حول التعليم الإلكتروني وما وصلنا إليه بين عبثية الاتهامات ومستوى الإنجاز

تُهمل النُظم المتخلفة التعليم ومجمل الخدمات النوعية الأساس للشعب.. ولكن قضية التعليم تجابه حربا ضروسا وريحا صرصرا عاتية بمحاولات تمكين الفساد وقواه من السطو على العقل العلمي وتخريبه جدّا يجري فيه  إفراغ العقل الجمعي لحشوه بمنطق الخرافة ولعل من بين أكثر ما يجابه الإفسادد والتخريب هو أشكال التحديث في منظمات التعليم وعلى رأسها التعليم الإلكتروني إذ تشاع مختلف أشكال الأوبئة والحروب ضده تخريبا وهدما ونخسر في ذلك حتى فرص نزيهة نظيفة ونعطل أية إمكانية لنموها واستثمار إمكاناتها في البناء .. هذه كلمة موجزة ببعض ما ينبغي التوصل إليها حلا ومعالجة.. فهلا تنبهنا عراقيا مثلما تنبهت بلدان في منطقتنا وسارعت لتبني رؤية عميقة غنية ثرة لمسارات التعليم الإلكتروني؟؟؟

حول التعليم الإلكتروني وما وصلنا إليه بين عبثية الاتهامات ومستوى الإنجاز

كيف يحتمي أصحاب التهم الجاهزة بالقانون على حساب المبادرة؟

في موازنات قضية التعليم ومجمل الوضع العام لابد من التأكيد على أنه لا تعليم سليما في مجتمعات التخلف أو تلك التي تستند إلى استثمارات مالية لا تقديم خدمات هي حق يقيني ثابت من حقوق الإنسان وإشكالية بنيوية من إشكاليات الشعوب مما يلزم الاستناد إلى قويم اشتغاله..

ولطالما أبحرت سفن التنمية والتقدم انطلاقا من تعليم متمكن نهجا وأداء فيما خسرت بلدان وشعوب معارك التنمية بخسارتها منظومة التعليم وبفسادها واختراقها بنيويا.. ومن هنا كانت منظومة التعليم بكل مناهجه ونُظمه أساسا لحركة البناء التي شهدتها البشرية في القرن الماضي على سبيل المثال لا الحصر..

ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين اشتغل رجال التعليم وقادة المجتمعات وتنميتها على تحديث التعليم وكان أن انصبت محاولات التغيير على فكرة التعليم الإلكتروني نهجاً أكيداً بميدان تحديث التعليم وبحثاً عن وسائل وأدوات مضافة للتقدم به.. فتنامت نسب توظيف هذه المنظومة بما يتصل بالمكتبة والشؤون المعلوماتية وبما يتقدم أكثر نحو التحليل والاستفادة من رحابة الاشتغال بتلكم الأداة…

لكن، بجميع الأحوال لم تخلُ التوجهات الجديدة من فروض مسبقة من أشكال التحذير وعرقلة نهج الاستفادة والتوظيف حتى وصل الأمر للمنع والحظر ووضع مختلف أشكال الاعتراض بخاصة مع تنامي ضرورات تنمية نسب مساهمة التعليم الإلكتروني في منظومة التعليم التقليدي…

المشكلة باتت أوضح وأكثر تعقيداً عندما صار التعليم الإلكتروني نظاماً مستقلا باشتغاله، لدواعي وأسباب موضوعية كثيرة.. إذ وجدنا من يتطرف بإعلان اعتراضاته وتحويلها إلى منطق الرفض الكلي لمنظومة التعليم عن بُعد ومجمل توظيفات التعليم الإلكتروني..

وقد أباح أولئك لأنفسهم إطلاق ادعاءات وأوهام بلا أي أسس لمنطق علمي أو لأحكام موضوعية، واستغلوا في هذا المجال فرص توجيه اتهامات باطلة من قبيل الربط بين تفشي أشكال فساد اخترقت منظومة التعليم ببعض البلدان بالإشارة إلى العراق نموذجاً وبالإحالة إلى شمول منظومة الفساد ميادين مختلفة لأنشطة مؤسسات الدولة..

وهكذا كانت تهمة انطلاق الفساد ونهجه وغزوه منظومة التعليم مسنودة إلى ظهور التعليم الإلكتروني بلا أي سند واقعي و\أو موضوعي يمكن أن يبرر ولا نقول يسوّغ تلك الاتهامات!

ونال هذا النظام التعليمي اتهامات أخرى من قبيل كونه لا يعدو أكثر من أداة اتجار وبيع وشراء لا تلبي مخرجاته ما يُنتظر من التعليم سواء عن نهج معاداة مقصودة أم عن سوء فهم للنظام التعليمي!

إنّ  ظاهرة (الفساد) في التعليم لا ترتبط بصورة حصرية بمنهجه سواء منه المنتظم التقليدي أم عن بعد أو المفتوح أو ما نحن بصدده وما نتناوله هنا بالإشارة إلى التعليم الإلكتروني، فالفساد ظاهرة لها أسبابها وطابع أو وسائل اختراقها أيّ ميدان كان.

فإذا ما رصدنا الظاهرة فسنجدها في كل مفاصل التعليم بدءا بنموذجه التقليدي الذي تخلف كثيرا عن ملاحقة العصر بسبب من تبعيته لمنظومة تحكمت بأدائه حد توجيهه سواء بالأدلجة والمناهج السياسية المرضية أم بمنهجية ملائية كتاتيبية تهتم بالتلقين وطبعا بنهج التحفيظ والترديد الببغاوي الذي سرعان ما يُنسى بعد أداء امتحانات معيارها درجة حفظ سيمترية لا تتجاوز اختبار الذاكرة والحافظة وأدائهما بإهمال القدرات الإبداعية وتمكين الطلبة من تكوين قدرات اشتغال تستطيع مجابهة المسائل العملية في وقت لاحق.. وطبعا بعد كل تلك المعضلات ليس انتهاء بنماذجه الأخرى التي يمكن أن تصاب بعدوى بعضها من قبيل موضوعة الفساد لذات الأسباب التي تفشى [ذاك الفساد] في ضوئها ويمكن ألا تصاب إذا ما وجدت وسائل الوقاية والتصدي للمعضل ودواعيه..

بين نهجين: الكتاتيبي والإبداعي \ الماضوي والتحديثي

من بين المشكلات التي نجابهها اليوم، أن قوى الفساد ومافياتها مدّت أنشطتها باتجاه التعليم الإلكتروني؛ فتلك المنتمية للتعليم المنتظم التقليدي بتمترسه بقلاع مبانيه المتهالكة؛ تسعى لضرب النهج الجديد بقصد الاحتماء وإبعاد أي فرصة للتغيير بتدعيم عبثية منظومتها الفاشلة تلك التي لم تعد تستقيم ومتغيرات العصر والتقدم البعيد الذي قطعته.. فيما تنافس قوى دخيلة على التعليم ومهام التحديث فيه، محاولةً اختراق فرص تأسيس مشروعات التجديد وبما يتعارض وإطلاق مبادرات تنسجم ومنطق العصر ونهجه..

بهذي المحطة تتعالى أصوات فاسدة عبر مختلف وسائلها التي تتاجر بكل القيم ولكنها حتما مما لا ينتمي لمقاصد التعليم وليس مما يرتبط بوسائل اشتغال التعليم الإلكتروني  منه..

بهذا يجابه التعليم الإلكتروني هجوما يستند لتمترس منظومة تقليدية في قلاع الكتاتيبية ومحفوظات إرشيف الأزمنة العتيقة الغابرة وماضوياتها وهو صراع يستند إلى تناقض قيم العصر وجمود امتدادات الماضي ونماذجه بما تشكل رؤى مؤدلجة أساسا للصراع بين من يريد تجميد فرص التفكير والإبداع والخلق بغسيل دماغ يقوم على التلقين والتحفيظ وبين من يريد تحرير العقل ومنحه فرص علمنته وتنويريته وإطلاق قدراته الإبداعية بالاستناد إلى أفضل المناهج في مساقات التعليم المنتظم وعن بعد والمدمج والإلكتروني.. فيما يجابه التعليم الإلكتروني هجوماً أو حرباً أخرى من داخله مثلما تجابهه كل نُظُم التعليم تلك التي تخرب في النظام من بوابة إفساده وتحويله إلى منصة اتجار لتفريغه من قدرات بناء العقل العلمي والتأسيس لنهج التفكير النقدي ومثل تلك المحاولات التشويهية تتأتى من اختراقه بمستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال من طبقة الكربتوقراط بأجنحتها وأخطرها فئة لا تركب مركب فسادها المالي المادي بتلاعباته المعروفة التي ربما افتضح أمرها نسبياً، وإنما تلتحف الدين جلبابا تتستر به لتذر رماداً بالعيون وتمرر فسادها سواء من جهة مخرجاته المتدنية المتكلسة المتحنطة أم من جهة الإمساك بطلبة المنظومة مقابل لعبتها كي تبتز ما تريد منهم..

من هنا فقد شاع وجود (مؤسسات) تستحق وصفها بالمنخورة أو الفاسدة التخريبية بخلفية خرقها بنيويا من داخلها لتعايش تلك البنى وهياكلها مع نظام الفساد الكليبتوقراطي الحاكم المستند إلى مرجعيات مزيفة التحفت التدين الكاذب..

لقد تضاعف نضال الروح الأكاديمي وممثليه بنقاء هويته بسبب هذه الأوضاع المركبة المعقدة في حالات الاختراق من داخله وعنف المجابهة مع منظومة شاملة لمجمل اشتغالات التعليم وسطوة مؤسسات منخورة تاريخيا انهارت مع انهيار سلطة القانون وتشوّه منظومة القيم المجتمعية بصورة كلية شاملة…

من أجل تلبية مطلب تشريع قانون التعليم الإلكتروني

إنني شخصيا أشير إلى ضرورة تشريع ((قانون التعليم الإلكتروني)) في إطار تحديث مجمل تشريعات التعليم وتشكيل مؤسسات متكاملة بالاستناد إلى الأكاديمي النزيه وليس إلى الدخلاء  من حملة شهادات تؤكد أن حاملها لا يملك مضمونها بقدر ما يملّكونه من صلاحياتها فيما تبرر لمانحها حقه في مقابل بيعه ما تؤديه من مهام وصلاحيات بلا مؤهل يتناسب مع مضمونها.. ووجود قانون بات حتمية اليوم قبل الغد لأن المؤسسات موجودة فعليا ويجري التعامل معها بمختلف الصُعُد ما لا يقبل تأجيل سنّ القانون لتنظيم العمل وتجنيب المنظومة بؤر الاتجار والاستناد إلى القدرات المالية الاستغلالية بأعمق معنى للمصطلح لا الاستثمارية عندما تبني الشخصية الإنسانية..

لابد من مجالس وطنية وأكاديمية للتعليم

وبدل أن تلعن الظلام اشعل شمعة وهنا بدل أن تنتفخ الأوداج وتعلو العقيرة بمكافحة (وهمية كلامية) للفساد كافحه بوسائل ناضجة هنا؛ تبدأ بتشريع قانون التعليم الإلكتروني بجانب قوانين ناظمة للتعليم وتمرّ عبر تشكيل مؤسسات تدير العمل وتقوده بمستويات وطنية مثل المجلس الوطني للجامعات والهيآت والجمعيات الأكاديمية للتخصصات العلمية التطبيقية والإنسانية والأهم المجلس الوطني للتعليم على ألا يكون في عضويتها جميعا مَن يمثل الاتجاه السياسي للمنظومة الحاكمة ولا في نهجها ما يحيل لمرجعية السياسي على حساب العلمي الأكاديمي..

إن التشديد اليوم على إشكالية تشريع القانون الناظم تتعالى أهميتها بسبب انفلات الأمور من عقالها وتضخم أنشطة الفساد والفاسدين ممن خرب ويخرب التعليم ومن ثم انتهك العقل الجمعي وفي الوقت ذاته يتعكز على انعدام وجود القانون، أخطرُ المفسدين في توجيه التهم جزافا إلى مشروعات أصيلة كانت ومازالت المبادِرة بتقديم أنجع البدائل والحلول وتكافح فعليا ضد كل الخروقات والمثالب الأمر الذي ربما حاصرها وأحبط أو عرقل محاولاتها في التحديث والتنمية

إن وجود من يدعم حركة التغيير والانعتاق من قيود الماضويات تتطلب نضالا عنيدا من أجل تبني مسيرة المبادرات والمبادرين بمنظومة التعليم الإلكتروني وكل عبثية الادعاءات والاتهامات المضللة ما هي إلا أباطيل ماكرة مخادعة لتمرير منظومة التخريب على حساب منظومة البناء والتنمية الحقة..

لننتبه على عدم الانزلاق لنهلستية الخطاب

من هنا باتت ضرورة الانتباه على صياغة خطاباتنا عندما نشخص ثغرة وألا نقع بخلط الأوراق بما يطيح بالتجربة النزيهة النظيفة ويخدم مخططات أصحاب المشروع الماضوي مثلما يفعل بعض من يوغل خطأ في مهاجمة التعليم الإلكتروني من دون تحديد لموضع المشكلة التي يهاجمها لا التي ينبغي أن يعالجها وفرق كبير بين مهاجمة بلا تشخيص وإنما مجرد الهجوم العدمي النهلستي غير المسبّب موضوعيا ما ينحو باتجاه الحوار منحى فوضويا يخدم خطاب التخريب لا البناء كما أسلفنا القول..

لقد تنامت بالمحصلة مشروعات التعليم الإلكتروني وبات لها مخرجات لم تنتظم حتى اليوم في اتحادات تدافع عن طلبتها وأساتذتها وإداراتها الأكاديمية كما أنها ما زالت تحاصَر بمختلف السياسات المتسرعة مرة والمحافظة مرة والانفعالية المشخصنة غير الموضوعية في مرات أخرى..

لابد حتميا من عقد مؤتمر لمؤسسات التعليم الإلكتروني

ما ينبغي اليوم هو التئام في مؤتمر يضم جميع المشروعات المخلصة للفعل الأكاديمي مما يرتقي بطابع التنسيق ومراميه ويتبنى خطة بنيوية استراتيجية تقوم على فرض إرادة التشريع وتسجيل المؤسسات المعنية على أساس الانطلاق من إقرار هذا التحديث الذي كان منقذا في زمن كورونا وأزمتها الشاملة التي فرضت وجودها عالميا وهو المنقذ في ظل الأزمات المستفحلة من حهة توفير جوانب مادية ليس بالمال حسب ولكن بمجمل الهياكل المعتادة في إعادة بناء المنظومة التقليدية وتجديدها وتحديثها…

فهل من إقرار لقراءة واقعية صادقة بهذا الاتجاه؟ تقول الحكمة وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا فأي جهد منتظر من أصحاب كفاح أكاديمي يستهدف منظومة سليمة للتعليم؟؟؟

إنه حتما في تحديد الأسقف الزمنية لمثل هذا المؤتمر وإقرار مشروعات التأسيس للتشريعات وفرضها في أجواء منفلتة أطاحت بالمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وليس من منقذ من دون الوعي الجمعي ودور العقل العلمي في التغيير والبناء والتقدم والتنمية..

شكرا لآرائكن وآرائكم

 

المقال بموقعي الفرعي بالحوار المتمدن يرجى التفضل بالضغط هنا للانتقال و التفاعل

***************************

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *