناست ما يمكن أن ينتظر العراق بعد حرب تدميرية متعمدة وهادفة ثم الوقوع تحت الاحتلال الأمريكي-البريطاني للوطن المستباح بهم وبغيرهم. ومن كان يعمل ضمن قوى المعارضة من المدنيين الديمقراطيين والتقدميين واليساريين أدرك بجلاء ما يمكن أن ينتظر العراق بعد إسقاط الدكتاتورية الغاشمة بسبب ممارسات المعارضة واتجاهات عملها وغياب الوعي الديمقراطي المؤسسي في غالبية هذه الأحزاب والقوى إن لم نقل كلها. وهي مسألة منطقية في بلد لم يعرف أبداً طعم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات.

أقامت قوى الاحتلال الأمريكي البريطاني، وبمساومة وسخة مع القيادة الإيرانية وغالبية الأحزاب السياسية العراقية، على أنقاض النظام الدكتاتوري الفاشي، نظاماً سياسياً طائفياً فاسداً خضع لها أولاً، ثم للقيادة الإيرانية ذات التوجهات التوسعية والساعية إلى ضم العراق لها باعتباره جزءاً من الإمبراطورية الفارسية الجديدة، كما كان في فترة ما من تاريخ بلاد ما بين النهرين تحت الاحتلال الساساني أو الاحتلال الصفوي، في حين كانت فارس كلها (إيران حالياً) في فترة الإمبراطورية الأموية في الشام والإمبراطورية العباسية في بغداد جزءاً منهما.

على مدى 18 عاماً مارست الجمهورية الخامسة، جمهورية أمراء الطوائف والميليشيات الفاسدة والتابعة، سياسات لم تعالج المشكلات التي ورثتها من النظام السياسي البعثي الفائت فحسب، بل زادت عليها وعمقت من مشكلات الدولة والمجتمع التي تعرضنا لها في الحلقة الأولى. إن ما جرى ويجري في العراق منذ إسقاط الجمهورية الرابعة البعثية حتى الآن يشكل نهجاً مناهضاً لطموحات وتطلعات الشعب والقوى المدنية والديمقراطية ومدمراً للاقتصاد ووحدة البلاد وإرادة ومصالح الشعب واستقلال وسيادة العراق.

فإذ كانت أهداف قوى الاحتلال الأمريكي جلية وصريحة في وضع العراق ضمن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والمصالحة التدريجية مع إسرائيل كجزء من مشروع القرن للشرق الأوسط والخليج، وعلى طريق النيوليبرالية والهيمنة الفعلية على السياسة النفطية، ومواجهة التوسع الإيراني وسياستها في تصدير الثورة الإيرانية الشيعية وفرض مصالحها على دول المنطقة، فأن الأحزاب السياسية التي تولت الحكم لم تمتلك العقيدة والرؤية الوطنية، ولا الالتزام بهوية المواطنة الواحدة والمتساوية، ولا انتهاج سياسية اقتصادية واجتماعية وطنية مستقلة بأي حال، بل تركز اهتمام كل حزب طائفي أو قومي منها على هوية فرعية قاتلة للوحدة الوطنية، على تحقيق ما يلي:

  1. تعزيز نفوذ الحزب الذي يمثله، سواء أكان حزباً طائفياً أم قومياً؛
  2. الادعاء بتمثيل دين أو طائفة دينية أو قومية أو عشيرة؛
  3. السيطرة على قيادة الدولة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة عبر الادعاء بالعلم على قاعدة “التوفق – الصراع!” في توزيع الحصص في السلطات الثلاث على أسس دينية وطائفية وقومية ومناطقية؛
  4. الهيمنة الكاملة وبمختلف السبل غير المشروعة على المال العام والتصرف به لصالح كل منها وزيادة الريع السنوي المتحقق من استخراج وتصدير النفط الخام بما يسمح لها بمزيد من نهب المال والنفط الخام وتهريبهما. ونشأ عن ذلك كثرة من القطط السمان وأصحاب النعمة الحديثة المنهوبة من مال الشعب؛
  5. التوسع غير المعقول وغير المقبول في منح عقود استخراج النفط الخام (تأجير أو مشاركة) طويلة الأمد بجولات عديدة، سواء أكان ذلك على مستوى الحكومة الاتحادية أم حكومة إقليم كردستان، في غير صالح الاقتصاد الوطني والمجتمع. وقد اقترنت هذه العقود بجوانب سياسية من جهة، وبفساد كبير من جهة أخرى، كشف عنه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
  6. اعتماد أساليب ملتوية كثيرة للهيمنة على المال العام، بما في ذلك النهب الصارخ المباشر، وعبر مزاد البنك المركزي لبيع العملة الصعبة، وغسيل الأموال، وعبر العقود التجارية والمقاولات والعقارات، وتهريب النفط الخام والآثار العراقية القديمة، وكذلك عبر شراء الأسلحة والطاقة الكهربائية والمنتجات النفطية والغاز من الخارج؛
  7. الابتعاد الكلي عن عملية التنمية الاقتصادية، لاسيما الإنتاجية في الصناعة والزراعة وفي القطاعين العام والخاص والقطاع المختلط، مما سهل وأوجب عملية الاستيراد السلعي من إيران وتركيا بشكل خاص. وكان لأتباع إيران دور رئيسي في التخريب الاقتصادي وإعاقة التنمية الصناعية والزراعية والطاقة الكهربائية. ومن يتابع قانون الموازنة العامة لسنة 2021 سيجد مصداقية الاتهام بأن وزير المالية العراقي الجديد، ومعه بقية المسؤولين عن وضع فقرات الميزانية المختلفة، قد اتبعوا وبالتزام شديد الوصفة الدولية النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تقدمها للدول النامية، ومنها العراق، بشأن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، والسيات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية الدولية. ويجري هنا التركيز على مسائل منها:

** ابتعاد الدولة كلية عن النشاط الاقتصادي، لاسيما الإنتاجي والتجارة الخارجية وخصخصة المشاريع الاقتصادية الحكومية القائمة، بما في ذلك وفي مستقبل غير بعيد قطاع النفط الاستخراجي؛

** منح القطاع الخاص المحلي والأجنبي الدور الأساسي والرئيسي في العملية الاقتصادية الإنتاجية والخدمات الإنتاجية ومشاريع البناء والتجارة الخارجية …الخ؛

** التوقف عن دعم الأسعار للسلع الأساسية وإيقاف البطاقة التموينية والتخلي عن أي فكرة بشأن التأمين الصحي الحكومي أو الضمان الاجتماعي؛

** تعويم العملة المحلية أو تخفيضها إزاء الدولار الأمريكي، كما حصل أخيراً، مما أدى إلى عواقب اقتصادية ومعيشية درامية لفئات وسعة جداً من العائلات الفقيرة والكادحة ومن ذوي الدخل المحدود وصغار الموظفين بسبب انخفاض قيمة وقدرة الدينار العراقي أولاً، وارتفاع أسعار السلع والخدمات المستمر ثانياً؛

  1. الاتجاه صوب إغراق الأسواق المحلية بالسلع المستوردة من كل من إيران وتركيا بشكل مقصود من جانب قيادة السلطة التنفيذية، ومن ثم من الصين وتوجيه مبالغ طائلة لهذا الغرض مصحوبة بفساد كبير ومتنوع؛
  2. الهيمنة الطائفية الشيعية لأحزاب “البيت الشيعي” على السلطة التنفيذية والتشريعية والأكثرية البرلمانية ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية والادعاء العام من جهة، وعلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمخابرات والاستخبارات والميليشيات الطائفية المسلحة (والحشد الشعبي) من جهة أخرى، التي سهلت لأحزاب البيت الشيعي إصدار قوانين غير ديمقراطية، وممارسة سياسة تربوية وتعليمية ذات نهج طائفي شيعي مقيت مناهض للديانات والمذاهب الأخرى وأتباعها والممزق للنسيج الوطني للمجتمع العراقي. كما ساهمت مع مرور الوقت على تدجين القيادات السنية بأسلوب “الجزرة والعصا” المعهود، لاسيما قادة بعض الأحزاب السنية والمشارِكة في قيادة السلطات الثلاث للدولة وعبر المساومة الرخيصة مع إيران أيضاً؛
  3. الهيمنة المباشرة على وزارتي التربية والتعليم ووضع المناهج بروح وأسس طائفية مقيتة تنشر الكراهية والأحقاد في صفوف التلاميذ والطلبة والمجتمع؛
  4. الهيمنة التامة على أجهزة الإعلام الحكومية وكثير من إعلام القطاع الخاص طائفياً من جانب قيادة السلطة الشيعية. والهيمنة هنا لا تنتهي بالسيطرة على المواقع الأساسية وغالبية العاملين والتمتع بامتيازات خاصة فيها فحسب، بل وكذلك الهيمنة الفكرية والتوجيه السياسي والتربوي والتثقيفي العام؛ وهنا لا بد من الإشارة إلى:

** كثرة قنوات لتلفزة الدينية ذات النهج الطائفي الشيعي المتزمت التي تبث سمومها يومياً؛ ** كثرة الاحتفاء بأعياد الميلاد أو بذكرى وفيات الأنبياء والأولياء الصالحين المتزايد عددهم سنة بعد أخرى بما يسهم في إشغال فكر الناس بذلك ونسيان أوضاعهم في جو من الفرح الحزين والحزن العميق الذي يصيب الناس في المناطق الشيعية وعموم البلاد، كما يصيب الناس بالقنوط والاقتصاد الوطني بخسارة فادحة؛ ** كثرة العزاءات الحسينية والمسيرات على الأقدام واللطم وشج الرؤوس بالسيوف والقامات وجلد الظهر بالسلاسل السكينية وكثرة من بدع وأفعال متطرفة كالتمرغ بالطين “حزناً!” على استشهاد أبو عبد الله الحسين (628-680م) وصحبه في كربلاء بدلاً من تكريمه بصيغ إنسانية محترمة؛ ** تنظيم القراءات من على المنابر الحسينية التي تثير الأحقاد والكراهية ضد أتباع المذهب السني وكأنهم “قتلة!” الحسين زيفاً وإساءة، وكذلك ضد أتباع الديانات الأخرى. وقد عمل على إثارة روح الفتنة والكراهية بصراحة صارخة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي حين قال، بما لا يقبل تفسيراً خاطئاً في عمق طائفيتيه وتعصبه المفرط وسوء نواباه، في مدينة كربلاء: “أنصار الحسين وأنصار يزيد يصطدمون بمواجهة شرسة عنيدة… الجريمة بحق الحسين لم تنته لا زالت فصولها نعيشها اليوم…” (أنظر: وسيم نصر، عادت الميليشيات تصول وتجول في العراق بسياق مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، فرانس 24، 13/11/2014)؛

  1. إن وجود نظام سياسي طائفي تحت قيادة طائفية متشددة مُحملة ومهووسة بالكراهية ولأحقاد إزاء أتباع الديانات والمذاهب والإيديولوجيات الأخرى في بلد يعتمد اقتصاده على الريع النفطي بشكل رئيسي، قاد وسهل ممارسة سياسات بعواقب مريعة، منها:

** بروز مقاومة سياسية وعسكرية من المناهضين لها؛ ** تشكيل ميليشيات طائفية مسلحة وإرهابية للقوى المتصارعة؛ ** تفاقم الفساد المالي والإداري في الدولة والمجتمع واستخدام ذلك لتشديد السيطرة والاغتناء الشخصي على حساب المجتمع ومصالحه؛ ** وفي هذا الصراع الطائفي المحتدم استنجد كل طرف طائفي محلي بالقوى الإقليمية المجاورة التي ساهمت في تعميق الصراعات والنزاعات الدموية المفرطة والقتل على الهوية واجتياح وغزو العراق؛

إن شعب العراق ومنذ 18 عاماً يعيش تحت وطأة دولة هامشية مهمشة وسلطات ثلاث فظة تدار من قبل أحزاب إسلامية سياسية على رأسها قيادة شيعية مفرطة بالطائفية والتعصب المذهبي لتغطية مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية بالأساس، وتمارس بشتى الطرق سياسات لم تعالج تلك المشكلات القديمة والكبيرة التي كان يعاني منها المجتمع ويريد معالجتها، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الأمنية أو العسكرية أو البيئية منها، فحسب، بل أضافت إليها، وكلنا شهود على ذلك، مشكلات جديدة في جميع تلك المجالات وزادتها بالتبعية لقيادة الحكم في إيران وثلمها الكبير للاستقلال والسيادة الوطنية.

إن القوى الحاكمة لم ترتدع بالانتفاضة الثورية السلمية المديدة التي نهضت بها شبيبة العراق من الذكور والإناث وقدمت نجوماً ساطعة شهداء وجرحى ومعوقين على مذبح الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وهي غير مستعدة لأي إصلاح يستهدف، ولو جزئياً، وجودها في السلطة ومصالحها الاقتصادية والمالية ونفوذها في المجتمع وتبعيتها الشديدة لإيران ومرشدها المستبد بأمره و”ولي العصر!” علي خامنئي. فما العمل الذي ينبغي ان تنهض به المعارضة المدنية والديمقراطية وقوى الانتفاضة التشرينية في تعبئة الشعب وقيادته لتغيير الواقع المرير القائم؟ هذا ما يفترض الإجابة عنه في الحلقة الثالثة والأخيرة.

الحلقة الثالثة: سبل وآليات المعالجة الجذرية لهذه المشكلات والتحديات

****************************************************************************

رؤية سياسية للمناقشة 

الحلقة الثالثة والأخيرة:

سبل وآليات المعالجة الجذرية لهذه المشكلات والتحديات

الدكتور كاظم حبيب

شارك المئات من الكتاب والسياسيين والإعلاميين والأدباء والفنانين العراقيين وبعض القوى والأحزاب السياسية ونقابات ومنظمات المجتمع المدني العراقية، لاسيما منظمات حقوق الإنسان والمرأة والعمال والشبيبة والطلبة، وكثرة من مراكز البحث العلمي على الصعيدين العربي والدولي، وعلى مدى السنوات المنصرمة، بتوجيه النصح والنقد الشديد والمباشر للنهج غير الوطني وللسياسات السيئة التي مورست في العراق منذ إسقاط الدكتاتورية الغاشمة عام 2003، التي ما تزال سارية حتى الآن، وطالبت بإلحاح إصلاح الأوضاع وتغيير تلك السياسات بما يخدم مصالح الشعب ويستجيب لإرادته الحرة ويسهم في استعادة استقلال وسيادة العراق. لم تجد تلك النداءات والمطالبات أذاناً صاغية من جانب كل الأحزاب ونخبها الحاكمة، بل كان إصرارها على النهج ذاته صارخاً ومعيباً ومؤذياً.

أجبر هذا الموقف المتعنت جماعات كبيرة من بنات وأبناء الشعب في مختلف محافظات البلاد إلى ممارسة التجمعات الاحتجاجية والإضرابات والتظاهرات والاعتصامات في ميادين وساحات العراق وأمام الوزارات ومراكز المحافظات، لكنها لم تنفع مع الحكام الطائفيين والفاسدين، بل جوبهت تلك المطالب منذ العام 2011 بشكل خاص، بتوجيه الاتهامات الوقحة إلى المتظاهرين بأنهم إما أنهم بعثيون أو عملاء لقوى أجنبية أو إرهابيون. ثم استخدموا العصا “الحديد والنار” في مواجهة المطالب العادلة والمشروعة، سواء اكانوا من العمال أو الطلبة أو الخريجين والعاطلين عن العمل والساعين للحصول على فرص عمل، وكذلك المطالبين بالكهرباء والماء وغيرها من الخدمات، أو المحتجين ضد الفساد والنهب الصارخ للمال العام، حتى انتشر شعار “باسم الدين باگونه (سرقونا) الحرامية”، والمقصود بالحرامية هنا “قيادات الأحزاب الحاكمة والمسؤولين الكبار في الدولة العراقية. وقد سقط كثير من القتلى والجرحى والمعوقين في مختلف محافظات العراق، لاسيما في محافظات الغربية وبغداد والوسط والجنوب، كما حصلت احتجاجات وتظاهرات في محافظات إقليم كردستان العراق أيضاً، لاسيما في السليمانية.

حين أدركت نسبة مهمة من شبيبة العراق، لاسيما في تلك المحافظات التي تشكل الأحزاب الإسلامية الطائفية الشيعية قيادة الحكم في البلاد، وأعني بها محافظات بغداد والوسط والجنوب بأن القوى الحاكمة تتاجر بالدين والمذهب وتسيء حتى للحوزة الشيعية التي تؤيدها، وأنها كاذبة ولا تريد أجراء أي إصلاح للوضع بل تعمل بإصرار على مواصلة النهج الخائب ذاته والمدمر للاقتصاد الوطني وحياة الغالبية العظمى من الشعب، انتفضت شبيبة هذه المحافظات بعزيمة صادقة وشهامة رائعة ووعي جديد دفاعاً عن حق الشعب في الإصلاح والتغيير. وكانت هذه الانتفاضة رغم حصولها في محافظات بغداد والجنوب والوسط، إلا إنها كانت الناطقة الفعلية والمعبرة عن إرادة ومصالح ورغبات أبناء وبنات جميع محافظات العراق دون استثناء، إذ كلها كانت تعاني من جبروت وجور وظلم الحكام.

وكانت الشرارة التي فجرت انتفاضة الشبيبة تفريق تجمع الخريجين والخريجات المطالب بفرص عمل أمام مقر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بالعنف المفرط واستخدام خراطيم المياه والهراوات ومن ثم الرصاص المطاطي والحي. وإذ كانت المطالب الأولى مهنية، فأن سلوك القوى الحاكمة الهمجي دفع بقوى الانتفاضة إلى تطوير وتوسيع مطالبها إلى مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية وبيئة. لقد توسعت قاعدة الانتفاضة وعدد المشاركين فيها واشتد زخمها. فقوبلت بالحديد والنار وبقسوة بالغة ليس من القوات المسلحة العراقية وأجهزة الشرطة والأمن فحسب، بل، وبشكل خاص، من الميليشيات الطائفية المسلحة العراقية التابعة لإيران، والتي يطلق عليها بالولائية، أي الولاء لمرشد إيران على خامنئي وأهدافه ومشاريعه الاحتوائية والاستعمارية للعراق وشعبه. فسقط ما يزيد عن 700 شهيد من قوى الانتفاضة وما يقرب من 25000 جريح ومعوق خلال أكثر من عام من عمر الانتفاضة التشرينية (الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019)، ولكن الانتفاضة التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي، لم تستطع تحقيق التغيير المنشود، بل فرض توزان القوى تشكيل حكومة جديدة بموافقة “أحزاب البيت الشيعي” وشروطه في عدم إجراء أي إصلاح فعلي أو تغيير في الوضع القائم أولاً، وموافقتها على إجراء انتخابات مبكرة دون الاستجابة لمطالب قوى الانتفاضة والتغيير ثانياً. وهذا هو ما يحصل في البلاد منذ عام تقريباً مع حكومة مصطفى الكاظمي!

لديَّ القناعة، من خلال الوقائع الجارية، بأن الأحزاب الحاكمة في البلاد كلها دون استثناء لا تريد تحقيق خمس مسائل جوهرية، هي:

1) تغيير النظام السياسي الطائفي المحاصصي القائم وما صدر عنه وعن مجلس النواب من قوانين ونظم وإجراءات تتعارض مع الدستور ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما في ذلك قانون الانتخابات وبنية مفوضية الانتخابات وشرعنة الفساد ونهب الدولة من الباطن؛

2) عدم حل الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة والسلاح المنفلت والمكاتب الاقتصادية الفاسدة، إذ كلها تعتبر القوة الموازية للقوات المسلحة والمهيمنة على سياسة الدولة بسلطاتها الثلاث وتوابعها؛

3) مواجهة مطالب قوى الانتفاضة بالرفض، لاسيما محاسبة الفاسدين الكبار وقتلة المتظاهرين وجرحاهم، وتنشيط أجهزة الدولة والميليشيات المسلحة لمنع أو التساهل مع أي نشاط احتجاجي مناهض للنظام القائم؛

4) التأثير المباشر على سياسة العراق الخارجية وتعزيز علاقة التبعية لإيران في مختلف المجالات، وإضعاف أي توجه صوب علاقات اعتيادية مع الدول العربية، إضافة إلى إنهاء العلاقة مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي وإخراج مستشاريها حتى قبل التخلص من عصابات داعش ليخلو الو لها في كبت الشعب وقمعه؛

5) التخلي الفعلي عن أي جهد صوب عملية التنمية الاقتصادية المطلوبة، لاسيما في قطاعي الصناعة والزراعة، ليبقى اقتصاد العراق ريعياً سوقاً للسلع الإيرانية، وإقليم كردستان العراق سوقاً لها ولتركيا أيضاً.

كل هذه الأهداف غير الوطنية تتعارض كلية مع أهداف القوى المدنية الديمقراطية وقوى الانتفاضة الشبابية فما العمل؟ إن المشكلة التي تواجه القوى الديمقراطية وقوى الانتفاضة تبرز في استمرار وجود اختلال في ميزان القوى الراهن بين القوى الرافضة للتغيير وتلك التي تسعى إليه، علماً بأن سياسات النظام القائم تسهم في فضح جميع أوراقه وتعريته وتغيير مواقف المزيد من بنات وأبناء الشعب لصالح قوى التغيير. اعتقد جازماً بأن أي تصور بأن الفئات الحاكمة ستسمح بأي إصلاح ولو يسير، حتى عبر الانتخابات القادمة، ليس سوى الوهم ذاته، إنه وهم كبير ومخل وقاتل في العمل السياسي الجاري. وبالتالي فأن ما ينبغي القيام به هو العمل المتواصل لتعبئة الناس في النضال اليومي منذ الآن لاستعادة الثقة بالنفس والتعبير عنها بواسطة:

** المزيد من الحركات الاحتجاجية والإضرابات المهنية في المعامل والمؤسسات وقطاع الخدمات وفي المدارس والكليات والجامعات والمعاهد المهنية والفنية ومنظمات المجتمع المدني، لاسيما الشبيبة والطلبة والمرأة المطالبة بتغيير أوضاعها مع ربطها العضوي بالقضايا العامة الوطنية.

** العودة إلى الاعتصامات وفي الساحات العامة وفي شعارات الانتفاضة المركزية “نازل أخذ حقي” و “أريد وطن”، وهما شعاران مملوءان بالمطالب الفرعية والأساسية الكبيرة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. وبالملموس المطالب بمحاسبة الفاسدين الكبار وقتلة المتظاهرين وحل الميليشيات الطائفية المسلحة ونزع سلاحها وجمع السلاح المنفلت لدى العشائر والأفراد.. إلخ.

** العمل على تحريك ليس شبيبة محافظات السوط والجنوب وبغداد فحسب، بل وجميع المحافظات الأخرى دون استثناء، إذ أن العراق كله يعاني من واقع مرير لا بد من تغييره، وهذا يعني لا بد من بلورة أكثر للمطالب الخاص بالمحافظات الأخرى التي تعاني من ذات المشكلات.

** العمل على تحريك ليس الشبيبة العراقية فحسب، بل وجميع فئات الشعب من الفئات الفقيرة والمعوزة والقوى العاطلة عن العمل والعمال والبرجوازية الصغيرة من كسبة وحرفيين وصغار موظفي الدولة وفئات الفلاحين التي تعاني من مشاكل جمة، والبرجوازية الصناعية التي توجه صداً لها ومنعاً لتحقيق توظيفات في القطاع الصناعي الخاص، وكذلك القطاع العام. أي كل الفئات التي لها مصلحة في التغيير الجذري المنشود.

** والهدف من هذا الحراك العام والواسع والمتطور هو عودة الانتفاضة الشعبية السلمية إلى ساحات وشوارع المدن العراقية بما يسهم في تغيير ميزان القوى ويفرض التغيير الجذري في السلطة التنفيذية وفي القوانين التي يفترض وضعها والسياسات التي يستوجب الالتزام بها.

** ولتحقيق ذلك لا بد من العمل لـ “بناء جبهة شعبية وطنية واسعة” للقوى المدنية الديمقراطية، بما فيها القوى اليسارية والقوى المؤمنة بحياد الدولة إزاء الديانات والمذاهب وأتباعها، وقوى الانتفاضة الشبابية التي اكتسبت خبرة نضالية مهمة خلال الفترة المنصرمة. لا يكفي الدعوة المستمرة إلى ذلك، بل يستوجب أن يكون التوجه ملموساً ومباشراً من خلال عقد لقاء بين مجموعة من قادة الحركة الديمقراطية العراقية وقادة الانتفاضة الشبابية في مختلف المحافظات لوضع أسس العمل المشترك وبرنامج النضال اليومي وهدفه المشترك في تحقيق التغيير الجذري المنشود في البلاد.

لديَّ القناعة بأن جميع القوى الراغبة في التغيير أدركت أسباب عجزها عن تحقيق أهداف الانتفاضة الكبيرة، وأنها لا تستطيع بمفردها دون الأحزاب السياسية الساعية للتغيير أولاً ودون الدفع باتجاه مشاركة المزيد من فئات الشعب في المعركة، ودون وجود قيادة موحدة للانتفاضة الشعبية وبرنامج عمل متفق عليه، وهو الدرس الأرأس والأهم في مسيرة انتفاضة 2019 والتي لا يجوز نسيانها أو تناسيها.

ولا أشك بإن أي تطور في قوى الانتفاضة الشعبية سيقابل من جانب الحكام الفاسدين بمزيد من العسف والتجبر والقتل، ولكن ستكون في الوقت ذاته النهاية الفعلية لهذه القوى، وهي التي ستفرض طبيعة المعركة التي ينبغي على الشعب خوضها، وربما ستقرر قوى أخرى من قوى الشعب، وأعني بذلك القوات المسلحة، الانحياز إلى الشعب ورفض الاعتداء عليه أو مواجهة صارمة للميليشيات الطائفية المسلحة التي تقوم بضرب الانتفاضة وتعمل على إنهائها.

حلقات في الفكر السياسي وما يحيط بالوضع العراقي يخطها يراع المفكر الديموقراطي اليساري البرفويسور الدكتور كاظم حبيب ونتطلع في ألواح سومرية لحوارات بهية في استقبال هذه القامات البهية وخبراتها التي تنقل لنا عمق التجاريب وتعالجها بما ينفع ويتقدم بنا إلى أمام

****************************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحةتوكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *