اليوم الدولي لإلغاء الرق في الثاني من ديسمبر كانون الأول: واقع مؤلم عراقيا وتطلعات لمكافحته

اليوم الدولي لإلغاء الرق 02(A/RES/317(IV))كانون الأول/ديسمبر هو منصة وطنية وإنسانية لمكافحة تلك الجريمة ومن يقف وراءها وما يتسبب بها.. وإذا كانت الظاهرة منتشرة عالميا فإنها عراقيا باتت معضلة مستفحلة وصار الوقوف بوجهها يتطلب تعزيز منظمات مكافحتها حقوقيا سياسيا وإيحاد التحالفات والاتحادات المناسبة مما يندرج في إمكانات التصدي بصورة شاملة لا تغفل علاقة الجريمة الظاهرة بمجمل منظمة الحكم التي شوهت وود الدولة الحديثة وعادت قرونا إلى الوراء لتجتر تلك القيم المبررة للجريمة ولارتكابها مع إفلات من العقاب فما قراءتنا معا للجريمة محليا في بلداننا بلدان العالم الثالث وما بات مفروضا مما سدخل بتسمية بلدان التخلف!؟

اليوم الدولي لإلغاء الرق 02(A/RES/317(IV))كانون الأول/ديسمبر

الرق و\أو العبودية كان نظاماً اقتصااجتماعيا بمنظومة سياسية فكرية تبرر لممارسته؛ والرق يعني امتلاك إنسان للآخر و\أو التحكم بمصيره وقدراته وانتهاك كرامته واستغلاله وجودياً.. وحين عبرت البشرية مراحل تلك التشكيلات الاستغلالية القديمة ومنظوماتها لتولد رأسمالية العصر الحديث تطلبت متغيرا عميقا وحوهريا في بنية علاقات الإنتاج ودورها المجتمعي فكان تحرير العبيد، مقدمة جد تكوينية وتأسيسية أفضت إليها ظاهرتين: كانت الأولى مباشرة، أصدرت وثائق تحرير الإنسان من عبوديته مثلما فعلت الولايات المتحدة ودول أوروبية ورافقت ذلك مهمة تصفية العلاقات الإقطاعية وتحرير الإنسان من قيود ربطه بالأرض خدمة للاقطاعي، استيلاداً لجيش الأيدي العاملة…

لكن تطور مراحل النظام الجديد قد أفضت إلى حال من رصد لأشكال الرق الجديدة بصيغ الاتجار بالبشر واستغلال بعضهم جنسياً بجانب نسبة جد واضحة لأسوأ أشكال تشغيل الأطفال وتزويجهم قسريا حتى ارتكاب جرائم وفظاعات تجنيدهم قسرياً واستغلالهم في النزاعات المسلحة سواء بتجنيدهم بالميليشيات أم بمجموعات عسكرية رسمية..!

إنّ أشكال الرق المعاصرة لم تُنهِ وجود الأشكال القديمة منه إذ ما زالت بعض المعتقدات والأعراف التقليدية ومنطق الخرافة تتحكم بفلسفة بعضهم؛ حتى أنهم يُسقِطون رؤى عقائدية دينية تبيح إدامة ظاهرة العبيد لدرجة افتتاح أسواق نخاسة جرى ويجري تبريرها عبر التحدث حصريا باسم الإله وأوامره ونواهيه!

ولربما مهدت مواقف بعينها لتلك الجرائم من قبيل الموقف [الديني] المزعوم تجاه فئات ضعيفة، كما أتباع الديانات والمذاهب أمام موقف أتباع اعتقاد يلتحفون تصوراتهم وتفسيراتهم بحسب ما يخدم مآربهم وجودياً.. كما أدامت حالات التمييز ضد فئات مجتمعية بعينها، أشكالا من الرق لمستضعفين استمر النظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، و\أو من تلك الأقليات الدينية والمذهبية أو القبلية المهمّشة على الرغم من أنها من السكان الأصليين للبلاد.

إنه من المفيد التوكيد على أنّ المواقف التي تتسييد وتتفشى مجتمعيا بين الأغلبيات كانت ومازالت تكرس هذه النتائج الكارثية للعبودية القديمة منها والجديدة.. ويمكن على سبيل المثال لا الحصر أن نسجل بعض أشكال العبودية المعاصرة بخاصة ما يسود منها في بلدان التخلف لعل العراق أحدها.. ومما يمكننا ذكره يتجسد في:

  1. السخرة و\أو العمل الجبري الذي بات معضلة كبيرة، إذ لا يوجد بلد محصن ضد التشغيل بالإكراه سواء ما يُسمى السخرة أو تسديداً لديون حقيقية أو مختلقة بجانب أشكال الاستعباد المنزلي والدفع قسراً للدعارة أو البغاء دع عنكم أشكال الاستعباد في قطاعات العمل العديدة كالبناء والزراعة وغيرهما…
  2. الاتجار بالبشر ما يشير إلى تجنيد الأفراد أو نقلهم أو إيواء مجموعة بتهديدها وابتزازها بأي شكل من أشكال الإكراه بقصد الاستغلال. سواء كان في البغاء أو الاستغلال الجنسي والتشغيل قسريا في نوع من أنواع الخدمة الجنسية الاستغلالية. وأيضا استئصال الأعضاء بغرض بيعها والاتجار بها.
  3. وعندما يتعلق الأمر بعمل الأطفال فإنّ أغلب حالات ممارسته تعبر عن استغلالهم اقتصاديا بما يتناقض ومواد اتفاقية حقوق الطفل التي تقضي بحمايته بخاصة من الأعمال الخطرة أو حتى مما يقف على أعتاب إعاقة أو عرقلة (تعلّمه) أو التأثير سلبا على صحته أو أي شكل من أشكال نموه العقلي، البدني و\أو الروحي والاجتماعي وغيره.

وفي ضوء ما أشرنا إليه في أعلاه من ظواهر وجود العبودية بعصرنا كان لابد للأمم المتجدة من أن تعتمد مواثيق واتفاقات ملزمة لإنهاء تلك الجريمة كما اعتمدت منصات تنوير وتوعية بخاصة هنا اختيارها، اليوم العالمي أو الدولي لإلغاء الرق، حيث تمّ اختيار يوم الثاني من ديسمبر كانون الأول، تاريخاً أو مناسبة لتفعيل مزيد جهود توعوية بالخصوص.. وهو يوم اعتماد الجمعية العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لإنهاء الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير على وفق قرارها ذي الرقم 317 بتاريخ 2 ديسمبر 1949.

وعلى الرغم من عديد القرارات والاتفاقات ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية وبروتوكولات إنهاء العمل الجبري وحالات التزويج القسري [مما لم يجر التصديق عليه من عدد كبير من البلدان] فما زال عشرات الملايين يعانون من الرق المعاصر لأسباب تتخطى الحدود كالأمور العرقية والدينية والثقافية يمكنني أن أشير هنا إلى مجريات الفعل وسط أبناء الجاليات والمهاجرين وما يقع بصورة أفظع على النساء والأطفال بينهم وبالتأكيد كذلك على مسمى أقليات من أتباع الديانات والمذاهب على سبيل المثال لا الحصر…

لابد بهذه المناسبة من فضح حجم المعاناة والاستغلال كما نموذج الأفارقة في ليبيا ممن يحاول العبور إلى الشاطئ الآخر من المتوسط مثلما ظواهر الاتجار التي نشهدها في عراق ما بعد 2003 الذي عاد لا عقودا بل قرونا إلى الوراء وبات يجتر عبر تشكيلات ما قبل الدولة الحديثة نماذج دويلات الطائفية ومنظوماتها القيمية الروحية الثقافية الدينية!!

دعونا نسجل هنا أسواق نخاسة الدواعش التي مازالت آثارها من دون علاج يتناسب والصدمة التي أحدثتها دع عنكم استمرارها بصيغ مختلفة بوجود منظومات الميليشيات وسياقات عملها بل ارتكابها جرائمها سواء باشكال نخاسة أخرى أم بالتجنيد الإجباري وتجييش الأطفال بالخصوص..

لقد تم تسجيل جرائم الابتزاز والاستغلال على الرغم من كل قسوة عنف الميليشيات ووسائل فسادها ويمكننا أن نحيل لتقارير منظمات حقوقية محاصرة في عملها ولا يمكنها تقدير الحجم الحقيقي للجريمة لكنها سجلت ظواهر استغلال الأطفال عراقيا: في التسول، واختطافهم للاتجار بأعضائهم، و\أو استدراجهم مثلما يقع ذلك مع النساء لتشغيلهم في شبكات الدعارة ومواخيرها المحمية ببلطجية الوجود الميليشياوي حتى على الرغم من شرعنة تلك الميليشيات وضمها للقوات الرسمية [في ادعاء أنه بهذا يمكن تدجينها وإدخالها بمنظمة السرعية الملتزمة بحماية الإنسان]إلا أننا نشهد كارثية ما يُرتكب بظلال تسلطها وحصولها على الشرعية في ارتكاب ما تريد؛ والأنكى أنّ زعماء الحرب الطائفية هم أنفسهم الشخصيات النافذة التي تشترك بارتكاب تلك الجرائم بخاصة في استغلال النفوذ القائم على شرعنة وجود تلك التشكيلات الإجرامية وأيضا استغلال وجودهم في القوات الأمنية والجيش مباشرة.          

ويمكن أيضا أن نسجل كيف جرى ويجري الاستدراج باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي للنصب والاحتيال في الإيقاع بالضحايا وتزويدهم بأوراق مزورة بشأن ما وقع لهم في إمعان بالجريمة… ومع أنّ السلطات الرسمية العراقية أقرت بوجود بل تفشي ما نشير إليه بتلك الجريمة الأمر الذي دفعها إلى إصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لعام 2012 إلا أن نفاذ القانون وتطبيقه غير إصداره ومثله مثل عدد من القوانين والقرارات بقي حبرا على ورق بسبب من انفلات الأوضاع ومن ثمّ الإفلات من العقاب في ظل انعدام سلطة القانون وضعف موقف السلطات القضائية…

أذكّر هنا بأن جميع المحافظات العراقيى تتفشى فيها الظواهر المشار إليها ولقد بلغ ما تم رصده رسميا بحدود 314 حالة سنة 2016 على سبيل المثال ما أُحيل ويُحال عادة إلى ظواهر الفقر وأشكال الفساد المستشري بوجود تجار [سماسرة] هم في جسم الدولة العراقية الأمر الذي دفع دول مؤثرة أن تعد وتتعهد بمحاسبة مسؤولين عراقيين متورطين في الاتجار بالبشر، بجانب عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية مزمع أن تفرضها الولايات المتحدة على العراق في حال عدم وضع معالجات لهذه الظاهرة كما تقول بعض التقارير الإعلامية والسياسية من بين مصادرنا وهي التي أشارت لوضع العراق في المستوى الثاني من المراقبة مما فرضته الولايات المتحدة لسنوات متعاقبة..

لقد سُجّل وقوع الجريمة في المناطق الأفقر عراقيا سواء في بيوت أم مستشفيات أم مواخير دعارة ومناطق تتميز بوجود فئات مهمشة كالغجر.. وطبعا في بلاد لا تخضع لسلطة القانون لا يمكن تلبية بعض التشريعات بخاصة كونها لا تُلْزم السلطة التنفيذية بشيء فضلا عن عدم وجود استراتيجية مناسبة وتكون شاملة من جهة معالجة الضغوط والدواعي التي دفعت لحدوثها..

لهذا بات واجبا أن نقرأ الظواهر ليس بجدود دوافعها وأسبابها المباشرة وإنما أيضا كونها مفردة في منهج شامل للنظام الكليبتوفاشي بالارتباط بالمافيوي والميليشياوي ةمن دون هذا الفهم ووعي شروطه سنبقى ندور بحلقات مفرغة تُعلن مكافحتها الجريمة ولكنها لا تنهض بأكثر من الادعاء المضلل المساهم في خدمة نظام متكامل للاستغلال بكل أشكاله لعل الاتجار بالبشر مفردة منه وتكريسا له…

معلومات مهمة مساعدة:

الصكوك الدولية المرتبطة بتشخيص الظاهرة والتعريف بأسبابها ومعالجتها كما تظهر بالمواقع الأممية الرسمية

اتفاقيات منظمة العمل الدولية

مواقع ذات صلة

***************************

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=775905

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *